للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمسى حقيقة ... !]

محمود حسين

قالتْ لي صديقتي ذاتَ يوم:

لا بدَّ للمرأةِ حين تبلغ الخامسةَ والثلاثين أن تتفحصَ جسَدَها.

خاصةً مِنْطَقة الصدر..

قلتُ لها (بعجب) : لماذا؟

فبادرتْني قائلة: لأن المرأةَ إذا اقتربتْ من سنِّ اليأْسِ تزدادُ نسبةُ تعرُّضِها للمرضِ الخبيث، خاصةً في منْطقةِ الصدر..

وقعتْ هذهِ المعلومةُ في نفسي موقعاً..

وبدأتُ أتعاهدُ جسدي بالفحصِ عن طريقِ المشاهدةِ واللمس، وخاصةً منطقةَ الصدر، وبداخلي يقينٌ أن جسدي لم يستضفْ ذلك الخبيث..!

ومع هذا، ومِنْ منطلَقِ الحرصِ الشديد.. كنت أفحصُ جسدي كلَّ أسبوع؛ حتى كانت المفاجأة.

فبينما أصابعي تتلمسُ صدري إذا بأصبعِ السبابةِ تلامسُ شيئاً غريباً..!

ما هذا..؟

شعرتُ بخوفٍ شديد سرعانَ ما بددَهُ يقينِي الكامنُ في أعماقي..!

لا تخافي.. قد يكونُ «ثُؤلولاً» .

نعمْ هوَ كذلك..

أكيدٌ هو كذلك..

لا.. «الثُؤلول» يصاحبُهُ ألمٌ في العادة، وهذا الغريبُ لم يسببْ لي أَيَّةَ آلام.

فأوجسْتُ في نفسي خِيْفة، فلقدْ سمعتُ أنَّ ذلك الخبيثَ لا يعطي لصاحبِهِ فرصةً ليشْعُرَ به.

ماذا أفعل..؟

سأتعهدُهُ بالفحص.. إن شاءَ الله لنْ يكونَ (الخبيث..!)

إن حجمَهُ هذا اليومَ قد ازداد.

اللهمَّ اصرْفهُ عني!

إنه ينمو بداخلي قَسْراً.

أشعرُ بالعجز..!

لا بدَّ من البوح..

لا بدَّ من إخبارِ شريكِ حياتي.. سيُصْدَم.. أخشى عليه.. إني أحبه..

يا ربّ أعنّي.. وماذا سيكونُ الحالُ بالنسبةِ لأولادي..!

أولادي.. آه..! قلبي يُعْتَصَر..!

هل حان وقتُ الفراق..؟

هل ستغيبُ شمسي..؟

بالأمس القريبِ كنتُ أشاركُ زوجيَ التخطيطَ لمستقبلهمْ، وأمازحُه: بعد أن يتزوجوا.. ويخلو البيت.. ستكونُ أنتَ عجوزاً.. أما أنا فسأبقى كما أنا، إنْ لم أصغُرْ..!! نعمْ.. فالمرأةُ إن لم يصغر سنُّها.. فلا يتقدم..!!

لن أتحملَ بكاءَهم.. اللهمَّ رْحمتك..

أسمعُ صوتاً هامساً يأتي من أعماقي: لماذا كلُّ هذهِ الهواجس..؟

لا بدَّ من الفحْص.. يجبُ أن تبلغِي زوجَك..

زوجي الحبيب.. أشعرُ بشيءٍ غريبٍ في صدري يشبهُ الكيس الدهني.. ولا بدَّ أن أذهبَ لفحصه بالمستشفى

كيفَ هذا..؟ ومتى اكتشفتِه..؟

اطمئنَّ يا حبيبي..! الأمرٌ بسيطٌ إن شاءَ الله.. سأتقدمُ فوراً بإجازةٍ من عملي.. حتى أكونَ بجانبك..!

الطبيب: لا بدَّ من عملِ أشعة..

انظرُ في وجهِ الطبيبِ وهو يتفحصُ الأشعةَ..!

وجههُ البشوشُ.. بدأ يتغيرُ.. رويداً.. رويداً

أشعرُ بأن الزمنَ يدورُ ببطءٍ شديدٍ.. كأنه يتوقفُ عن الدوران..

سألتُ الطبيبَ بصوتٍ متقطع.. أعياه القلق والخوف:

هل هو وَرَم..؟

أومأ برأسِهِ.. نعمْ.. ولكنْ أرجو اللهُ أن يكون حميداً..

أشعرُ بدوارٍ في رأسي..!

الأرضُ تتحركُ تحتَ قدميّ..!

أينَ ضوءُ النهار..؟ لم أعدْ أرى أمامي.. أشعرُ بحرقةِ دموعي..!

ارتميتُ في حضنِ زوجي.. أبكي كما لم أبكِ من قبل..!

أفقتُ على صوتِ نحيبه.. أغرقْتني دموعُه..!

حبيبتي لا تيأسي من رحمةِ الله.. سنذهبُ غداً للمستشفى..

الطبيب: لا بدَّ من استئصالِ الورمِ.. ثم تحليله..

ها أنا في غرفةِ العمليات..

اللهمَّ اشْفِني..

نتيجةُ التحليل..!

لا بدّ من استئصالِ الثدي..!

آه..!

أنوثتي ... !

ضمةُ وليدي..!

ولكنْ..

الحمدُ لله.. سأحتسبه عندَ الله..