للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموقف من الرأي الآخر نظرة شرعية]

محمد بن شاكر الشريف

مع الحملة العسكرية المتصاعدة التي ابتدأتها راعية الصليب في العصر الحاضر على بعض الدول الإسلامية، والتي ينتظر ـ حسب ما يخطط له الصليبيون والصهيونيون ـ أن تعم دول العالم الإسلامي ـ عرباً وعجماً ـ بدأ يكثر الكلام وترتفع الأصوات في وسائل النشر المتعددة بالحديث عن «الآخر» ، حتى أصبح هذا اللفظ بمثابة مصطلح يُتداول بين الكُتَّاب، وفي المناقشات والحوارات، وبدأت تغزو أسماعنا مقولات: «ما الموقف من الآخر» و «العلاقة بالآخر» و «ينبغي أن لا تنفي الآخر» و «ينبغي التسامح مع الآخر» ، «التعاون مع الآخر» ولا بد أن يكون هناك «موقف حضاري وتعددي من الآخر» ومطلوب «القبول بالتعددية والاعتراف بالآخر» و «الاعتراف بحق الآخر في التعبير عن وجوده، وأفكاره بعيداً عن ضغوط الإكراه وموجات النفي والإلغاء» و «إعادة الاعتبار إلى الآخر وجوداً ورأياً ومشاعر» و «اكتشاف العناصر والمفردات الداخلية والخارجية التي تضيّق الهوة مع الآخر» .

تلك عينة من العينات التي باتت تتردد على ألسنة الكثير من المفكرين العصرانيين. والمقصود بالآخر في هذا الكلام «غير المسلم» أي الكافر، وهذا الكلام موجه للمسلمين، ومن يطالعه يخيل إليه من النظرة الأولى أن المسلمين جماعة من المتخلفين المتوحشين الذين يعيشون حياة بعيدة عن معاني الرقي والتمدن والحضارة، وأنهم لا ينظرون إلا لأنفسهم إما جهلاً وانغلاقاً، وإما تجبراً وكبراً، ثم يدلي كل من هؤلاء الكتاب والمتحدثين برأيه في تعليم المسلمين كيف يكونون متحضرين متقدمين في تعاملهم مع «الآخر» وفي النظرة إلى «الآخر» وموقفهم من «أفكار الآخر» ، وسأحاول بعون الله أن ألقي الضوء على هذه القضية على النحو التالي:

- مَنِ «الآخر» ؟

كثير من المواطن المطروحة للنقاش في هذا الموضوع تذكر كلمة «الآخر» دون بيان المراد منها، وفي بعضها يبين أن المراد هو «غير الإسلامي» ، ولفظ «الآخر» لغةً لا يحمل قيمة دلالية تتعدى أو تتجاوز معنى لفظ «غير» دون أن يكون في ذلك دلالة على المخالفة أو الموافقة؛ فالآخر قد يكون منا، وقد يكون من غيرنا. قال الله ـ تعالى ـ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: ٣] قال ابن جرير: «عنى بذلك كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في إسلامهم من أي الأجناس؛ لأن الله ـ عز وجل ـ عمَّ بقوله: وآخرين منهم» (١) ؛ فهنا وصف «الآخر» بأنه منهم، مما يعني أن «الآخر» قد يراد به المخالف، كما يراد به الموافق، وعلى ذلك فإن هذا اللفظ واسع المعنى يشتمل على أنواع متعددة من الموافقة والمخالفة على تعدد درجاتها، وحينئذ لا ينبغي أن يساق الحديث عن «الآخر» مساقاً واحداً؛ بحيث يعم الجميع بحكم واحد أو موقف واحد. وقد ظهرت مواقف كثيرة قدمت فيها أوراق وبحوث أغلبها ينطلق من الحديث عن «الآخر» بغير تفريق بين أنواعه، والسلوك الذي يوصف بأنه علمي يستوجب التفصيل حتى لا يكون هناك تجاوز في الأحكام أوالمواقف.

- أنواع «الآخر» :

«الآخر» قد يكون كافراً، وقد يكون مسلماً، والكافر أنواع: فمنه الكافر الحربي، والكافر الذمي، والكافر المعاهَد. والمسلم أنواع: فمنه المسلم الذي هو من أهل السنة والجماعة، ومنه من هو من أهل البدعة والضلالة. وأهل السنة توجد بينهم خلافات في الفقه على تعدد درجات الاختلاف، كما أن البدع منها الغليظة المكفِّرة ومنها دون ذلك؛ وإزاء هذا التباين الشديد؛ فإن سَوْق الكلام عن «الآخر» سَوْقاً واحداً فيه ظلم كبير، وتجاوز للصواب بيقين، وهو موقع في أحد الأطراف: إما الإفراط، وإما التفريط، وقديما قالوا: كِلا طرفي قصد الأمور ذميم.

- أصول عامة في مسألة الآخر:

لكن هنا أصول أو قواعد عامة لا ترتبط بـ «الآخر» أياً كان، من فئة أقرب الموافقين أو أبعد المخالفين ينبغي الالتزام والتقيد بها؛ فمن ذلك:

١ ـ العدل:

وهو قيمة عليا من قيم الإسلام، وهدف من أهدافه الرئيسة. قال الله ـ تعالى ـ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥] ، وقال ـ تعالى ـ: {يَ االَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] ؛ فالمسلم مطالب بالعدل مع الموافق والمخالف ولو كان كافراً، وإن المسلم لا ينبغي أن يحمله بغضه لأقوام ـ حتى وإن كان يبغضهم في الله ـ على ترك العدل معهم، وظلمهم، بل هو مطالَب ومأمور من الله ـ تعالى ـ بالعدل معهم بـ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] وهو أيضاً مطالَب بالعدل مع نفسه ووالديه والأقربين. قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: ١٣٥] ، قال ابن جرير ـ ـ رحمه الله ـ ـ: «ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام بالقسط؛ يعني العدل» (١) . فالعدل عند المسلم صفة من الصفات وخلق من الأخلاق، وليس موقفاً من المواقف، وهو ما يعني ان هذه صفة أصلية ثابتة يطبع الإسلام بها المسلم في كل أحيانه؛ إذ العدل واجب من كل أحد على كل أحد في كل حال. ومن العدل ألا نفرق بين المتماثلين، وأن لا نساوي بين المختلفين؛ فمساواة المسلم بالكافر ليس عدلاً، ومساواة السني بالبدعي ليس عدلاً، كذلك مساواة من خالف في الأصول بمن خالف في الفروع ليس عدلاً، كما أن التفرقة بين الناس على أساس الاختلاف في مسائل الاجتهاد؛ بحيث يأخذ هذا حكم، وذاك حكم مع أن الخلاف في مسائل الاجتهاد فليس ذلك أيضاً عدلاً، كما أنه ليس من العدل نقل صورة غير أمينة عن الواقع سواء بالزيادة فيه وتضخيمه، أو بالتنقص منه وتقليله، سواء أكان ذلك يصب في مصلحة المنقول عنه أو ضرره؛ فكل تلك الأحوال ليست من العدل، ويتفرع عنها صور كثيرة جداً؛ والضابط في ذلك أن العدل هو الوقوف عند ما حدَّه الشرع بلا زيادة أو نقص، وليس بما يتصور الإنسان أنه عدل (٢) ؛ إذ إنه قد يُتصور أمور كثيرة من العدل، وهي ليست منه في شيء.

٢ ـ الأخذ بالظاهر:

الإنسان أياً كان؛ فمن الممكن أن يكون عمله في الظاهر ليس متوافقاً مع باطنه، وباطن الإنسان لا يعلمه أحد على الحقيقة إلا الذي يعلم السر وأخفى. وأما الإنسان فليس له إلى علم حقيقة البواطن سبيل، وإن كانت هناك قرائن قد تدل بغلبة الظن على الباطن؛ وعلى ذلك فإننا مطالَبون بالحكم على الشيء المنضبط الواضح وهو الظاهر الذي يظهر من الإنسان، ولا نرتب مواقفنا على تصوراتنا للباطن، ونقول: هو نيته كذا أو كذا، ونحو ذلك من الكلام، وهذه قاعدة معلومة؛ فإن المنافق مع أنه في الدرك الأسفل من النار، لكن لما كان ظاهره الإسلام، وكان يخفي نفاقه في داخله ـ وإن كانت هناك قرائن قد ترشد إلى شيء مما في داخله ـ فإننا نعامله بحسب ما يظهر منه، وهذا أيضاً نوع من أنواع العدل أن تكون المواقف مؤسسة على الأشياء الظاهرة الواضحة وليس على الأشياء الباطنة الخفية؛ إذ لو فُتِحَ باب أخذ المواقف بناءً على الأمور الباطنة الخفية ـ والتي لا سبيل إلى معرفتها يقيناً ـ لفسدت أمور الناس وسفك بعضهم دماء بعض، واستحلوا الأموال بناءً على ما يُتصور لهم في الباطن، وهذا من رحمة الله ـ تعالى ـ بالناس.

٣ ـ مرجعية الكتاب والسنة:

فكتاب ربنا ـ تعالى ـ تكفل الله بحفظه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ملحقة به في ذلك الحفظ؛ لأنها من بيان الدين وتوضيحه، وهما المأمور بالاحتكام إليهما لاحتوائهما على الحق الصراح، وهما المأمور بالرد إليهما عند الاختلاف. قال الله ـ تعالى ـ: {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: ٥٩] ؛ فعلَّق الإيمان بالله واليوم الآخر على الرد إلى الله والرسول عند الاختلاف والتنازع، وبين أن ذلك هو الخير والأحسن عاقبة ومآلاً، وقد اتفق أهل العلم أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- هوالرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد موته -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا يدل على أن الكتاب والسنة فيهما بيان كل شيء وتوضيح كل مشكل، وحل كل معضل. يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «الكتاب والسنة وافيان بجميع أمور الدين» (٣) ، وعلى ذلك؛ فإن الكتاب والسنة هما اللذان يُرجَع إليهما، ويُعوَّل عليهما في تناولنا لجزئيات الحديث في موضوع هذه الدراسة.

٤ ـ التثبت من المنقول قبل اتخاذ المواقف:

المواقف لا ينبغي أن تُبنى على الظن ولا على التصور أو التخيل، وإنما ينبغي أن تُبنى على واقع وحقيقة؛ لذا فلا غناء للموقف الصحيح من أن يؤسَّس على التثبت مما ينقل والتأكد من صدقه وصوابه، وهذا أمر ذو أهمية كبرى، وقد أرشدنا الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى التثبت قبل الإقدام بقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] ، وقد قُرئ قوله ـ تعالى ـ «فتبينوا» بقراءة ثانية وهي: «فتثبتوا» ، وقال ابن جرير ـ رحمه الله ـ: «فتبينوا» بالباء، يعني أمهلوا حتى تعرفوا صحته ولا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى «فتثبتوا» (١) ، وقد بينت الآية ضرر عدم التثبت؛ إذ يجعل الإنسان نادماً على ما فعل «ولات حين مندم» .

وعلى ما دلت عليه الآية السابقة دلَّ قوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: ٩٤] ، يقول ابن جرير: «إذا سرتم مسيراً لله في جهاد أعدائكم، فتأنوا في قتل مَنْ أشكل عليكم أمره فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقيناً حرباً لكم ولله ولرسوله» (٢) ، وقد كان التثبت قبل الإقدام من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أنس بن مالك «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر؛ فإن سمع أذاناً كف عنهم وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم» (٣) ، وقد تبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعل خالد بن الوليد عندما أقدم على قتل الذين قالوا: «صبأنا» ولم يحسنوا أن يقولوا: «أسلمنا» فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ابن الوليد ـ مرتين» (٤) ، قال الخطابي: «أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا» (٥) .

٥ ـ قبول الحق ممن جاء به:

الحق لا يستمد قيمته من قائله، أو من الظرف الذي قيل فيه، وإنما يستمد ذلك من كونه الحق؛ فالحق يحمل قيمة ذاتية مستقلة عن ظروف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وإذا كان الحق يُقبل لأنه حق؛ فلذلك يُقبل الحق ممن جاء به، سواء كان من جاء به مسلماً أو كافراً، أو شريفاً أو وضيعاً؛ فقد يقول الكافر أو المنافق كلمة الحق، كما قد يقول المؤمن كلمة الباطل؛ لذلك جاء في وصية معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ التي سبقت وفاته بعدما حذر من زيغة الحكيم، وبين أن المنافق قد يقول كلمة الحق، وأن الشيطان قد يلقي كلمة الضلالة على لسان الرجل الحكيم قال: «فخذ العلم أنَّى جاءك؛ فإن على الحق نوراً» (٦) .

وقد حشر لسليمان ـ عليه السلام ـ جنوده من الجن والإنس والطير، وكان فيهم الذي يقدر على إحضار عرش ملكة سبأ في طرفة عين، ومع ذلك فلم يُخبر بخبر ملكة سبأ إلا هدهد، وقد قال الشيطان لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح» وأبو هريرة لا يعرفه، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة لما قص عليه ذلك: «أما إنه قد صدقك، وهو كذوب» (٧) ، فلم يمنع كونه شيطاناً أن يُقر الحق الذي قاله، لكن لا بد من الاحتراز في مثل ذلك؛ حيث لا يقبل منه إلا الجزء الذي تبينت حقيقته، ولعله لأجل ذلك عقَّب الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قوله: «صدقك» بكلمة: «وهو كذوب» حتى لا يكون قوله: «صدقك» تعديلاً وتوثيقاً له يحمل السامع على قبول كل ما جاء به، وقد قال علي ـ رضي الله عنه ـ: «إن الحق لا يُعرف بالرجال» (٨) ، مما يعني تميز الحق وتفرده وقبوله ممن جاء به.

- الموقف من فكر الكافر:

الكافر هو كل إنسان لم يؤمن بالله ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولم يدن بدين الإسلام سواء كان من أهل الكتاب اليهود والنصارى، أو كان من عبدة الأصنام والأوثان، أو كان ـ في ظاهره ـ لا يعبد شيئاً؛ فهذه الأصناف جميعها كفار، وعلى ذلك تطابقت أدلة الشرع من الكتاب والسنة، وأجمع على ذلك أهل الإسلام علماؤهم وعوامهم، بل الكفار أنفسهم يعلمون أن من دين المسلمين تكفير كل من لم يؤمن بالله ورسوله ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

والكافر قد يكون مقيماً بدار الإسلام إذا كان ذمياً أو دخل إليها بعهد أو أمان، كما قد يكون مقيماً ببلاد الكفر (دار الحرب، أو دار العهد) ، والكلام هنا مقصور على الكافر المقيم بيننا؛ فهذا هو المقدور عليه:

قَبِلَت الشريعة ـ وفق شروطها المعلومة ـ إقامة الكافر ببلد المسلمين، مع بقائه على دينه، وهذا يعني أن الكافر المقيم بدار الإسلام بسببٍ مشروعٍ لا يُجبر أو يُكره على ترك دينه والدخول في الإسلام، وهذا يتناول بالضرورة أن الكافر غير مجبر على ترك آرائه وأفكاره الشخصية وتصوراته سواء منها ما خالف الإسلام أو وافقه، وهذا يسميه بعض الناس: «حرية الاعتقاد» أو «حرية وحق التفكير» إلى غير ذلك من المسميات، ونحن لا نسمي ذلك «حقاً» أو «حرية» لأن الله لم يعط أحداً الحق في الكفر أو الضلال، ولم يبح ذلك في شريعته قط، وإنما نسمي هذا «عدم الإكراه» أو «الجبر» فلا حق لإنسان في أن يكفر ولا «حرية» في أن يضل ويشرد عن الطريق المستقيم. ولكن نقول كما قال ربنا: {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦] ؛ فنحن لا نُكرِه الكافر على الإسلام وإن كان لا حق له في أن يكفر، ويترتب على هذا الفرق الذي لم ينتبه له كثير من الكتاب المعاصرين تحديدُ الموقف من حكم نشر أو إذاعة الكافر لآرائه بين المسلمين؛ فإذا كان الكافر لا حق له ولا حرية في أن يكفر ويضل؛ فمن باب أوْلى لا حق له ولا حرية في نشر كفره وإذاعته بين الناس، وعدم إكراهه على الإسلام والهدى لا يعطيه حق الدعوة إلى كفره وضلاله في بلاد المسلمين.

وما يتكلم فيه الكافر المقيم بدار الإسلام إما أن يكون أموراً دنيوية بحتة، وإما أن يكون مسائل دينية أو لها متعلق بالدين. فالمسائل الدنيوية البحتة كالمسائل المتعلقة بالخبرة المكتسبة في الزراعة مثلاً أو الصناعة أو تخطيط المدن، وأشباه هذه الأمور، فليس بين أيدينا نصوص معينة تمنعه من المشاركة في ذلك أو من نشر رأيه في ذلك والدعوة إليه، ومن ثم فإن حريته في نشر ذلك النوع من الفكر والدعوة إليه يتبع السياسة الشرعية ويرتبط بالمصلحة في كل عصر.

وأما المسائل الدينية أو المسائل المتعلقة أو لها اتصال بالدين فيرى بعض المعاصرين أن في منعه من نشر فكره المخالف لدين الإسلام حَجْراً على الفكر وكبتاً لحريات الناس، وأن من حقه أن ينشر ما يراه، وينبغي أن يُمَكَّن من ذلك، وأن تُفتح له وسائل النشر المتعددة أبوابها، وربما يُعلل ذلك بأن صاحب الفكر الصحيح أو القوي لا يخاف أو يؤثر عليه صاحب الفكر الباطل والضعيف، وقد يضيف إلى ذلك قوله بأن بلاد الغرب أو الشرق الكافر تمنح المسلمين حرية نشر أفكارهم الإسلامية والدعوة إليها وهذا قمة الرقي والتحضر أو التمدن الحقيقي، حيث لا حجر على نشر الأفكار أياً كان نوعها، وينبغي أن نعاملهم بالمثل.

وهذه كما نرى احتجاجات فكرية، وهي احتجاجات مُقابلة بما هو أقوى منها وأكثر منطقية، ولا يتعارض مع العقول السليمة، فإذا قلنا: إن شريعة الإسلام تشهد بالبطلان على كل ما يخالفها ويناقضها، وأن في مخالفتها ومناقضتها الخسران والبوار، وأنها لذلك لا تسمح لأحد بنشر الدعوة المضادة لها بين أتباعها في أرض تحكمها وتسيطر عليها، كان هذا قولاً مقبولاً معقولاً؛ إذ كيف يستجيز عاقل يريد أن يبني بناءً أن يترك آخرين يهدمون ما يبني وهو قادر على منعهم، ويعلل ذلك بأنه قوي وأنه قادر على بناء ما يهدمون، هذا ليس بتصرف العقلاء.

وأما النقطة الثانية وهي سماحهم لغيرهم بالدعوة إلى أفكارهم ونشرها؛ فإن هذا له ما يسوغه عندهم، وهم في ذلك متوافقون من أنفسهم وليسوا مخالفين لنظمهم؛ فإن القوم مرجعيتهم العليا في ذلك هى الإنسان نفسه، وليس لهم مرجع خارج الإنسان نفسه؛ فالفكر الذي ينظر إليه على أنه مُغرق في الفساد الذي لا تقبله الفطرة يتمتع بالقدر نفسه من الحجية التى يتمتع بها الفكر الذي ينظر إليه على أنه فكر صالح؛ إذ الكل صادر عن الإنسان صاحب المرجعية العليا عندهم؛ حتى وجدنا لديهم أفكاراً في منتهى الفساد ـ ربما لا تقبلها بعض الحيوانات ـ تحولت عندهم إلى واقع ممارس أو قوانين يحتكم إليها الناس؛ ففي تلك البلاد توجد حرية الزواج بين المثلين (رجل لرجل، وامرأة لامرأة) بل يوجد عندهم زواج المحارم حيث يتزوج الرجل ابنته، وهكذا.

وعلى هذا نقول: لو أنهم سمحوا في بلادهم للمسلمين بنشر أفكارهم ودعوتهم؛ فهم لم يخالفوا القاعدة التى ينطلقون منها، ولا يُقبل شرعاً أو عقلاً أن نكافئهم على عدم مخالفتهم لأنظمتهم بمخالفتنا لشريعتنا.

- أدلة عدم جواز نشر ما يخالف الشريعة:

وقد دل عدم جواز نشر أو إذاعة آراء وأفكار الكفار المخالفة للشرع أدلة كثيرة؛ فمن ذلك قوله ـ تعالى ـ: {وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: ٦٨] ؛ فأمر الله ـ تبارك وتعالى ـ بالإعراض ـ أي الصد وعدم الاستماع أو الجلوس ـ عمن يخوض أى يستهزئُ ويكذِّب بآيات الله أو يخالفها ويناقضها حتى يأخذوا في حديث آخر؛ أي حتى يبتعدوا عن الخوض في آيات الله؛ فالمسلمون ممنوعون من الإقبال أو الجلوس إلى الكفار والاستماع إليهم حال خوضهم في آيات الله، وإذا كان المسلمون ممنوعين من ذلك، فلا يجوز أن يباح أو يسمح للكفار بأن يقتحموا على المسلمين بيوتهم ومجالسهم ونواديهم ـ عن طريق وسائل النشر الحديثة ـ ليسمعوهم باطلهم وكفرهم بآيات الله وتكذيبهم لها أو معارضتهم ومخالفتهم لها؛ لأنه لا يقول عاقل إن المسلم لا يجوز له أن يذهب إلى الكفار ويجلس إليهم ويستمع لما يقولون، بينما يجوز أن يذهب الكفار إلى المسلم ليسمعوه ما عندهم من الخوض في آيات الله، ولو قال قائل: إن هذه الآية منعت المسلمين من الجلوس لسماع خوض الكفار، ولم تأمر المسلمين بمنع الكفار عن الخوض في الدين، قلنا: هذه الآية مكية، والمسلمون في مكة لم تكن لهم قوة أو ولاية أو سلطان يتمكنون به من دفع الكفار عن الخوض في دين الله، وكان كل الذي يمكن فعله في هذه الحالة هو منع المسلمين من الجلوس إلى الكفار والاستماع إلى خوضهم في الدين، وهذا قد جاء الأمر به.

فلما انتقل المسلمون إلى المدينة وصارت لهم قوة ومنعة ودار حصينة، لم يكن أحد يستطيع إظهار الخوض في آيات الله، أو دعوة المسلمين إلى ذلك، وإنما كان يقوم بشيء من ذلك المنافقون، ولا يجلس إليهم أو يستمع إليهم إلا أمثالهم، فنزل تحذير الله لهم بقوله: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: ١٣٨] ، إلى قوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: ١٤٠] ، وفي هذه الآية زجر شديد عن الجلوس والاستماع إلى الخائضين؛ وذلك حيث يقول الله ـ تعالى ـ: {إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ} . فلم يكن أحد في المدينة وخاصة بعد انتصار المسلمين في بدر، يستطيع أن يجهر بالخوض في آيات الله، واقتصر ذلك على المنافقين أو اليهود في مجالسهم الخاصة التي لا يطلع عليها غيرهم، ولذلك كان القرآن إذا نزل يخبر عن أقوالهم وأفعالهم؛ إذ ينظر بعضهم لبعض ويقول: هل سمع خبركم أو رآكم أحد، فأخبر محمداً -صلى الله عليه وسلم- بذلك؟ وهذا من قلة علمهم وفقههم؛ لأن الله ـ عز وجل ـ هو الذي يخبره. والمقصود أنهم كانوا يسرون ولا يجهرون، قال الله ـ تعالى ـ مبيناً ذلك: {وَإذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [التوبة: ١٢٧] . قال القرطبي: المنافقون: «إذا حضروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلو قرآناً أنزل فيه فضيحتهم أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم إلى بعض نظر الرعب على جهة التقرير يقول: هل يراكم من أحد إذا تكلمتم بهذا، فينقله إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك جهل منهم بنبوته عليه السلام، وأن الله يطلعه على ما يشاء من غيبه» (١) .

وإذا كانت وسيلة نشر الأقوال في الزمن الغابر هي الجلوس إلى صاحب القول والاستماع منه؛ فإن الوسائل قد تعددت الآن وتنوعت، وإذا كان المسلمون ممنوعين من الجلوس والاستماع لمن يخوض في دين الله؛ فإن المنع ليس قاصراً على الوسيلة، وإنما هو المنع من الاستماع للباطل، فيعم ذلك كل وسيلة تؤدي الغرض نفسه.

ومن الأدلة على ذلك أن يقال: إن الله ـ تعالى ـ ما أنزل كتبه ولا أرسل رسله إلا للنهي عن الشرك كما قال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦] وآيات كثيرة في ذلك، وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] ؛ فهذا أعظم مقصد من مقاصد بعثات الرسل على تعدد الأزمان؛ فكيف يقال إنه تباح الدعوة إلى ما يناقض ذلك، وأنه يحق لكل أحد التعبير عن ذلك ونشره بين الناس؟ ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله..» (٢) . فإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مأموراً بقتال الناس من أجل توحيد الله تعالى؛ فكيف يقال: ينبغي أن تعطى للكافر الحرية ليدعو إلى كفره وشركه أو مناقضة ما هو معلوم من دين الإسلام؟

وقد عمل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومَنْ بعدَهم من أهل العلم بما دل عليه الكتاب والسنة؛ فقد جاء في الشروط العمرية (٣) ، التي تؤخذ على أهل الذمة: «ولا نُرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً» ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في شرح هذه الفقرة من الشروط العمرية: «هذا من أوْلى الأشياء أن ينتقض العهد به» (٤) ؛ فبين ـ رحمه الله ـ أن العهد ينتقض بذلك؛ وانتقاض العهد يحل دمه وماله. وذكر في الفروع أن العهد ينتقض بـ «ذكر الله أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء» (٥) ، وكذلك الأمر لو «فتن مسلماً عن دينه» (٦) ، وبعض أهل العلم يقول: ينبغي على الإمام أن يشترط عليهم أن من فعل ما تقدم ذكره ينتقض عهده، وإن لم يشترط ذلك في العقد فلا ينتقض عهده بذلك، ويعللون ذلك بأن من دينهم سب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسب الإسلام، لكنهم يمنعون من إظهار ذلك؛ فأهل العلم متفقون على منعهم من إظهار الطعن في ديننا والانتقاص له، والخلاف بينهم هل يُعَدُّ ذلك منهم نقضاً للعهد حتى لو لم يشترط عليهم في أصل العقد، أم لا يكون ناقضاً إلا بالاشتراط (٧) ؛ فقد دلت الآيات والأحاديث ومقاصد الدين وكلام أهل العلم على عدم جواز السماح للكفار بنشر أقوالهم أو أفكارهم المناقضة للإسلام، فلا ينبغي أن يسمح لهم بذلك، ولا تجوز معاونتهم فيه؛ لأن التعاون المشروع هو التعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان. قال الله ـ تعالى ـ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] ، وقد دلت النصوص أن من عاون أو ساعد في ذلك فله من جرمهم نصيب. قال الله ـ تعالى ـ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٥] ، ولكن هذا لا يمنع من مناقشة الكافرين ودعوتهم إلى الإسلام ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وسماع ما عندهم من شبهات أو اعتراضات تصرفهم عن الدين، والجواب عنها، ولا مانع من أن تُعقد جلسات لذلك بين الدعاة المسلمين وبين المدعوين الكفار لعرض الإسلام عليهم وبيان حقائقه ومزاياه، لكن هذا لا يستلزم السماح لهم بنشر أفكارهم المخالفة للإسلام والدعوة إليها بوسائل النشر المعلومة؛ إذ لا ارتباط بين دعوتهم إلى الإسلام وبين السماح لهم بعرض ما عندهم على الناس.

- الموقف من فكر المسلم المخالف:

عندما نتكلم عن المسلم فإنما نتكلم عن الشخص الذي يُحكَم له بالإسلام شرعاً، وليس عمن هو مولود لأبوين مسلمين، أو من كان مسمى باسم من أسماء المسلمين؛ لأنه يوجد في وقتنا الحاضر أناس لهم أسماء إسلامية لكنهم اعتنقوا آراءً وأفكاراً خرجت بهم من حظيرة الإسلام؛ فالشخص الذي لا يرى الإسلام ناسخاً لما سبقه من الرسالات، ويرى أن المسلمين واليهود والنصارى كلهم مؤمنون وأنهم ناجون في الآخرة، وأن الاختلاف بينهم كالاختلاف بين المذاهب الفقهية، وكذلك الذي يرى أن الإسلام صالح فقط لحياة البداوة، وأنه قد استنفد أغراضه، وأنه لم يعد صالحاً للحياة المعاصرة، وكذلك الذي يرى أن الحدود الشرعية عقوبات غير مناسبة للعصر الحديث، وأنه ينبغي استبدالها، وكذلك الذي يرى أنه ينبغي المساواة بين الذكر والأنثى في قسمة الميراث، وكذلك الذي يرى أن الشاب أو الفتاة إذا بلغا سن الرشد فإن لكل منهما أن يقيم ما شاء من علاقات «جنسية» خارج إطار الزواج ولا حرج عليه أو لوم في ذلك، ونحو هذا الكلام؛ فإن كل هؤلاء قد خرجوا من حظيرة الإسلام باتفاق العلماء؛ لأنهم أنكروا معلوماً من الدين بالضرورة، وإن كانت لهم أسماء إسلامية، وإن كانوا ما زالوا يؤمنون ببعض ما جاء به الشرع: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْملُون} [البقرة: ٨٥] . ونحن هنا لا نتكلم عن هؤلاء؛ لأن هؤلاء يدخلون في الصنف الذي تقدم الكلام عنه، وإن كان هؤلاء من حيث الحقيقة لا يكون لهم وجود في دار الإسلام؛ لأن المرتد لا يُقَر على ردته؛ فإما أن يتوب ويرجع وإما أن يُقتل، وإنما يُتصور وجود هؤلاء: إما في بلاد الكفر، وإما في بلاد المسلمين التي لا تلتزم شرع الله، وأما في البلاد التي تلتزم شرع الله فإن هؤلاء يسرون ذلك الكلام ويخفونه، ولا يبوحون به إلا لأمثالهم؛ فهم في هذه الحالة منافقون. والمراد بحديثنا في هذه الفقرة المسلم المحكوم له بالإسلام شرعاً، وهنا أيضاً نقسم الفكر إلى نوعين:

نوع في مسائل الدين أو متعلق بمسائل الدين، ونوع متعلق بمسائل الدنيا البحتة:

الفكر الدنيوي:

لا تلزم الشريعة المسلمين باتباع نمط واحد في الفكر الدنيوي ولا تحجر عليهم في ذلك، ولا تمنعهم من نشر ما لديهم من الأفكار النافعة المفيدة التى تنفع المسلمين في حياتهم الدنيا، ولا بأس من تحاور المسلمين في ذلك وعقد المناقشات أو الندوات والمؤتمرات التي يعرض فيها كلٌ ما عنده، وليس من اللازم أن يتفق المسلمون في هذا النوع من الفكر، ولا يلام أحد على الخلاف في هذا الباب، وليس في منع هذا النوع حجة شرعية يُستند إليها، كما أنه ليس في منعه فائدة دنيوية، ويجوز نشر هذا النوع من الفكر بوسائل النشر المتعددة، لكن ينبغي أن يكون ذلك من أجل تقديم شيء مفيد نافع أو الوصول إلى شيء مفيد نافع، وأن يتكلم الإنسان فيما يحسن من الأمور، وأن لا يكون الحديث أو النشر هو الغاية؛ إنما الغاية تحقيق مصلحة حقيقية من وراء ذلك، ولا يضر المسلم بعد ذلك الخطأ في هذا النوع من الفكر.

الفقه في الدين:

النوع الثاني من الفكر هو الفقه في الدين، وهو ليس فكراً بالمعنى المتداول بين الناس «أي تكوين آراء قائمة على التأمل في الواقع من خلال الخبرات المكتسبة وإعمال العقل انطلاقاً من تلك الخبرات» ، وإنما الفقه هو: فهم المراد من نصوص الشرع ـ سواء أكانت النصوص تتعلق بمسائل الأصول أو بمسائل الفروع ـ وتقديم الآراء والحلول لما يجدُّ من أشياء وأمور استناداً إلى النصوص الشرعية والفقه فيها، والخلاف في فهم النصوص الشرعية أمر متصوَّر وممكن الحدوث، وقد وقع فعلاً، وله أنوع:

١ ـ خلاف في مسائل الأصول (العقيدة) :

والعقيدة هي كل ما يجب على المسلم اعتقاده يقيناً من غير شك أو ارتياب ولا يجوز له مخالفته، والعقيدة التي تتمتع بذلك هي عقيدة «أهل السنة والجماعة» وهي ـ بحمد الله ـ مدونة مسطورة، محددة مضبوطة، وما خالف هذه العقيدة فهو البدعة كبدعة الخوارج والمعتزلة والمرجئة والشيعة والجهمية والروافض (وهاتان الأخيرتان قد تكلم أهل العلم في تكفيرهما) ، وقد نهى أهل العلم قديماً وحديثاً عن الجلوس إلى أهل البدع والاستماع لما هم عليه (وإن قلتَ: أرد عليهم؛ فقد تدخل عليك شبهتهم ولا تستطيع ردها فتصبح بعدها متحيراً مضطرباً) .

قال في فتح القدير في قول الله ـ تعالى ـ: {وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} [الأنعام: ٦٨] : «وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة؛ فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه، فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم (١) » .

وإذا كان الدعاة إلى البدع ـ كما قرر أهل العلم من السلف والأئمة ـ لا تقبل شهادتهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون عقوبة لهم حتى ينتهوا عمّا هم فيه (٢) ؛ فكيف يجوز نشر بدعهم والسماح بذلك بزعم «حرية الفكر» أو «حق التعبير» أو «إشاعة ثقافة التعدد» أو «إطلاق روح الإبداع» ، ومثل هذه العبارات التى لا يترتب عليها غير إفساح الطريق أمام الدعوات الضالة والمنحرفة عن الصراط المستقيم لتغزو العقول والنفوس، وتؤثر في الأفكار والتصورات لتنتج في النهاية مجتمعاً متناقضاً متعارضاً، لا يرجى منه نفع ولا يعوَّل عليه في تحقيق هدف.

فالدعوة إلى الضلال لا تجوز ويتحمل الداعي وزر ذلك، وكذلك المعِين على ذلك أو المساعد فيه، وقد قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: «من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» (٣) .

وقد منع أهل العلم قديماً وحديثاً من نشر الأقوال المضلة، وقالوا بحرق أو إتلاف الكتب المشتملة على تلك العلوم الباطلة. قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، وهي أوْلى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف، أو إتلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمان فيها» (٤) . وقال النووي: «قال أصحابنا: ولا يجوز بيع كتب الكفر؛ لأنه ليس فيها منفعة مباحة، بل يجب إتلافها ... وهكذا كتب التنجيم والشعوذة والفلسفة، وغيرها من العلوم الباطلة المحرمة؛ فبيعها باطل؛ لأنه ليس فيها منفعه مباحة والله ـ تعالى ـ أعلم» (٥) . وقد ظهر في عصرنا الحاضر عدد من البحوث التي تدعو إلى مذهب المرجئة وتنتصر له، فأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في السعودية بعدم جواز نشر هذه الكتب أو طباعتها.

ومن الأدلة على عدم جواز نشر أفكار البدع والضلالات الكثرة الكاثرة من النصوص الشرعية التي تُلزم المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكيف يكون هناك تقيد والتزام بتلك النصوص مع القول بجواز نشر البدع تحت زعم «حرية النشر» و «حق التعبير» ونحو ذلك الكلام؟

ومن الأدلة أيضاً قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعدما تلا قوله ـ تعالى ـ: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: ٧] : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» (٦) ؛ فإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمرنا بالحذر منهم؛ فكيف يُعطَوْن الحق في التعبير أو نشر ما حذَّر منه الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟

وينبغي أن نشير هنا إلى أن المسلم قد يقع في مسألة أو مسألتين أو نحو ذلك، فيخالف بذلك مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يعد بذلك مبتدعاً؛ لأنه لم يؤسس أقواله تلك على أصول أهل البدع، ولم يتخذ البدعة له منهجاً، وإنما وقع فيها من قبيل الخطأ؛ فلا يعد ميتدعاً إلا من يؤسس أقواله على أصول أهل البدع. لكن هذا الموقف إنما هو من الشخص القائل. أما الموقف من القول المبتدع فلا يتغير، بل يجب رده وعدم نشره أياً كان الموقف من قائله، وقد يبدو لبعضهم هنا أن يقول: لماذا لا تُترك لهم حرية نشر أفكارهم وآرائهم على الناس، ثم يُرد عليها ويُبين ما فيها من خطأ، ولا شك أن هذا الكلام يروِّجه بعضهم، وينظرون إليه على أنه من قبيل حرية الفكر، وأن نشر هذا الكلام أوْلى من جعله ينبت في السر والخفاء، لكن هذا القول معارَض بما كان عليه سلفنا الصالح؛ إذ الفتاوى المشهورة عنهم بهجر أصحاب البدع وعدم الجلوس إليهم والاستماع لهم. ثم إن هذا العمل ليس فيه فائدة سوى التشويش على بعض الذين لم ترسخ عندهم الحقائق، إضافة إلى إضاعة الوقت، ولهذا لا نرى صواب ما تقوم به بعض وسائل النشر والإعلام من عمل المناظرات والمقابلات بين من يحملون العلم الشرعي، وبين من يناقضون ذلك ويتمسكون بالأقوال المخالفة له؛ إذ لا فائدة ترجى من وراء ذلك؛ فلم نر أن أحداً على كثرة هذه المناظرات رجع عن مقالاته الفاسدة، وكل ما هنالك أنه تمكن من إسماع باطله لعدد كبير من الناس، ثم إنه قد يتأثر بباطله بعض أصحاب العقول الضعيفة، ولسنا نمانع من إجراء هذه المناظرة وأمثالها؛ ولكن ليس عن طريق النشر في وسائل الإعلام لما يترتب على ذلك من المفاسد التي تزيد عن المصالح المتوقعة. أما إذا لم يكن هناك طريق فعال للرد على تلك الأباطيل غير ذلك؛ فهل يجوز أن نشارك في الرد على أهل الباطل، ومناظرتهم في تلك الوسائل؟ والذي يظهر أن جواب ذلك مرتبط بالمصلحة حسبما تقرر في فقه السياسة الشرعية.

٢ ـ خلاف في مسائل الفروع (الخلاف الفقهي) :

وهو نوعان: خلاف تنوع وخلاف تضاد. والمراد بخلاف التنوع: هو خلاف في أمور متعددة كلها مشروعة فيختار هذا نوعاً، ويختار ذلك نوعاً آخر، ولا حرج في ذلك. ويلحق بالخلاف في ذلك الاختيارات المتعددة المتعلقة بأمور الدنيا، وهذا النوع لا يُحظر نشره والدعوة إليه بين الناس، وليس من شروطٍ في هذا غير عدم البغي على الآخرين. والمراد بخلاف التضاد: هو التناقض بين الأقوال، وهو أيضا نوعان:

- فخلاف تضاد ضعُفَ فيه أحد القولين ضعفاً كبيراً لمخالفته النص أو الإجماع أو نحوه، ومثل هذا القول يُنقَض؛ فلو حكم به حاكم نُقض حكمه. وما كان سبيله هذا السبيل فلا يجوز نشره والدعوة إليه والاستدلال له ممن يرى صوابه، وإن جازت حكايته لبيان خطئه وبعده عن الصواب. يقول شيخ الاسلام: «فإن الأئمة الأربعة متفقون على أنه إنما يُنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو معنى ذلك» (١) .

- وخلاف تضاد لم يضعف فيه قول من الأقوال بحيث يُرَدُّ؛ ومسائل هذا النوع يعبر عنها أهل العلم بمسائل الاجتهاد؛ فهذا النوع من الخلاف لا يمنع نشره والدعوة إليه، ومن رأى صواب شيء من الأقوال فله نشر ذلك والدعوة إليه، وعلى ذلك جرى الحال منذ أيام الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إلى يومنا هذا، يختلفون في كثير من هذا النوع من المسائل ولا يحجر بعضهم على بعض أو يبدِّع بعضهم بعضاً أو يفسق بعضهم بعضاً؛ مع الحفاظ على الأخوة والمحبة والألفة. وهكذا يتبين أنه ليس عندنا مشكلة تتعلق بحرية الفكر أو حق التعبير؛ فكل ما يسوغ القول به أوالعمل في الشريعة فلا منع ولا حرج من نشره والدعوة إليه، ولكن كثيراً من القوم يريدون منا تحت زعم «حرية الفكر» أو «حق التعبير» أو «إشاعة ثقافة التعدد» أن نبيح ما لا يباح وأن نتجاوز ما لا يجوز تجاوزه.

وقد سئل شيخ الإسلام عمن يقلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد؛ فهل ينكر عليه أم يُهجَر؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين فاجاب: «الحمد لله: مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه، ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان: فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين. والله أعلم» (٢) .

وينبغي أن يُعلم أن التقليد هنا رخصة، ولا يجوز لمستعملها أن يدعو إلى ما تضمنه وينافح عنه ويستدل له، إنما يقوم بذلك من كان لديه علم بالأدلة؛ أما من ليس عنده غير التقليد فإنه لا ينبغي له أن ينشر؛ لأنه ليس من أهل ذلك، ولو تقيد الناس بذلك لقل كثير من الكلام الدي يُنشر؛ لأنه ليس من أهل العلم. قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد؛ فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء» (٣) ، وقال: «مسائل الاجتهاد لا يجوز لمن تمسك فيها بأحد القولين أن ينكر على الآخر بغير حجة ودليل؛ فهذا خلاف إجماع المسلمين (٤) » .

وسئل ـ رحمه الله ـ عمن ولي أمراً من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوِّز «شركة الأبدان» فهل يجوز له منع الناس؟ فأجاب: «ليس له منع الناس من ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد وليس معه نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك» (٥) .

وينبغي هنا التفريق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد؛ إذ بعض الناس يستخدمون اللفظين على أنهما مترادفان؛ ومسائل الخلاف أوسع أو أعم من مسائل الاجتهاد؛ فمسائل الخلاف تشمل المسائل التي اختلف فيها المسلمون سواء أكان هذا الخلاف سائغاً أو غير سائغ، وأما مسائل الاجتهاد فإنما تتناول أو تشمل المسائل التي يسوغ فيها الاختلاف.

- آداب النشر:

وفي الدعوة إلى مسائل الاجتهاد أو نشرها ينبغي مراعاة أمور كثيرة حتى يكون العمل نافعاً مفيداً من غير أن يترتب عليه ضرر؛ فمن ذلك:

ـ عدم البغي أو الاستطالة على المخالف، واتهامه في نيته، والبحث له عن زلات أو عيوب خارجة عن نطاق الموضوع. ومنه أن تكون المرجعية والمحاججة لكتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وليس لفلان؛ فإذا وقف الأمر عند حد المحاججة بالرجال فينبغي أن ينتهي الحديث عند ذلك. ومن ذلك العلم؛ فلا يتكلم في شيء إلا إذا علمه صحيحاً من مصادره الصحيحة، وليس لمجرد كلمة يقرؤها من هنا وكلمة من هناك، ثم ينصب نفسه للدعوة والمجادلة. ومن ذلك عدم إهدار ما عند الآخرين من الخير والفضل من أجل الخلاف في هذه المسائل، ومن ذلك عدم التفسيق أو التبديع؛ لأن هذه المسائل ليست من مسائله. ومن ذلك أن يكون الحرص على الاتفاق لا على تأكيد الخلاف، ومن ذلك أن تبقى الأخوة والمودة والتناصح والتعاون على الخير حتى مع استمرار الخلاف.

لكن هناك مسألة ينبغي النظر إليها، وهي ما إذا كان الشخص قد جمع بين الأمرين: بين فساد في بعض مسائل الاعتقاد أو الأقوال الفقهية الشاذة، وبين جودة رأي في بعض المسائل الأخرى؛ فهل يسمح له بحرية النشر في المجال الذي أجاد فيه؟ وهذه المسألة قد تطرَّق لشبيه لها من بعض الوجوه علماء الحديث من قبل فيما يخص جواز التحديث عن أهل البدع؛ فبعض أهل العلم رأى أن مجال الرواية هو على الأمانة والصدق والضبط، فإذا كان الرجل أميناً صادقاً ضابطاً فلا حرج من التحديث عنه، وعليه بدعته.

ورأى آخرون أن يترك حديثه لئلا يكون في التحديث عنه إشهار لأمره وتعديل له وتزكية. وفصَّل آخرون وقالوا: إن كان ما يرويه يدعم بدعته ويؤيدها فلا يقبل، وإلا فلا مانع من التحديث عنه بشرط الصدق والضبط.

والذي يترجَّح لديَّ أن هذه المسائل تعد من مسائل السياسة الشرعية التي لا يترجَّح فيها قولٌ واحدٌ على طول الزمن، وإنما هو تابع للمصلحة الشرعية في كل عصر؛ فإن كان يوجد من بين المسلمين سليمي العقيده من يغني عما عنده من جودة فكر ورأي؛ فلا أرى تمكينه من النشر ومخاطبة الناس، وإن كان لا يوجد من يغني عنه، فلا مانع من النشر له في هذا الباب فقط، والمسألة من قبل ومن بعد مسألة اجتهادية.


(١) تفسير ابن جرير ٨٢/٦٢.
(١) تفسير ابن جرير ٥/١٢٣.
(٢) انظر منهاج السنة لابن تيمية ٣/٢، (طبعة أنصار السنة بالقاهرة) .
(٣) مجموع الفتاوى ٩١/٦٧١، وانظر الموافقات للشاطبي ٣/٧١٢ ـ ٨١٢.
(١) تفسير ابن جرير رحمه الله ٦٢/٣٢١.
(٢) المصدر السابق ٥/١٢٢.
(٣) أخرجه البخاري كتاب الأذان، باب ما يحقن بالأذان من الدماء، رقم ٥٨٥، واللفظ له، ومسلم ١/٨٨٢.
(٤) أخرجه البخاري (٣/٣٩١ فتح الباري) .
(٥) ذكره ابن حجر ٨/٨٥ فتح الباري.
(٦) أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/٣١٥) وقال: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي، وأخرجه أبو داود ٤/٢٠٢.
(٧) أخرجه البخاري، باب فضل سورة البقرة.
(٨) تفسير القرطبي ١/٠٤٣.
(١) تفسير القرطبي ٨/٩٩٢.
(٢) متفق عليه.
(٣) العمرية: نسبة إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي وردت عنه تلك الشروط، وأهل الذمة هم الكفار الذين يقيمون بدار الإسلام بعد التزامهم بأحكام أهل الذمة.
(٤) أحكام أهل الذمة ٣/٤٥٢١.
(٥) الفروع ٦/٧٥٢.
(٦) التنبيه ١/٩٣٢، وانظر منار السبيل ١/٥٨٢.
(٧) انظر في تفصيل ذلك أحكام القرأن، للجصاص ٤/٥٧٢، أحكام أهل الذمة، لابن القيم ٣/٧٥٣١.
(١) فتح القدير ٢/٨٢١.
(٢) انظر مجموع الفتاوى ٨٢/٧٠٢.
(٣) اخرجه مسلم، باب من سن سنة حسنة ٤/٠٦٠٢.
(٤) الطرق الحكمية، ص، ٢٣٥.
(٥) المجموع شرح المهذب (٩١٠٤٢) .
(٦) أخرجه البخاري ٤/٥٥٦١ ومسلم ٤/٣٥٠٢.
(١) مجموع الفتاوى (٧٢/٤٠٣) .
(٢) مجموع الفتاوى (٢/٧٠٢) .
(٣) مجموع الفتاوى (٥٣/٢١٢) .
(٤) مجموع الفتاوى (٥٣/٢٣٢) .
(٥) مجموع الفتاوى (٠٣/٠٨) .