للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حول الهجمة الأمريكية والضغوط الخارجية على سورية]

المأزق ... والمخرج

د. علي صدر الدين البيانوني

تأتي الهجمة الأمريكية الشرسة، إبَّان صدور تقرير: (ميليتس) متَّهماً بعض الأشخاص من الجانب السوري، وقد طلب مجلس الأمن أن تتعاون سورية في كلِّ ما يُطلب منها، وإن لم تستجب فسيكون مصيرها معروفاً؛ حيث ستتم محاكمتها، والأبواب مشرعة مع كلِّ الاحتمالات الخطيرة.

وفي هذه العجالة تقدم المجلة تصريحاً لأحد الفعاليات السياسية المعروفة، وهو الدكتور: علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام للإخوان المسلمين

لم تزل أمتنا في أقطارها المختلفة تعيش في دائرة الاستهداف العالميّ منذ أكثر من قرن، ولم تزل هذه الأمة تحاول الدفاع عن نفسها بما أوتيت من قوة مادية أو معنوية، وبما يتهيأ لها من أسباب الدفع في معادلات القوى العالمية في مراحلها المختلفة. ولا يشك أحدٌ اليوم، أن سورية هي في بؤرة الاستهداف العالميّ الذي يسعى بذرائع مختلفة، للنيل من وجودها وثوابتها وهويتها..

وبغضّ النظر عن جدّية الذرائع المطروحة للتدخّل في شؤون سورية؛ فإننا ندرك أيضاً أن لمواجهة الخطر مقتضَيات واستحقاقات، وأن من يستشعر جدية الخطر، يتحتّم عليه أن يتخذ من الأسباب ما يتمكّن معها من مواجهته. وأول هذه الأسباب الالتفاتُ إلى الجبهة الداخلية، وتعزيز اللُّحمة، لبناء الصف المرصوص، القادر على تحمّل أعباء المواجهة.

أما الضغوط الخارجية على سورية، فلا شك أن بعضها يتصل بالمخطّطات الأمريكية الهادفة إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يتفق مع مصالح القوى المتنفذة في العالم، وبما يخدم أمن الكيان الصهيوني. وليس غريباً أن تحاول هذه القوى توظيف كلّ المعطيات والمتغيرات الإقليمية والدولية لخدمة أهدافها العدوانية، وأن تستخدم في سبيل ذلك كلّ الحجج والذرائع.. إلاّ أنّ عَجْزَ النظام السوريّ عن إدراكِ المتغيّراتِ ومُقتَضَياتها واستحقاقاتها، واستهتارَه بالنداءاتِ الوطنية، وبمصلحةِ الوطن العليا، وإصرارَه على سياساتِ الاستبداد والانفراد بقرار الوطن وثرواته، وتسلّطَه على مقدّراتِ الشعبِ اللبنانيّ الشقيق.. أوصلَ سورية إلى فوهةِ البركانِ الذي تعيشُ عليه اليوم.

ثم جاء اغتيال الرئيس الحريري في ظلّ الهيمنة السورية الأمنية على لبنان، والانسحاب السريع للجيش السوري، والطريقة التي تعامل فيها النظام السوري مع لجنة التحقيق الدولية.. لتضيف بُعداً جديداً إلى المأزق السوري، خصوصاً بعد تقرير لجنة التحقيق الدولية، وقرار مجلس الأمن رقم (١٦٣٦) الذي يطالب سورية بالتعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية، وتسليم المشتبه بهم في جريمة الاغتيال. وهنا أرى أنه لا بدّ من التعاون مع لحنة التحقيقِ الدولية، إسقاطاً للذرائع، وسعياً للكشف عن الحقيقةِ في هذه الجريمة، ولو أنّ بعض القوى الدولية ستحاولُ توظيف نتيجة التحقيق أو تسييسه.

لقد وضعت سياسات النظام الحاكم الشعب السوري في مأزق تاريخي خطير نشأت عنه الكثير من حالات القهر والكبت والتسلّط والفوضى والفساد.. لا سيّما بعد أن أدارَتْ الفئةُ الحاكمةُ ظهرَها لجميع المبادرات الوطنية، والتي توافق على إحداها معظم القوى السياسية والوطنية، ولم تُقِمْ هذه الفئة وزناً لأيّ تطلّعٍ شعبيّ للمشاركة في بناء الوطن والدفاع عنه.

وسواء كان النظام السوري متورطاً في قتل الحريري أو لم يكن، فإن جميع القوى الوطنية السورية تُجمع على رفض التدخل الأجنبيّ في الشأن الداخلي، وتقف صفاً واحداً للدفاعِ عن الوطن وحمايته ضدّ أيّ عدوان ومساومة، كما ترفض توقيع أيّ عقوبةٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ على سوريةَ (الدولةِ والمجتمع) ، وتطالب المجتمع الدوليّ، والأشقّاء في الدول العربية، أن يميّزوا بين الفئةِ الحاكمةِ وسياساتها من جهة، وبين الدولةِ والمجتمعِ السوريّ من جهةٍ أخرى، وأن يبحثوا عن آلياتٍ خاصة، تطالُ الجُناةَ أو المشبوهين ليجنّبوا الشعب السوريّ الذي عانى طويلاً من الاستبداد، معاناةً أخرى يدفعُها ضريبةَ ما فعلَ الجُناة؛ فليس في الشعب السوريّ من يُدافعُ عن قاتلٍ أو مشبوه.

وخلاصة القول: ليس أمام النظام السوري للخروج من المأزق الذي أوصل البلاد إليه، إلاّ المصالحة مع شعبه، لتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار والتحدّيات، والتعاون الجادّ مع لجنة التحقيق الدولية. وبغضّ النظر عن الإدانة أو البراءة في هذه الجريمة، لا بدّ من الفصل بين سورية (الدولة والمجتمع) من جهة، وبين بعض المسؤولين المشتبه بعلاقتهم بالجريمة؛ إذ لا يجوز أن يتماهى أيّ فردٍ بالدولة والمجتمع، أو يتترّس بهما، أو يعتبرَ نفسَه رمزاً للوطنية والسيادة، مهما كان شأنه أو موقعه؛ فمصلحة الدولة والمجتمع مقدَّمةٌ دائماً على مصلحة الفرد كائناً من كان، ولا يجوز أن