للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حماس في المشهد الفلسطيني الجديد]

عبد الرحمن فرحانة

في الساحة الفلسطينية جرت الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى في ٣٦ بلدية، منها ٢٦ بالضفة الغربية و ١٠ في قطاع غزة. فازت حركة حماس فيها بالضفة بنسبة تقترب من الـ (٥٠%) ، وفي القطاع بنسبة أقل من ٧٠% بقليل.

في المرحلة الثانية جرت الانتخابات في ٨٤ دائرة انتخابية؛ شارك فيها ٢٥١٩ مرشحاً للتنافس على ٨٩٧ مقعداً؛ منها ٧٦ دائرة بالضفة شاركت حركة حماس بـ (٦٨) دائرة منها، و ٨ دوائر في قطاع غزة شاركت بـ (٦) منها. كانت مشاركة حماس في (٢٦) دائرة بشكل كامل؛ ومشاركة جزئية في (٤٩) دائرة؛ بينما لم تشارك في (١٠) دوائر.

ورغم إجراءات الإصلاح التي قامت بها فتح داخل تنظيمها؛ مضافاً إلى ذلك محاولات التأثير على نتائج الانتخابات إلا أن النتائج جاءت لصالح حماس، ومع ذلك تحسنت نتائج فتح نسبياً عن الدورة الأولى. وبلغة الأرقام فازت حماس في (٣٨) دائرة مقابل (٥٠) دائرة لفتح مع تحفظات بشأن هذا الرقم. ولكن هذين الرقمين لا يعكسان الصورة الحقيقية للنتيجة، ففوز حماس في غزة يمثل حوالي ٨٨% من عدد الأصوات البالغة ١٣٠ ألفاً، بينما فازت فتح بنسبة تمثل حوالي ١٢% من عدد الناخبين؛ نظراً لهامشية الدوائر التي فازت فيها. وبلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الضفة والقطاع ٤٠٠ ألف و ٦٠٥ ناخبين، منهم نحو ١٣٠ ألفاً بالقطاع، و٢٧٠ ألفاً بالضفة. وتؤكد حماس أنها حصلت على ٦٠% من إجمالي هذه الأصوات.

في المحصلة فازت حماس في المراكز السكانية الكبيرة مثل رفح والبريج وبيت لاهيا وقلقيلية وغيرها؛ بل تمكنت من الفوز بـ (٥) مقاعد من جملة (٧) مقاعد للنصارى في بيت لحم. وبلغ عدد الدوائر التي فازت بها حماس ويفوق عدد ناخبيها الـ (٤٠٠٠) شخص (١١) دائرة؛ بينما فازت فتح في (٧) دوائر مماثلة فقط.

ونتيجة نهائية للمرحلتين فقد فازت حماس في حوالي (٤٨) دائرة يعيش في فضائها ٦٠٠ ألف نسمة، بينما فازت فتح في حوالي (٦٠) دائرة يعيش في نطاقها الجغرافي ٤٠٠ ألف نسمة فقط.

وفي دراسة للباحث أحمد أبو زينة نشرها مركز الإعلام الفلسطيني؛ يشير الباحث إلى أن حماس فازت بـ (٣٠) دائرة بدون المستقلين الذين يحسبون على الحركة؛ وفازت فتح بـ (٢٧) دائرة في حالة مماثلة. وما زالت النزاعات قائمة بين حماس وفتح حول النتائج.

النتائج اللافتة لحماس جعلت الباب مفتوحاً أمام عدة خيارات حول مستقبل انتخابات المجلس التشريعي؛ وحتى الدورة الثالثة والنهائية للبلدية. وفي هذا السياق فإن هناك اتجاهاً لتأجيل الانتخابات التشريعية من طرف الجانب الأمريكي والصهيوني وتجاوبت معه حكومة محمود عباس؛ وذُكر أن حركة حماس رفضت عرضاً من عباس للمشاركة في حكومة وحدة وطنية مقابل الموافقة على التأجيل إلا أنها رفضت ذلك.

- أفق التسوية:

على الضفة الصهيونية؛ تحدثت الخبيرة (ماري هوليس) في المعهد الملكي البريطاني في محاضرة لها عن خمسة خيارات متداولة في الكيان الصهيوني تجاه التسوية. وعددت (هوليس) وهي مؤلفة كتاب «إسرائيل والفلسطينيون: الخيارات السياسية الإسرائيلية» بالمشاركة مع الخبير (مارك هيلر) عددت الخيارات التي يستبطنها العقل الصهيوني بطبقاته المختلفة كما يلي:

الأول: ضرورة مباشرة التفاوض مع الفلسطينيين بشكل فوري للتوصل إلى حل نهائي بشأن كافة القضايا العالقة، ويمثل هذا التيار المدير العام السابق للخارجية الصهيونية والمسؤول السابق عن الملف اللبناني (ديفيد كمحي) . والخيار الثاني: يطالب بإبقاء الاحتلال للأراضي وفقاً لتعاليم التوراة والتلمود، ومن رموز هذا الخيار (إسرائيل هاريل) . والثالث: يدعو إلى تسويات مرحلية وإدارة الأزمة؛ لأنه لا يؤمن بإمكانية التوصل إلى حل نهائي، ومن شخصيات هذا الخيار (عوزي أراد) رئيس مؤتمر هرتسليا. والرابع: يؤمن بضرورة التدخل الدولي والأجنبي الفاعل لمعالجة النزاع ويمثله (جويل بيترز وأوريت غال) . والخامس: ويمثله (دان شويفتان) وتعتمده الحكومة الصهونية حالياً، وهو خيار الانسحاب الأحادي وفرض الحل عبر ترسيم منفرد للحدود، وما يستتبعه من صياغة قسرية لشكل الكيان الفلسطيني الذي سيتولد مستقبلاً. وهذه الصيغة تتمسك بالجدار الفاصل باعتباره خط الترسيم السياسي المقبل؛ وتدعو إلى الانسحاب من غزة؛ وانسحابات هامشية من شمال الضفة الغربية. وفي المحصلة سيبقى الاحتلال في شمال وجنوب الضفة الغربية وكذلك وادي الأردن؛ مبقياً عدداً من الكانتونات للفلسطينيين على ٥٨% من مساحة الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام ١٩٦٧م في ظل ما يسميه حلاً مؤقتاً؛ ومن ثم سيكون هذا الشتات الكانتوني هو الكيان الفلسطيني المنتظر، وفي عمق هذا الخيار كما يقول اليميني الصهيوني القريب من شارون (كاري سوسمان) في تقريره البالغ الأهمية الذي صدر عن جامعة تل أبيب بعنوان «تقرير شرق أوسطي: أرئيل شارون والخيار الأردني» : «عمان هي القدس الجديدة» توجه يستهدف أن يتحول هذا الحل المؤقت إلى حل نهائي؛ إذ إنه مع قيام الدولة الفلسطينية المؤقتة ستتحول المسالة إلى نزاع حدودي بين دولتين لا يأخذ صفة الأهمية والاستعجال. وستصبح الدولة الفلسطينية المؤقتة هي من يمثل الفلسطينيين، وبذلك ستفقد منظمة التحرير صفتها التمثيلية تدريجياً، وتتراجع قدرتها في المطالبة بحقوق الفلسطينيين الأساسية وعلى رأسها حق العودة. إضافة على ذلك يطمح هذا الخيار إلى ربط الكيان الفلسطيني الوليد بشكل ما مع الأردن في عودة جديدة للخيار الأردني.

بقيت الإشارة إلى أن هذا الخيار مرتهن بوجود شارون على رأس الحكم في الكيان الصهيوني؛ وبالتطورات المرافقة في الساحة الفلسطينية.

- فتح:

تعاني عملية التسوية من مأزق حقيقي؛ لاعتبارات تختص بالجانب الصهيوني، وبأخرى متعلقة بحزب السلطة فتح، الحصان الذي من المفترض أن يجر عربة التسوية؛ إذ تعاني فتح راهناً من ترهل وتفكك غير مسبوقين عكستها نتائج الانتخابات البلدية. وهي من جملة أمراض تعاني منها فتح؛ إلا أن غياب الرأس السياسية الجامعة، وترهل المؤسسات التنظيمية تشكل الخلل الكبير الذي يتهدد وحدتها وحتى وجودها مستقبلاً؛ في ظل حديث تردده وسائل الإعلام عن ملامح انقسام حقيقي في جسم الحركة بسبب حالة الاستقطاب الحادة بين رأسيها: عباس، والقدومي؛ ربما تؤدي إلى حالة انشقاق. ومع ذلك تراهن أطراف داخل الحركة على إعادة إنتاج الحركة تنظيمياً من خلال مؤتمرها السادس المزمع عقده في أغسطس المقبل؛ الذي سيوفر آلية لضخ قيادات شبابية جديدة في جسم الحركة؛ أكثر من ذلك أوصى المجلس الثوري الأخير الذي انعقد في غزة بضرورة إعادة إنتاج خطاب سياسي للحركة يقترب من (اللبرلة) والعلمنة بشكل أكثر؛ وعين (الدكتور ناصر القدوة) برئاسة اللجنة المكلفة بهذه المهمة. وتشير بعض المصادر إلى أن دولة أسكندنافية تعمل على تدريب عناصر من فتح على ممارسة العمل المدني وتقنياته؛ تمهيداً لتوقعات تشير إلى تحويل فتح إلى حزب مدني بشكل تام؛ وسط معارضات من قاعدة فتح وحتى من كوادرها العليا.

- حماس:

رغم المناخ الدولي والإقليمي غير الملائم إلا أن الحركة تحافظ على وجودها وإنجازاتها السياسية في الفضاء العربي؛ وتحظى بثقة الجماهير العربية والإسلامية ونخبها؛ وحتى إنها تجد مكانة مرموقة بين أفراد الطبقة السياسية في الأفق الإقليمي، تتصل بها حتى الأطراف الدولية باعتبارها قوة سياسية مؤثرة.

في الساحة الفلسطينية تجاوزت حماس معايير اختبار القوة التي تمثلت في الانتخابات البلدية؛ إذ إن النسبية العالية التي حققتها الحركة مؤشر واضح على تجذر المشروع الوطني الإسلامي في فلسطين؛ مما أجبر الأطراف الدولية على الاعتراف بها كرقم سياسي صعب ينبغي التعاطي معه بشكل ما؛ رغم صبغة الإرهاب التي ألصقت بها.

تجدر الإشارة إلى التحول الاستراتيجي في خطابها السياسي الذي جسده قرارها المفصلي بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي، وما سيعكسه هذا التوجه على شكل النظام السياسي الفلسطيني برمته. وبطبيعة الحال لا حاجة لمناقشة الأسباب التي دفعتها لذلك، لأنها مدرَكة بدهياً من قِبَل المراقب السياسي.

يبقى القول: إنه رغم قوة الحركة الميدانية والشعبية؛ إلا أنها تواجه في الوقت الراهن عدة تحديات؛ أهمها إنتاج آلية تفريخ قيادي لتعويض الرموز التي افتقدتها في انتفاضة الأقصى وبالذات من الصف الأول في غزة على وجه الخصوص، وكذلك ضرورة تكوين شبكة قيادة في الضفة الغربية؛ بسبب الخسائر في هذا المجال نظراً لقسوة الحملة عليها.

ومن التحديات ضرورة توفر القدرة والخبرة السياسية اللازمة لممارسة الدور المقبل الذي يجمع بين إدارة اللعبة السياسية في إطار النظام السياسي الفلسطيني؛ وفي ذات الوقت الحفاظ على بندقية المقاومة، مضافاً إلى ذلك توفير الجهد والخطاب اللازمين لإقناع جمهورها الإسلامي الواسع بخياراتها السياسية.