للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقومات الشخصية الإيجابية]

د. عبد الكريم بكار

وهذا الغموض يشجع على توليد الكثير من المعاني المرتبطة بها على نحو يعكس التوجهات العقدية والفكرية لمن يقوم بذلك، كما يعكس ما تمت بلورته من مفاهيم تتعلق بالمرونة الذهنية والحيوية في السلوك والعلاقات، وما دام الأمر على هذه الصورة فإن علينا أن نجتهد على نحو متصل في إغناء مدلولات (الإيجابية) من أفق رؤيتنا العامة للحياة، ومن أفق خصوصيتنا الثقافية، وهذا ما سأفعله بحول الله وطَوْله في عدد من المقالات.

من الصعب أن تعثر في أي كتاب على تعريف جامع مانع ـ كما يقول المناطقة ـ للإيجابية، ولكن يمكن القول: إننا نعني بهذا المصطلح على نحو تقريبي درجة عالية من الفعالية الفكرية والشعورية والنفسية تترتب عليها وضعية حسنة من الطمأنينة والارتياح إلى جانب وضعية جيدة من الالتزام والإنتاجية الممتازة؛ بالإضافة إلى نجاح جيد في العلاقات الاجتماعية. ومن المهم أن أشير إلى أن الإيجابية لا تعني ما نعنيه حين نتحدث عن التفكير الإيجابي، إنها لا تتطابق معه، لكن بينهما العديد من الأمور المشتركة، ولعلِّي أعرض لهذا في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.

في كل الأحوال يظل الإطار المرجعي للتنظير في أية قضية من القضايا من الأمور الأساسية التي لا يصح إغفالها أو التهوين من شأنها؛ حيث إن كل التعريفات تخضع لنوع من الانتقاء، ولهذا فإن من السهل تحميلها بالمعاني المنحرفة أو غير الملائمة. إن أي شكل من أشكال الفاعلية الفكرية أو السلوكية لا يصح أن يكون مصادماً لمبدأ من مبادئ الشريعة الغراء، أو لحكم موضع إجماع، أو لنص قطعي؛ لأن شيئاً من هذا سينزع غطاء المشروعية عن تلك الفعالية. أما مستوى النشاط ومدى ملاءمته لما هو مطلوب من أجل المعاصرة؛ فهذا يحدِّده ما تراكم في خبرات البشرية من معايير ومقاييس للأداء الممتاز، ولما هو لائق وغير لائق على صعيد الأعمال. تأسيساً على هذا نقول: إن كل النجاحات وكل أشكال الفوز التي نحققها في هذه الحياة هي نجاحات مؤقتة وصغيرة؛ لأن الدنيا كلها صغيرة ومؤقتة.

وحين يتم النجاح بطريقة غير مشروعة، كذاك الذي يتم عن طريق أكل الربا أو عن طريق السرقة أو الرشوة أو الغش.. فإن تسميته نجاحاً لا تعدو أن تكون ضرباً من التجوُّز؛ فالحقيقة أن ذلك عبارة عن مجموعة أوهام لا تنتهي إلا بالندم والحسرة.

إن ما يفصل بين النجاح واللصوصية هو عبارة عن هامش ضيق؛ وعلى كل الناجحين أن ينتبهوا كيلا يتجاوزوه، فيصبحوا لصوصاً، وهم يظنون أنفسهم من أهل السبق والفوز.

إذا كان للفضائل أمهات، فإن من أمهات الفضائل التي يحتاجها المسلم المعاصر فضيلتين: فضيلة الاستقامة، وفضيلة الفاعلية. ومن مجموع هاتين الفضيلتين تتكون الشخصية الإيجابية. ومع أن كلمة (الإيجابية) من الكلمات الأكثر تداولاً اليوم إلا أن العديد من دلالالتها لا يزال غامضاً.