للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من داخل سجنه]

الشيخ رائد صلاح يتحدث إلى البيان..

ساومونا بعد الاعتقال على مواقف سياسية مهينة فرضنا

إعداد: نائل نخله

_ ضيفنا هو:

عرفه الفلسطينيون برجل الأقصى، والمدافع الأول عنه. حاربته المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية طوال الأعوام الثمانية الماضية، اتهمته بدعم الإرهاب كذباً، ولفقت حوله لوائح اتهام مثقلة بالأكاذيب والمغالطات ليُزَجَّ به في السجن منذ عام. يواجه مع خمسة من رفاقه محاكمة إسرائيلية ربما تستمر لعدة سنوات في مسرحية صهيونية يشارك فيها القضاء والقانون والأمن والسياسة لشل جهد هذا الرجل.

في الوقت الذي تحدَّث فيه بعض زعماء العرب والمسلمين ومؤسساتهم الدينية عن المسجد الأقصى والقدس في الخطب والبيانات والإدانات، كان رائد صلاح يتجول في الليل والنهار يسترق السمع إلى أصوات تنبعث من أسفل ساحات المسجد الأقصى، بحثاً عن أعمال الحفريات التي كانت تقوم بها جهات إسرائيلية تحت المسجد الأقصى لإضعاف أساساته وتسهيل هدمه.

ومنذ ذاك اليوم في عام ١٩٩٦م والأنظار كلها مسلطة على ذلك الشيخ الذي كشف عن أنفاق ضخمة حفرتها إسرائيل تحت القبة المشرفة لتشتعل في الأراضي الفلسطينية ما عرف حينه بهبَّة النفق التي سقط فيها عشرات الفلسطينيين في مواجهات دامية مع سلطات الاحتلال وكادت أن تُسقط كل اتفاقيات السلام التي وقَّعتها منظمة التحرير مع حكومة إسرائيل.

نظَّم عبر مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية حملات إعلامية واسعة النطاق لكشف وفضح الممارسات الصهيونية ضد أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين، ونجح في حث عشرات الآلاف من عرب ١٩٤٨م على شد الرحال إلى المسجد الأقصى وإعماره وإحياء ليله ونهاره. وبجهود خارقة أعاد افتتاح المصلَّى المرواني تحت المسجد الأقصى الذي ردمت إسرائيل مداخله عقب هزيمة حزيران عام ١٩٦٧م، وأدخل إصلاحات واسعة شملت جميع ساحات ومرافق المسجد الأقصى والبلدة القديمة والقدس بكاملها؛ إنه الشيخ (رائد صلاح) رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م، والذي مضى عام على اعتقاله، وتمكنت البيان من إجراء حوار خاص وواسع معه من دخل زنزانته.

(المخابرات حاولت أن تساومنا بعد اعتقالنا لابتزاز مواقف سياسية منا، حيث عرضوا علينا أن نكتب ما يتفق مع خطاب المؤسسة الإسرائيلية حول المسجد الأقصى والتعايش والسيادة الإسرائيلية، واستنكار أعمال المقاومة الفلسطينية مقابل التفاوض حول مستقبل اعتقالنا، ونحن دُسْنا على هذا العرض البائس) .

هذا ما كشفه الشيخ الأسير في مقابلة البيان.

البيان: بدءاً شيخنا الأسير: أهلاً بك في مجلة البيان، ونسال الله ـ تعالى ـ أن يفرج كربك، ويسدد خطاك لخدمة الإسلام والمسلمين. سؤالنا عن السجن الذي تقبعون فيه، وظروف احتجازكم الذي مضى عليه عام؟

? ظروف السجن متقلبة وغير ثابتة وهي في الأساس صعبة، ولكن قد يتم نقلنا بين فترة وأخرى من سجن إلى آخر لتزداد الظروف صعوبة أو تبقى على ما هي عليه، وعلى سبيل المثال بعد أن تم نقلنا إلى القسم الثاني في معتقل الجلمة التابع لمديرية السجون تعاملوا معنا معاملة قاسية جداً، فكانوا يدخلوننا إلى غرفنا ويقومون بعدِّنا خمس مرات في اليوم منذ الفجر إلى ساعات متأخرة من الليل ونحن ملزمون عند العد أن ننهض وأن نقف.

وكانوا يفتشون غرفنا مرة كل يوم، ويضعون القيود في أيدينا وأرجلنا كلما خرجنا منها وتوجهنا إلى ساحة المعتقل، أو كلما توجهنا إلى لقاء الأهل الأسبوعي في إحدى قاعات المعتقل، كما حُرمنا من استخدام جهاز الهاتف للاتصال بالأهل، وحرمونا من إدخال كتب وصحف إلا بشق الأنفس، كما رفضوا السماح لي بإجراء فحوصات طبية عقب إصابتي بمرض داخل السجن، إلا بعد أن تدهور وضعي الصحي، وفقدت ١٥ كيلو غراماً من وزني. بعد ذلك تم نقلنا إلى سجن «آشهور» الذي واجهنا فيه صعوبات جمة، وحرمنا فيه من استخدام الهاتف الخلوي للاتصال بالأهل، وفرض علينا السجن الانفرادي في غرفة انفرادية دون أن يسمح لنا بالاختلاط مع أي سجين آخر. وإلى الآن يفرض علينا أن نلتقي مع الأهل في غرفة صغيرة ويفصلنا عنهم شبك حديدي بطبقتين بينهما زجاج.

البيان: ما الملامح البارزة في الحياة الاعتقالية للشيخ رائد صلاح ورفاقه؟

? الحمد لله رب العالمين. لقد نجحنا بتنظيم وقتنا تنظيماً دقيقاً، لم يبق لدينا الشعور بأي وقت فراغ؛ حيث نستيقظ قبيل الفجر بساعة فنصلي ما شاء الله تعالى، ثم نختم بصلاة الوتر، ثم نصلي صلاة الفجر، ثم نعقد حلقة ذكر وعلم، ثم ننام لبضع سويعات.

ثم ننهض ونصلي صلاة الضحى، ونتناول الفطور، ثم نعكف على قراءة القرآن الكريم أو حفظ بعض آياته أو قراءة كتاب في علم الفقه أو التفسير أو السيرة أو التاريخ أو علم القرآن والحديث أو علم اللغة العربية.

ثم نصلي صلاة الظهر في المعتقل ثم نعود. وقد نتجول خلالها في ساحة صغيرة في المعتقل وإلاّ فنواصل المطالعة.

ثم نصلي صلاة العصر، ثم نتناول وجبة الغداء، ثم نواصل المطالعة ثم نصلي صلاة المغرب، ثم نجتهد أو نستمع إلى أكثر من نشرة أخبار، ثم نصلي صلاة العشاء، ثم نواصل المطالعة إلى منتصف الليل، ثم ننام إلى ما قبل ساعة من طلوع الفجر.

ثم نواصل نفس البرنامج؛ مع التأكيد أننا نحرص على صيام أيام الإثنين والخميس عملاً بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ونحرص على مطالعة الصحف يومياً خاصة صحف يوم الجمعة.

ونحرص على الكتابة بما يفتح الله علينا من مقالات أو ذكريات أو قصائد شعرية. وأما علاقتنا مع السجناء الآخرين فقد فرضت علينا المؤسسة الإسرائيلية السجن الانفرادي منذ أول يوم من اعتقالنا حتى لا نختلط مع بقية السجناء، ولا زلنا نوضع في قسم انفرادي وفي غرفة انفرادية.

ومع ذلك فان كل السجناء من أهلنا ـ بدون استثناء ـ يحرصون في كل فرصة على إبداء حبهم واحترامهم لنا لدرجة أن بعضهم كان يبدي استعداده أن يعتقلوه بدلاً عنا بالإضافة إلى مدة محكوميته.

البيان: من هو المستهدف من وراء اعتقال رائد صلاح: هل هو المسجد الأقصى، أم الحركة الإسلامية في الداخل، أم كلاهما؟

? إن المستهدف الأساسي في هذه الحملة هو الإسلام وقيمه؛ حيث إن جهاز المخابرات الإسرائيلي يعتبر الزكاة والصدقة الجارية وكفالة اليتيم وإغاثة الملهوف ودعم المريض هي عمل إرهابي، هذا الاتهام بحد ذاته هو طعن في صميم الإسلام، ثم إنهم يحاولون تصوير كل مؤسسة إنسانية خيرية في العالم العربي والإسلامي تبدي استعداداها لتقديم العون الإنساني على أنها مؤسسة إرهابية؛ وهذا طعن مباشر في خُلُق العالم الإسلامي والعربي!!

ولا شك أن من ضمن المستهدفين من وراء حملة اعتقالنا هو شعبنا الفلسطيني؛ إذ حاولت المخابرات الإسرائيلية أن تصور كل عمل إنساني على أنه عمل إرهابي لا لسبب إلا لأنه يقدم للشعب الفلسطيني؛ إذاً هو عمل إرهابي.

وكذلك فإن من ضمن المستهدفين من وراء اعتقالنا هو المسجد الأقصى المبارك الذي سعيت من خلاله إلى إعمار المسجد. كذلك الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر مستهدفة، وهناك تلويح دائم من قِبَل السلطات الإسرائيلية بإخراجها عن القانون هي وكل المؤسسات التابعة لها وإغلاق كل مراكزها ومقراتها.

البيان: ما أهم بنود لائحة الاتهام الموجهة إليكم أمام القضاء الإسرائيلي؟

? الذي يطَّلع على حقيقة عملنا ويطلع على بنود الاتهام الرسمية التي ابتدعتها المخابرات الإسرائيلية، ثم يقارن بين حقيقة عملنا وماهية الاتهام يجد فرقاً شاسعاً، وكما يقال: ما أبعد الثرى عن الثريا؛ فنحن لا ننكر أن بعضاً منا حرص على التواصل مع مؤسسات إنسانية في العالم العربي والإسلامي، ولا ننكر أن بعضاً منا دأب على كفالة الأيتام وإغاثة الملهوف وكفالة العائلات الفقيرة ودعم المرضى في مستشفيات الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا ننكر أن بعضاً منا دأب على تقديم المساعدات الإنسانية للأسرى السياسيين، أو تبني مشاريع إحياء مقدساتنا وعلى رأسها المسجد الأقصى، ولا ننكر أن بعضاً منا كان ولا يزال يسعى لتنفيذ المجتمع العصامي في حياة أهلنا في النقب والجليل والمثلث والمدن الداخلية (عكا، وحيفا، ويافا، واللد، والرملة) .

ولكن في المقابل فقد حرصت المخابرات الإسرائيلية على تشويه هذا الدور النقي للحركة الإسلامية موجهة لنا تهمة دعم «الإرهاب الفلسطيني» والاتصال مع منظمات إرهابية في الخارج، ولم تكتفِ بذلك، بل ابتدعت زوراً وبهتاناً تهمة وجود علاقة مشبوهة لنا مع إيران.

وكانت ولا تزال المخابرات الإسرائيلية تحاول خلق جو من التخويف والإثارة حول قضية اعتقالنا، ولكن ذلك لن يؤثر علينا، وسيبقى لسان حالنا يقول لهم: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: ٧٢] .

البيان: ما هو تفسيركم للإرهاب؟ وبرأيكم ما هو الفرق بين المقاومة المشروعة والإرهاب والعنف؟

? دعني أستشهد بداية بما قاله خافير سولانا منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ حيث اعتبر قيام الحكومة الإسرائيلية باغتيال الشهيدين: الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي هو عمل غير قانوني.

وأضاف في بيان له أن الاتحاد الأوروبي أدان مراراً عمليات القتل خارج نطاق القانون.

كما اعتبر وزير الخارجية الفرنسي أن عمليات الاغتيال خارجة عن القانون الدولي، وأنا من باب المنطق والإنصاف والشجاعة في الحق أقول إن الحكومة الإسرائيلية ما دامت تقوم بسلسلة اغتيالات غير قانونية وخارجة عن القانون الدولي، إذاً هي تمارس إرهاب دولة في أبشع صوره غير المسبوقة في التاريخ.

ولنا ان نقول بعد ذلك إن المؤسسة الإسرائيلية تضطهد شعبنا الفلسطيني، وكل عاقل في الدنيا يقر أن الاحتلال غير قانوني وخارج عن القانون الدولي.

هذا يعني أن المؤسسة الإسرائيلية ما دامت تبيح لنفسها شرعة الاحتلال فهي مؤسسة إرهابية ضد شعبنا الفلسطيني. وبنفس المنطق نقول: إنها ما دامت تبيح لنفسها احتلال القدس الشريف والمسجد الأقصى وهو حق إسلامي وعربي وفلسطيني فقط؛ إذاً فالمؤسسة الإسرائيلية تمارس إرهاب الدولة ضد الأمة الإسلامية والعالم العربي.

وكل احتلالٍ بشعٌ وقبيحٌ، وأنا أسأل: إذا أصر الاحتلال على أبدية وجوده ألاحتلالي؛ فكيف يُتحرر من الاحتلال؛ لذلك فلا عجب أن نجد كل حكماء الأرض يُجمعون حول المقاومة للاحتلال، وهي سلوك مشروع، والاحتلال هو الإرهاب.

البيان: كيف ينظر الشيخ رائد صلاح إلى انتفاضة الأقصى المباركة، وإلى الموقف العربي الرسمي والشعبي منها؟

? الموقف العربي الرسمي مخيب؛ وهذا غير مفاجئ؛ لأنه لا يعكس تطلعات الشعب الذي يرعاه في كل قطر عربي، وبذلك لا يمكن أن يعكس تطلعات الشعب الفلسطيني.

أما الموقف العربي الشعبي فهو مقهور، ولا يملك من أمره شيئاً، ولكن هذا القهر ليس عذراً لتسويغ صمت الشعوب الدائم، بل عليها أن تدرك أن هذا هو الوقت الذي يجب أن يؤخذ فيه بسنَّة التغيير القرآني، وهي في قول الله ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] .

البيان: هل ـ برأيك ـ خطة الفصل التي يسعى شارون إلى إقرارها ستوفر الأمن للصهاينة؟

? لا يمكن لأي شعب في الدنيا أن ينعم بالأمن ما دام يبيح لنفسه شرعة الاحتلال حتى لو عاش في بروج مشيدة؛ لذلك أنا على قناعة أن سنة الله هي المتجلية في التاريخ والحياة، ومن هنا نؤكد للشعب الإسرائيلي أنه إذا أراد لنفسه الأمن فعليه الإقرار الكامل بكل حقوق الشعب الفلسطيني، وإلا فإن الادعاء بأن خطة الفصل ستوفر الأمن للإسرائيليين ما هو إلا ضحك على ذقون كل الإسرائيليين.

البيان: كيف ستكون انعكاسات بناء الجدار الفاصل على فلسطينيي ١٩٤٨م؟

? يلاحظ إصرار شارون على بناء هذا الجدار على الرغم من وجود معارضة عالمية على بنائه، وعلى الرغم من وجود إدانة رسمية من قِبَل ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة على بنائه. إن الإصرار على بناء هذا الجدار على الرغم من كل هذه الإشكالات العالمية يتزامن مع تصاعد حدة الحديث الرسمي الإسرائيلي عن الخطر الديمغرافي الذي يتهدد دولة إسرائيل بسبب تنامي عدد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعض الرسميين كنتنياهو يربط بين تنامي هذا العدد وتنامي عدد الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية: عكا وحيفا ويافا واللد والرملة.

ولذلك فان المؤسسة الإسرائيلية ـ وفق قناعتي ـ تهدف إلى علاج هذا الخطر الاستراتيجي الذي يهدد صبغة الدولة اليهودية الذي يتمثل ـ كما قلت ـ بانفلات أبواقهم للحديث الدائم عن الخطر الديمغرافي الفلسطيني؛ ولكن بأسلوب تصفويّ ترحيلي بواسطة هذا الجدار العنصري، وليس بأسلوب حصر الشعب الفلسطيني في حدود الضفة والقطاع كما يتصور بعضهم. كيف ذلك؟ وما هو دور هذا الجدار العنصري؟!

وبات واضحاً أن هذا الجدار قد ابتلع الأراضي الفلسطينية، وبات واضحاً أنه صادر مصدر الرزق الفلسطيني الوحيد، وبات واضحاً أنه قطع أواصر المجتمع الفلسطيني، وبات واضحاً أنه يستنزف القدرة الاقتصادية الفلسطينية، وبات واضحاً أنه يعمق الفقر في حياة شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع!! وبات واضحاً أنه يحول دون دخول عشرات الآلاف من شعبنا الفلسطيني إلى الداخل بهدف البحث عن مصدر رزق لهم. إذاً أمام تراكم هذه المآسي يوماً بعد يوم على شعبنا الفلسطيني مما سيؤدي إلى تعميق الفقر كما قلت، ومما سيؤدي إلى انتشار الجوع والأمراض والجهل.

أمام كل ذلك فأنا على قناعة أن المؤسسة الإسرائيلية تخطط بالاتفاق مع بعض الحكومات العربية والغربية لفتح باب سفر شعبنا الفلسطيني إلى الخارج على مصراعيه طلباً للخبز والطحين؛ وبذلك تطمح المؤسسة الإسرائيلية بأن تنجح بذلك بترحيل مئات الآلاف من شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع إلى الخارج؛ وبذلك تطمح بعلاج الخطر الديمغرافي الفلسطيني بهذا الأسلوب التصفوي الذي ظاهره الرحيل الاختياري الفلسطيني بواسطة هذا الجدار العنصري، وبأسلوب تلقائي تمنع عن طريق هذا الترحيل الذي ظاهره اختياري ـ تمنع تحول زيادة الفلسطينيين في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية إلى خطر ديمغرافي؛ فبدل أن يبقى (سوفر) يجمعنا مع أربعة ملايين في الضفة والقطاع؛ فبعد الترحيل سيجمعنا مع أقل منهم، وهذا ما يجعلني على قناعة أن هذا الجدار العنصري أقيم لإبعاد الخطر الاستراتيجي القادم من شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، ولإبعاد الخطر الاستراتيجي القادم منا نحن الفلسطينيين الصابرين في أرضنا في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية. بمعنى أن هذا الجدار أقيم من أجلنا كذلك نحن ـ فلسطينيي الداخل ـ على اعتبار أننا جزء من المشكلة في عين المؤسسة الإسرائيلية الرسمية؛ بل وأبعد من ذلك.

إن هذا الجدار العنصري المشوه المولد جاء لتصفية حق العودة إلى الداخل الفلسطيني، أو حتى إلى الضفة والقطاع والقدس الشريف. هكذا خططت حكومة العمل وأخواتها وفق قناعتي، وهكذا تابعت حكومة الليكود وأخواتها تنفيذ هذا المخطط. الحكومات الإسرائيلية المختلفة تطمح أنها إذا نجحت بدفع شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع إلى الرحيل الذي ظاهره اختياري أن يقول على ضوء ذلك كل واحد من الخمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الخارج: لا معنى ولا فائدة لإصرارنا على حق العودة إذا بات نفس شعبنا الفلسطيني يرحلون ـ ما ظاهره اختياري من الضفة والقطاع، وبذلك تطمح المؤسسة الإسرائيلية بأن توصلهم إلى هذه القناعات الانهزامية، طمعاً من المؤسسة الإسرائيلية أن يوافقوا فيما بعد على القبول بمبدأ التعويض؛ وبذلك يسدل الستار، ويغلق ملف حق العودة الذي لا يزال يشكل الكابوس المزعج لكل القائمين على صناعة القرار في المؤسسة الإسرائيلية، بل وأبعد من ذلك بكثير.

البيان: كيف تأثرت الحركة الإسلامية بعد اعتقال زعيمها؟

? الحركة الإسلامية ليست حركة أشخاص، ولا تؤدي دورها من خلال تعلقها بالأشخاص، بل هي حركة مباركة تسعى جاهدة لإحياء الهوية الإسلامية بكل أبعادها العقائدية والوطنية والقومية في نفوس أهلنا، كما تسعى جاهدة إلى أداء دورها من خلال بناء مؤسساتها ورعايتها؛ ولذلك فإن الحركة الإسلامية إن حزنت على اعتقال كل الإخوة رهائن الأقصى إلا أنها ستبقى ماضية في طريقها بإذن الله تعالى.

البيان: كيف تنظر إلى تفاعل الجماهير عندكم أو على مستوى الشارع العربي والإسلامي مع قضيتكم؟

? لا شك أن هناك تعاطياً طيباً ومباركاً مع قضيتنا على صعيد العالم الإسلامي والعربي، وعلى صعيد الجاليات المسلمة والعربية في بلاد الغرب، وكذلك على صعيدنا المحلي في الداخل.

وأؤكد أن بعض الفضائيات العربية قد تبنت الدفاع عن قضيتنا أو متابعة كل مستجداتنا مثل قناة اقرأ والمجد والشارقة والجزيرة وأبو ظبي والعربية.

وكذلك فإن بعض الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت لا تزال تتابع قضيتنا، وهي كثيرة بحمد الله تعالى.

وكذلك فقد بادرت بعض المؤسسات الإسلامية العربية إلى تبني قضيتنا على صعيد عالمي، وما نعلمه أنه قد تم عقد مهرجانات ومؤتمرات لدعم قضيتنا، ولا تزال هناك نشاطات من المزمع عقدها قريباً.

وأما على الصعيد المحلي فقد كان هناك عشرات النشاطات التي قامت بها الحركة الإسلامية بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا عندنا في الداخل، وبالتعاون مع اللجنة الشعبية للدفاع عن رهائن الأقصى.

كما قام الأستاذ نزار يونس بإخراج فيلم وثائقي كامل عن قضيتنا باسم (إنَّا باقون) . وهناك عشرات النشاطات التي ستقوم بها الحركة الإسلامية بمناسبة مرور عام.

البيان: وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي يزعم أنه لو سجل له إنجاز واحد في فترة رئاسته للحكومة هو اعتقال الشيخ رائد صلاح لكفاه؛ فلماذا برأيك يقول هذا المسؤول هذا الكلام؟

? في الوقت الذي اعتاد فيه كل وزير سويّ منذ فجر التاريخ أن يتباهى ويفتخر بالحفاظ على التسامح الديني وحرية النشاط السياسي وحفظ الأماكن المقدسة يبدو أن عنجهية المنصب قد خلطت على هذا الوزير الألوان، ولم يعد يميز بين الأسود والأبيض، ويبدو أن جنون البقر الذي أصاب حكومة العجوز شارون قد افقده الفهم السليم، ولم يعد يميز بين الخير والشر، وبين الحسن والقبيح، وبين البناء والهدم، وبين الاضطهاد الديني والتسامح الديني، وبين حفظ المقدسات وانتهاك حرمتها.

وراح الوزير المذكور يتباهى ويبرز عضلاته أمام أعضاء مركز الليكود وهو يتلو عليهم بيانه السياسي، ويمرر عليهم هذه الإنجازات الممسوخة قائلاً لهم: (عندما رأيت مادة التحقيق ـ المتعلقة بالحركة الإسلامية ـ قررت أن هؤلاء يجب وضعهم خلف قضبان السجن) . ولكن ليتك يا وزير (تساحي) ملكت الجرأة وكشفت لهؤلاء الأعضاء البصّامين ما هي مادة التحقيق التي رأيتها؟ هل تقصد أنك رأيت من خلال مادة التحقيق أن الحركة الإسلامية تكفُل قرابة عشرين ألف يتيم في الضفة والقطاع؟ أو هل تقصد أنك رأيت من خلال مادة التحقيق أن الحركة الإسلامية تقوم على دعم الفقير وإعانة المريض وتزويد المستشفيات بمولدات الكهرباء وتوابيت الموتى وحقائب الإسعاف وبعض الأدوية، وتوفير المحروقات لبعض البلديات خلال ليالي العيد في الضفة والقطاع؟ أو هل تقصد أنك رأيت من خلال مادة التحقيق أن الحركة الإسلامية قامت من خلال بعض العاملين فيها على تقديم المساعدات الغذائية والتعليمية والرياضية لأسرى الحرية من أهلنا فلسطينيي الداخل في داخل سجونهم عبر إدارات السجون؟! وهل تقصد أنك رأيت من خلال مادة التحقيق أن الحركة الإسلامية لا تزال تقوم بدور مشرف خدمة للقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك؟ وهل تقصد انك رأيت من خلال مادة التحقيق أن الحركة الإسلامية لا تزال تنشط بدورها الحضاري المتألق خدمة لأهلنا كل أهلنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) ؟ وهل تقصد أنك رأيت من خلال مادة التحقيق أن الحركة الإسلامية قد ثابرت على إنجاز مشروعنا الحضاري التقدمي (المجتمع العصامي) ؟ أم أنك تقصد (لَوْكَ) تلك المقولات المخابراتية التي بتنا نسمع صداها في أروقة المحكمة والتي مفادها أن الحركة الإسلامية تقوم بدعم البنية الإرهابية (للإرهاب الفلسطيني) ؟ إن كنت تقصد ذلك فإننا وعلى هامش مقالنا ومن هنا من على صفحات صحيفة صوت الحق نتحداك أن تضرب مثالاً واحداً على ذلك!! ولكن بشرط ألا يكون من نسج خيالك ولا خيال الدائرين في فلك أصحاب الكاميرات الخفية وأجهزة التنصت السرية وأصحاب الوعي المفقود المفروض؟ أم أنك تقصد (لَوْكَ) مقولة مخابراتية أخرى مفادها أن بعض جمعيات ومؤسسات الحركة الإسلامية على اتصال مع بعض مؤسسات (الإرهاب الفلسطيني) في الخارج أو على اتصال مشبوه مع بعض المؤسسات في إيران؟ إن كنت تقصد ذلك فإننا وعلى عجالة وعلى هامش مقالنا نعود ونتحداك أن تضرب مثالاً واحداً على ذلك؟ نعم! نتحداك كما تحدينا غيرك من العاملين الصغار والكبار والعلنيين والسريين الدائرين في فلكك. نعم! نحن على علم وكل عاقل يتابع قضيتنا على علم أن بعض المستخدمين في فلكك ممن يتحملون وزر ظلمنا في الدنيا والآخرة كانوا ولا يزالون يحاولون صناعة أمثلة مصطنعة ومبيتة على مقاسكم؛ ولكن ستبقى مفضوحة هي وكل القائمين عليها؛ ولذلك هي لم تحرجنا، بل هي تحرج مؤسستكم القضائية التي باتت في امتحان صعب جداً. فهل ستنتصر للعدل الذي يتمثل بضرورة إطلاق سراحنا فوراً وفضح كل ما جاءت به خيالاتكم المريضة من أمثلة مفضوحة أم لا؟

البيان: حدثنا عن شعار (القدس في خطر) ورحلتك مع هذا الشعار؟

? لقد بدأت رحلتنا مع هذا الشعار عام ١٩٩٦م عندما أكرمنا الله ـ تعالى ـ وقمنا بجولة تفصيلية في ذاك العام في كل معالم المسجد الأقصى المبارك الواقعة داخل سوره وخارجه وتحت الأرض، ورأينا بأعيننا الخطر الذي يتهدد المسجد جراء الحفريات، ومن فضل الله علينا أننا تمكنَّا من تصوير هذه الجولة وتوثيقها.

ثم قمنا على ضوئها بوضع خطة مرجعية مفصلة حول كيفية السعي للدفاع عن المسجد الأقصى، وقد بُنيت تلك الخطة على أساسين هما: إعمار وإحياء المسجد الأقصى.

فشرَعْنا منذ ذلك العام بالبداية في سلسلة مشاريع لإعمار المسجد الأقصى، وإعمار المصلَّى المرواني وإعمار سطحه وإعمار الأقصى القديم، وفتح بوابات المصلى المرواني العملاقة، وتنظيف الساحات، وإقامة وحدة حمامات ومتوضأ في باب الأسباط، وحطة وفيصل. ثم بدأنا بجانب مشاريع الإعمار في تسيير مسيرة البيارق وإقامة دورين في المسجد الأقصى، وإنشاء صندوق طفل الأقصى ومهرجان صندوق طفل الأقصى السنوي، ثم أقمنا مؤسسة (مسلمات من أجل الأقصى) بجانب الحرص على إعماره.

وفي نفس الوقت بدأنا بسلسلة نشاطات إعلامية مكثفة، وكان على رأسها إقامة مهرجان (الأقصى في خطر) الأول عام ١٩٩٦م، وقد حضر ذلك المهرجان قرابة ٣٠ ألفاً من أهلنا، ثم حرصنا على إقامة هذا المهرجان كل عام؛ حيث تحوَّل بفضل الله ـ تعالى ـ إلى مهرجان عالمي استقطب الإعلام العربي والإسلامي والعبري من كل مكان.

البيان: الأقلية العربية عندكم تواجه قبضة حديدية سواء بالمضايقات أو الاعتقالات: كيف تنظر إلى مستقبل فلسطينيي ٤٨ خلال السنوات القادمة؟

? نحن نعيش في مرحلة صعبة جداً، ولا أبالغ إن قلت إنها أخطر وأصعب من مرحلة النكبة عام ١٩٤٨م، أو ربما تتساويان؛ حيث إننا في خطر، ووجودنا في خطر، وأرضنا وبيوتنا ومقدساتنا في خطر، ومن يتتبع الأحداث داخل إسرائيل يجد أن المنظمات الإرهابية اليهودية تسعى للتعرض، وقتل بعض قيادات وسطنا العربي عن سابق إصرار، كما أنها تهدد بضربنا بالصواريخ وإلقاء القنابل على المساجد، والتجرؤ على إحراق المساجد. بجانب ذلك لا تزال بعض أذرع المؤسسة الإسرائيلية تصادر أرضنا، وتهدم بيوتنا، وتدعو إلى ترحيلنا واعتبارنا خطراً سكانياً يتهدد الدولة العبرية على حد قولهم.

البيان: (عيد ضحاضحة) هل هي نكتة أم هو شخص حقيقي هناك أشخاص متهمون بإقامة علاقة أمنية خطيرة معه؟

? لا أقول «نكتة» بل هي «مهزلة» وتدل على غباء العاملين في جهاز المخابرات الإسرائيلية؛ حيث ورد في أوراق الدكتور سليمان أحمد وهو من معتقلي رهائن الأقصى أنه تلقى معايدات واتصالات في عيد الأضحى المبارك، ولأن رجال المخابرات «مولهون جداً باللغة العربية» فقد قرأ أحدهم مصطلح عيد الأضحى على أنه «ضحا ضحة» ، وظن هذا (العبقري) من رجال المخابرات ان عيد الأضحى كائن حي وهو رجل مسلم وإرهابي، وظن رجل المخابرات (العبقري) أن الدكتور سليمان كان على اتصال معه، وهكذا اتهم الدكتور سليمان بالإرهاب.

البيان: هل تملك النيابة العسكرية الصهيونية أدلة أو أدوات لاتهامكم؟

? واضح جداً أن اعتقالنا هو اعتقال سياسي ظالم، وواضح أنه يقوم على ادعاءات وهمية من قِبَل المخابرات التي تصر على استمرار اعتقالنا وعلى استمرار محاكمتنا، وإلا فإن النيابة قد قالت أكثر من مرة لمحامينا إنها لو كانت تملك الصلاحيات الكاملة للتصرف في أمر ملفنا لأمرت بإطلاق سراحنا.

ثم إن الكل بات يعلم أن المخابرات حاولت أن تساومنا بعد اعتقالنا لابتزاز مواقف سياسية منا؛ حيث عرضوا علينا أن نكتب ما يتفق مع خطاب المؤسسة الإسرائيلية حول المسجد الأقصى والتعايش والسيادة الإسرائيلية واستنكار أعمال المقاومة الفلسطينية مقابل التفاوض حول مستقبل اعتقالنا.

نحن دسنا على هذا العرض البائس، بل بعد ذلك قُدِّمت لنا عروض علنية عن طريق أحد محامينا بأن نعترف بأحد بنود الاتهام التي يوجهونها ضدنا مقابل إطلاق سراحنا، فدسنا على هذا العرض كذلك.

لذلك فنحن على قناعة أنهم في وضع محرج جداً؛ حيث وجهوا ضدنا تهماً تقوم على أوهام سفيهة، ليس إلا، وظنوا أننا تحت ضغط الاعتقال سنوافق على عقد صفقة معهم تتفق مع مخططاتهم ضد جماهيرنا العربية في الداخل بشكل عام وضد الحركة الإسلامية بشكل خاص.

ولكن هيهات هيهات! وصار مجمل القول: إنني كنت ولا زلت أشعر بالغثيان كلما سمعت طاقم النيابة يوجهون إلينا تهمهم المريضة على اعتبار أننا إرهابيون؛ لأننا نكفل آلاف الأيتام من أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع. وعلى اعتبار أننا وزعنا آلاف الطرود الغذائية على العائلات المحاصرة في الضفة والقطاع، وعلى اعتبار أننا دعمنا المستشفيات هناك بالمساعدات الطبية، وعلى اعتبار أننا نهضنا لإعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك، وعلى اعتبار أن بعضنا حرص على تقديم المساعدات الإنسانية للسجناء السياسيين، وعلى اعتبار أننا حاولنا النهوض ببناء متطلبات حياتنا المختلفة بأنفسنا في النقب والمثلث والجليل والمدن السياحية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) بواسطة مشروع «المجتمع العصامي» .

ثم كنت ولا زلت أشعر بالغثيان كلما سمعت النيابة وهي تفتري علينا افتراءات رخيصة مدعية أنه كان لنا علاقات مشبوهة بإيران.

وادعاء النيابة بوجود مواد سرية ضدنا هي محاولة دنيئة لمواصلة ابتزاز اعتقالنا من المحاكم إلى أجل غير مسمى، وهي محاولة للتأثير على قناعات القضاة النفسية منذ إعلانهم عن القرار الأخير في ملف اعتقالنا، ثم لقد تجمعت لدينا قراءة تؤكد أن ادعاء النيابة بوجود مواد سرية هو تضخيم لوهم تافه لا أساس له من الصحة.

البيان: من هم العملاء الذين ورد ذكرهم في لائحة الاتهام وأنكم تتعاملون معهم ضد الدولة؟

? إن الذي يقرأ لائحة اتهاماتنا جيداً يجد أن المؤسسة الإسرائيلية تسارع إلى تحويل كل مؤسسة إسلامية إلى إرهابية ما دامت تبدي استعداداً لتقديم الدعم الإنساني لنا، أو كي تمرر المؤسسة الإسرائيلية هذه النظرية القائمة على أساس أن كل مؤسسة إسلامية تبارك تقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني تعتبرها مؤسسة تابعة لحركة حماس، أو تتهمها هي بأنها إرهابية.

وهذا التوجه الخبيث يهدف إلى إبقائنا نعاني من سياسة التمييز التي تصر المؤسسة الإسرائيلية على مواصلة ممارستها ضدنا؛ مع حرص هذه المؤسسة على منعنا باسم القانون من تلقي مساعدات إنسانية من أية مؤسسة إسلامية أو عربية. على ضوء ذلك فقد اعتبروا أن كل المؤسسات التي كان لبعض منا أي اتصال بها هي مؤسسات إرهابية وهو اتصال بجهات أجنبية.

البيان: كنتَ قد وصفت ما يحدث معكم أنه هو مجرد مسرحية صهيونية؛ فهل هناك أيادٍ خفية تشارك فيها، ومن هي؟

? ليس سراً أن الذي شارك في هذه المسرحية هو رئيس الحكومة شارون رئيس جهاز (الشاباك) المخابرات أفي دختر، ووزير الأمن الداخلي تساحي هنغفي، بالإضافة إلى بعض مراكز الدراسات العبرية التي طالبت منذ سنوات بضرورة إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وحل كل مؤسساتها، وإغلاق كل مكاتبها، وإغلاق صحيفة صوت الحق والحرية، ومنع قيادة الحركة الإسلامية من السفر إلى الخارج، والتشديد على رقابة المساجد. ولا شك أن ما يقع علينا اليوم هو جزء من الحرب المسعورة على الإسلام والأمة الإسلامية والعالم العربي.

البيان: نتنياهو شبَّهكم بالورم السرطاني؛ فما هو تعقيبكم؟

? لقد تسابقت القيادات الصهيونية على رجمنا بشتى النعوت النابية؛ فهذا (نتنياهو) شبهنا بورم سرطاني، وذاك رجل الدين اليهودي (عفاديا يوسيف) شبهنا بالأفاعي والعقارب، وبعضهم الآخر اعتبرنا قنبلة موقوتة أو طابوراً خامساً، ولكن الخطير في كل هذه النعوت النابية أن بعض الإرهابيين اليهود دعوا إلى تشكيل منظمات إرهابية ومحاولة الاعتداء علينا وعلى بيوتنا وعلى مساجدنا بالصواريخ والقنابل؛ حيث وجد بعضهم مسوغات من هذه التصريحات للمطالبة بترحيلنا.

البيان: هل تواجه الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر خطر الإقصاء؟

? كما قلت خلال أجوبتي السابقة إن المطالبة بإخراج الحركة الإسلامية عن القانون وحل جميع مؤسساتها هي مطالبة قديمة، ولا يزال بعض العاملين في المؤسسات الإسرائيلية في كل مناسبة يعودون لتأكيد هذه المطالب.

ويبدو أن هناك إصراراً في المؤسسة الإسرائيلية على تنفيذ هذه المطالب بشكل تدريجي تحت ادعاء قانون مزين ومصطنع سلفاً تماماً كما يعتدى علينا اليوم في ملف رهائن الأقصى، وكما يجري اليوم من مسألة تقديم رئيس تحرير صوت الحق والحرية إلى المحكمة بسبب نشر تفسير أي آية من القرآن الكريم كمقدمة للمطالبة العملية بإغلاق الصحيفة.

وإنَّا على قناعة أن مبدأ الإقصاء أو الإبعاد هو مبدأ موجود كخطة مرجعية في (سجارور) المؤسسة الإسرائيلية. إنَّا على قناعة أن المؤسسة الإسرائيلية لديها قابلية وسعي للقصاص منا كأفراد أو تغييبنا كمجموعات إذا ما وجدت في ذلك المصلحة والوقت والظروف المناسبة لذلك. أعود وأقول إن الأيام القادمة حبلى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

البيان: إسرائيل تشبِّه الأقلية العربية داخل فلسطين التاريخية بالقنبلة الديموغرافية؛ فهل هذا تهديد جدي أو هو مما صنعته الدولة العبرية؟

? هو تشبيه تسعى بعض أذرع المؤسسة الإسرائيلية إلى التأكيد عليه بين الفترة والأخرى عن سبق إصرار بهدف بناء أرضية قبول لدى المجتمع اليهودي لترحيل أفراد منا، أو لترحيل بعضنا، أو لترحيل جماعي، ولذلك باتوا يتحدثون أن نسبة وجودنا في المستقبل ستوازي نسبة الوجود اليهودي؛ وهذا ما يهدد صبغة يهودية الدولة على حد تعبيرهم، ولا يزال بعضهم في المؤسسة الإسرائيلية يتحدث عن ضرورة ضم أمّ الفحم ومنطقة المثلث إلى السلطة الفلسطينية، وهو مطلب خبيث تهدف من خلاله إلى فتح باب ترحيلنا باسم التعديل الحدودي مع السلطة الفلسطينية.

البيان: هل ساعد صعود اليمين في إسرائيل الأجهزة الأمنية الصهيونية على استعمال القبضة الحديدية ضدكم؟

? إنَّا على قناعة أن مواجهتنا هي مطلب حثيث من قِبَل بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية العبرية، وهو ما بينته خلال أجوبتي السابقة، ولا يوجد أصلاً ارتباط بين هذا المطلب وصعود اليمين الإسرائيلي، إلا أنهم وجدوا في صعود اليمين فرصة لبداية تنفيذ هذا المطلب تدريجياً.

البيان: هل تحولت سياسة إسرائيل تجاه عرب ٤٨ من الملاءمة والتكيُّف إلى المواجهة والصدام؟

? أنا على قناعة أن السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي ٤٨ كانت منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨م هي سياسة مواجهة وتصادم؛ بدليل أننا منذ النكبة لا زلنا نعاني من سياسة هدم بيوتنا، ومصادرة أراضينا، ومصادرة أوقافنا ومقدساتنا، ولا زلنا نعاني منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨م من سياسة الاضطهاد الديني والتمييز القومي، ومصادرة حقوقنا القومية، ومواصلة إبقاء الظلم التاريخي علينا، ومواصلة مطاردتنا عن طريق المخابرات بهدف تخويفنا واعتقالنا وفرض الإقامات الجبرية علينا، ولكن الذي غُيِّر هذه الأيام أن حدة المواجهة والمصادمة قد اشتدت واتسعت دائرتها، وتلوثت أساليبها لدرجة أننا أصبحنا في خطر: وجودنا في خطر، وأرضنا وبيوتنا ومقدساتنا في خطر.

البيان: ما هي آخر المعلومات التي بحوزتكم حول الحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك؟

? إن المؤسسة الإسرائيلية ومن خلال ممارساتها على أرض الواقع باتت توحي ممارساتها هذه للأيدي اليهودية الإرهابية، وباتت توحي لنا ثم لغيرنا أن هدم المساجد أو إحراقها هو الجائز فقط دون الحصول على تصريح لذلك.

وبذلك باتت ممارسات المؤسسة الإسرائيلية تشجع الأيدي اليهودية الإرهابية على مواصلة حرق المساجد أو هدمها؛ بدليل أن بعض هذه الأيدي اليهودية الإرهابية قامت بهدم مسجد أم الفرج قبل سنوات، وبعض آخر من هذه الأيدي قامت بإلقاء قنبلة على مسجد حيفا قبل أشهر، وأخرى من هذه الأيدي قامت بحرق مسجد الفاروقي في بيسان قبل أسابيع؛ وبذلك باتت ممارسات المؤسسة الإسرائيلية التي سجلت كل هذه الجرائم على اعتبار أن المجرم مجهول ـ باتت هذه الممارسات تشعر هذه الأيدي اليهودية الإرهابية بالأمن والطمأنينة.

وباتت هذه الممارسات تشعرها أن أقصر طريق للتخلص من مظاهر الوجود الإسلامي والعربي الفلسطيني على طول البلاد وعرضها أن تأخذ هذه الأيدي اليهودية الإرهابية القانون بيديها، وأن تحرق أو تهدم أو تدنس أو تجرف من المساجد أو الكنائس أو المقابر ما تشاء.. إلخ.

ولا شيء يقلق هذه الأيدي اليهودية الإرهابية؛ لأن كل جرائمها ستسجلها المؤسسة الإسرائيلية على اعتبار أن المجرم مجهول، وسيتم إغلاق ملف الجريمة رقم واحد من هذا القبيل، ثم الجريمة رقم ألف، ثم الجريمة رقم عشرة آلاف ... ثم إلخ؛ وذلك لعدم توفر الأدلة حول هوية المجرم. وبذلك تحولت المقولة الرسمية التي لا تزال تخادع بها المؤسسة الإسرائيلية الآخرين أنها تعشق الحفاظ على مقدسات الآخرين، وبذلك تحولت هذه المقولة إلى مقولة مريضة وبائسة وهي من قبيل (ذر الرماد في العيون) .

وليفهم على ضوئها كل عاقل يهودي وعربي وأجنبي، وكل عاقل مسلم وغير مسلم في كل العالم أن المؤسسة الإسرائيلية هي المسؤول الأول والأخير والوحيد عن أية محاولة هدم كان قد تعرض لها أو قد يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك؛ وسواء قالت لنا المؤسسة الإسرائيلية أو قد تقول لنا في المستقبل القريب إن المسؤول عن محاولة (هدم المسجد الأقصى) رقم واحد أو رقم مليون هو مجهول أو هو فلان المتطرف اليهودي الشاذ أو تنظيم فلان الاستيطاني الإرهابي؛ فإن كل ذلك لا يعني شيئاً، وستبقى المؤسسة الإسرائيلية في نظري وفي نظر كل عاقل في الدنيا هي المسؤول الأول والأخير والوحيد عن أية محاولة لهدم المسجد الأقصى.

ووفق قناعتي فإن التقرير المطوَّل الذي أعده الصحفي (نداف شرغاي) الذي نشرته صحيفة هآرتس يوم الإثنين ٥/٤/٢٠٠٤م والذي يجتهد فيه هذا الصحفي (شرغاي) أن يسخِّر كل خبرته الإعلامية وكل عبقريته الصحفية بهدف أن يقنعنا بأن المؤسسة الإسرائيلية باتت لا تعرف طعماً للنوم بسبب تخوفها من قيام بعض العناصر المتطرفة اليهودية بهدم المسجد الأقصى، وأن المؤسسة الإسرائيلية باتت (قاتلة حالها) يا حرام!! وباتت تواصل الليل والنهار من أجل إحباط أية محاولة قد يقوم بها تنظيم إرهابي يهودي لهدم المسجد الأقصى.

إن كل ذلك من قبيل الدموع الكاذبة كالتي أجراها إخوة نبي الله يوسف الصدِّيق كاذبين أمام أبيهم نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ بعد أن ألقوا بالنبي يوسف ـ عليه السلام ـ في البئر، وجاؤوا إلى أبيهم نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ كاذبين حاملين قميص يوسف وقد لطخوه بدم شاة وهم يدَّعون كاذبين أن الذئب قد أكله.

وهكذا فعلت المؤسسة الإسرائيلية منذ عام ١٩٦٧م؛ فهي التي ألقت بالمسجد الأقصى المبارك في بئر عميقة مظلمة من المؤامرات، ثم ها هي تخرج على الناس من خلال صحيفة (هآرتس) متظاهرة بأنها حريصة على سلامة المسجد الأقصى، ثم متظاهرة في نفس الوقت أنها تحذر (والحاضر يُعلم الغائب) أن هناك قطيعاً من الذئاب يحاول أن يأكل المسجد الأقصى.

وكأني بها تريد أن تقول: (ها أنذا أحذر من خطورة قيام بعض اليهود المتطرفين بمحاولة هدم المسجد الأقصى؛ فانتبهوا يا كل أهل الدنيا: أنا المؤسسة الإسرائيلية لا دخل لي في ذلك! انتبهوا فقد يهدم المسجد الأقصى في قت قريب؛ فإياكم أن تظلموني ـ أنا المؤسسة الإسرائيلية ـ وتتهموني بعد ذلك أنني أنا السبب! إنهم مجرد شرذمة شواذ من اليهود المتطرفين) .

هكذا تحاول المؤسسة الإسرائيلية أن ترفع عن نفسها «العتب» فيما لو تم هدم المسجد الأقصى. ولكن كل ذلك في نظري هو بهلوانيات إعلامية مفضوحة لا تنطلي على المغفلين ولا حتى على «هيئة الأمم المتحدة» . لذلك أعود وأقول: إن المؤسسة الإسرائيلية ما دامت تبيح لنفسها احتلال المسجد الأقصى بقوة السلاح فهي المسؤول الأول والأخير والوحيد عن كل محاولة لهدم المسجد الأقصى.

لذلك يخرّف الصحفي «نداف شرغاي» ما يشاء في مقالته التي نشرتها هآرتس بتاريخ (٥/٤/٢٠٠٤م) ليقول: إن رجال المخابرات الإسرائيلية قد أبدوا تخوفهم من قيام ما يسمى بـ «شبيبة الهضاب» أو «الجيل الجديد للمستوطنين» بمحاولة تفجير المسجد الأقصى عن طريق صواريخ موجهة من بعد.

ليخرّف قائلاً: إن رجال المخابرات الإسرائيلية قد استشهدوا على حقيقة تخوفهم باعترافات المدعو «دافيد زليجر» أحد أعضاء المنظمات الإرهابية اليهودية الذي اعتُقل قبل ستة أشهر، وقال في إحدى جلسات التحقيق معه:

«إن زعيماً من زعامات المستوطنين في الضفة الغربية خطط للقيام بنسف المسجد الأقصى بمشاركة شخصين على الأقل؛ ليخرّف قائلاً: إن الشرطة الإسرائيلية قد ألقت قبل نصف سنة القبض على أعضاء من منظمة إرهابية يهودية، وخلال التحقيق معهم كشف عن خطة لنسف المسجد الأقصى ومساجد في داخل الخط الأخضر خلال صلوات الجمعة، ثم يخرّف قائلاً على لسان قائد شرطة القدس سابقاً «أرييه عاميت» :

(التخوف القائم اليوم من عملية يهودية تستهدف الأقصى من بُعد عن طريق أسلحة مناسبة، ومثل هذه الأسلحة متوفرة بكثرة في السوق الإجرامي) .

ثم يتابع تخريفه قائلاً على لسان «نفتالي فرتسبرغر» ـ محامي بعض أعضاء كاخ وشبيبة الهضاب ـ: (إن فكرة استهداف المسجد الأقصى ما زالت تطوف في الأجواء، وتتكرر منذ عشرات السنين، والذي تغير هو: من الذي سيقوم بتنفيذ هذه الخطة ... ؟ اليوم هناك تصعيد متواصل في اتجاه نسف المسجد الأقصى) .

ثم يصرح على لسان «حيزي كالو» - رئيس قسم غير العرب في جهاز المخابرات الإسرائيلية في سنوات التسعينيات؛ حيث فسر أقوال «آفي ديختير» رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي في اجتماع هرتسليا المشهور ـ: (إن هناك تهديداً استراتيجياً من قِبَل المتطرفين اليهود) . إن «ديختر» كان يقصد في كلامه إمكانية تنفيذ خطط يهودية لنسف المسجد الأقصى بكل ما للكلمة من معنى. ليخرّف كل ذلك؛ فإن المؤسسة الإسرائيلية ما دامت تبيح لنفسها احتلال المسجد الأقصى بقوة السلاح؛ فهي المسؤول الأول والأخير والوحيد عن كل محاولة لهدم المسجد الأقصى المبارك.

البيان: كيف تنظرون إلى دور مؤسسة الأقصى التي تترأسونها في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك؟

? لقد بت على قناعة وعلى ضوء الوضع الرديء الذي تعيشه الأمة الإسلامية والعالم العربي مؤقتاً أنه لم يبق للمسجد الأقصى إلا صمود الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونخوة أهلنا في القدس الشريف والجليل والمثلث والنقب، والمدن الساحلية «عكا وحيفا ويافا واللد والرملة» . ويشرفنا أن تكون الحركة الإسلامية من خلال مؤسسة الأقصى هي طليعة المدافعين عن المسجد الأقصى ودائرة الأوقاف والمقدسات، ولكن لا زلت على يقين أن أمتنا الإسلامية والعربية هي أمة الخير، ولا زالت تملك القابلية للنهوض للدفاع عن القدس الشريف والمسجد الأقصى، ولكن بشرط أن نبادر إلى الأخذ بسنَّة التغيير القرآنية التي يقول الله ـ تعالى ـ فيها: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] .

البيان: ما هو الدور الريادي الذي تتمسكون به بالرغم من كل الظروف الصعبة المحيطة بكم؟

? ولأننا نعيش وضعاً فلسطينياً بات فيه أهلنا في الضفة الغربية والقطاع محاصرين براً وبحراً وجواً وغارقين في دماء شهدائهم ودموع أيتامهم، ولأننا في وضع إسلامي عربي ما لم يتغير ويَعُدْ إلى مصدر عزته الوحيد وهو الإسلام فإننا لا ننتظر منه وهو أسير هذا الوضع المذل أن ينجب صلاح الدين الجديد الذي سيعيد للقدس الشريف والأقصى المبارك كرامتهما، بل لو أنجبه ونحن نعيش هذا الوضع المذل لتم اعتقال صلاح الدين الجديد بتهمة الإرهاب والسعي إلى شق صف الوحدة القومية والوطنية ومحاولة الانقلاب على نظام الحكم الذي لا زال منقلباً على شعبه المسكين أصلاً؛ لأننا في هذا الوضع المذل الذي يفرح له العدو ويحزن له الصديق؛ هذا إذا ظل لنا أصدقاء؛ فعلينا أن نعلم انه لم يبق للقدس الشريف والأقصى المبارك على الصعيد الإسلامي والعربي إلا صمود شعبنا الفلسطيني، ثم التزام أهلنا في القدس الشريف وفي الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية بالدور المطلوب منهم الآن، وهو واجب الوقت المفروض عليهم للدفاع عن القدس الشريف والأقصى المبارك. والوقت لا يحتمل التلعثم، فإنه ـ ووَفق قناعتي ـ قد أطلقت بعض الأفواه اليهودية الإرهابية صرخة العد التنازلي معلنة أن هناك قابلية في كل لحظة لمحاولة هدم المسجد الأقصى أو اقتسامه أو إلحاق الأضرار الفادحة به بقوة السلاح وتحت مظلة مواصلة المؤسسة الإسرائيلية احتلاله عسكرياً، وزرع قواتها وأجهزتها الأمنية على أبوابه، والتحكم القهري بحركة الدخول إليه والخروج منه حتى لو أدى الأمر أن تقتحمه بالمئات من قواتها كل يوم جمعة كما نلاحظ ذلك في الآونة الأخيرة.

لا بد من إعداد مذكرة تبين ما آل إليه الوضع المأساوي في القدس الشريف والأقصى المبارك توقع عليها رموز سياسية ودينية من الأهل في الداخل، ثم تعميمها على أكبر عدد ممكن من العناوين الرسمية والشعبية على الصعيد الإسلامي والعربي والعالمي، وتعميمها على أكبر عدد ممكن من وسائل الإعلام في كل الأرض قبل أن تقع الكارثة.

ولا بد من القيام بسلسلة متواصلة ومتسارعة من المسيرات تتقدمها رموز سياسية ودينية من الأهل في الداخل تجتمع أمام السفارات والمنظمات الدولية، وتقوم بتسليمها تلك المذكرة، وتؤكد لها أنها إن ظلت صامتة فستتحمل جزءاً من مسؤولية أية كارثة قد تقع في كل لحظة.

مع كل الوضع المذل الذي يغطي العالم الإسلامي والعربي حكاماً وشعوباً لا بد من دق ناقوس الخطر لأمة المليار قبل أن تقع الكارثة، وحثهم على عقد المؤتمرات والندوات والمهرجانات الحاشدة بالعلماء والنواب والوزراء والقوى السياسية الحزبية والشعبية بهدف فتح ملف القدس الشريف والأقصى المبارك على مصراعيه قبل أن تقع الكارثة عسى الأمة الإسلامية والعربية أن تشفى بعد استفحال أمراضها، وحثهم على تسخير الفضائيات العربية التي لا تزال تتمسك بأصالتها الإعلامية الإسلامية والعربية. ومن أجل إبلاغ هذه الرسالة إلى كل من يهمه الأمر فلا بد من تشكيل وفد من رموز سياسية ودينية من الأهل في الداخل يقوم بزيارة كل عنوان مناسب ومتيسر على الصعيد الإسلامي والعربي.

ولا بد من تنشيط القواعد السياسية الحزبية والشعبية في الداخل، وسعي كل حزب لإلزام كل فرع له بما في ذلك مؤيدوه لتنظيم رحلة شهرية على الأقل إلى القدس الشريف والمسجد الأقصى وسائر معالم القدس الدينية والتاريخية والحضارية؛ ففي ذلك تواصل دائم مع القدس والأقصى وسائر معالمها، وفي ذلك تنشيط لشبكة الفنادق والمطاعم والأسواق والحركة السياحية والاقتصادية في القدس الشريف، وفي ذلك حضور متواصل ودائم ورباط مناصر للمسجد الأقصى المبارك. وفي نظري أن واجب الوقت يملي على عشرات الآلاف منا أن يشددوا على قضاء عطلهم السنوية وأيام أعيادهم في القدس الشريف فقط بدلاً من عشرات الأسماء التي تعرضها عليهم الشركات السياحية لاستنزاف أموالهم في أنحاء شتى من المعمورة بعيداً عن جرح القدس الشريف والأقصى المبارك. ويكفي أن أقول إنني قبل سنوات قمت مع بعض الإخوة بتحديد الميزانية التي صرفها أهلنا في الداخل خلال رحلاتهم في أحد أيام عيد الأضحى، فوجدنا أنهم قد أنفقوا على أقل تقدير مبلغاً بقيمة خمسين مليون دولار؛ فتصوروا لو أنهم استجابوا لواجب الوقت وأنفقوا ذلك في القدس الشريف! وتصوروا لو أن أهلنا اليوم بادروا بشجاعة إلى إلزام أنفسهم بالاقتصاد الواعي في نفقات أعراس التخمة المجنونة، ثم قاموا بإنفاق ما تم توفيره من نفقات هذه الأعراس المتخمة المجنونة على جرح القدس الشريف والأقصى المبارك!

وتصوروا لو أن وفود الحجاج والمعتمرين الذين حجوا واعتمروا حتى الآن عشرات المرات! تصوروا لو أنهم أدركوا بعد أن حجوا واعتمروا عشرات المرات أن واجب الوقت يملي عليهم ـ إن كانوا يطمعون صادقين بالأجر من الله تعالى ـ يملي عليهم أن ينفقوا كل الأموال التي جمعوها من أجل أداء حجات وعمرات أخرى على جرح القدس الشريف والأقصى المبارك؛ ففي ذلك الأجر الأعظم والثواب الأجزل من الله رب العالمين. تصوروا لو فقهوا ذلك شرعاً وأطاعوا الله ـ تعالى ـ متجردين من هوى أنفسهم؛ لكان بإمكانهم أن ينفقوا عشرات الملايين من الدولارات على جرح القدس الشريف والأقصى المبارك دون أن يكلفوا أنفسهم فوق وسعها! ولا أتردد أن أقول لأنني ممن اجتهدوا أن يساهموا إسهام المقل في مشاريع إحياء وإعمار القدس الشريف والأقصى المبارك؛ فأنا على يقين أنهما بحاجة إلى ملياراتنا التي لا زلنا ننفقها جهلاً في خانة التبذير أو في خانة تقديم المفضول على الأفضل.

البيان: كلمةً أخيرة!

? لا زلت أؤكد أننا نعيش في مرحلة استثنائية صعبة، وواضح جداً أن معطيات هذه المرحلة تؤكد أننا في خطر، ووجودنا في خطر وأرضنا وبيوتنا ومقدساتنا في خطر.

فقد استباح بعض المتطرفين اليهود لأنفسهم محاولة قتل بعض قياداتنا عن سبق إصرار، والمثال على ذلك محاولة تفجير سيارة الأستاذ عصام مخول ـ عضو كنيست عربي ـ ومحاولة نسف بيت الأستاذ محمد بركة ـ عضو كنيست عربي ـ بصاروخ وإلقاء قنابل على مساجد بحيفا.

وها هي أذرع الأمن الرسمية قتلت منا حتى الآن ثلاثة وعشرين شهيداً منذ هبة الأقصى والقدس.

وها هي بعض أذرع المؤسسة الرسمية لا تزال تصادر أرضنا، وتهدم بيوتنا، وها هم بعض الإرهابيين اليهود لا يزالون يحرقون مساجدنا.

وها نحن لا زلنا نعاني من تواصل الظلم التاريخي علينا منذ ١٩٤٨م. إزاء ذلك فلا يسعني إلا أن أقول لجماهيرنا العربية الفلسطينية في الداخل: إن علينا الالتقاء جميعاً على خطة مرجعية استراتيجية نحدد من خلالها كيف نحافظ على وجودنا وصمودنا في هذا الوضع الاستثنائي الرديء.

ومن خلف قضبان سجن أشمورت أؤكد للعالم الغربي أنَّا نحب لكم الخير؛ لأن إسلامنا يأمرنا أن نحب الخير لكل بني البشر.

كما ونحب لأنفسنا ولكم أن يسود العالم الذي نعيش فيه السلام العالمي؛ لأن السلام إن كان عند غيرنا برنامجاً سياسياً فهو جزء من إسلامنا.

ولا زلنا نؤكد لكم أن الأصل في العلاقة التي يحددها القرآن بيننا وبينكم هي التعارف. يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: ١٣] .

لذلك نحن لسنا عشاق حروب كما يحاول بعضهم أن يضللكم، ولسنا نكرهكم كما يحاول بعضهم أن يجركم إلى صِدام مفتعل معنا.

وما نتمناه لكم ألا تنجرُّوا وراء وحيد القرن الأمريكي؛ وما نعرضه عليكم أن: {تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: ٦٤] .

ومن خلف قضبان سجن أشمورت أؤكد لعالمنا الإسلامي والعربي أنه ورغم الوضع الرديء الذي نعيش فيه، إلا أننا نعتز بالانتماء العقائدي والقومي إلى عالمنا الإسلامي والعربي.

ولا زلنا على يقين أن هذا العالم الإسلامي والعربي لا يزال يحمل في داخله كل خير، ولا يزال يحمل مقومات الحضارة التي ستنهض به عما قريب لاستئناف الحضارة الإسلامية العربية وقيادة العالم إلى بر الإيمان والأمان.