للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

ماذا يجري في الجزائر؟!

[خفايا الصراع بين العسكر وبوتفليقة]

يحيى أبو زكريا [*]

[email protected]

تُعَدُّ الانتخابات الرئاسيّة في الجزائر حدثاً غير معتاد؛ لارتباطها عضويّاً

بالإرادات الحقيقيّة التي ترسم المسار السياسي للجزائر منذ استقلالها سنة ١٩٦٢م،

ودعوة الشعب الجزائري للمشاركة في هذه الانتخابات هو من قبيل الإيحاء بأنّ

الشعب هو لاعب مهم في العمليّة الانتخابية؛ فيما هو لا يقدّم ولا يؤخّر في تنصيب

الرئيس الجزائري الذي سيتربّع على كرسي الرئاسة في قصر المراديّة!

وهذه المعادلة لا تنطبق على الانتخابات الرئاسيّة الجزائرية التي ستُجرى في

أبريل / نيسان المقبل إذا جرت في أحسن الظروف فحسب؛ بل هي معادلة واكبت

النظام السياسي الرسمي في الجزائر منذ عهد الرئيس أحمد بن بلة الذي أوصله

الجيش إلى سدّة الرئاسة؛ منهياّ الخلاف بين ثوّار الأمس حول مسألة: مَنِ الأولى

بتولي الحكم في الجزائر بعد مغادرة فرنسا الجزائر؟

وقد أطاح وزير الدفاع الجزائري هواري بومدين بالرئيس أحمد بن بلة سنة

١٩٦٥م؛ ليحققّ بذلك التزاوج الكامل بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية الجزائرية

التي كان بومدين على رأسها، بل ليكرّس الاتحاد بين المؤسسة العسكريّة وحزب

جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم الأحادي في تلك الفترة في الجزائر.

وبعد وفاة هواري بومدين أو اغتياله حسب تعددّ الروايات؛ اختارت المؤسسة

العسكريّة العقيد الضعيف الشاذلي بن جديد الذي فاجأ اسمه جميع الرسميين في

الجزائر، وكان اختيار الشاذلي بن جديد مقصوداً للإطاحة بعبد العزيز بوتفليقة

ومحمّد صالح يحياوي أبرز المرشحين لخلافة هواري بومدين.

وللإطاحة بالانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ؛

أطاحت المؤسسّة العسكرية كما اعترف بذلك الجنرال خالد نزار وزير الدفاع في

ذلك الوقت بالرئيس الشاذلي بن جديد، فخرمت العملية الانتخابية من أساسها،

وطعنت الشرعيّة لدى أول امتحان لها في جزائر التعدديّة السياسيّة، واضطرّت

المؤسسة العسكريّة أن تستغيث بمحمد بوضياف الذي كان منفيّاً في المغرب لتغليب

شرعيته التاريخية على الشرعية الانتخابية، ولاستغلال رصيده النضالي لكونه من

مؤسسي الثورة الجزائريّة سنة ١٩٥٤م، ولما جرت تصفيته من قِبَل الملازم في

الأمن العسكري مبارك بومعرافي؛ عينّت المؤسسة العسكرية علي كافي رئيساً

للدولة، ثمّ خلفه وزير الدفاع اليامين زروال إلى تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية

سنة ١٩٩٩م، ففاز عبد العزيز بوتفليقة بهذا المنصب لأنّه كان مرشح الأقوياء،

وتحديداً بعد خروج بقيّة المرشحين.

ولا يمكن القول بأن عبد العزيز بوتفليقة وصل إلى قصر المراديّة - قصر

الرئاسة - على صهوة الجماهير التي فقدت ثقتها كليّة في النظام السياسي الرسمي،

بل وصل إلى ما وصل إليه باتفاق مع الكبار الذين يديرون اللعبة في الجزائر منذ

الاستقلال؛ شرط أن يلتزم بمجموعة شروط والتزامات لا يحيد عنها أبداً،

بالإضافة إلى ضرورة التزامه بقواعد اللعبة المعروفة وغير المكتوبة، بل هي

معروفة لكل الممارسين للعمل السياسي الجزائري.

وفي غضون السنوات الأربع عمد بوتفليقة إلى تكبير دور المؤسسة الرئاسية،

كما حاول أن يكون رئيساً بصلاحيات كاملة حسب النصّ الدستوري، ووقع أكثر

من تقاطع بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبعض الكبار، وذهب إلى أبعد من ذلك

عندما زاحمهم في بعض مشاريعهم التجارية والاقتصادية؛ من خلال تطويق

مجموعة «الخليفة» ذي العلاقة الوثيقة ببعض كبار الضبّاط، ولم تمرّ هذه دون أن

يكتب اللواء خالد نزار وزير الدفاع المتقاعد، والذي ما زال يقحم أنفه في اللعبة

السياسية الجزائرية، كتاباً يتحدث فيه عن الغنى الفاحش لبوتفليقة، ودور أخيه

سعيد بوتفليقة في جباية الأموال لحسابه وحساب أخيه الرئيس.

وبعد مجموعة كبيرة من التقاطعات بين الرئيس بوتفليقة وبين الكبار؛ وصل

الأمر إلى طريق مسدود، فجرى تفجير اللعبة من أساسها ليشهد المشهد السياسي

الجزائري احتقاناً ليس بين النظام السياسي وطرف من خارج النظام كما كان يحدث

في السابق؛ بل هو احتقان من الداخل، وانفجار من الداخل؛ سببه تراكمات كبيرة

أدّت إلى تمرد (علي بن فليس) ابن النظام السياسي الرسمي على رئيسه عبد

العزيز بوتفليقة ابن النظام أيضاً، ولذلك فاللعبة محصورة بين أطراف من داخل

النظام الجزائري، يحركّها المشرفون على النظام.

ومثل علي بن فليس كمثل ذلك اللاعب الذي تسللّ إلى منطقة الجزاء، فسجّل

هدفاً وهو في حالة تسللّ دون أن يرفع الحَكمَ الشارة لإيقافه، فأدرك بوتفليقة

- اللاعب في قلب الهجوم - اللعبة والتواطؤ بين الحكم واللاعب المتسلل،

فركله ركلة قويّة فأسقطه في عين المكان أمام الحكم الذي هيأ اللعبة والملعب،

أما الجماهير المشاهدة فلم تدرك حقيقة ما يجري داخل الملعب!

والذي حدث أنّ بعض الجنرالات وتحديداً المحسوبين على خطّ الاستئصال

أعطوا إشارات إيجابيّة لعلي بن فليس رئيس الحكومة السابق بأنّه رجل الجزائر

المقبل، وقد تخندق خلفه الكثير من دعاة الاستئصال؛ بدءاً برضا مالك ومروراً

بالهاشمي شريف ووصولاً إلى دعاة استئصال الإسلاميين بالقوة من الواقع السياسي

الجزائري. وأدرك بوتفليقة اللعبة، وهو الذي يحاول أن يكبر على حساب الكبار

ويفوز برئاسة ثانية قد تعطيه فرصة كبيرة للقضاء على مراكز القوة على الرغم من

أخطائه الفظيعة، فتحرك بطريقة ذكيّة قاطعاً الطريق على علي بن فليس مسخرّاً

مؤسسات الدولة وبعض فقهاء الانقلاب من داخل حزب جبهة التحرير الوطني،

تماماً كما استغلت المؤسسة العسكرية المحكمة الدستورية العليا وأجبرتها على إصدار

قرار بحلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وبالمحصّلة: فإنّ مؤسسات الدولة الجزائرية باتت لعبة في يد الكبار

يسخرونّها لمآربهم السياسية.

ويبقى القول إن الملعب الجزائري محتقن وقد يصل إلى ذروة الانفجار قبل

الانتخابات الرئاسيّة، فبوتفليقة قطع الطريق على الحصان الذي راهن عليه بعض

الكبار، وليس أمام الكبار خيارات كبيرة؛ لأنّ الذي يخرم اللعبة الأساسيّة لاعب

محترف عاش في كواليس النظام ونشأ في الدائرة نفسها التي أنتجها الكبار؛ فإمّا

سيقلبون الطاولة على بوتفليقة، وإما سيلجؤون إلى حصان آخر غير علي بن فليس.

ومهما كانت الخيارات فإنّ المفاجأة واقعة لا محالة في المشهد السياسي

الجزائري، من هنا وإلى أبريل / نيسان القادم، خصوصاً أنّ طرفاً نافذاً قررّ أن لا

يعطي لبوتفليقة فرصة ثانيّة وهو مصرّ على افتكاكها!!

* الانتخابات الرئاسيّة في الجزائر ومفاجأة ربع الساعة الأخيرة:

لم يعد يفصل بيننا وبين موعد الانتخابات الرئاسيّة في الجزائر إلاّ بعض

الأسابيع التي ستكون حبلى بالتطورات السياسية وحتى الأمنيّة، والتي تعودّت عليها

الجزائر أثناء أيّ مرحلة انتخابية.

وفي الوقت الذي طالب فيه زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ الدكتور عبّاسي

مدني بتأجيل الانتخابات، والشروع في حلحلة الأزمة السياسية والأمنية القائمة في

البلاد منذ أزيد من عقد؛ فإنّ السلطات الرسمية تجاهلت هذه الدعوة؛ معتبرة أنّ

الانتخابات الرئاسيّة ستُجرى في موعدها وفي شهر أبريل / نيسان المقبل على وجه

التحديد.

وعلى الرغم من أنّ العديد من الملفات الشائكة ما زالت مفتوحة؛ من قبيل

الملف الأمازيغي - حركة المطالب الأمازيغيّة في بلاد القبائل -، والملف الأمني

الذي ما زال شائكاً وقائماً، وخصوصاً بعد أن ردّت المؤسسّة العسكرية عمليّاً على

مبادرة عباسي مدني بوقف العنف الرسمي والمضاد له تزامناً مع عيد الأضحى

الماضي، حيث شنّ الجيش الجزائر هجوماً كبيراً على مجموعة إسلامية مسلحة

كانت تتموقع في مناطق الصحراء الجزائرية في اتجاه الجنوب. وملف بارونات

الأزمة الذين جمعوا فأوعوا من الأموال، ويهدفون إلى بقاء الأزمة على حالها، بل

يسعون إلى تفاقمها؛ لأنّها المظلّة التي يمررون تحتها جميع مصالحهم وأعمالهم

واستثماراتهم أيضاً.

ويضاف إلى هذه الملفات الملف الاجتماعي والاقتصادي، حيث بات المواطن

الجزائري يعاني من صعوبات لا حدود لها في مجال البحث عن لقمة العيش

وفرصة عمل، وقد صعب على الحكومات الجزائرية المتعاقبة إيجاد حلول جذرية

للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.

ويبقى الملف السياسي المؤثّر والمتعلّق أساساً بمشروع مراكز القوى في

الجزائر في هذه المرحلة الراهنة؛ هو: من الشخص الذي يجب أن يُدعم للوصول

إلى قصر المرادية - قصر الرئاسة الجزائرية -، والذي يجب أن يكرّس مصالح

الكبار ويحافظ عليها؟ صحيح أنّ رئيس هيئة الأركان محمد العماري صرح بأنّ

المؤسسة العسكرية لا تدعم شخصاً بعينه، وهي لا تتدخّل لا من قريب ولا من بعيد

في صناعة الرئيس في الجزائر، غير أنّ هذا التصريح هو للاستهلاك السياسي

والإعلامي، والكل يدرك في الجزائر وخارجها أنّ المؤسسة العسكريّة هي اللاعب

الأبرز والأحسم في قضية شائكة من قبيل الرئاسيات في الجزائر.

فعبد العزيز بوتفليقة، رغم أنّه استطاع أن يكتسب شعبية محدودة في الشارع

الجزائري لأنه لسن ومنتج مبدع لحلو الكلام الذي يدغدغ مشاعر الجزائريين؛ فإن

طموحه لا يُنظر إليه بعين الرضا من قِبَل بارونات الأزمة الذين يعتبرونه مهددّاً

لمشاريعهم وغير ضامن لاستمرارها، وعلى الرغم من أنّ بوتفليقة عمل على إعادة

الاعتبار لمؤسسة الرئاسة والبنود الحرفية للدستور الجزائري الذي يقر بمبدأ الفصل

بين السلطات؛ إلاّ أنّه لم ينجح نجاحاً كاملاً، بل إنّه أنشأ جهازاً أمنياً مرتبطاً به

مباشرة، وهو يواجه بقيّة الأجهزة الأمنية الأخرى التابعة لمراكز قوى أخرى.

وقد روى لي شخص كان يقيم خارج الجزائر، وكان محسوباً على تيار معيّن

في الجزائر حصل على عفو رئاسي، وعندما عاد إلى الجزائر استقبله الجهاز

الأمني الرئاسي في مطار هواري بومدين الجزائري؛ فيما أراد جهاز أمني آخر

اعتقاله، وهنا تدخّل رجالات الرئاسة محبطين محاولات الأجهزة الأخرى لاعتقاله!

وعلى صعيد آخر؛ فإنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يتبنّى مشروع المصالحة

الوطنية الشاملة، وهو المشروع الذي رفضته مراكز الاستئصال في الجزائر منذ

اندلاع الأزمة الجزائرية وما زالت ترفضه إلى يومنا هذا؛ معتبرة أنّ خيار القوة

والاستئصال بقوة السلاح هو الخيار الوحيد؛ خصوصاً بعد التداعيات الدولية التي

أعقبت أحداث سبتمبر / أيلول في أمريكا، وميلاد لغة دوليّة ضدّ الإرهاب.

وعلى الرغم من أنّ بوتفليقة يبدو في دوائر الأقوياء ضعيفاً وتابعاً؛ فإنه يملك

العديد من أوراق القوة الضاغطة ضدّ البارونات، ومنها علاقاته الدولية التي رممّها

بسرعة وبنى عليها الكثير من خطواته السياسية في الداخل الجزائري، ومن أوراقه

الضاغطة أيضاً أنّه يعرف خصومه المتنفذين واحداً واحداً؛ لأنّه ابن النظام الأحادي

الذي أفرز الأزمة المعقدة في الجزائر، وأفرز رجال الثروة الذين نخروا الاقتصاد

الجزائري، والذين طالبهم يوماً هواري بوميدن بالخروج من دائرة الثورة؛ لأنّه لا

مجال للجمع بين الثورة والثروة. ويملك بوتفليقة ملفات لكل الذين تسببوا في الأزمة

الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يتيح له هامشاً كبيراً للمناورة.

وبالتأكيد؛ فإنّ الآخرين أرباب مناورات، ويملكون من الأوراق الشيء

الكثير، وإذا لم يكن هناك توافق بين مراكز القوة بشأن الرئيس المقبل؛ فإنّ

لعبة الانتخابات الرئاسيّة ستشهد تطورات كثيرة في ربع الساعة الأخيرة، وقد يكون

المشهد السياسي الجزائري من أبرز الأحداث العربية والعالمية مجدداً!!


(*) صحفي جزائري مقيم في استوكهولم.