للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العراق بعد الانتخابات]

الطريق نحو السراب

إعداد: إبراهيم جاسم

- ضيوف الندوة:

- فضيلة الشيخ الدكتور محمود المشهداني: عضو الهيئة العليا للدعوة والإرشاد والفتوى.

- فضيلة الشيخ أحمد البغدادي: عضو هيئة الدعوة والإفتاء.

- فضلة الدكتور مثنى حارث الضاري: المدرس في كلية العلوم الإسلامية والمسؤول الثقافي والإعلامي في الهيئة.

تتشرف مجلة البيان بدعوة أصحاب الفضيلة الضيوف للمشاركة في ندوتها (العراق بعد الانتخابات) ، وهي تقدر استجابتكم لعلمها بما تعانونه من ضغوط وتضييق من قِبَل قوات الاحتلال، نسأل الله لكم الأجر العظيم على ذلك، وعلى جهودكم في تنوير القارئ المسلم، فيما حصل ويحصل في العراق الذي يتعرض لتضليل كبير من وسائل الإعلام الغربية، والسائرة في ركبها.

وتتناول هذه الندوة أربعة محاور مهمة في الواقع العراقي، وهي على النحو التالي:

- المحور الأول: الانتخابات:

البيان: الانتخابات حصلت رغم المقاطعات ومطالب التأجيل؛ فكيف تقوِّمون الانتخابات والنتائج التي تمخضت عنها؟

- د. محمود المشهداني: يعرف الجميع أن الانتخابات العراقية أُجريت بطلب من بوش لأغراض أمريكية داخلية. وهذا يفسر إصرار الرئيس الأمريكي بالذات على إجرائها؛ والذين سعوا إلى تأجيلها كانوا محقين في طلبهم من أجل أن تكون هذه الانتخابات حرة ونزيهة وشاملة. ولكن الإصرار الأمريكي أحبط هذا التوجّه، وكان ما كان، وبرغم ذلك فإن السحر انقلب على الساحر؛ حيث جاءت نتائجها مخيبة لآمال الذين راهنوا عليها، وأظهرت أغلبية السنة عصبية (شوفينية) الأكراد العلمانيين المقيتة، وعززت المخاوف من تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، وتنقسم نتائجها في نظري إلى قسمين:

أولاً: النتائج السلبية:

١ - شرعنة الاحتلال.

٢ - تهميش السنَّة العرب.

٣ - تكريس الطائفية السياسية والدينية.

٤ - إظهار التشرذم العرقي والمذهبي بأبشع صورة.

٥ - الجاهلية السياسية لدى معظم المنتخبين.

٦ - زيادة رصيد المشروع الإيراني في العراق.

٧ - إعطاء الغطاء الشرعي لذبح المقاومة العراقية البطلة.

٨ - ضعف الأداء السياسي لدى الحزب السني الوحيد الحزب (الإسلامي) .

٩ - اضطراب الخطاب الشرعي والسياسي للنخب الدينية السنية.

١٠ - دفع مشروع (إسرائيل الكبرى) خطوة إلى الأمام.

ثانياً: النتائج الإيجابية:

١ - اصطفاف ستة ملايين ناخب من أصل أربعة عشر مليوناً وراء المقاومة العراقية.

٢ - إبراز الدليل الملموس لأكثرية السنة العرب في العراق.

٣ - إعطاء الدافع القوي للسنة العرب، وبعض الشيعة العرب؛ للتجمع في خيار المشروع الوطني العراقي، المتمثل في مجلس الحوار الوطني العراقي لخوض الانتخابات القادمة من موقع القوة والمسؤولية.

٤ - زيادة اهتمام قيادات المقاومة العراقية المسلحة لبلورة مشروعها السياسي البديل.

٥ - فضح التواطؤ السياسي بين الفرس وأمريكا في احتلال العراق.

٦ - زيادة مخاوف الدول الخليجية تجاه المشروع الفارسي في العراق؛ مما قد يدفعها للتعاون البناء مع مشروع الحوار الوطني العراقي، ودعمه مادياً وسياسياً وإعلامياً.

٧ - زيادة الضغط على أمريكا بسبب تهميش السنَّة العرب.

٨ - إبراز إشكالية المثلث السني، الذي هو القاسم المشترك الأعظم بين الأكراد السنة والشيعة العرب؛ وقدرته على إسقاط أو شل أي مشروع إن لم يأخذ دوره كاملاً في العملية الديمقراطية؛ وذلك لأن ورقة المقاومة بيده.

٩ - إبراز نهم الأحزاب السياسية للسلطة، وضعف دورها في إنقاذ الشعب العراقي من معاناته.

- الشيخ أحمد البغدادي: إن هدف أمريكا من هذه الانتخابات هو شيء واحد: صنع حكومة عميلة تجعل وجودها العسكري، وهيمنتها السياسية أمراً واقعاً معترَفاً به إقليمياً ودولياً، ثم الانطلاق إلى الخطوات التالية في مشروع القرن الأمريكي، وعلى رأسه تحقيق أمن الدولة العبرية في المنطقة.

نتائج هذه الانتخابات ـ والتي جاءت تحت مدافع الدبابات ودوي القاذفات، وأثناء عمليات هدم وإبادة المدن كما حدث في الفلوجة، وسامراء، والرمادي، وتلعفر، وتعذيب الشعب في غياهب السجون، واغتيال العلماء ـ هذه النتائج جاءت لصالح الذين أتوا مع المحتل من إيران في انتخابات ذات نتائج متولدة من رحم الخوف والرعب والبؤس وذهاب الأمن الذي ولَّده الاحتلال. أضف إلى ذلك تهميش السنَّة العرب الذين يمثلون الدعامة الأساسية في إدارة العراق قديماً وحديثاً، والواقع يشهد بذلك.

- د. مثنى حارث الضاري: نعم الانتخابات حصلت رغم مطالب التأجيل، وهذا الأمر كان متوقعاً؛ لأنه كان هناك إصرار أمريكي واضح على إجراء هذه الانتخابات مهما كانت الظروف وبغض النظر عن متطلبات الأوضاع في العراق. فهي إذن كانت رغبة أمريكية، وليست رغبة عراقية من أجل إجراء هذه الانتخابات بأي صورة من الصور لإظهار الأمريكان بمظهر المنتصر، وفرض الأمن في العراق على الرغم من مخالفة هذا لكل ما هو حاصل حقيقة على أرض الواقع. جرت هذه الانتخابات وتمخضت عن نتائج، هذه النتائج أثبتت صحة رأي الذين قاطعوها، وأثبتت أن كثيراً من القوى التي تدعي أنها تسيطر على الساحة، وأنها تحوز الأكثرية والأغلبية دعوة غير صحيحة، والذي ظهر أن الأوزان الحقيقية لكثير من الحركات والأحزاب والاتجاهات قد بانت الآن، وتبين للناس حقيقة هذه الدعاوى غير الصحيحة.

إذن هناك أوزان حقيقية موجودة على الساحة الآن، هذه الأوزان الحقيقية دعت إلى أن هذه القوى ذات الدعاوى المفتراة بدأت بمحاولة الاتصال بالقوى الأخرى خارج العملية السياسية من الذين قاطعوا الانتخابات، من أجل إقناعها بالتكتل معها من أجل إنشاء كتل قوية داخل الجمعية الوطنية، وهي محاولات باءت بالإخفاق إلى الآن، والحمد لله.

إذن الانتخابات جرت ولم تحقق شيئاً، والأخبار التي نسمعها الآن عن استمرار الحكومة المؤقتة كما هي عليه دليل على أن الانتخابات لم تحقق أي هدف من أهدافها، وإنّ كل النتائج التي كانت مترتبة عليها كانت فقط لإظهار أن الديمقراطية المزيفة قد فرضت في العراق، أو أن قوات الاحتلال قد نجحت في العراق بمجرد إظهار صور الذين جاؤوا إلى مراكز الاقتراع، وأظهرتهم الآلة الإعلامية الأمريكية على أنهم الأكثرية في العراق أو أن العراقيين يفضلون الخيار السلمي على الخيارات الأخرى.

البيان: سينتج عن هذه الانتخابات جمعية وطنية، وستنتج عنها حكومة عراقية جديدة؛ فما أثر ذلك على المستقبل السياسي للعراق؟ وكيف ستكون الحكومة القادمة خصوصاً بعد فوز القائمة المدعومة من السيستاني بأغلبية المقاعد، وتليها قائمة الأكراد، مما يوحي بالأساس الطائفي الذي ستقام عليه؟ وهل ستكون تلك الحكومة ذات سيادة أم هي حكومة صورية؟

- د. المشهداني: إن الجمعية المنتخبة المنبثقة عن انتخابات ناقصة هي ناقصة، وما ينتج عن الناقص فهو ناقص، مما سوف يضطرها إلى الإذعان لإرادة المحافظات السنية عند الاستفتاء على الدستور، وهي مهددة بالسقوط في حالة رفض العرب السنة الدستور؛ مما سيؤدي إلى الانقسامات بين القوى المؤتلفة في قائمة السيستاني، إضافة إلى كونها غير قادرة بالكامل في السيطرة على الملف الأمني، مما سيدفع بها إلى طرح المشروع الفدرالي الطائفي الذي سيرفضه الشعب العراقي؛ مما يؤدي إلى تراجع شعبيتها في الانتخابات القادمة ما لم تدعم من قِبَل الغازي المحتل. هذا بالإضافة إلى أنّ المدة القصيرة لتوليها الحكم سيجعلها غير قادرة على الوفاء باستحقاقاتها التي أعلنتها في مشروعها الانتخابي، وهو توفير الأمن والحاجيات الضرورية لعموم الشعب العراقي؛ مما سيكشف ضعف أدائها الإداري، والأمني، والاقتصادي، والتي بمجموعها ستضعف مصداقيتها.

- الشيخ البغدادي: المستقبل السياسي للعراق ليس بيد ما يسمى بالمجلس الوطني الذي جاء من انتخابات باطلة ومعوقة وناقصة، والحكومة التي تتولد من انتخابات ميتة هي ميتة بالمثل ولا تملك من أمرها شيئاً، وما بُني على باطل فهو باطل؛ فهي حكومة صورية أمرها بيد المحتل.

- د. مثنى الضاري: الحكومة القادمة ستكون حكومة صورية بلا شك، وكل حكومة تنشأ في ظل الاحتلال ستكون كذلك، أما قضية الجمعية الوطنية، والمجلس الوطني، والحكومة التي ستنشأ عنهما نحن نعتقد أن الشكل الجديد من أشكال المؤسسات السياسية بعد الانتخابات لا يختلف أبداً عن الأشكال التي جرت قبل الانتخابات، سواء في مجلس الحكم، أو الحكومة المؤقتة، أو المؤتمر الوطني، وما إلى ذلك؛ فإذن كل الأشكال التي ستنتج بعد الانتخابات هي عبارة عن تكرار لما حصل قبلها، والأدلة على ذلك كثيرة، ومن ثم هذه الحكومة لن تكون ذات سيادة، هذا إذا اتُّفِق على تشكيل حكومة على المقاس الأمريكي، أنا اعتقد أن قضية تشكيل الحكومة ستمر وهي تمر الآن بمشكلات كبيرة جداً، وأن هناك صراعاً كبيراً على المناصب، ومن ثم حتى لو كان مخططاً لها أن تعطي نوعاً صغيراً من السيادة من أجل الإيحاء للناس بأنها ذات سيادة هذا كله قد انتهى من خلال ما رأيناه من خلافات كبيرة داخل القوائم الفائزة، بل حتى داخل القوائم التي لم تفز هناك صراع كبير جداً حول موضوع المناصب الأساسية في الحكومة العراقية، هذا الصراع يثبت أن الانتخابات لم تحقق شيئاً وأن أي حكومة قادمة هي مرهونة بأمر الاحتلال.

البيان: غالبية السنة قاطعت الانتخابات، وبدأت دعوات ولقاءات لعقد مصالحة وطنية مع الجهات المقاطعة؛ فكيف سيكون دور السنة في الحكومة القادمة؟ وما المشروع السياسي الذي يقدمه أهل السنة كبديل لما يحصل؟

- د. المشهداني: دور السنة في الحكومة القادمة لا يزال مشوشاً؛ وذلك بسبب عدم وجود مرجعية دينية وسياسية واحدة لهم؛ بسبب غياب المشروع السياسي لهم، واضطراب الرؤى لدى النخب الدينية، والسياسية، والعشائرية، وأما المشروع السياسي البديل فهو مشروع مجلس الحوار الوطني العراقي المقترح والمقدم إلى الجهات المعنية الرسمية والشعبية وهذا المشروع يتضمن النقاط الآتية:

١ - جدولة انسحاب قوات الاحتلال من العراق، والمباشرة بالابتعاد عن المدن، والقصبات إلى معسكرات وقواعد وقتية لحين إكمال انسحابها وفق الجدول المقرر.

٢ - عدم تهميش أهل السنة العرب، ووجوب إشراكهم في العملية السياسية، من خلال تخصيص عدد مناسب من المقاعد في الجمعية الوطنية (البرلمان) ، والحكومة الجديدة وأجهزة الدولة الأخرى؛ بما يتناسب مع حجمهم الحقيقي ومكانتهم في المعادلة العراقية، علماً بأن الذين أُعطِي لهم دور تمثيل السنة العرب في الحكومة المؤقتة لا يمثلون إلا أنفسهم، وليس لهم أي تأثير على الساحة السنية.

٣ - إلغاء قانون اجتثاث البعث وكل ما يترتب عليه باعتبار أن البعثيين وصف وظيفي أكثر من أن يكون انتماء فكرياً والكثير منهم مواطنون، ولهم حقوق المواطنة الكاملة أسوة بغيرهم، فيجب إعطاؤهم الفرصة للمشاركة في بناء العراق الجديد، والانسجام مع باقي أطياف وفئات المجتمع العراقي؛ خاصة وأن الاجتثاث جاء حصراً على البعثيين السنة فقط، ولم يشمل الشيعة منهم. وهنا مكمن الخطر الذي نستشعره.

٤ - إعادة تشكيل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية الأخرى؛ بما يخدم المصلحة الوطنية العليا بعيداً عن الحزبية والمذهبية.

٥ - إطلاق سراح جميع الأسرى، والمعتقلين في سجون الاحتلال، والحكومة العراقية.

٦ - إيقاف التعقبات والمداهمات على البيوت الآمنة، وترويع الأطفال والنساء، والعفو عن المطلوبين؛ بسبب العمليات العسكرية.

٧ - المباشرة بإعادة إعمار المدن التي أصابها الدمار من جراء العمليات العسكرية، وتعويض المتضررين منذ بدء الحرب، وحتى الآن.

٨ - يتعهد الجانب الأمريكي بالحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، والتأكيد على انتمائه العربي وهويته الإسلامية، والتأكيد على تثبيت ذلك عند صياغة الدستور.

٩ - يتعهد الجانب الأمريكي بمنع دول الجوار، وخاصة إيران من التدخل في شؤون العراق الداخلية؛ لإبعاد العراق عن صراعات الإرهاب الدولي.

هذا المشروع بيده أخطر ورقة سياسية، وهي ورقة المقاومة العراقية التي تقف خلفه بكل قوة ومسؤولية، خاصة إذا أضيف إلى ذلك توحيد المرجعيات الدينية السلفية (والصوفية والإخوانية) في مرجعية عليا واحدة، تُغلّب المصلحة العامة على المنطلقات الخاصة بها.

- الشيخ البغدادي: إن البديل لما يحصل والواجب الشرعي يقتضي توحيد الموقف لأهل السنة، وأن يكون هنالك مجلس لأهل الحل والعقد من كبار العلماء والمفتين؛ لكي يطرحوا مشروعهم السياسي الشرعي، وقد قامت (هيئة الدعوة والإفتاء السلفية) بهذا المقترح، وخاطبت به جميع هيئات أهل السنة.

- د. مثنى الضاري: السنَّة الذين قاطعوا الانتخابات لم يكونوا وحدهم من قاطع الانتخابات؛ فهناك قوى وطنية كثيرة من غيرهم وكان قرار المقاطعة قراراً وطنياً شاركت فيه قوى كثيرة، والحمد لله نجح هذا النجاح الكبير الذي تحاول بعض وسائل الإعلام تشويهه. أما عن دور السنة في الحكومة القادمة فأنا لا أتصور أن يكون للسنة دور كبير في الحكومة القادمة، وأغلب السنة سيقاطعون هذه الحكومة من منطلق أن هذه الحكومة قامت في ظل الاحتلال، ومن ثم هم لا يدخلون العملية السياسية ما دام الاحتلال موجوداً، قد يدخل بعض السنة؛ نتيجة حوارات واتصالات، وتحالفات مع قوى أخرى، ولكن مهما كان هؤلاء فلن يكون لهم ثقل في العملية السياسية، ولن يكون لهم دور مؤثر، وإنما سيكونون بمثابة الديكور الذي يتم به تزيين الصورة للقول: إن السنة قد دخلوا في العملية السياسة.

أما المشروع السياسي الذي يقدمه أهل السنة بديلاً لما يحصل؛ فقد قُدِّم قبل سنة إلى الأخضر الإبراهيمي، ثم مرة ثانية أعلنت هذه القوى تأكيده يوم ١٧/١١/٢٠٠٤م من خلال بيان مقاطعة الانتخابات الذي تمخض وفداً ذهب إلى الجامعة العربية وقدم مذكرة فيها مشروع بديل يقوم على أساس جدولة انسحاب قوات الاحتلال، وفق قرار أممي، وبضمانات دولية، ثم بعد ذلك تنتشر قوات دولية لحفظ الأمن في العراق، وسد الفراغ الذي يحصل بانسحاب القوات المحتلة من المدن إلى خارجها، ثم تنشأ صيغة جبهوية من كل القوى العراقية؛ لإنشاء حكومة مؤقتة، هذه الحكومة المؤقتة تتولى مهمة الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة بعيداً عن سيطرة قوات الاحتلال، وهذه الحكومة عندما تحضر لهذه الانتخابات فستجري الانتخابات، وتنشأ حكومة منتخبة تتولى هذه الحكومة كل الملفات المهمة، وعلى رأسها الملف السياسي، والملف الأمني، وتعمل على تمهيد الأجواء من أجل إحصاء سكاني، ومن أجل إلغاء كل القوانين غير الشرعية التي جرت في ظل الاحتلال، ثم أخيراً تتفرغ للتفاوض مع قوات الاحتلال، لإجلائها نهائياً من الأراضي العراقية، هذه هي الخطة البديلة التي تقدمها القوى الوطنية المناهضة للاحتلال في أُطُرها العامة، وهناك تفصيلات كثيرة في هذا الموضوع.

البيان: ما مدى مصداقية الانتخابات أمام المجتمع الدولي الذي سيضفي الشرعية على الحكومة القادمة بسبب الانتخابات؟

- د. المشهداني: مصداقية الانتخابات أمام المجتمع الدولي هي نفسها مصداقية الاحتلال أمامه؛ فالذي سكت على الاحتلال الأمريكي للعراق سيسكت على الزفاف الإعلامي لزواج غير شرعي بين المشروع الفارسي، والمشروع الصهيوني في العراق، وستبقى أصوات المقاومة الشريفة هي وحدها القادرة على شق سكون ليل القهر السياسي الذي يسود العالم الآن.

- الشيخ البغدادي: كيف يتعامل المجتمع الدولي مع حكومة جاء أفرادها على دبابات المحتل، ومعظمهم لا يحملون الجنسية العراقي. الرئيس الأمريكي قال مؤخراً حول أوضاع لبنان: لا يمكن أن تكون انتخابات في لبنان مع وجود القوات السورية المحتلة؛ فلماذا لا يطبق الرئيس الأمريكي هذه القاعدة في العراق؟ أليس العراق محتلاً من القوات الأمريكية التي احتلته بالدم والقتل؟ كيف يعتبر القوات العربية السورية في لبنان العربية المجاورة احتلالاً، ولا يعتبر القوات الأمريكية التي عبرت المحيطات، وجاءت إلى العراق احتلالاً؟ والأدهى من ذلك أن هذا الاحتلال يواجه مقاومة مسلحة عراقية مستمرة سنة ونيفاً، في كل يوم ليلاً ونهاراً؛ فكيف تكون انتخابات مع احتلال ومقاومة عراقية مستمرة. كم من الحدود مفتوحة مع إيران التي أدخلت ملايين من الإيرانيين يحملون جنسيات عراقية مزورة! بل حتى المفوضية العليا للانتخابات، وجميع اللجان الخاصة بها تم تعيينهم من قبل قوات الاحتلال، والأحزاب الموالية لإيران: السيستاني إيراني، إبراهيم الجعفري هندي؛ ما شأنهم بالعراق العربي؟

- د. مثنى الضاري: حقيقة هذه الانتخابات لا مصداقية لها، وإن كان الإعلام الغربي، وخاصة الإعلام الأمريكي قد أضفى عليها هالة كبيرة جداً، هذه الهالة توحي لكثير من غير المتابعين الجادين أن العراقيين فعلاً قد شاركوا في هذه الانتخابات بأعداد كبيرة، ومن ثم فهذه الانتخابات انتخابات شرعية. نحن نعتقد أن بعض المؤتمرات كمؤتمر القمة العربية، ومجلس الأمن قد يضفي الشرعية على هذه الحكومة تحت الضغوط الأمريكية، وقد تعودنا على هذا الأسلوب. المؤسسات الدولية تضفي الشرعية على بعض المؤسسات التي جرت في ظل الاحتلال، لكن لا يتم الاعتراف بهذه المؤسسات شعبياً، ولا يتم التعاون معها على هذا الأساس، ومن ثم تحبط، وهذا ما حصل لمجلس الحكم، ثم الحكومة المؤقتة، ثم المؤتمر الوطني، ثم هذه الانتخابات أيضاً، والدليل أن هناك شكوكاً كبيرة في مدى نجاح هذه الانتخابات في الوصول إلى صيغة جديدة تكون مؤهلة لتنال الشرعية والاعتراف من قِبَل المجتمع الدولي؛ فإذن الانتخابات لا مصداقية لها، وإن حاول الإعلام الغربي إعطاء هذا الانطباع.

- المحور الثاني: المقاومة في العراق:

البيان: يدور جدل طويل حول من يقاوم في العراق؛ وهناك من يقول: إنهم بقايا النظام السابق، ومن يقول: إنهم الوافدون من الخارج، والآخر يقول: إنهم الغيورون من أبناء الإسلام في العراق؛ فما هوية من يقاوم في العراق، وما مدى التأييد الشعبي لهم؟

- الشيخ البغدادي: المقاومة حق مشروع يلزم الشعب العراقي بالدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه وماله وحاضره ومستقبله، وهو من جهاد الدفع وبابه دفع العدو الصائل، وحيثما كان هناك احتلال كانت هناك مقاومة؛ فعندما كانت أمريكا محتلة من بريطانيا قاتل الأمريكيون البريطانيين. وعندما احتلت بريطانيا العراق قاتل العراقيون الاحتلال البريطاني من قبل. حتى أمريكا نفسها اعترفت بشرعية المقاومة العراقية. على لسان رئيسها بوش الذي قال: لو احتلت أمريكا فسيقاوم الشعب الأمريكي المحتلين.

أما التركيز على الوافدين من الخارج فهذا غير صحيح. فالشعب العراقي وخاصة أهل السنة وقع عليهم ظلم عظيم؛ فماذا تنتظر من رد فعل المظلومين نحو الظالمين؛ فهم يرفضون هذا الظلم، وخاصة عندما عملت قوات الاحتلال على إبعادهم عن إدارة الدولة، وقربت الذين جاؤوا معها على الدبابات.

- د. مثنى الضاري: هذا السؤال أظنه متأخراً جداًَ؛ لأن هذا السؤال طُرِح منذ فترة متقدمة، فمن القضايا المسلَّم بها أن من يقاوم في العراق ليس من تدَّعيهم أمريكا؛ فلا هم بقايا النظام السابق، ولا الوافدون من الخارج.

الواقع يثبت ومن خلال بحوث علمية، أن المقاومة في العراق هي مقاومة عراقية وطنية من العراقيين يغلب عليهم التوجّه الإسلامي بنسبة كبيرة جداً؛ هذا بحسب دراسات علمية وهناك نسبة قليلة من الوافدين لا تتجاوز نسبتهم ٢% وبحسب اعترافات قوات الاحتلال بعد مهاجمتهم الفلوجة. فإذن قضية التركيز على بقايا النظام السابق، وعلى قضايا الوافدين من الخارج هي محاولات لصرف الأنظار عن المكونات الأساسية والحقيقية للمقاومة العراقية.

المقاومة في العراق هي مقاومة وطنية يغلب عليها الاتجاه الإسلامي، وتشارك فيها أعداد كبيرة جداً، وهذا الأمر كله نعرفه من خلال المتابعة الخارجية، واهتمامنا بالموضوع، ومن خلال متابعتنا ما ينشر من بيانات حركات المقاومة، وفصائلها على شبكة المعلومات الدولية، ومن خلال توزيعها في المساجد، ولصقها على الشوارع في المدن العراقية.

وكذلك من خلال بعض اللقاءات الصحفية والبيانات التي تصدر في بعض الصحف العربية. أما ما مدى التأييد الشعبي لها فأظن أن هذه المسألة لا تحتاج إلى دليل؛ لأنه لولا التأييد الشعبي للمقاومة والاحتضان الكبير لها لما استطاعت أن تواصل هذا الزخم من القوة إلى الآن، ونحن أتممنا العام الثاني لها؛ فإذن هناك تأييد شعبي كبير للمقاومة معنوياً ومادياً وفي مناطق كثيرة في العراق.

البيان: بعضهم يقول: إن الانتخابات هي بداية الطريق نحو تحرير العراق، ويراهن عليها لتحسين الوضع الأمني في العراق، والقضاء على ما يسمى بالمقاومة، والآخر يرى أن السبيل الوحيد هو المقاومة؛ فهل ستؤدي الانتخابات إلى إضعاف المقاومة، أم هي في تصاعد؟

- د. مثنى الضاري: نحن نجيب عن هذا السؤال بعد أن حصلت الانتخابات، كنا نقول قبل أن تحصل الانتخابات: إنها لن تؤثر على المقاومة. أما الآن وقد حصلت؛ فالواقع يثبت هذا. لقد زادت المقاومة أضعافاً بعد إجراء الانتخابات، بل أستطيع أن أقول إن المقاومة في العراق الآن قد نهجت نهجاً جديداً، هذا النهج بعيد جداً عن كل القضايا التي يمكن أن تشوِّه صورتها، أو يستغلها أعداء العراق لتشويه صورة المقاومة؛ فإذن الانتخابات ما كانت إلا مرحلة أو فاصلاً من الفواصل التي تعودنا عليها منذ الاحتلال وإلى الآن، ولكنها لم تُسفر عن شيء، ولم تؤثر على موضوع المقاومة، بل لم تؤثر على مواقف القوى المناهضة للاحتلال التي زادت مواقفها قوة بعد نجاحها في مقاطعة الانتخابات.

- الشيخ البغدادي: هل قالوا سنخرج بعد الانتخابات أبداً؟ رفضوا حتى وضع جدول زمني للانسحاب. الأمريكان اختاروا طريق الحرب؛ فكيف ستتوقف المقاومة؟!

البيان: الكثير يتخوف على مستقبل العراق من المقاومة خشية أن تتكرر مأساة أفغانستان في العراق خصوصاً في ظل تعدد أطياف المقاومة ومسمياتها؛ فما هي عوائق توحيدها، وما السبل لتحقيق ذلك؟

- الشيخ البغدادي: لا يمكن تعميم ما حدث في أفغانستان على ما يحدث في العراق؛ لأن وضع الجهاد الأفغاني كان معقداً منذ البداية، رغم جهود الشيخ (عبد الله عزام) عليه رحمة الله. فحب الزعامة عند بعض قادة الجهاد هي التي سببت هذه المأساة، وعلى العراقيين أن يضعوا نصب أعينهم هذه التجربة المريرة، وأن يحتكموا في كل أمورهم إلى الكتاب والسنة؛ لأن التمسك بهذين الأصلين: كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- هو الطريق إلى النجاة من كل فتنة، ومصيبة، والله المستعان.

- د. مثنى الضاري: حقيقةً التخوف مشروع، ولكن أعتقد أن الأخطاء التي وقعت فيها بعض فصائل المقاومة والأعمال التي خرجت عن الضوابط الشرعية للعمل الجهادي أثرت، لكنها لن توصلنا ـ إن شاء الله ـ إلى ما حصل في أفغانستان؛ لأن هناك وعياً لكثير من هذه الفصائل بخطورة ما حصل، ثم إن هناك قوى كثيرة خارج المقاومة المسلحة من مرجعيات دينية وشخصيات سياسية تعمل على نشر الوعي الصحيح في هذا الموضوع من خلال اللقاءات العامة، ومن خلال الندوات، ومن خلال الإشادة بالمقاومة العراقية، ومع ذلك بيان بعض أخطائها، وهذه القضية يجب أن تُفهم هكذا: هذه المقاومة لكي تكون مقاومة حقيقية لطرد المحتل من العراق عليها أن تستفيد من أخطائها، وعليها أن تسمع لنصيحة الناصحين، وتوجيه الموجهين، ومن ثَمَّ على جميع هذه الفصائل أن تسعى فيما بينها من أجل تقليل الفوارق ما أمكن. وتعدد فصائل المقاومة العراقية أظن أنه عامل قوة للمقاومة العراقية، وليس عامل ضعف؛ فعامل الضعف: هو اختلاف رؤى هذه الفصائل، وأنا أظن من خلال المتابعة لهذا الموضوع أن أغلب فصائل المقاومة العراقية رؤاها واحدة، وأنها متفقة على هدف محدد ألا وهو: تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي. تبقى هناك بعض الاختلافات حول السقف الأعلى لهذه الأهداف، وحول بعض الوسائل للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف، والتي حصلت فيها أخطاء لا يمكن السكوت عنها، ويجب الإنكار عليها، وقد قمنا بدورنا في هذا الموضوع وأنكرنا كثيراً منها بأسلوب واضح وهادئ ورصين، لا يمكن أن يفتح طريقاً للتشكيك في هذه المقاومة، أو يفتح طريقاً للأعداء من أجل الاستفادة من هذه الأخطاء. إذن أعتقد أن تعدد فصائل المقاومة هو عامل قوة، وليس عامل ضعف، والمهم أن تنتبه هذه الفصائل إلى المكائد التي تُرتَّب من قِبَل قوات الاحتلال، وعلى رأس هذه المكائد محاولة الاستفراد ببعض هذه الفصائل في ظل ما يدعى التحاور مع المحتل لفرض الشروط، أو للتفاوض من أجل إخراجه. أظن أن فصائل المقاومة عليها أن تتفق على أهداف أساسية، وليس شرطاً أن تجتمع فيما بينها؛ لأن تفرقها هو من العوامل المهمة لتشتت جهود العدو من أجل القضاء عليها.

- المحور الثالث: الاقتصاد:

البيان: النفط والموارد الاقتصادية الكبيرة كانت من أسباب الحرب على العراق، ودخلت العديد من الشركات الأمريكية واليهودية، وبدأت عمليات استثمار كبيرة وكثيرة في العراق؛ فهل رُهِن العراق اقتصادياً؟ وما دور الحكومة التي ستفرزها الانتخابات في إضفاء الشرعية على هذا الرهن؟

- الشيخ البغدادي: إن قادة الاحتلال هم الذين يتصرفون في جميع موارد البلد من النفط وغيره، وهم الذين يعقدون الصفقات مع الشركات اليهودية وغيرها؛ فلا دخل للحكومة بهذا البرنامج؛ لأنها حكومة صورية كما قلنا فالعراق الآن محكوم بالمحتل الأمريكي سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.

- د. مثنى الضاري: نعم العراق رُهِن اقتصادياً تماماً للاحتلال الأمريكي، وللمؤسسات اليهودية التي تدفع في هذا الاتجاه، وأظن أن أي حكومة عراقية في زمن الاحتلال لن تستطيع، ولن تقوى على معارضة هذا التوجّه، بل ستسهم في إضفاء الشرعية على هذا الرهن؛ هذا كقضية أولى عدم القدرة. والقضية الثانية: أن كثيراً ممن يلعبون الآن أدواراً سياسية في الحكومة العراقية المؤقتة، والحكومة القادمة بعد الانتخابات هؤلاء لهم مصالح كبيرة في الاستفادة من هذا الرهن الاقتصادي للعراق؛ فإذن لا يمكن لأي حكومة عراقية في ظل الاحتلال أن تكسر الطوق الأمريكي الكبير على الوضع الاقتصادي للعراق، وهذا من الأسباب المهمة والكبيرة جداً التي تدعونا إلى عدم الاعتراف بشرعية أي شكل من أشكال الحكم في ظل الاحتلال؛ لأننا حينذاك سنعطي الشرعية لعملية النهب المنظم للاقتصاد العراقي.

البيان: يعاني الشعب العراقي من انتشار البطالة؛ وهو ما يؤدي إلى انحراف اجتماعي؛ فما أثر انتشار حالة البطالة على الشعب العراقي وخصوصاً على البناء الأسري والشباب؟

- د. مثنى الضاري: حقيقةً هي مشكلة كبيرة جداً، وهذه المشكلة طبعاً من نتائج الاحتلال، ولكن كان بالإمكان التنبه لها وإصلاحها من خلال السعي إلى تقليل هذا الحجم الكبير من البطالة، إذا كانت القوى المكلفة في هذا الموضوع أو الصيغ التي شُكلت منذ الاحتلال جادة في ذلك. الذي نراه أنها غير جادة في ذلك تماماً، وقد ابتعدت عن هموم الشعب العراقي حقيقة، بل ساهمت في انتشار البطالة عندما لم تتح فرص العمل لكثير من الشباب، وأكرهتهم وأجبرتهم على الدخول في المؤسسات الأمنية التي أنشأتها من أجل قمع المواطنين العراقيين؛ فهناك فرص عمل كثيرة في كثير من الوزارات العراقية والمؤسسات، ولكن لا يتاح للشباب العمل فيها من أجل إرغامهم على التوجه إلى المؤسسات الأمنية.

- الشيخ البغدادي: بلا شك فإن تخريب الاقتصاد في العراق أمر مقصود منذ بداية الاحتلال، وتشير بعض الإحصائيات إلى وجود أكثر من أربعة ملايين عاطل عن العمل، وهذا يترتب عليه نتائج وخيمة، في حين أنه عندما دخل الأمريكان لوَّحوا بشعار إعمار العراق؛ فأين من هذا الشعار طوابير السيارات كل يوم على محطات البنزين، وقلة النفط، والانقطاع اليومي للتيار الكهربائي التي جعلت العودة إلى عهد صدام حسين لهم حلماً كبيراً.

البيان: ما مشاريع أهل السنة لتدارك المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها والتي أفرزها الاحتلال؟

- الشيخ البغدادي: أهل السنة العرب في العراق يواجهون الآن تحدياً لم يشهد مثله التاريخ، حتى في عهد الدولة الصفوية؛ فهم في محنة عظيمة؛ فالتواطؤ الفارسي الأمريكي مستمر في اعتقال رموز أهل السنة من العلماء والخطباء، واقتحام المساجد مما يسمى بالحرس الوطني وجلهم من الشيعة. الجميع يعلم ماذا فعلوا في جامع أبي طالب جهاراً نهاراً، ودعمهم القوات الأمريكية، وفي صلاة الجمعة من سب لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قامت قوات الحرس الوطني بقتل بعض المصلين في داخل المسجد بعد صلاة الجمعة مباشرة، وهنالك العديد من المساجد التي اقتُحمت من الشرطة والجيش، وأُهين فيها المصلون الذين سمعوا بآذانهم سب الصحابة رضي الله عنهم. وكذلك يواجه أهل السنة التصفية الجسدية. كل يوم تسمع من يُقتل من أهل السنة، وخاصة أصحاب الهدي الظاهر من أصحاب اللحى الذين أصبح مظهرهم تهمة حتى عند الحكومة المزعومة.

وهناك وزراء يخرجون في القنوات الفضائية، ويعتبرون السلفية تهمة إرهابية. كما يشمل القتل العديد من الكوادر العلمية النادرة، والذي ينجو منها يوشى به عند الأمريكان بتهمة الإرهاب.

كما دفعت إيران بمخابراتها حتى تعمل مع (فيلق بدر) الحكومي على تصفية أهل السنة باتفاق مع قوات الاحتلال الأمريكي؛ فأهل السنة في الجنوب، وهم كثر، يواجهون حرباً معلنة عليهم، وفي البصرة والعمارة خاصة تشمل قتلهم أو تهجيرهم.

- د. مثنى الضاري: حقيقة أهل السنة كغيرهم من أهل هذا البلد المخلصين، لديهم أفكار كثيرة لمعالجة هذه المخاطر، ولكننا نستطيع أن نقول: إن كل المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزها الاحتلال لا يمكن التعامل معها، ومحاولة إصلاحها أو القضاء عليها إلا إذا خرج الاحتلال؛ لأن الاحتلال لا يمكِّننا من العمل في هذا الإطار، نحن نسعى بكل الجهود كل في إطار عمله، كل حسب تخصصه، كل حسب المحيط الذي يعمل فيه، ولكن أقول بكل احترام: إن هذه الجهود جهود ضعيفة جداً، وإن هذه الجهود تحتاج إلى تكاتف إخواننا في الخارج، ولكن على الرغم من كل ذلك مهما بذلنا من جهود، ومهما أنشأنا من مؤسسات، ومهما حاولنا من إصلاح في المجال الاقتصادي والاجتماعي؛ فإننا لن نبلغ الغاية التي نتمنى ونريد إلا بخروج الاحتلال. فإذن الاستراتيجية التي تقوم عليها نظرة القوى المناهضة للاحتلال: هي إخراج الاحتلال، ثم التفرغ لحل هذه المشاكل؛ لأنها وليدة هذا الاحتلال؛ فإذن يجب القضاء على الداء ثم القضاء على مضاعفاته، والأسباب التي سببها.

البيان: ما أوجُه معاناة الاقتصاد العراقي، وهل بالإمكان قيام مشاريع استثمار إسلامية في البلد لمواجهة الاستثمارات الأجنبية؟

- د. مثنى الضاري: نعم! أنا أعتقد أن الإمكانية واسعة جداً، وأنا هنا أدعو كل الخيِّرين من أبناء العالم الإسلامي إلى اغتنام هذه الفرصة، ولكن أنا أقدّر في الوقت نفسه أن الأوضاع الأمنية المضطربة في العراق قد لا تتيح لهذه المشاريع الاستثمارية الكبيرة أن تنشأ الآن، لكن هناك بدائل: وهي أن تُنشأ مشاريع استثمارية صغيرة، من خلال جهات إسلامية كثيرة في البلد. هذه المشاريع الصغيرة غير المعلنة من خلال فتح جمعيات للإغاثة وجمعيات لتشغيل كثير من الشباب العاطل عن العمل، وكذلك من خلال دعم بعض المؤسسات الاقتصادية التي تأثرت بسبب الاحتلال، هذا الدعم يمكن أن يؤسس لبناء قاعدة مشاريع استثمارية كبيرة في البلد بعد تحريره إن شاء الله. نعم! أنا أقدّر الأوضاع الأمنية، وأقدّر أن كثيراً من الراغبين في العمل في داخل العراق من إخوتنا المسلمين والعرب يحجم عن ذلك بسبب هذه الأوضاع، ولكن أقول: إن هناك بدائل، وبالإمكان الوصول إلى الساحة العراقية بطرق آمنة، وليس شرطاً أن تكون طرقاً مباشرة؛ فمن كان مهتماً فإنه يستطيع أن يصل إلى الساحة، وهناك تجارب إسلامية رائدة للكثير من إخواننا العرب نجحت في البلاد، وبالإمكان الاطلاع عليها من خلال الاتصال ببعض الجهات المهتمة بهذا الموضوع في داخل البلد.

- الشيخ البغدادي: بالإمكان قيام مشاريع استثمار إسلامية في العراق إذا قدر حكام العرب، وخاصة في دول الخليج خطورة التوسع الفارسي من خلال السيطرة على العراق سياسياً واقتصادياً ومذهبياً؛ فالعراق له عمق عربي وخليجي وإسلامي، وهو مهدد بالشعوبية والطائفية، وإن إيران ألقت بكل ثقلها في العراق؛ تصوَّر أن العملة الإيرانية هي المتداولة في كربلاء والنجف، واللغة الفارسية أخذت تنتشر في الجنوب!

- المحور الرابع: التربية والتعليم:

البيان: كيف ترون مستقبل قطاع التربية والتعليم؟ وكيف تواجهون التغيير الحاصل في بعض المناهج، والذي يتضمن إدخال أفكار علمانية وطائفية؟

- الشيخ البغدادي: هناك خطر كبير في هذا المجال وهذه بعض أهم الحقائق في هذا المجال:

١ - هناك سعي كبير لغلق أهم الوزارات أمام أهل السنة، وحصرها على الشيعة، وأهمها وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، والبحث العلمي، ووزارة الصحة ووزارة الدفاع.

٢ - لا يمكن تعيين العراقي السني، خاصة في وزارة التربية، حتى يأتي بكتاب تزكية من الأحزاب الشيعية.

٣ - أخذ بعض المعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعات يفصحون علناً عن حقدهم على الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فيستمع الطلاب إلى سب أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.

٤ - محاربة الطلبة والطالبات السنَّة الملتزمين منهم خاصة، بل تم قتل العديد من طلاب الجامعات.

٥ - الجامعة المستنصرية أصبحت خاصة بالشيعة؛ لنشر عقائدهم، وأفعالهم، ومحاربة السنة، وأُقيم في داخل الجامعة معرض الكتاب الإيراني حيث بيعت فيه الكتب التي تسب الصحابة، وتعتبرهم كفاراً مرتدين.

٦ - انتشار نكاح المتعة الباطل بين الطلبة والطالبات الشيعة.

٧ - تغيير بعض المناهج في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وحتى في الجامعات، وتوجيهها توجيهاً طائفياً.

٨ - أصبح المشرفون على وزارة التربية وعلى المناهج من خبراء اليهود والشيعة لمحاربة أهل السنة.

٩ - إشاعة أكذوبة أكثرية الشيعة وأقلية السنة ـ والحقيقة هي العكس ـ عند العوام من العراقيين.

١٠ - نشر الإباحية والعلمانية والطائفية في المدارس والجامعات العراقية.

١١ - القيام بإبعاد أو قتل أساتذة الجامعات العراقية من أهل السنة.

- د. مثنى الضاري: حقيقة قطاع التربية والتعليم من أهم القطاعات ونحن نعتقد أن الحرب في العراق هي حرب فكرية بدرجة الأساس، وليست حرباً اقتصادية أو سياسية أو استعمارية. الحرب هي أساساً حرب فكرية من أجل القضاء على الأفكار الصحيحة لأبناء هذا البلد من أجل القضاء واجتثاث البذور التي بدأت تنشأ في هذا البلد، وفي المنطقة لمقاومة الغلو والعلو الأمريكي، ولكن ما حصل من تغيير إلى الآن في بعض المناهج تغيير غير ظاهر، وهناك تغييرات سرية لم تجرؤ قوات الاحتلال، ولا بعض القوى المتعاونة معها على الجهر بها، ولكننا نلمس أن هناك تغييرات قد دخلت في بعض المناهج، وقد وقفنا على بعض هذه المناهج، ولدينا دراسات حول هذا الموضوع. ثم هناك أيضاً حملة التثقيف من خلال وسائل الإعلام الفضائية، وغيرها من خلال الصحافة والترويج لأفكار كانت غريبة عن الساحة العراقية تماماً، كل هذا نحن كنا نتوقعه؛ كنا نقول: إن الخطر الأكبر بعد الاحتلال: هو الغزو الفكري الكبير للمجتمع العراقي الذي كان محصناً في كثير من الأوجه في هذه القضايا؛ لذلك فإن مسألة قطاع التربية والتعليم تحتاج إلى وقت طويل، تحتاج إلى تضافر جهود، تحتاج إلى رؤية حقيقية وواعية لهذا الموضوع، ولا تعالج بقضايا ردود الأفعال السريعة للتنبه إلى هذه المشكلة. المشكلة حاصلة لا داعي للتنبيه إليها، لن نحتاج إلى وقت كبير للدلالة عليها؛ فهو واقع نشاهده يومياً. ويمكن إيصال هذا الواقع لغير العراقيين في الخارج، ونطلعهم على المخاطر التي تجري في الداخل. أما الإصلاح فأعتقد أن هذا الأمر مرتبط بخروج الاحتلال كارتباط القطاع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي. علينا أن نسعى، وأن نعمل كل في مجال اختصاصه، نحاول أن نقلل من الخرق الكبير في هذا المجال، ولكن أعتقد بأن المواجهة الحاسمة المواجهة الكبيرة: هي بالقضاء على السبب الذي أوجد لنا هذا الخرق، ألا وهو الاحتلال. فإذن أنا أعتقد أن كل المحاور: المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، والمحور الاجتماعي، والمحور الثقافي، محور التربية والتعليم لا يمكن التعامل معها بالطريقة التي نريد ونتمنى إلا بعد خروج الاحتلال، ولكن هذا لا يعني أن نتوقف عن المعالجة. يجب على كل الجهات المعنية التي لها القدرة في هذا المجال أن تبذل ما تستطيع من جهود؛ هذه الجهود ستلتقي ـ إن شاء الله ـ بعد خروج الاحتلال، من أجل وضع استراتيجيات كبيرة للقضاء على كل المظاهر السلبية في هذه المحاور.

(*) مراسل مجلة البيان في العراق.