للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كريموف يذبح مسلمي أوزبكستان]

رضا عبد الودود

شهد يوم الجمعة ٤/٤/١٤٢٦هـ - ١٣/٥/٢٠٠٥م مأساة مروعة بحق الشعب الأوزبكستاني المسلم؛ حيث واجهت قوات الأمن والجيش الأوزبكستاني كعادتها المظاهرات التي خرجت في مدينة (أنديجان) والتي امتدت بعد ذلك إلى مدينة (قاراسو) المطالبة بالإصلاح السياسي ووقف الانتهاكات التي يرتكبها نظام الرئيس الأوزبكستاني (إسلام كريموف) العلماني بحق ٩٠% من الشعب هم نسبة مسلمي اوزبكستان الذين يعانون كافة اشكال الاضطهاد والعنف السياسي والتنكيل والاعتقالات، والتصدي للمتظاهرين بالرصاص الحي والمتفجرات والدبابات مما اوقع اكثر من ١٠٠٠ قتيل وجريح وسط تعتيم إعلامي مكثف حيث مُنِعت جميع وسائل الإعلام العالمية من نقل تلك الأحداث لتغطية تلك الجرائم التي تدعمها روسيا والصين وواشنطن التي تتهم بعض الجماعات الإسلامية في آسيا الوسطى بمحاولة نقل سيناريو الانقلابات السياسية من قيرغيزستان وجورجيا إلى أوزبكستان.

وكان عدد من أهالي المعتقلين قد اقتحموا أحد السجون بمدينة (أنديجان) وأطلقوا سراح نحو ٤٠٠٠ من المعتقلين السياسيين ليل الخميس ١٢/٥/٢٠٠٥م، وخرجوا في مظاهرات بلغت حوالي ألف مواطن مطالبين الرئيس (كريموف) بالتنحي بعد أن ضاقت المعارضة من توالي الاعتقالات والمحاكمات، وآخرها محاكمة ٢٣ شاباً تتهمهم السلطات الأمنية الأوزبكية بأنهم إرهابيون. وساعد على تحركها في مدينة (أنديجان) التي تعد رابع أكبر مدن أوزبكستان أنها تقع على الحدود مع جمهورية قيرغيزستان (التي قلبت المعارضة نظام حكم رئيسها عسكر أكاييف في مارس الماضي) .

وتمحورت مطالبهم في وساطة روسيا، وإطلاق سراح ٢٣ من الإسلاميين المسجونين من منظمة الإكرامية (نسبة إلى أكرم يولداشوف العضو السابق في «حزب التحرير الإسلامي» في مدينة أنديجان) ، دون أي ذنب، وإطلاق سراح عدد آخر من المسجونين، وفتح مجالات التجارة التي أغلقت جميع طرقها، لكن روسيا رفضت التدخل بحجة أنه نزاع داخلي، واكتفت واشنطن بإعلان القلق لإخراج المعتقلين من السجن الذي جرى اقتحامه.

- أسباب وخلفيات الحوادث:

وتأتي هذه الأحداث على خلفية صراع ممتد بين الرئيس «إسلام كريموف» الذي تولى الحكم عام ١٩٨٩م والمعارضة الإسلامية التي تضم حزب التحرير الإسلامي وتيارات إسلامية مختلفة، التي تقود حملة شعبية لوقف الفساد وتدهور الاقتصاد وتفشي الفقر والبطالة بين السكان، لكن النظام الحاكم يواجه هذه المعارضة بالقمع والعنف بدعوى مواجهة التطرف.

وقد زاد عنف النظام تجاه الحركة الإسلامية والشعب الأوزبكي عقب أحداث ١١ سبتمبر والحملة الأمريكية ضد الإرهاب؛ حيث استغل نظام (كريموف) هذه الحرب للقيام بمزيد من القمع والاعتقالات واختطاف معارضيه وقتلهم بما فيهم علماء كبار، وغلق مساجد، خاصة بعد تحالفه مع أمريكا وفتح قواعده العسكرية لها لضرب أفغانستان، بما ضمن له صمت واشنطن عن فظائع حقوق الإنسان هناك بعدما كانت من أشد معارضيه خلال الحكم الشيوعي السوفييتي.

- الحكم الشيوعي وأنهار الدم:

ومنذ حصول أوزبكستان على الاستقلال عملت الحكومة الأوزبكية في بداية عهدها على إضفاء الطابع الرسمي على الإسلام لتأسيس إدارات دينية مستقلة، وتهدف هذه الخطوة إلى سحب البساط من تحت أقدام الحركات الإسلامية، لكن مع مع زوال الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩١م وإعلان جمهورية أوزبكستان استقلالها لاحت في الأفق بوادر عودة الأوزبك - شأنهم في ذلك شأن الشعوب الإسلامية الأخرى ـ إلى الجذور الدينية؛ فقد ارتفعت أعداد المساجد التي تم بناؤها على نفقة الأهالي من ٨٢ مسجدًا عام ١٩٨٩م إلى ما يقارب ٧٢٠٠، ولا تكاد توجد منطقة سكنية واحدة على كل الأراضي الأوزبكية دون مكان للصلاة، وتم تشييد أكثر من مائة مدرسة ومعهد ديني خصص اكثر من نصفها للنساء، وارتفعت أعداد طلاب المعاهد الدينية أضعافاً عدة، وتدفق سيل الكتب الدينية، وجرت محاولات بناء أجهزة «شرطة شعبية دينية» لحماية المواطنين ولوحظ إقبال الناس على التعليم الديني، وانتشر الحجاب، وتوجه آلاف الطلاب إلى جامعات الدول الإسلامية لدراسة العلوم الشرعية، وأطلق الرجال لحاهم في ظاهرة استوقفت الكثير من المراقبين.

في بداية الأمر امتطت القيادة الأوزبكية الموجة، واستغلت هذه الظاهرة في بناء نوع من الهوية الوطنية لتعزيز نفوذها في السلطة وكان الرئيس الأوزبكي «إسلام كريموف» يستشهد بالآيات القرآنية والنصوص الدينية في أحاديثه وخطبه، بل في أثناء اجتماع انتخابي جرى عام ١٩٩١م في إقليم (نمنغان) وعد بتحويل أوزبكستان إلى جمهورية إسلامية، وأكد أنه لن يدخر جهدًا لتحقيق ذلك، وسيعمل على أن تتمتع العقيدة الإسلامية بمركزها المرموق الذي تستحقه، وبعد انتخابه رئيساً أدى اليمين الدستورية على «المصحف» . ولكن، ما أن ترسخت أقدامه في الحكم حتى انقلب على شعبه معتبراً أن المسلمين «يشكلون تهديداً للأمن والاستقرار في بلاده» كما أطلق تحذيراته من أن الحديث عن دولة إسلامية في أوزبكستان يثير فزع الغرب، وشن حملة اعتقالات شملت العديد من علماء الدين من غير التابعين للإدارة الدينية الحكومية، وتم إغلاق المئات من المساجد بذريعة أنها بنيت «لأهداف أخرى» وجرى تحويلها إلى مخازن، كما كان الحال عليه خلال العهد الشيوعي، وقامت الإدارة الدينية بوضع يدها على ما يقرب من ٤٠٠ مسجد وتعيين تابعين لها. وصدرت الأوامر للماكينة الإعلامية الحكومية ببث الشائعات ضد علماء الدين وتشويه صورهم واتهامهم بالتعصب والإرهاب والرجعية؛ مستخدمة للنيل منهم كل مفردات القاموس الشيوعي البائد. ويشارك التلفاز الحكومي في الحملة الإعلامية المنظمة ضد ما يسميهم بـ «المتعصبين الذين ينوون قلب النظام الدستوري في الدولة» ويحذر السكان من شرور «أعداء الداخل» . كما شنت السلطات حملةً على الحجاب بحجة أنه «عربي» وان لباس الرأس للنساء في أوزبكستان يختلف عن الحجاب بالمفهوم المتعارف عليه، وتم إغلاق قسم العلوم الإسلامية في معهد الدراسات الشرقية وإلحاق منتسبيه بأقسام أخرى. وتمت مصادرة مكبرات الصوت من المساجد، كما يتم اعتقال كل من يعفي لحيته ويجبر على حلقها في دوائر الشرطة إن كان يرجو السلامة؛ وإلا فالسجن ينتظره.

وهناك الكثير من المعتقلين متهمون بأنهم كانوا يترددون على المساجد خلال التسعينيات أو حتى الثمانينيات، وتصنف هذه المساجد الآن على أنها معادية للحكومة؛ لذلك فكل من يتردد عليها يعتبر عدواً يجب اعتقاله. كما تم اعتقال أكثر من ٥٠٠٠ شخص سبق ان أدوا فريضة الحج في التسعينيات ليزيد عدد المعتقلين على مائة ألف مسلم، وتم إنشاء سجن جديد مخصص «للمتطرفين الدينيين الذين لا يمكن إصلاحهم» . وهناك عدد من المعتقلين حوكموا بتهمة إعداد متفجرات؛ والحقيقة أنهم مزارعون يحتفظون بأسمدة كيماوية آزوتية، ولما كانت هذه الأسمدة تعتبر مكوناً أساساً للمتفجرات؛ فهذا يعني حسب رأي الادعاء أنها محاولات لصنع المتفجرات ولتنفيذ عمليات إرهابية. ووفق تقارير منظمات حقوق الإنسان فإن عدداً من المعتقلين يتعرضون لعمليات اغتصاب في السجون لتحطيم معنوياتهم. وشملت الحملة على «المتدينين» الفصل من العمل والمؤسسات التعليمية، كما تم عزل كل رؤساء المجالس البلدية الذين سبق ان مُنحوا تصريحات بناء المساجد وغضوا النظر عن نشاطات دينية في مناطقهم، وإقصاء عدد من أعضاء المجلس الرئاسي لترددهم المستمر على المساجد، وتم حصر الاتصالات بالمؤسسات الدينية الخارجية، والتشدد في منح تأشيرات الدخول لمواطني دول معروفة بنشاطها الخيري والدعوي، ووضعت كل نشاطاتها المصرفية تحت المراقبة الشديدة. كما قامت الحكومة باستدعاء أكثر من ثلاثة آلاف طالب كانوا يدرسون في الجامعات الإسلامية بحجة أنهم يتلقون دروساً في التطرف والأصولية والإرهاب، وأعلن الرئيس «كريموف» بنفسه أن هؤلاء الطلاب قد جرى إفسادهم وتدريبهم على استعمال الأسلحة والمتفجرات في الدول التي درسوا فيها، وأن عليهم الحضور إلى مراكز الشرطة وإعلان توبتهم وإلا فسينزل بهم وبآبائهم أشد العقوبات.

واشتدت الحملة الحكومية ضد الإسلاميين خاصةً بعد التفجيرات التي شهدتها العاصمة طشقند عام ١٩٩٩م، التي اتهم «كريموف» الإسلاميين بتدبيرها. ومعروف أن أحداً لم يعلن مسؤوليته عن هذه الحوادث التي يشير المراقبون إلى أن هدفها تبرير الحملة ضد الإسلاميين، في ظل وجود صهيوني قوي في مناطق طشقند وقيرغيزستان.

- الدور الأمريكي في الأحداث:

قبل الولوج في تحليل الدور الامريكي في الأحداث الأخيرة في أوزبكستان لا بد من العودة لمسار العلاقات الثنائية بين البلدين والذي تطور بشكل مكثف عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي استغلها (كريموف) ليواصل عصفه بالمعارضين له مستغلاً الحرب ضد الإرهاب استغلالاً بشعاً؛ فقد وثق صلته بالإدارة الأمريكية، ووثق صلته باليمين الأمريكي المحافظ، وقدم تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة سمحت لهم بقاعدة على الحدود الأوزبكية الأفغانية، وقد اعترف (كريموف) نفسه في البرلمان الأوزبكي بالدعم الذي تقدمه له واشنطن؛ بل زاد على ذلك بالقول: «اعلموا أن ورائي أمريكا وبوش وهم لا يعبؤون بمثل هذه التصرفات؛ لأن الأمريكان لو كانوا ضد هذا لما قدموا لنا هذه المساعدات المالية السنوية، وقد لاحظت ذلك عند زيارتي لواشنطن؛ فقد ثمّن الأمريكيون جهدي وتضحياتي في الحرب على الإرهاب، وقدموا لي جائزة سخية من أجل تصفيتي وسحقي لأصحاب اللحى» ..بل إن كريموف طمأن أعضاء البرلمان بالقول: «لا تنزعجوا عندما تجدون مسؤولين أمريكان ينتقدون سجلنا في مجال حقوق الإنسان؛ لأن هدف أمريكا من وراء ذلك إظهار مراعاتها للقوانين الديمقراطية أمام العالم» .

كما مثَّل سلاح الصمت الأمريكي دوراً فعالاً؛ حيث صمتت واشنطن عما يجري من انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان؛ وهو ما دعا منظمات حقوقية أمريكية لانتقاد حكومتهم التي اضطرت مؤخراً لتجميد جزء من معوناتها إلى الحكومة الأوزبكية لحفظ ماء الوجه بدعوى أن أوزبكستان لم تقم بالإصلاحات الدستورية والديمقراطية المطلوبة منها؛ فقد زعم (ريتشارد باوتشر) الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضعة أشهر أن أوزبكستان نجحت في تحقيق بعض التقدم على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها خيبت أمل واشنطن فيما يتعلق بالإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية؛ رغم أن تقارير (منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في آسيا الوسطى) التابعة لمجموعة هلسنكي لحقوق الإنسان في موسكو تشير إلى أن عدد المعتقلين بلغ في السجون أكثر من ٥٠ ألف معتقل غير المقتولين بسبب التعذيب، مما عزز علاقات التعاون الأمني مع تل أبيب، ثم مع واشنطن، مقابل اتفاقات للتعاون في ثروات أوزبكستان الطبيعية من الذهب والفضة واليورانيوم والنحاس والزنك فضلاً عن الغاز الطبيعي والنفط والفحم وغيرها. ولهذا لم يكن غريباً أن تبلغ قيمة المساعدات الأمريكية التي قدمت لأوزبكستان خلال العام الماضي حوالي ٨٦ مليون دولار تمت المصادقة عليها من قِبَل مجلس الشيوخ الأمريكي الكونجرس، ولكن تصاعد الانتقادات الدولية لما يجري من انتهاكات ضد الحركة الإسلامية والمعارضة هناك من اعتقال وتنكيل وتعذيب دفع أمريكا لتجميد مبلغ يقدر بـ ١٨ مليون دولار بدعوى أن طشقند لا تقوم بإصلاحات سياسية واقتصادية، وجرى غض الطرف عن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان.

ولعل الموقف الأمريكي الأخير الذي بدا صامتاً، ثم تطور بإدانة وزيرة الخارجية الأمريكية (رايس) لإقدام المتظاهرين على إطلاق سراح السجناء والذي يكشف بوضوح أن هناك تحالفاً أمريكياً روسياً (لرفضها الوساطة في التفاوض بين كريموف والإسلاميين) ، لا لمساندة الرئيس الأوزبكي فقط، ولكن لمنع سيطرة المعارضة خصوصاً (الإسلامية) على السلطة وتهديدها من ثَمَّ مصالح واشنطن وموسكو في المنطقة، وقد فهم الرئيس (كريموف) هذه الرسالة، فأغلقت السلطات الحكومية جميع الطرق المؤدية إلى المدينة المتمردة (أنديجان) وأغلقت جميع الحدود المشتركة مع دول الجوار، ورفعت حالة التأهب الأمني في جميع المدن، ونشرت الآلاف من رجال الشرطة والمخابرات في جميع المدن إلى أن حاصر الجيش هؤلاء المسلحين بالدبابات والمدرعات وإطلاق النيران من كل اتجاه ليسقط مئات القتلى والجرحى؛ وذلك في رسالة واضحة ترفض أي صعود للإسلاميين في آسيا الوسطى، بالرغم من نجاح الثورة الوردية في جورجيا، والصفراء قيرغيزستان، والبرتقالية في أوكرانيا في الدول المجاورة سمحت بها روسيا وواشنطن توافقاً مع مصالحهما.

- أين المسلمون؟

ولعل أخطر ما في الأحداث وقوف مسلمي العالم متفرجين على المأساة الكبيرة التي يعيشها شعب أوزبكستان المسلم تحت وطأة العصابة الشيوعية التي يتزعمها إسلام كريموف ـ اليهودي الأصل ـ الذي أعاد إلى الأذهان ما كان يفعله الديكتاتور السوفييتي (ستالين) الذي أذاق شعوب آسيا الوسطى المسلمين الأهوال مما ترتب عليه مقتل أكثر من ١٥ مليون مسلم، ودفنهم في أرض سيبيريا الشاسعة؛ فقد ورث (كريموف) كل وسائل القهر والإبادة، وأدرك أن القضاء على الحركة الإسلامية الأوزبكستانية هو السبيل الوحيد لانفراده بالحكم، وهي الوحيدة القادرة على خلافة نظامه المستبد والفاسد الذي جعل أوزبكستان تحتل مرتبة متدنية جدًا في تقارير التنمية الدولية (١٦٥ من ١٨٥ دولة) رغم ثرواتها العظيمة سواء الزراعية أو النفطية أو التكنولوجية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي السابق.