للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحت المجهر

[أين بواكي حمزة؟]

د. يوسف بن صالح الصغير [*]

لا أدري لماذا خطر لي الشيخ عبد الله عزام فور سماعي بنبأ اغتيال الرئيس

الشيشاني السابق سليم خان ياندرباييف! ولكن ربما للتشابه الكبير بين الحادثين،

فالشيخ عبد الله عزام اغتالته المخابرات السوفييتية بتفجير لغم زُرع في الشارع

الذي مر به في طريقه لصلاة الجمعة، أما سليم خان فقد اغتالته المخابرات الروسية

بتفجير سيارته بعد خروجه من صلاة الجمعة. وليس هذا فقط؛ بل إن كل واحد

منهما كان يُمثّل قناة دعم رئيسة للجهاد ورابطاً مهماً مع العالم الإسلامي. واغتيال

الاثنين يدل على عظم دورهما، ومحاولة يائسة من الروس لإبعاد شبح الإخفاق عن

مغامرة الغزو الروسي للشيشان.

لقد هالتني محاولة الإعلام التغطية على الجريمة البشعة، فقد أُبرز خبر

وساطة قطر بين المغرب والبوليساريو في عملية تبادل للأسرى، ولم يعد الحادث

للواجهة إلا بعد اعتقال قطر لعميلين روسيين وُجّه إليهما الاتهام بتدبير العملية، وقد

ردت المخابرات الروسية باعتقال قطريين بتهمة العلاقة مع جماعات مسلحة، ولا

ندري هل يُقفل الملف بمقايضة المحتجزين، وتُنسى الجريمة الصغرى بقتل سليم

خان كما نُسيت وأُغفلت الجريمة الكبرى التي يتعرض لها الشعب الشيشاني المسلم

الأبي بأكمله؟! وإذا كان بعض دعاة حقوق الإنسان الروس قد خرجوا قبل عدة

أسابيع في موسكو يحملون لوحات كُتب عليها: «أيها الشيشان سامحونا!» فما

بالنا لم نُقدّم للشعب الشيشاني اعتذارنا؟ بل لماذا لم نُقدّم للشعب الشيشاني عزاءنا

بفقيدهم الذي إذا كان ليس له بواكي في بلادنا التي ثوى فيها؛ فإن له في حمزة

الشهيد عبرة وسلفاً؟

تمثل حياة الفقيد مثالاً حياً لما مرَّ به الشعب الشيشاني العظيم، فقد تم نفي

الشيشان من بلادهم بُعَيْد الحرب العالمية الثانية بأمر من الطاغية ستالين، ووزعوا

في أصقاع الاتحاد السوفييتي، وقد وُلد الفقيد في المنفى البعيد في كازاخستان عام

١٩٥٢م، وعادت العائلة عام ١٩٥٨م إلى موطنها الأصلي بعد إعادة الاعتبار

للشيشان. حصل ياندرباييف على الشهادة الجامعية في غروزني في الأدب، ثم

أكمل دراسته في موسكو. كان سليم خان كاتباً وشاعراً ومفكراً وسياسياً، وقد انضم

إلى اتحاد الأدباء السوفييت. وله عدة مؤلفات تبلغ ١٥ كتاباً، وقد تُرجم بعضها إلى

اللغتين الإنجليزية والتركية.

انتُخب في عام ١٩٩١م عضواً في البرلمان الشيشاني، وفي ١٩٩٣م عُيّن

نائباً للرئيس الشيشاني (جوهر دوداييف) ، وبعد مقتل الرئيس عام ١٩٩٦م عُيّن

سليم خان رئيساً للشيشان، وأكمل مهمة تحريرها وطرد الروس، وبعد طرد

الروس أرسى دعائم تطبيق الشريعة الإسلامية في الشيشان. وأشرف على إجراء

انتخابات رئاسية لم يكن ضمن المتنافسين فيها، حيث فاز الرئيس الحالي (أصلان

مسخادوف) بالرئاسة عام ١٩٩٧م، استقال سليم خان من رئاسة الحكومة، واستمر

نشاطه السياسي، وأصبح رئيساً لمنظمة تُعنى بتوحيد الشعوب الإسلامية في منطقة

القوقاز، كان مقرها في جروزني، وبعد الهجوم الروسي على الشيشان خرج

ياندرباييف ممثلاً خاصاً للرئيس وللحكومة الشيشانية الشرعية في البلدان الإسلامية،

حيث شارك في بعض المؤتمرات الإسلامية، واستقر في قطر يمارس من

النشاطات ما يستطيع وتسمح به شروط الاستضافة القاسية.

إن مجرد وجود هذا الزعيم الصلب الذي كان من المعارضين لأي مفاوضات

مع الاحتلال الروسي؛ يمثل علامة على أن قضية الشيشان حية، وستبقى حية

بإذن الله وإن مرت بأطوار من الابتلاء يعجز عن وصفها اللسان، وقد أبانها لنا

الرحمن، حيث قال تعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا

مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى

نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] (البقرة: ٢١٤) .


(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، بالرياض.