للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل حققت الصهيونية آمالها باحتلال العراق؟]

عبده عياش

يُجمِع المحللون والمراقبون السياسيون وخبراء السياسة الدولية أن حماية أمن الكيان الصهيوني «إسرائيل» هو أهم هدف لغزو واحتلال القوات الأنجلو أمريكية للعراق الشقيق إلى جانب الأهداف الأخرى المتمثلة في السيطرة على منابع النفط العراقي ومنطقة الخليج العربي، وأيضاً الهيمنة العسكرية والسياسية المباشرة على الممرات البحرية وطرق المواصلات العالمية لترسيخ الزعامة الانفرادية الأميركية على العالم وخصوصاً المنطقة العربية المكتنزة بالثروات والخيرات بأنواعها وأشكالها وكمياتها.

ويرى الباحثون الاستراتيجيون أن أمن دولة العدو قد توفر في الوقت الراهن بعد تدمير أميركا للقدرات العسكرية العراقية وإنهاء أي قدرة على تهديد ذلك العدو عقب تحلل الجيش العراقي بكافة أسلحته الجوية والصاروخية وحتى البرية، وهذا الأمر يؤكد أن حرب غزو العراق قامت بها القوتان الاستعماريتان أميركا وبريطانيا نيابة عن ربيبتهما اللقيطة (إسرائيل) .

ويبدو أن الأساطير اليهودية الصهيونية هي التي روجت لضرورة سحق القوة العراقية مبكراً؛ حيث يجد اليهود في تلمودهم المزعوم أن خراب دولتهم الثانية سيكون على أيدي جند أولي بأس شديد يخرجون من أرض بابل كما خرج نبوخذ نصّر الذي خرب دولتهم الأولى قبل آلاف السنين، وسباهم رجالاً ونساءً أسرى وعبيداً.

وعقب سقوط بغداد ودخول القوات الأمريكية الغازية إلى شوارعها وأحيائها كان أول الفرحين والشامتين (الإرهابي شارون) الذي أعرب عن سعادته باحتلال الأميركان لبغداد، وبينما كان العرب والمسلمون يعتصرهم الألم والقهر كان الصهاينة فرحين والابتسامات تعلو وجوههم، ويتبادلون التهاني، ويتعاقرون الخمر سعادة وطرباً بما وقع.

وخلال الأيام والأسابيع الماضية قبل وبعد الغزو الأنجلو أمريكي للعراق كانت أنباء تتحدث عن أصابع خفية يهودية صهيونية تعمل بإصرار لتحقيق الاستراتيجية الصهيونية في المنطقة من خلال إسقاط العراق لتتاح الفرصة لبني صهيون لتنفيذ مخططهم في فلسطين لإعلان (إسرائيل الكبرى) على أشلاء ودماء الفلسطينيين، وخراب ودمار دول العرب والمسلمين.

` حقد ومكائد:

منذ فجر الإسلام اتخذ اليهود موقفاً عدائياً من الإسلام عقيدة ورسولاً وأمة؛ فنفسياتهم النرجسية وسلوكياتهم العنصرية، وطبيعتهم الحاقدة والحاسدة، وأيضاً تاريخهم الحافل بالجرائم والمنكرات، ابتداءً من استحلال الحرام ونقضهم للعهود والمواثيق، وكفرهم وعصيانهم، وانتهاء بقتل الأنبياء والمرسلين، كل ذلك شكل موقفهم العدائي من الإسلام الذي أُرسل به النبي العربي الكريم محمد #، فحاكوا المؤامرات والمكائد، وأشعلوا الفتن والحروب حقداً من عند أنفسهم على أمة الإسلام من عرب وعجم.

وبرغم ذلك عاشوا في ديار المسلمين وتحت راية دولة الإسلام على مدى أكثر من ١٤٠٠ عام في أمان وسلام. ويؤكد هذا المعنى المؤرخ الإسرائيلي (صموئيل أتينجر) (١) بقوله: «عاش يهود المشرق الإسلامي على مدى ما يقرب من ألف ومائتي عام تحت حكم الإسلام؛ وقد أطلق عليهم طيلة هذه الفترة اسم أهل الذمة، وكان يحق لهم ممارسة شعائرهم الدينية في مقابل الجزية التي كانوا يدفعونها للسلطات التي كانت تتولى حماية ممتلكاتهم، واتسمت علاقة اليهود بالمجتمع المحيط بهم من المسلمين بقدر كبير من الاستقرار» .

ويقرر أن «وضع يهود الشرق أفضل بكثير من وضع يهود أوروبا الذين اضطهدوا لأسباب سياسية واقتصادية ودينية؛ فكثيراً ما كانوا يُطردون من البلدان التي أقاموا فيها؛ في حين لم يتعرض يهود بلدان الشرق لنفس المصير» .

هذه الشهادة وغيرها من الوقائع والأحداث وردت في كتاب «اليهود في البلدان الإسلامية» وهو عبارة عن كتاب فيه عشرون دراسة لأربعة من الباحثين المتخصصين في دراسة تاريخ يهود العالم العربي والإسلامي.

والكتاب عبارة عن تحليل شامل للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والفكري ليهود البلدان الإسلامية خصوصاً العراق واليمن وأفغانستان، وإيران مروراً ببخارى، وعدن، وكردستان العراق، وحتى مصر، ودول المغرب العربي، كما يرصد التحولات الجذرية التي شهدها المجتمع اليهودي التقليدي منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.

` قوة في ظل الاحتلال:

أظهر التعداد السكاني الأول الذي أجري في العراق في عام ١٩٢٠م أن تعداد يهود العراق يقدر بـ ٨٧ ألف يهودي، وأظهر أيضاً أن (٥٠٣٠٠) يهودي يقيمون في بغداد، وأن ٧ آلاف يقيمون في البصرة، وفي عام ١٩٤٧م وصل تعداد يهود العراق إلى ١١٨ ألف نسمة (٢) .

ويمكن القول بشكل عام: إن أهل السنَّة من المسلمين كانوا أكثر تسامحاً تجاه اليهود، ولكن كان هناك عامل آخر حدد وضع اليهود وهو مركزية السلطة؛ حيث إنه كلما كانت السلطة مركزية أكثر وقادرة على الهيمنة بكفاءة على مقاليد القوة المختلفة، وخاصة إذا كانت هذه السلطة أجنبية كان وضع اليهود مريحاً أكثر. تفيد كتابات الرحالة التي يرجع تاريخها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى أن غالبية يهود العراق كانوا يعملون في المهن اليدوية والصرافة، وفي إنتاج الصابون والزيوت والحلويات والنبيذ؛ كما عملوا أيضاً بالتجارة.

وتسببت سيطرة اليهود على أسواق المال في تعرضهم للاضطهاد من قِبَل الأتراك الذين قالوا: إن اليهود تسببوا في انهيار قيمة العملة التركية، وبعد احتلال بريطانيا للعراق أصبح اليهود يتحكمون في اقتصاد العراق، فتولى اليهودي (ساسون يحزقيان) منصب وزير المالية في حكومة الانتداب البريطاني في العراق، كما سيطر اليهود على ما يربو من ٩٠% من حركة الواردات وأعمال المقاولات، وشغل اليهود أيضاً ٥٠% من حجم الوظائف الحكومية (٣) .

وحققت بعض العائلات اليهودية قدراً كبيراً من الثراء، وساهم افتتاح قناة السويس إلى حد كبير في ازدهار النشاط الاقتصادي في العراق، وتزايد ثراء العائلات اليهودية، وكانت عائلتا: زيلخا، وعبودي من أكثر العائلات اليهودية ثراء بالعراق، ونتيجة لسيطرة يهود العراق على حركة أسواق المال فقد ألحق رحيلهم عن العراق في عام ١٩٥٠م أشد الضرر بنظام البنوك هناك (٤) .

` خنجر مسموم في الظهر:

شارك اليهود في الحركات السياسية والقومية التي كانت ذات طابع ليبرالي، ولكن سرعان ما خرج اليهود من هذه الحركات خاصة بعد أن تزايدت في أوساطها قوة التوجهات الدينية والقومية المعادية لليهود.

وإبّان الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين انضمت أعداد كبيرة من اليهود إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وجذب هذا الحزب الذي تأسس في عام ١٩٢٤م اليهود إلى صفوفه لتأييده لقرار التقسيم الصادر في عام ١٩٤٧م والداعي إلى إقامة دولة يهودية ومعارضته للحرب، وتأييده للحل السلمي الذي دعا إليه (١) .

في الثاني من شهر نوفمبر عام ١٩١٧م شعر يهود الشرق الذين كانوا يأملون أن تنتصر بريطانيا على تركيا «الدولة العثمانية» بسعادة بالغة بعد صدور (وعد بلفور) ، وهو الوعد الذي دعا إلى إقامة وطن قومي لليهود، وبعد أن تم التوصل إلى اتفاقية (سان ريمو) في عام ١٩٢٠م والتي بموجبها وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وبعد أن تولى (هربرت صموئيل) منصب المندوب السامي البريطاني في فلسطين قال بأن كل هذه الأحداث لا تعد فقط بمنزلة اعتراف من قِبَل الآخرين بحق اليهود في فلسطين، وإنما تعد أيضاً بمنزلة خطوة عملية على صعيد إقامة «مملكة إسرائيل الثالثة» (٢) .

إبّان عقد العشرينيات كان لبعض الروابط الصهيونية في العراق بعض المنجزات المهمة في مجالي التبرعات «للصندوق القومي اليهودي» وشراء الأراضي في فلسطين.

وعند المقارنة بين حجم التبرعات التي قدمها يهود العراق إبّان عقد العشرينيات بالتبرعات التي قدمها يهود بولندا في الفترة نفسها نجد أن التبرعات التي قدمها يهود العراق كانت ضخمة للغاية، ولا يدل هذا الأمر على مدى تحمس يهود العراق للفكرة الصهيونية فحسب، وإنما يدل أيضاً على أن أوضاعهم إبّان فترة الاحتلال البريطاني للعراق كانت جيدة؛ ولذلك رأت المؤسسات الصهيونية أنه من الممكن الاعتماد على يهود العراق في مجال التبرعات المالية.

وبعد حصول العراق على الاستقلال الشكلي عام ١٩٣٢م فإن الحكومة العراقية حظرت منذ عام ١٩٣٥م النشاط الصهيوني وتدريس اللغة العبرية، والهجرة إلى فلسطين، ودخول أية صحف عبرية أو صهيونية إلى العراق.

ومع هذا بدأ يهود العراق منذ عام ١٩٤١م في ممارسة أنشطتهم الصهيونية بشكل سري، وكانت المنظمات الصهيونية الرئيسية بالعراق هي «الهجانة» و «هيحالوتس» ، وعملت هذه المنظمات على مساعدة الشباب على الانضمام إلى المنظمات الصهيونية السرية والهجرة إلى فلسطين.

` التسلل المبكر:

الدسائس والمؤامرات هي ديدن السياسة الصهيونية، وتصبح استراتيجية يُخطط لتنفيذها حين تتعلق بالعرب والمسلمين على وجه أخص؛ لذلك لا نغالي في تصوراتنا عندما نشير بأصبع الاتهام إلى اليهود الصهاينة في كارثة احتلال وتدمير العراق، فثمة مصالح كبيرة سيحصدها اليهود من وراء ذلك، سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب والبعيد.

فالعراق وإلى قبيل الغزو الأميركي البريطاني كان يشكل تهديداً مباشراً للأمن الإسرائيلي الاستراتيجي، ويقف عقبة في وجه التفوق العسكري للصهاينة، ويحول دون التوسع الجغرافي لدولة يهود الذين يحلمون بإقامة (إسرائيل الكبرى) التي حدودها من النيل غرباً إلى الفرات شرقاً، ومن جبال الأرز شمالاً في لبنان وحتى نخيل خيبر جنوباً في المملكة العربية السعودية، وهذا حلم إبليس في الجنة.

ولا غرابة أن يسعى الصهاينة لقضم ما تيسر لهم من كعكة العراق حتى وإن تعثر الأمريكان والبريطانيون في تثبيت أقدامهم على بلاد الرافدين جراء المقاومة المسلحة العراقية التي توالي تكبيدهم خسائر كبيرة وعلى رأسها حصد أرواح الجنود الأمريكان.

ويدل على صحة رأينا ما نقلته إحدى النشرات الأمنية المتخصصة في لندن على لسان رئيس الموساد الإسرائيلي حين كان يتحدث إلى ضباط وعناصر الموساد التي يطلق عليها «الشعبة العراقية» وهي المكلفة بمهمات حساسة في العاصمة بغداد، وقوله: (إننا نعود إلى بلد في غاية الأهمية الجغرافية والجيوستراتيجية، ونصبح على حدود إيران، ونطوِّق سوريا، ولذلك فالأخطاء أو الخطوات الناقصة ممنوعة) .

وتعود أخبار التسلل الإسرائيلي إلى ما قبل الغزو الأمريكي البريطاني حين نشرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية تقريراً يفيد أن القوات الأمريكية الغازية تستعين بخبرات إسرائيلية في فنون وأساليب حرب المدن وقمع المقاومة المسلحة إبّان الاحتلال، وفي هذا الإطار ألقى الكولونيل الإسرائيلي (موشيه تامير) قائد فرقة جولاني الصهيونية محاضرة على ضباط قوات المارينز الأمريكي تمحورت حول الدروس التي تعلَّمها جيش الاحتلال الإسرائيلي من الصراع المسلح مع حركات المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى.

وركزت محاضرة الكولونيل الإسرائيلي على عملية «السور الواقي» التي شنتها قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني في إبريل ٢٠٠٢م، ومحاضرته كانت جزءاً من سلسلة محاضرات وتدريبات حول حرب المدن التي كانت تتوقعها القوات الأمريكية مع الجيش العراقي.

وخلال الحرب أعلنت القيادة العراقية أنها عثرت على بقايا صواريخ تخص الجيش الإسرائيلي، وهي إشارة واضحة تؤكد أن إسرائيل خاضت الحرب على العراق جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

` اختراق استخباراتي:

أولى ثمرة قطفها الصهاينة من وراء احتلال أمريكا وبريطانيا للعراق هي إنهاء العراق كقوة إقليمية لا يستهان بها. هذا على الصعيد الاستراتيجي. أما الثمرة الأخرى فتمثلت في الاختراق الاستخباراتي للعراق أرضاً وإنساناً؛ فعلى هذا الصعيد أنشأت إسرائيل فرعاً للموساد في بغداد؛ وذلك حسب المصادر العراقية لتنفيذ مهام خطيرة تتعلق في مطاردة العلماء العراقيين، والبحث عن إرشيف المخابرات العراقية، وتجنيد العملاء المحليين، بالإضافة إلى اختراق المجتمع العراقي، والتغلغل في أوساط النخبة السياسية والحركات والمنظمات السياسية الناشئة، والتقصي والتفتيش عن برامج أسلحة الدمار الشامل، والبرنامج النووي العراقي الذي كانت إسرائيل قد سددت له ضربة قاتلة بقصفها لمفاعل (أوزيراك) العراقي أوائل الثمانينيات.

آخر المعلومات الواردة من بغداد تقول: إنه تم افتتاح مركز إسرائيلي للدراسات الشرق أوسطية في العاصمة العراقية أول أغسطس ٢٠٠٣م، ويحتل المركز مبنى كبيراً في شارع (أبو نواس) المطل على نهر دجلة، ويعد المركز أول مركز إسرائيلي يعمل علانية في بغداد بعد سقوطها، وقد تمكن من الحصول على التصريحات اللازمة من قوات الاحتلال الأمريكية، ومن وزارة الدفاع البنتاغون، كما أن حراسة أمريكية مشددة تفرض حوله.

وأكدت المصادر العراقية أن هذا المركز يتبع مؤسسة إسرائيلية تدعى «ميمري» (مركز الصحافة العربية) وأنه أنشئ قبل خمس سنوات ومقره الرئيس في العاصمة الأمريكية واشنطن وله فروع منتشرة في لندن، وبرلين، والقدس الغربية، والمركز يتولى ظاهرياً متابعة الصحافة العربية الصادرة في الوطن العربي والدول الأوروبية ولا سيما بريطانيا؛ حيث يقوم بترجمة المقالات الهامة الصادرة في الصحف العربية إلى اللغات العبرية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وتوزيعها على المشتركين، كما يقوم بتزويد المؤسسات الإسرائيلية الرسمية بهذه الترجمات (١) .

ولم يقتصر الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي للعراق على ذلك، بل إن الموساد وصل إلى بغداد على ظهر الدبابات الأمريكية، وبدأ في إقامة وتجنيد شبكات واسعة من العملاء والمخبرين، وجعل من محطة بغداد قاعدة عمليات يتم من خلالها مراقبة برامج التسلح الإيرانية، والحدود السورية الشرقية، والتغلغل أكثر في المناطق العراقية الكردية.

محللون سياسيون يحددون ثلاثة أهداف للوجود الأمني الاستخباراتي الإسرائيلي في العراق: الأول: إعادة تشغيل شبكة الموساد في العراق. والثاني: اختراق خريطة الأحزاب السياسية. بينما الثالث: يتمثل في دعم الجهود الاستخباراتية الأمريكية في البحث عن البرنامج السري العراقي للأسلحة والتحقيق مع العلماء العراقيين.

وتسربت معلومات عن أن وحدات أمنية إسرائيلية دخلت بغداد في اليوم الثاني لسقوطها، حيث تحركت تلك الوحدات من أربيل باتجاه كركوك، ثم استقرت في بغداد، وكانت برفقة قوات كردية تابعة لمسعود برزاني.

وقالت المصادر الحزبية العراقية: إن الوحدات الإسرائيلية التابعة للجنرال الإسرائيلي «ديفيد تزور» المعني بتطوير التعاون الأمني مع الأمريكيين في العراق دخلت بغداد مرتدية ملابس مدنية، وكانت تركب سيارات مدنية أيضاً مكتوب على لوحاتها «السليمانية، وأربيل» ، وبتنسيق كامل مع قنوات أمنية أمريكية (٢) .

في هذه الأثناء كشفت المصادر الصحافية أن الوحدات الأمنية الإسرائيلية في بغداد أرادت اكتشاف مخبأ أرشيف المخابرات العراقية لأسباب ترتبط بعمليات «الموساد» الإسرائيلي خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات للقرن العشرين؛ وخاصة تلك المتعلقة بصلة المخابرات العراقية مع أجهزة الأمن الفلسطينية التي قادها صلاح خلف «أبو إياد» وخليل الوزير «أبو جهاد» .

` شراء منازل وتنفيذ مخططات:

لم ينتظر الإسرائيليون كثيراً كي تستقر الأوضاع للأمريكان في العراق، فكانوا أول من وصلوا إلى بغداد بعد سقوطها وانهيار نظام حزب البعث؛ فبعد نصف قرن تمكن اليهود من العودة إلى بلاد الرافدين، وهذه المرة بطريقة علنية ورسمية.

ففي الثاني والعشرين من يونيو الفائت كشفت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية أن ممثل الوكالة اليهودية (جيف كي) قد قام بزيارة رسمية إلى العراق استمرت خمسة أيام، وهو أول شخصية إسرائيلية رسمية يزور العراق بعد احتلاله من قِبَل القوات الأمريكية البريطانية (١) .

وذكرت الصحيفة أن الزيارة تمت بموافقة الإرهابي شارون رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وأنها تمت بتنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية.

المسؤول الإسرائيلي قال لوسائل الإعلام إنه اجتمع مع اليهود الذين يسكنون في بغداد وعددهم يصل إلى ٣٤ شخصاً معظمهم من المسنين، وأنه قام بتزويدهم بالمال؛ لأنهم حسب ادعائه يعيشون في فقر مدقع، وقاموا بمرافقته إلى الكنيس اليهودي في بغداد.

في هذه الأثناء تواترت أنباء عودة يهود عراقيين إلى بغداد، وانتشرت في العاصمة العراقية منشورات ومقالات صحافية وخطب لأئمة مساجد تحذر من تغلغل اليهود في المجتمع العراقي، ومن محاولاتهم شراء مبانٍ وبيوت حكومية وخاصة داخل بغداد، وعززت هذه الأنباء ما ذكرته صحيفة (معاريف) الصهيونية التي أكدت أن عراقيين يعملون لصالح المخابرات الإسرائيلية يعتزمون شراء فندق فخم ليكون مقراً للموساد.

وأوضحت أن الموساد يعمل على شراء أو استئجار فندق يكون قريباً من فندق بغداد الذي استأجرته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

ونقلت وكالة الأنباء الإسرائيلة «عيتيم» (٢) أن جهاز المخابرات الموساد يحاول استئجار أو شراء فندق زهرة الخليج القريب من فندق بغداد وسط العاصمة، وأبلغت أصحابه بأنها على استعداد لدفع أي مبلغ يطلبونه مقابل تأجيره أو بيعه.

وقال شهود عيان (٣) : إن عراقيين بعضهم قدموا من الخارج يقومون بشراء البيوت والأراضي السكنية بأسعار خيالية خاصة أن دوائر التسجيل العقاري معطلة؛ ولذلك تتم مثل هذه العمليات الشرائية خارج الإطار الرسمي وعلى أوراق غير رسمية تشير إلى بيع العقار للشخص الفلاني «المجهول الهوية» عبر وسيط من دون طلب إخلاء ذلك العقار.

وتتركز عمليات شراء البيوت والمباني في مناطق الكرادة الشرقية، والصليخ، والمنصور والمسبح، وعرصات الهندية وهي من الأحياء الراقية في بغداد. وذكرت مصادر إعلامية أن أكثر من خمسين يهودياً عراقياً وصلوا إلى بغداد قادمين من إسرائيل لأول مرة منذ عام ١٩٤٨م، وقال أحد العاملين في الفندق الذي نزلوا به: إنهم كانوا من كبار السن ويصطحبون معهم أبناءهم الذين لا يجيدون التحدث بالعربية على عكس آبائهم.

وقام هؤلاء اليهود بشراء عقارات في شارع فلسطين ببغداد بأضعاف أسعارها المعتادة.

هذه الأنباء المتواترة لشراء اليهود المباني والبيوت في بغداد استفزت جماعات المقاومة العراقية مما حدا بواحدة منها تطلق على نفسها منظمة «الإسلاميين العرب» إنذار اليهود من مغبة المجيء إلى بغداد، وأشارت في بيان لها إلى أن ١٧ شركة صهيونية ستفتح مكاتب لها في بغداد؛ لكنها توعدت بأنها ستنسف مقرات شركاتهم.

ونقلت وكالة (فرانس برس) عن بعض الصحف العراقية الجديدة أنباء شراء اليهود للدور السكنية، والمباني العامة في بغداد؛ فصحيفة «الدعوة» كتبت في مقال بعنوان «أسرار فندق في الكرادة» أن فندقاً في وسط المدينة يستقبل مجموعة من الصهاينة بهدف شراء منازل أو قصور كانت ملكاً لضباط النظام السابق.

وعنونت صحيفة (اليوم الآخر) عدداً لها بـ «اليهود يشترون كل شيء» أما صحيفة (الهلال) فكتبت: «اليهود جاؤوا، ويشترون كما فعلوا في فلسطين» . وتساءلت صحيفة «الساعة» عما إذا كان اليهود سيطالبون بالأملاك المصادرة سنة ١٩٥١م (٤) .

إذن تواتر الأنباء يؤكد أن الصهاينة تسللوا إلى بغداد في ظل حماية الاحتلال الأمريكي لهم؛ وقاموا بعمليات شراء لمساكن ومبانٍ مختلفة كان من بينها مبنى لإقامة خلية الموساد؛ بحيث يقومون بدورهم الاستخباراتي داخل المجتمع العراقي، وينفذون مخططاتهم التخريبية، وإثارة الفتن والقلاقل في العراق.