للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان الأدبي

في استطلاع أدبي للبيان..

أين تمضي الندوات الأدبية في الرياض؟!

د. محمد شلال الحناحنة

* أهم الندوات الأدبية:

تنفرد مدينة الرياض من بين العواصم العربية والإسلامية بكثرة ندواتها

الأسبوعية والشهرية المنعقدة في بيوت مثقفيها وأدبائها، والتي تزيد عن إحدى

عشرة ندوة، فلا تخلو ليلة من الأسبوع دون ندوة أو لقاء أدبي ثقافي، وقد بدأت

بعض الندوات نشاطاتها منذ أكثر من أربعة عقود؛ إذْ يؤمها الشباب والشيوخ من

المثقفين والمتابعين من داخل المملكة وخارجها من الضيوف الزائرين، ومن العلماء

والأدباء، وكبار رجال الفكر والثقافة، وهي لا تتوقف إلا في إجازة الصيف

والعيدين.

وقد قامت البيان باستطلاع لهذه الندوات، ورصد أدبي تحليلي لها من خلال

لقاءات مع نخبة من الأدباء، ومن هذه الندوات:

* (ندوة الوفاء) في منزل الشيخ أحمد باجنيد، وأسسها الشيخ الأديب عبد

العزيز الرفاعي - رحمه الله -، وهي من أوائل الندوات التي نشطت في الرياض،

وتطرح موضوعات فكرية وثقافية وأدبية متنوعة، وفي نهايتها أمسية شعرية.

* (ندوة الدكتور راشد المبارك) ، وتتميز بطابعها العلمي، والفكري،

وتركيزها على الحوار، وقد تنفرد أحياناً بأمسية أدبية حين يكون ضيفها أديباً أو

ناقداً.

* (ندوة الشيخ عثمان الصالح) ، وموضوعاتها حسب شخصياتها المدعوة

من رجال البلد أو الشخصيات المرموقة الزائرة.

* (ندوة النخيل) ، تقام في منزل الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين،

وهي متنوعة في موضوعاتها، وتعقد مساء الثلاثاء من نهاية كل شهر، وهي ذات

طبيعة منهجية نقدية في تناول ما تطرحه.

* (ندوة الدكتور اللواء أنور عشقي) ، وهي فكرية ثقافية تعقد كل أربعاء.

* (ندوة الأستاذ إبراهيم المبارك) ، وهي أدبية ثقافية تعقد كل أحد.

* (خمسيّة الشيخ العلامة حمد الجاسر - رحمه الله -) ، ولها إيقاع متميز

في نفوس كثير من المثقفين لما تطرحه من آراء، وتقوم به من نشاط أصيل.

* (ندوة الشيخ أبي عبد الرحمن الظاهري) ، ويؤمها كوكبة من المثقفين

والباحثين والأدباء.

* (ندوة الدكتور إبراهيم العواجي) ، وهي أدبية فكرية.

* (ندوة الأستاذ محمد المشوّح) ، وهي ثقافية أدبية متنوعة.

* (ندوة الشيخ سعود الربيض) ، وغالباً يكون موضوعها حسب المدعو،

كلٌّ في تخصصه وما لديه، وهي متنوعة في نشاطاتها من أدبية وفكرية وثقافية،

وتُعقد كل أسبوعين بعد صلاة الجمعة.

وهناك ندوات شبه رسمية مثل (ندوة نادي الرياض الأدبي) ، و (ندوة

دائرة الثقافة والفنون) ، و (ندوة رابطة الأدب الإسلامي العالمية) ، وغيرها من

الندوات.

* ما دلالة كثرتها؟!

أمّا القضيّة التي نطرحها بعد تعرّفنا على هذه الندوات بإيجاز، فهي: ما دلالة

كثرتها وتنوّعها؟ وما إيجابياتها؟ وهل لها من سلبيات على الثقافة والفكر والأدب؟

أيبشّر المستقبل بزيادتها أم بنقصها؟

* عطر الرياض:

لإثراء رؤيتنا التقت (البيان) عدداً من الأدباء والمثقفين والمتابعين، فكان

لقاؤنا الأول مع الأستاذ الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس (رابطة الأدب

الإسلامي العالمية) ، يرى الأستاذ الدكتور عبد القدوس أن في هذه الندوات إثراءً

للفكر والثقافة والأدب، وقد خرّجت بعض الأدباء المشهورين اليوم، بل هي تعطّر

جوّ الرياض بأريجها الثقافي والأدبي، وتستقطب أعظم النشاطات الثقافية في هذه

المدينة، وإن كان يحصل فيها بعض المجاملات على حساب الأدب!

* حاجتنا إليها في ظل التغريب:

وإن كان في الندوات الأدبية إثراءٌ للفكر والأدب؛ إلا أن ثغراتها تتجاوز

مجرد المجاملات على حساب الثقافة والأدب، كما يشير الأستاذ الدكتور عبد

القدوس أبو صالح.

وجاء ضيفنا الكاتب المسرحي علي الغريب ليؤكد ما ذهبنا إليه، فبيّن بعض

إيجابياتها - الكثيرة بالطبع -، ولمْ يُخْفِ ما ينقصها فقال: «إن الرياض تُعدّ من

أهم المدن العربية والإسلامية التي تحظى بهذا العدد الكبير من الندوات الأدبية؛ مما

يمثل رافداً متجدداً ومتنوعاً ينهل منه طالبو الثقافة والأدب، فأصبح لا غنى عنها،

بل نحن في مسيس الحاجة إليها في ظل عاديات التغريب التي شوّهت لغتنا،

وثقافتنا الأصيلة، وهي وشيجة مهمة يجتمع أصحاب الاهتمام المشترك من خلالها

يفيدون ويستفيدون، كما أنها بدائل مهمة لنشر اللغة والأدب خارج أسوار الجامعات،

فمرتادوها من جميع المستويات، والكل يأنس بها وينتفع! لكنني أطمح أن

تتجاوز هذه الندوات الجانب التنظيري إلى الجانب التطبيقي، فتقدم قراءات في

الكتابات الجديدة، وتتناولها بالنقد والتقويم في حضور صاحب العمل ليسمع تقويم

عمله، وَيُنَبَّه إلى ما وقع فيه فلا يعود إليه؛ لأن الجانب التنظيري مكانه في

الجامعات والمعاهد الأكاديمية، أما هذه الندوات فينبغي أن تكون مجالاً للتدرب على

التفكير والبحث والإبداع» .

* النقد الغائب:

تُرى أين تمضي هذه الندوات؟ أين إبداع الشباب فيها؟ وما تقويمه؟ وهل

تقبع كثير من نشاطاتها في الجانب التنظيري - كما يرى الكاتب علي الغريب -؟

أليس النقد المتابع غائباً في معظمها؟ ألا يشير ذلك إلى عدم تطورها النوعي

والإبداعي؟ أَمَا يُشعر أنها ما زالت صورة مكررة من بعضها بأدبائها وحتى

جمهورها؟ أليست هذه الأسئلة مهمة إلى حد ما؟

* تواصل جميل:

ولمزيد من إلقاء الضوء على هذه القضية التقينا في إحدى الندوات الإعلاميّ

الأستاذ عوض حسين الشلالدة، وهو عضو كبير في الجمعيات الإعلامية والنوادي

الثقافية، فقال: سأتحدث بصراحة عن إيجابياتها وثغراتها، لا سيما أنني أواظب

على حضور معظمها منذ سنوات، فبصفة عامة هي مجال للطرح الفكري والأدبي

والثقافي الجادّ، لإخراج الأدب والفكر والثقافة من الانعزال عن هموم المجتمع

ونبضه في آلامه وآماله، فأرى أنها احتياج أدبي وثقافي فعلي، وتواصل جميل

يساعد في تفعيل الدور الأدبي والثقافي والمعرفي مما يبهج النفس ويسر الخاطر،

كما أجد أن طرح الموضوعات الذي يُقدَّم في هذه الندوات أكثر فاعلية وصدقاً

وصراحة مما يُقدَّم في المنابر الثقافية الرسمية المعتادة، لا سيما إذا صدر هذا من

مختص عالم بجوانب موضوعه.

كذلك تسهم هذه الندوات في دفع الحركة الأدبية والثقافية المحلية والعربية،

فترصد المشهد الثقافي السعودي خاصة والعربي عامة بأطيافه المتنوعة؛ إذ تقوم

بعضها بتكريم المبدعين والمتميزين من علماء ومفكرين وأدباء ورموز لهذه الأمة

داخل المملكة وخارجها لتوثيق مسيرتهم العلمية والأدبية، ولذا تظل مجالس علم

وتنوير، وملتقى النخبة المثقفة والناشئة من الشباب الواعد، ومشهداً من مشاهد

التكوين الثقافي لهذه الأمة الإسلامية رغم ما يحيط بها من أسى ومواجع!

أمّا ما آمل استدراكه في نشاطاتها:

- تسجيل النص أو المحاضرة أو الأمسية وطبعها؛ إذ يُغفل عن ذلك في

معظم الندوات.

- الحرص على الاهتمام بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ إذ

ينقصها أحياناً التخطيط الفاعل، لذلك تجد أن المحاضرة باهتة لا جديد فيها.

- قد نلمس في بعضها أنها محصلة مظهر اجتماعي معين، وليس لها هدف

واضحٌ في خدمة الأدب والثقافة.

- تغيير الأوقات لانعقادها أحياناً يربك عملها وأهدافها؛ مما يؤثر في

جمهورها والمهتمين بالفكر والثقافة.

- نلاحظ أن بعض الندوات تفتقر إلى معايير النقد والتقويم العلمي والفني لما

يطرح فيها؛ مما يفقدها القدرة على التواصل أحياناً مع مرتاديها «.

ولعلي أزيد على مآخذ الأستاذ عوض الشلالدة: انتهاء بعض الندوات إلى ما

بعد منتصف الليل؛ مما يعطل على الناس أعمالهم وعبادتهم فجراً، ليعودوا مرهقين

متعبين، ولعل هذه المسألة تتعلق بثغرة أخرى، وهي اعتذار بعض المدعوين في

اللحظات الأخيرة أو تأخرهم عن الموعد المحدد؛ مما يربك نهج الندوة ونشاطها في

البحث عن البديل، على أن ذلك لن يُنْسينا تلك المحبة والتواصل والألفة بين

صاحب الندوة ومدعويه وزوّاره وجمهوره، بل بين أفراد الجمهور أنفسهم؛ مما

يصنعه دفء اللقاء المتجدد، وشفافية الحوار الأدبية الواعية، والإنصات والشعور

المرهف المتفتح للرأي الآخر، ورحابة الصدر في تقبل النقد، والتواضع في تقويم

الذات مهما علت مرتبتها! ومن روعة هذا الدفء والتواصل والمحبة الصادقة

رؤيتي الدكتور راشد المبارك يتفقد الأدباء والمثقفين الحاضرين والمدعوين،

ويحييهم واحداً واحداً بلهجة حارة، مبيناً أنه يتشرف بلقاء وحوار هذه العقول النيرة،

وتغمره السعادة والبهجة حين يرى هذا الجمهور المتعطش للفكر والحوار والأدب،

ويقوم ليلتقي زواره عند الباب ليلة ندوته، فيبشّ في وجوههم، ويرحب بمقدمهم،

ويودّعهم بطريقة طيبة مماثلة.

كما سرني أن أرى الشيخ أحمد باجنيد صاحب (ندوة الوفاء) يفعل مثل ذلك،

ويسأل عن الغائب، وقد يكلف أحد أبنائه بالاتصال به، والسؤال عن أحواله،

وسبب تأخره!

* زينة المجالس:

ويحدثنا الدكتور عائض الردادي في كتابه (الندوة الرفاعية) فيعطينا نموذجاً

معبراً عن ندوات الرياض، وقد سمعت حديثاً شبيهاً به في جلسة أدبية قبل أيام:

(كانت الندوة زينة المجالس في رقي حوارها، فالحوار يدور على مستوى رفيع،

يتعرف من يحضره على حوارات الرجال والمثقفين وآدابها، وحسن الكلام،

وحسن الصمت، ويرى بعينه أن مجالس ذوي الفضل مدارس آداب، ومعاهد ثقافة،

وأنها راحة للنفس، وواحة الوجدان، وسلوة للحزين الحيران) [١] .

* من نبض القوافي:

تظل هذه الندوات واحات خضراء في صحراء الحضارة المادية الحديثة،

وكان للقوافي الشفيفة دورٌ في نظم عقودها النفيسة، فهذا الشاعر أحمد سالم باعطب

يحيي ندوة معالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - بمناسبة مرور عشرين

عاماً على تأسيسها، وأنشدها في أوائل عام ١٤٠٠هـ بعنوان: (ينبوع يشعّ

ضياءً) .

نبعٌ تدفق في الرياض سناءَ ... ينسابُ سمحاً رائقاً وضّاءَ

تتعانق الأفكار فيه طروبةً ... وتطيب في ثغر الزمان غناءَ

تَسْري النّسائم منه عاطرة النّدى ... تروي الليالي الخالدات عطاءَ

أما الشاعر الدكتور زاهر بن عواض الألمعي فيراها روضة غنَّاء فواحة

الشذى، وكأنها سوق عكاظ في تنافس الأدباء والشعراء فيقول في إحدى قصائده:

هي الروضة الغنَّاء فوَّاحة الشذى ...

تميس اختيالاً بالعطر ورودها ...

هي الغيث هطّالاً سخياً متى اغتذت ...

به ممحلات العود أَوْرَقَ عودها ...

هي المنهل الرقراق عذبٌ نميره ...

إذا نهل الروّاد طاب ورودها ...

ويرتادها من كل قطر فطاحلٌ ...

فكل خميس جاء باليُمْن عيدها ...

كأنَّ (عكاظ) الشعر عاد مجدّداً ...

و» حسان «و» الأعشى «و» كعب «شهودها ...

» وقُسٌّ «يباري بالفصاحة» أكثماً « ...

و» عمرو «يغذيها ويشدو» لبيدها « ...

أما الشاعر الدكتور حيدر الغدير فيجد الرياض بندواتها وأدبائها حدائق وخمائل

يفوح عطرها أصالة وهدى فيقول:

قالوا الرياض حديقة وجنان ... قد زانها الأحبابُ والإخوانُ

سَمِقَتْ بعزٍّ من خيار رجالها ... المكرمات لفضلهم عنوانُ

وتلذُ فيك خمائلٌ وجداول ... ويضوع فيك الفلُّ والريحانُ

وتجود فيك قرائحٌ وبلابلٌ ... هم للأصالة والهدى فرسانُ

ولكل معنى عبقري منبعٌ ... فيه التلاقي والوصال جُمانُ

ولأمّنا الفصحى عكاظ يلتقي ... فيه النبوغ الثَرُّ والأقرانُ


(١) الندوة الرفاعية، الدكتور عائض الردادي، ص ٣٨.