للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقاً إن ممارساتهم منسجمة مع قيمهم

علق المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي (سكوت ماكليلان) على ما يثار حالياً في وسائل الإعلام من مخالفة الحكومة الأمريكية للقوانين واعتدائها على حقوق الإنسان، باعتماد التعذيب وسيلة لمعاقبة المتهمين بالإرهاب، أو انتزاع الاعترافات منهم، فقال: «ممارساتنا منسجمة مع قيمنا» ، في محاولة ساذجة منه لنفي وقائع التعذيب، على أساس أن القيم الأمريكية لا تسمح بتعذيب الإنسان. ولسنا في حاجة للتذكير بوقائع التعذيب الثابتة والمسجلة في أكثر من وسيط من وسائط المعلومات؛ لأن هذه الوقائع ما زالت بتفصيلاتها ماثلة أمام نواظر من تابعوها، وهي وقائع كثيرة ومتعددة وفي أماكن مختلفة من أنحاء العالم: في سجن أبي غريب في العراق، وفي خليج جوانتانامو في كوبا، وفي سجن باغرام في أفغانستان؛ ناهيك عن السجون السرية التي كُشِفَ عنها مؤخراً والتي لا يعلم أحد عما يدور فيها غير هؤلاء الشياطين، وهي بلا شك أسوأ حالاً من تلك التي نعرف، ولا زال يتكشف اليوم ما كان مخبوءاً بالأمس وهكذا (١) . وتحاول أمريكا في سبيل تحسين صورتها في عيون العالم أن تدعي أن ذلك لم يكن إلا مسلكاً معزولاً سلكه بعض الجنود، ولا يمثل سياسة عامة أو وجه أمريكا الحضاري، ولعل هذا ما دعا أغلبية مجلس الشيوخ إلى اقتراح صيغة قرار يدعو إلى النص صراحة على منع التعذيب في كل صوره وأشكاله، ليُعرض على مجلس النواب لإقراره، لكن الغريب في الأمر أن الإدارة الأمريكية التي تزعم أن التعذيب ليس نهجاً عاماً لها، لم تُبْدِ ارتياحاً لهذا الاقتراح، وبينت أنه في حالة موافقة مجلس النواب عليه، فإنها سوف تستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع هذا القانون، وبذلك يتبين أن التعذيب سياسة ومنهج، وليس خطأ فرد أو مجموعة؛ إنه يمثل سياسة دولة بوجهها الحضاري الزائف، مما يشهد أن قيمهم لا تمنع من التعذيب. إن دعوة أمريكا إلى نشر الحرية وحقوق الإنسان والإصلاح ليس إلا مفردات لفظية لسياسة النفاق التي ظلت تمارسها آماداً بعيدة. حقاً إن ممارساتهم منسجمة مع قيمهم.


(١) أثناء إعداد المجلة للطبع اعترف المتحدث باسم البنتاجون باستخدام الفوسفور الأبيض ـ وهو سلاح كيماوي ـ في عدوانه على المقاومة في الفلوجة، كما اعترف باستخدامه أيضاً المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء البريطاني ولربما تكشف الأيام القادمة عما هو أفدح من ذلك.