للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ارتفاع أسعار البترول التوقعات والآثار]

ممدوح الولي

حققت أسعار البترول زيادة ملموسة خلال عام ٢٠٠٤م بنمو ٢٦% عما كانت عليه عام ٢٠٠٣م وهو ما تجاوز التوقعات لزيادة سعر البترول بنحو ٥% فقط سنوياً، وخاصة أنه لا توجد أسباب قوية تدفع لمثل هذا الصعود للأسعار؛ حيث لم تحدث أزمة اقتصادية أو حرب، بل على العكس كانت هناك حالة من الاستقرار النسبي السياسي والاقتصادي العالمي.

وكانت الأسعار قد ارتفعت إلى نحو ٥٥ دولاراً للبرميل؛ ففي أكتوبر ٢٠٠٤م في بورصة نايمكس؛ إلا أن الأسعار انخفضت حول مستوى ٤٣ دولاراً للبرميل في الشهر الأخير من العام. ولم تُفلح محاولات خفض الأسعار سواء من قِبَل منظمة الأوبك التي ارتفع إنتاجها إلى ٢٧ مليون برميل يومياً، أو من قِبَل تهديدات الدول المستهلكة باللجوء إلى المخزون.

وتمثلت أسباب الارتفاع السعري عام ٢٠٠٤م في زيادة معدلات النمو الاقتصادي في عدد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة ترتب عليها زيادة الاستهلاك؛ إلى جانب دور المضاربين والمخاوف الأمنية من تدهور الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق، وبما يؤثر على انتظام الإمدادات البترولية من دول المنطقة. وذكر محللون أن أخطاء في المعلومات ربما تكون قد ساهمت في ارتفاع أسعار البترول حيث تبين أن توقعات الاستهلاك كانت مخطئة مما تسبب في منع الشركات من إعادة بناء مخزونها.

وأشارت أحداث عام ٢٠٠٤م إلى أن سوق البترول قد أصبحت أكثر عرضة للصدمات الخارجية عما كانت سابقاً، وأن أية أحداث قد تبدو هامشية مثل الذي حدث في نيجيريا، أو أية تطورات سياسية في بلد منتج مهم للبترول ستكون لها آثار هائلة على الأسواق العالمية، وهو ما يشير إلى أهمية رفع الطاقة الإنتاجية من ناحية، وإلى خفض الاستهلاك من ناحية أخرى.

وكان الطلب العالمي على البترول قد ارتفع خلال السنوات العشر الماضية بنسبة ٢٠% نتيجة لارتفاع معدلات الطلب في كل من الصين والهند؛ حيث تعد الصين ثاني أكبر مستهلك للزيت الخام على المستوى العالمي. كما يتوقع استمرار الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خاصة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى زيادة الطلب من جانب الدول النامية.

إلا أن أوضاع العرض والطلب العالمية على الزيت الخام ليست هي وحدها القوة المؤثرة في سوق البترول؛ حيث إن الطلب العالمي المتزايد على المنتجات البترولية العالية الجودة نتيجة لزيادة الوعي البيئي قد أدى إلى زيادة سريعة في معدلات الطلب على الخامات الخفيفة. وقد تزايد هذا الاتجاه مع محدودية معامل التكرير على المستوى العالمي، وكذلك وحدات التحويل لإنتاج المقطرات الوسطى مما أدى إلى عدم استقرار السوق؛ حيث ظهر ذلك في التباين الواضح في زيادة الأسعار بين الخامات الخفيفة والثقيلة. كما أكد الحاجة إلى زيادة الطاقة التكريرية الإضافية، ورفع كفاءة معامل التكرير على المستوى العالمي كضرورة لتغطية الطلب على المقطرات الوسطى، وتضييق الفجوة في الأسعار بين الخامات الخفيفة والثقيلة.

- وكانت ملامح صعود أسعار البترول قد بدأت من رَحِم أزمة التدهور في أسعاره في خريف عام ١٩٩٨م عندما انهارت الأسعار لأقل من عشر دولارات للبرميل وهو ما أثر سلبياً على اقتصادات الدول المصدرة للبترول مع انخفاض عائد صادراتها، وتدهور موازين مدفوعاتها، وانخفاض إيرادات موازناتها. ومن هنا بدأت تلك الدول المصدرة في بذل مساع مكثفة لتحسين الأسعار، واكتسبت تلك المساعي مساندة السعودية لها باعتبارها أكبر منتج للنفط بين دول منظمة الأوبك، وأكبر مصدر له والتي كانت قد تعودت أن تكون أكثر الدول تحفظاً على رفع أسعار النفط بشكل كبير.

ومن هنا توصلت دول الأوبك وبعض الدول المنتجة للنفط من خارج الأوبك وعلى رأسها المكسيك إلى اتفاق بخفض الإنتاج العالمي للنفط بنحو ٢.١ مليون برميل يومياً، منها ١.٧ مليون برميل تلتزم دول الأوبك بخفضها من إنتاجها. وبالفعل أدى هذا لتحسن الأسعار خاصة مع تحسن النمو الاقتصادي العالمي في عام ١٩٩٩م بعد خروج اليابان ودول شرق آسيا من الركود العميق الذي أصابها عام ١٩٩٨م. حتى بلغ معدل نمو الناتج العالمي ٣.٤% عام ١٩٩٩م مقابل ٢.٦% عام ١٩٩٨م بما يعنيه ذلك من تزايد الاستثمارات الجديدة وارتفاع مستوى تشغيل الاستثمارات القائمة وتزايد الطلب على مصادر الطاقة وعلى رأسها النفط.

وفي عام ٢٠٠٠م ارتفع معدل نمو الناتج العالمي إلى ٤.٧% مما أدى لزيادة الطلب العالمي على النفط وارتفاع أسعاره لمستويات لم تبلغها منذ حرب الخليج الثانية؛ مما أدى بدول الأوبك لرفع سقف إنتاجها عدة مرات في محاولة لكبح جماح الأسعار وجعلها تتراوح ما بين ٢٢ و ٢٨ دولاراً للبرميل. حتى زاد العرض عن الطلب في الربعين الثاني والثالث من عام ٢٠٠٠م. ورغم ذلك استمرت الأسعار في الارتفاع بشدة خلال تلك الفترة؛ مما دفع رئيس الأوبك إلى القول وقتها بأن المضاربات في بورصات العقود النفطية الآجلة قد أضافت ثمانية دولارات لسعر البرميل.

\ بدايات أسباب ارتفاع الأسعار:

وتشير وقائع تلك الفترة إلى أن المضاربين على النفط والشركات النفطية الكبرى قد لعبوا دوراً مهماً في رفع الأسعار لمستويات لا تعكس التوازن بين العرض والطلب؛ حيث قامت الشركات الكبرى بالتحكم فيما يتم ضخه في السوق من منتجات مكررة، وكذلك من خلال خلق جو من المخاوف التي تدفع في اتجاه رفع الأسعار. كذلك ساهمت سياسة الولايات المتحدة بزيادة الواردات من أجل التخزين وحقن الآبار الناضبة فيها بنفط مستورد في زيادة الطلب على النفط العالمي بشكل مفتعل.

كذلك أسهمت الضرائب المفروضة على استهلاك الوقود في أوروبا في ارتفاع أسعار الوقود فيها؛ حيث بلغ سعر لتر البنزين في فرنسا ٠.٣٤ يورو، وبعد فرض الضرائب يصبح ١.١١ يورو. وفي إيطاليا ٠.٤١ قبل الضريبة و ١.١١ يورو بعد الضرائب. وفي بلجيكا ٠.٣٤ يورو قبل و ١.٠٨ يورو بعد الضرائب.

وهكذا شهد الحوار بين الدول المستهلكة والمنتجة للنفط مطالبة من جانب أمريكا لدول النفط بزيادة الإنتاج. بينما ركزت دول الأوبك في موقفها على مسؤولية الضرائب المرتفعة على الطاقة عن رفع الأسعار وكذلك محدودية طاقة التكرير في الدول المستهلكة كأسباب للأزمة في سوق النفط.

ومع دق طبول الحرب على العراق صدرت التحذيرات من انفلات الأسعار إذا اندلعت الحرب في منطقة مليئة بالمخزون البترولي. وأعطت الحرب التي بدأت في مارس ٢٠٠٣م الشرارة البادئة لارتفاع الأسعار حتى جاوز السعر الثلاثين دولاراً في بداية عام ٢٠٠٤م.

وفي عام ٢٠٠٤م تسببت عدة عوامل في ارتفاع أسعار البترول، منها التزايد المستمر في استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة خاصة في فصل الصيف ومواسم الإجازات، وظهور عجز واضح في معامل التكرير على مستوى العالم إما بدعوى الحفاظ على البيئة أو لارتفاع تكاليف إنشائها؛ حيث لم يتم إضافة أي معمل جديد للتكرير بالولايات المتحدة خلال العشرين عاماً الماضية مع تراجع الطاقة الإنتاجية لمعامل التكرير الأوروبية عن الوفاء باحتياجات الطلب على البترول ومنتجاته في أوروبا خاصة بعد تشديد القيود البيئية على معامل التكرير.

وكذلك عدم دقة البيانات التي يتم من خلالها استقراء توقعات العرض والطلب على مستوى العالم مما قلل الثقة في الدراسات سواء من جانب المنتجين أو المستهلكين. حيث إن حجم الطلب العالمي حالياً يتجاوز ٨٢.٢ مليون برميل يومياً بينما العرض الفعلي للإنتاج العالمي ٧٨ مليون برميل يومياً منها ٥٠ مليون برميل من خارج دول الأوبك، و٢٨ مليون من دول الأوبك شاملاً تجاوزات حصص الإنتاج الخاصة بالدول الأعضاء.

وتسبب في ارتفاع الأسعار كذلك اندفاع الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايوان لزيادة الطلب على البترول لتأمين مخزونها البترولي. واتخاذ الحكومة الروسية إجراءات قانونية ضد شركة يوكوس الروسية ومطالبتها بوقف إنتاجها البالغ ١.٧مليون برميل، وهو ما يمثل نسبة ٢٠% من الإنتاج الروسي ثاني أكبر مصدر للبترول بالعالم، ورغم أن الإنتاج لم يتوقف، إلا أن البلبلة التي أثارها الموقف المالي للشركة كان له أثره على الأسعار.

\ الأوبك تتحرك لتهدئة الأسعار:

وفي اكتوبر ٢٠٠٤م شهدت أسعار البترول ارتفاعات قياسية رغم رفع الأوبك سقف الإنتاج مليوني برميل يومياً أعلى من سقف الإنتاج الرسمي البالغ ٢٥.٥ مليون برميل يومىاً. وبما يشير إلى أن مسألة نقص العرض لا تعد السبب الرئيسي لتلك الارتفاعات. والتي تعود أساساً إلى تصرفات المضاربين وضريبة الطاقة في الدول الأوروبية. والمخاوف الأمنية والضغوط السياسية التي تمارسها الدول الكبرى. وانتهاج الدول الصناعية سياسة توسعية في تخزين احتياطات إضافية لضمان نمو اقتصادي مستمر يواجه أي مشكلات طارئة بالذات للولايات المتحدة التي سعت لعدم تعريض اقتصادها لأي هزات في موسم انتخابات الرئاسة.

وأيضاً طول الفترة التي استغرقها إصلاح الأرصفة النفطية في خليج المكسيك بعد إصابتها بأضرار بسبب الأعاصير خلال سبتمبر ٢٠٠٤م مما سبب خسارة بلغ متوسطها نصف مليون برميل يومياً لمدة ثلاثة أشهر، وكذلك إضراب اتحادات بترولية في نيجيريا احتجاجاً على ارتفاع أسعار الطاقة ورغم أن الإضراب لم يعطل الإنتاج في نيجيريا إلا أنه كانت له آثاره لوقوعه في بلد يعد السابع في الإنتاج العالمي؛ حيث ينتج ٢.٣ مليون برميل يومياً.

وساهمت انباء تدمير بعض خطوط النفط العراقية من قِبَل المقاومة العراقية في تزايد المخاوف من تأثر إنتاج العراق مثلما حدث بتفجير خط بترول العمارة بالبصرة في أغسطس ٢٠٠٤م، واستمرار تلك التفجيرات خلال أكتوبر ٢٠٠٤م، وهي التفجيرات التي أثرت كثيراً على إنتاج شمال العراق من البترول وتركزه في الجنوب بعدها.

وساهم النمو الكبير للاقتصاد الصيني والأمريكي في زيادة الطلب على البترول إلى جانب كندا واليابان والنرويج وبريطانيا رغم كون بعضها مصدرة للبترول، وكذلك إعلان الولايات المتحدة استبعاد استخدام مخزونها النفطي الاستراتيجي لتهدئة الأسعار؛ مع زيادة تناقص قدرة دول الأوبك على زيادة إنتاجها؛ حيث وصلت أغلب الدول إلى طاقتها الإنتاجية القصوى.

وتستورد الولايات المتحدة نحو ١١.٥ مليون برميل يومياً تمثل نسبة ٦٠% من حجم الاستهلاك البالغ ٢٠ مليون برميل يومىاً، وهذا الكم من الاستيراد ليس مخصصاً كله للاستهلاك، ولكن جزءاً ليس قليلاً منه يذهب إلى المخزون الاستراتيجي الأمريكى.

وساهمت البيانات الحكومية الأمريكية حول انخفاض مخزون المشتقات البترولية بما فيها وقود التدفئة، وارتفاع فاتورة وقود تدفئة الشتاء بنسبة ٢٨% عن عام ٢٠٠٣م مع توقع الأرصاد الجوية بشتاء أشد برودة في تجاوز سعر البرميل حاجز الـ ٥٥ دولاراً للبرميل للبترول الأمريكي الخفيف بسوق نيويورك في أكتوبر ٢٠٠٤م وهو ما يعد أعلى سعر ببورصة نايمكس منذ بدا التعامل بالعقود الآجلة بها قبل ٢١ عاماً.. وأظهرت بيانات حكومية أيضاً انخفاض مخزون وقود التدفئة في ألمانيا واليابان مما أثار المخاوف من أزمة في العرض خلال الشتاء بنصف الكرة الشمالي.

وأشارت توقعات لصندوق النقد الدولي إلى أن ارتفاع تكلفة الطاقة سيؤدي لانخاض معدلات النمو العالمي خلال عام ٢٠٠٥م لتصبح ٤% فقط بدلاً من ٤.٣% كتوقعات مسبقة.

\ الاقتصاد الامريكي يتأثر بالارتفاع:

ورغم ارتفاع أسعار البترول بنسبة ٦٠% خلال الشهور العشرة الأولى من عام ٢٠٠٤م بالسوق الامريكي إلا أنها لم تتسبب في حدوث تضخم به مثلما حدث في السبعينيات رغم أن ارتفاع الأسعار للبترول بدأ منذ صيف عام ٢٠٠٣م نظراً لتحقيق الاقتصاد الأمريكي أداءً جيداً. كما أن تكلفة الطاقة تشكل فقط نسبة ٧% من تكلفة الإنتاج بالشركات مقابل نسبة ٧٠% لتكلفة الأجور، وإن كان ارتفاع أسعار البترول يؤثر على أرباح الشركات. حيث يشكل ارتفاع أسعار الطاقة تحدياً للاقتصاد الأمريكي. ولقد بدأ الصناعيون هناك يفرضون تكلفة إضافية على أسعار منتجاتهم.

كما أن زيادة الأسعار لها تأثير مماثل لتاثير فرض ضريبة على المستهلكين؛ فتتقلص نفقاتهم بما يعوق النمو وتوقع اقتطاع نسبة ٤% من دخل الأسر. وهكذا يؤثر ارتفاع أسعار النفط على ثقة الأمريكيين وعلى وضعهم المالي مما سيضغط على النفقات الاستهلاكية لهم والتي تمثل نسبة ٧٥% من النمو للاقتصاد الأمريكي.

وفي المؤتمر الوزاري للأوبك بالقاهرة في ديسمبر ٢٠٠٤م قررت المنظمة تثبيت سقف الإنتاج عند مستوى ٢٧ مليون برميل بداية من أول عام ٢٠٠٥م والتخلص من الإمدادات الزائدة التي بلغت مليون برميل يومىاً؛ وذلك لإحداث توازن في سوق النفط بين العرض والطلب استهدافاً لتثبيت الأسعار لصالح المنتجين والمستهلكين. كما تهدف الأوبك أيضاً من قرار التثبيت إلى تفادي الزيادة غير المعتادة في المخزون، وخاصة أن المخزون التجاري قد زاد إلى مستويات قريبة من متوسط السنوات الخمس الماضية. وكذلك كون أسعار النفط الخام قد أصبحت تعكس الواقع الفعلي لمتطلبات السوق العالمية.

وتبلغ حصص الإنتاج لدول الأوبك ٨.٧٧ مليون برميل يومياً للسعودية و ٣.٩٦ مليون برميل لإيران و ٣.١١ مليون لفنزويلا و٢.٢٣ مليون للإمارات و ٢.٢٢ مليون لنيجيريا و ٢.١٧ مليون للكويت و ١.٤٥ مليون لليبيا و ١.٤٠ مليون برميل لإندونيسيا و٨٦٠ ألف برميل للجزائر و ٧٠٠ ألف برميل لقطر. أما العراق فما زالت خارج نظام الحصص بسبب ظروفها الحالية وما يواجه صناعتها النفطية من مشاكل.

وجاء قرار الأوبك مسايراً للتوقعات بتراجع الطلب على النفط الخام خلال الربع الأول من عام ٢٠٠٥م بالمقارنة لنفس الربع من عام ٢٠٠٤م، وهو ما يؤثر على الربع الثاني من عام ٢٠٠٥م الذي يتوقع انخفاض الطلب فيه بشكل أوضح والتي ينتظر تعرض الأسعار خلاله لضغوط بسبب انخفاض الطلب وبطء النمو الاقتصادي العالمي.

وكانت الدول المنتجة للبترول قد شكت من تأثير الخصومات التي تمنحها إلى الأسعار المعلنة مما يعمق انخفاض الأسعار. وكذلك من التأثير السلبي لارتفاع قيمة اليورو أمام الدولار الذي يتم التعامل به في سوق النفط. وذلك عند تقويم سعر البرميل باليورو. ويوضح ذلك أنه في عام ٢٠٠٢م عندما كان متوسط سعر صرف الدولار أمام اليورو نحو ٠.٩٤ وكان سعر خام برنت ٢٤.٥ دولاراً للبرميل كان هذا يعني أن السعر للبرميل لا يتعدى ٢٦ يورو. اما في ديسمبر ٢٠٠٤م ومع متوسط سعر صرف ١.٣٣ ومع متوسط سعر لخام برنت ٣٨ دولاراً للبرميل فإن ذلك يعني أن سعر البرميل ٢٨ يورو مما ساعد على خفض أسعار البترول بصورة إيجابية لصالح الدول المستهلكة بعكس التأثير السلبي لانخفاض أسعار البترول على الدول المنتجة له التي تتعامل بالدولار.

- النمو الاقتصادي رهان الصعود:

\ وفيما يتعلق بتوقعات أسعار البترول خلال الفترة القادمة فإن الطلب على الطاقة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستوى النشاط الاقتصادي ومعدلات نموه. فإذا كان معدل الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم سوف يتراوح حول ٢.٩% سنوياً في المتوسط خلال الفترة من ١٩٩٦م وحتى ٢٠٢٠م، فإن كل زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار ١% يتبعها زيادة في الطلب على الطاقة بنحو ٠.٧٥% ويتفاوت هذا المعامل بين الدول تفاوتاً كبيراً تبعاً لما حققته كل دولة من تقدم في مجال ترشيد الطاقة ورفع كفاءتها.

وطبقاً لمعدلات النمو العالمي المتوقعة فإن معدل استهلاك العالم من الطاقة بمختلف مصادرها سينعكس على نمو الطلب العالمي على النفط بمعدل ١.٨% سنوياً في المتوسط ليرتفع من نحو ٧١.٥ مليون برميل يومياً عام ١٩٩٦م إلى ٩٤ مليون برميل يومياً عام ٢٠١٠م، وإلى ١٠٢ مليون برميل عام ٢٠١٥م، وإلى ١١٠ ملايين برميل عام ٢٠٢٠م، حيث يتوقع احتلال النفط مكان الصدارة في الاستهلاك العالمي من أنواع الطاقة بنصيب يتراوح بين ٣٧% و ٣٩% خلال تلك الفترة.

وكانت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قد قدرت معدل نمو الطلب العالمي على النفط بنحو ٢.١% سنوياً حتى عام ٢٠٢٠م وهو ما يشير إلى توقع وصول حجم الطلب على النفط إلى ١١٧.٤ مليون برميل يومياً عام ٢٠٢٠م.

وهناك آراء أخرى ترى أنه سيحدث تراجع لأسعار النفط خلال سنوات قليلة قادمة بتأثير تكنولوجيا المولدات التي ستولد الكهرباء بمواد بعيدة عن النفط. كذلك مع نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بمعدل نمو سنوي ٣.٣% مما يرفع نصيب الغاز من إجمالي الطاقة من نسبة ٢٢% من إجمالي أنواع الطاقة إلى نسبة ٢٩%. وذلك على حساب تراجع نصيب الطاقة النووية إلى ٣.٥% والفحم إلى ٢٢.٦% من الطاقة، وبقاء نصيب مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة بما فيها الطاقة الكهرومائية حول ٨% من أنواع الطاقة.

- الغاز لن يزيح البترول:

إلا أن القول بأن الغاز الطبيعي سوف ينافس البترول في أسواقه مما يدفعه لخفض أسعاره فإنه يحتاج إلى مراجعة رغم أن الاستهلاك العالمي من الغاز الطبيعي سوف ينمو بمعدل أسرع من نمو استهلاك البترول؛ حيث إن نمو الاستهلاك العالمي من الطاقة سوف يتسع لنمو المصدرين (البترول والغاز) معاً مع انخفاض طفيف في نصيب البترول والفحم وانخفاض أكبر نسبياً في نصيب الطاقة النووية.

ومن ناحية أخرى فان الغاز ليس بديلاً كاملاً للبترول؛ ولهذا سيظل البترول يحتل مكان الصدارة خلال المستقبل المنظور بنصيب يدور حول نسبة ٣٨% من الاحتياجات العالمية للطاقة. كذلك فإن البنية الأساسية للغاز الطبيعي بما فيها شبكات الأنابيب الرئيسية والفرعية لا تتوافر إلا في مناطق محدودة من العالم مثل دول المجموعة الصناعية الغربية ودول الكومنولث المستقلة (الاتحاد السوفييتي سابقاً) . أما بالنسبة لباقي دول العالم وخاصة الدول النامية التي يتسارع فيها الطلب على الطاقة لأغراض التنمية فإن بناء شبكات الغاز واقتناء الأجهزة المستهلكة للغاز ـ وكلها أجهزة رأسمالية أو استهلاكية معمرة ـ تحتاج لاستثمارات باهظة ويستغرق إقامتها أو اقتناؤها سنوات طويلة مما تعجز عنه غالبية الدول النامية، ومن هنا يتوقع أن يظل البترول هو مصدر الطاقة الأفضل بها.

أما بالنسبة للفحم فعلى الرغم من توفره بكميات كبيرة إلا أن آثاره البيئية الملوثة سوف تعيق مسيرته؛ وذلك باستثناء الصين والهند وعدد قليل من الدول النامية. ورغم توقع ارتفاع استهلاك الفحم خلال الفترة من ١٩٩٧ ـ ٢٠٢٠م بمعدل سنوي متوسطه ١.٧% إلا أنه لا يتوقع أن يحل محل البترول الذي سيرتفع استهلاكه بمعدل متوسطه ١.٨% خلال الفترة نفسها، وكذلك بالنسبة للطاقة النووية التي يتوقع تقلص استخدامها بنسبة ٠.٤% سنوياً كمتوسط. أما الطاقة الجديدة والمتجددة وأهمها الطاقة الكهرومائية فعلى الرغم من توقع ارتفاعها خلال الفترة من ١٩٩٧ ـ ٢٠٢٠م بمعدل نمو ٢.٥% سنوياً في المتوسط إلا أنه لا يتوقع أن تساهم مساهمة فعالة في مواجهة احتياجات العالم المتزايدة من الطاقة؛ حيث لا يتجاوز نصيبها من تلك الاحتياجات نسبة ٨%.

وفي إطار تركُّز إنتاج البترول في عدد قليل من الدول يتوقع ارتفاع طاقة الإنتاج لدول الأوبك بما فيها سوائل الغاز الطبيعي من ٢٩.٤ مليون برميل يومياً عام ١٩٩٧م إلى ٤٣ مليون عام ٢٠١٠م وإلى ٤٩ مليون برميل عام ٢٠١٥م وإلى ٥٦ مليون برميل يومياً عام ٢٠٢٠م؛ فهناك ست دول داخل الأوبك سيكون لديها القدرة على توسيع وتنمية طاقاتها الإنتاجية وهي: السعودية، والإمارات، والكويت، والعراق، وإيران، ثم فنزويلا. وبذلك يرتفع نصيب بترول الأوبك الموجه لسد احتياجات دول العالم من نسبة ٤٠% عام ١٩٩٧م إلى ٤٦% عام ٢٠١٠م، وإلى ٤٧% عام ٢٠١٥م وإلى ٥٠% عام ٢٠٢٠م.

ومع تركز إنتاج الأوبك في ست دول سيكون في مقدور عدد قليل من الدول تنسيق سياسة الإنتاج والتصدير بما يساند الأسعار إلى جانب الانخفاض المتوقع في الإمدادات البترولية نتيجة نضوب موارده في العديد من الدول المنتجة خلال المستقبل المنظور مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعاره حتى بدون تنسيق بين سياسات الدول المنتجة سواء الأعضاء بالأوبك أو غير الأعضاء بها.

وفي خارج دول الأوبك يتوقع ارتفاع الطاقة الإنتاجية من البترول من ٤٤ مليون برميل يومياً عام ١٩٩٧م إلى ٥٢ مليون برميل عام ٢٠١٠م، ثم إلى ٥٥ مليون برميل عام ٢٠١٥م ثم إلى ٥٦ مليون برميل عام ٢٠٢٠م.

\ اتساع فجوة الاستهلاك مستقبلاً:

وتشير الدراسات إلى أن صافي العجز في الدول المستهلكة للبترول سوف يزداد مع الوقت وهو ما يؤدي إلى اتساع فجوة الاستيراد. فباستثناء دول الكومنولث المستقلة (الاتحاد السوفييتي سابقاً) وشرق أوروبا والتي يتوقع أن تحقق فائضاً قابلاً للتصدير في حدود من ٤ ـ ٧ مليون برميل يومياً خلال الفترة من ٢٠١٠ - ٢٠٢٠م فإن باقي العالم سوف يعاني من عجز صافٍ يستوجب الاعتماد لمواجهته على الأوبك بصفة أساسية.

ويتركز أغلب العجز البترولي في الدول الصناعية الغربية التي يتوقع أن يرتفع استهلاكها البترولي من ٤٢ مليون برميل يومي عام ١٩٩٧م إلى ٥٠ مليون برميل عام ٢٠١٠م، و٥٥ مليون برميل عام ٢٠٢٠م، وحيث تعتمد تلك الدول على الاستيراد لسد فجوة العجز؛ فإن ذلك العجز سيزداد من ١٩ مليون برميل يومياً إلى ٢٥ مليون برميل عام ٢٠١٠م، وإلى ٣١ مليون برميل عام ٢٠٢٠م، ويتوزع هذا العجز بمقدار النصف تقريباً في الولايات المتحدة، والنصف الآخر في باقي دول المجموعة وهي أساساً أوروبا الغربية واليابان.

كذلك يتوقع أن يرتفع الاستهلاك البترولي في باقي دول العالم خاصة الدول النامية من ٢٦ مليون برميل عام ١٩٩٧م إلى ٣٧ مليون عام ٢٠١٠م، وإلى ٤٩ مليون برميل عام ٢٠٢٠م، وبذلك يتوقع أن يرتفع العجز البترولي لدى باقي العالم من ١٣ مليون برميل يومياً عام ١٩٩٧م إلى ٢١ مليون برميل عام ٢٠١٠م ثم إلى ٢٩ مليون برميل عام ٢٠٢٠م.

وهكذا فإن إجمالي العجز في احتياجات العالم من البترول والذي يتوقع أن تقوم دول الأوبك بتوفيره سوف يرتفع من ٢٩ مليون برميل يومي عام ١٩٩٧م إلى ٤٢ مليون برميل عام ٢٠١٠م، ثم إلى ٤٧ مليون برميل عام ٢٠١٥م ثم إلى ٥٤ مليون برميل عام ٢٠٢٠م.

كذلك يتوقع ارتفاع حجم التجارة العالمية للبترول من ٤٠ مليون برميل يومياً عام ١٩٩٨م إلى نحو ٦٦ مليون برميل عام ٢٠٢٠م، وبذلك يرتفع نصيب الأوبك من صادرات البترول العالمية من ٦٢% عام ١٩٩٥م إلى ٧٢% عام ٢٠٢٠م، وفي المقابل يتوقع انخفاض نصيب الدول المصدرة للبترول غير الأعضاء في الأوبك خلال الفترة من ١٩٩٥م وحتى ٢٠٢٠م من نسبة ٣٨% بنصيب ١٤ مليون برميل إلى نسبة ٢٨% بنصيب ١٨.٥ مليون برميل يومىاً. وهكذا ترتفع درجة التركز في جانب العرض العالمي للبترول وكذلك في الصادرات البترولية، وهو ما يتيح لكبار المصدرين فرصة أكبر لمساندة الأسعار.

ولهذا يتوقع ارتفاع أسعار البترول بمعدل سنوي ٥% في المتوسط منها نسبة ٢% تمثل معدل نمو الطلب العالمي على البترول مضافاً إليها نسبة ٣% كمعدل يحقق الحفاظ على قيمة البترول الحقيقية في مواجهة التضخم في الدول الصناعية المستهلكة للبترول. وذلك إذا لم يطرأ تغير جوهري على هذين المعدلين أو على المصادر البديلة للبترول.


(*) نائب مدير تحرير صحيفة الأهرام.