للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقفات

[لا ينال عهدي الظالمين..!]

أحمد بن عبد الرحمن الصويان

إنجازات الانتفاضة الفلسطينية إنجازات عظيمة ليس هذا مجال استعراضها؛

فقد تحدث عنها الكثيرون من زوايا مختلفة، لكن أحسب أنَّ أعظم إنجاز وأبلغه أنَّ

الانتفاضة نقلت المعركة مع اليهود من أوحال الشعارات القومية والوطنية،

ومتاهات المزايدات السياسية، إلى رياض الكتاب والسنة. فانتقل الناس من

مصطلحات الثورة والنضال إلى مصطلحات (الجهاد في سبيل الله) ، فأصبح

الشباب يهتف بالتكبير، ويتربى على الصلاة والإقبال على الطاعة، ويردد آيات

(آل عمران والأنفال) ، ويتعلق فؤاده بالبذل والتضحية لدين الله، ويتشوق إلى

الشهادة في سبيله.

نقلة كبيرة في العقيدة القتالية، انعكست بجلاء على طبيعة المعركة وموازينها؛

فمن عمر قلبه بالإيمان والتوكل على الله وحده: وجد قوة وثباتاً وإقبالاً على

الموت لا تصنعه الشعارات الثورية، ولا تبنيه التربية الحزبية المادية.

شخصية الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - كان لها أثر كبير في هذه النقلة

النوعية، وحسبي أن أقف على ثلاث صفات في شخصيته الفذة:

الصفة الأولى: كان الشيخ عابداً، صوَّاماً، قوّاماً، تالياً للقرآن، يلهج لسانه

بالذكر والتسبيح؛ وفي يوم استشهاده يصر على البكور إلى صلاة الفجر رغم

مرضه الشديد، وكانت حقنة الجلوكوز في يده! وبالعزائم والقلوب المخبتة تقاد

الشعوب. قال الله تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا

بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ] (السجدة: ٢٤) . وما أحوج العمل الإسلامي للقادة الربانيين،

عبَّاد الليل، الذين يعرفون برقَّة القلب، وطهارة النفس..!

الصفة الثانية: أنه لم يكن رأساً لحزب أو قائداً لجماعة، فانتماؤه للإخوان

المسلمين، وقيادته لحركة حماس، لم تجعله رجلاً حزبياً مغلقاً ينطلق لنصرة

جماعته، بل أحسبه والله حسيبه رجل أمة صادق اللهجة، اتسع أفقه لتربية الناس

جميعاً على الولاء لدين الله، والتناصر لخدمة قضيتهم الكبرى.. وهذه التي لا

يقوى عليها إلا الخُلَّص من أولياء الله.

وما عرفت أن الإسلاميين بمختلف توجهاتهم أجمعوا في العقود الأخيرة على

أحد كما أجمعوا على الشيخ ابن باز والشيخ أحمد ياسين - رحمهما الله -.

الصفة الثالثة: كان الشيخ - رحمه الله - رجل عامة عاش مع الناس

بهمومهم وآلامهم، وكان يشاطرهم أحزانهم وفقرهم، لم يتميز عنهم بمال أو جاه..

رجل معطاء سخي النفس يتفقد الناس بالصلة، فتح للناس صدره وداره، وكان له

أثر كبير في علاج مشكلاتهم وخلافاتهم؛ فأحبوه، والتفوا حوله.

إنَّ الإمامة في الدين ليست منصباً أو منحة أو جاهاً يتزين به الإنسان، بل

هي منزلة ربانية جليلة لا تؤخذ إلا بحقها. قال الله تعالى: [قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ

لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] (البقرة: ١٢٤) .