للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العراق الجديد]

د. يوسف بن صالح الصغير

لا شك أن الإدارة الأمريكية تُجْهِد نفسها حالياً في دراسة كيفية ترتيب أوضاعها في المنطقة بعد فشل مشروعهم في العراق؛ وتصرفاتهم تدل على أنهم في مرحلة متقدمة من خطة الانسحاب؛ فلم يعد هناك كلام عن إعادة إعمار ولا عن الديمقراطية التي جاءت من جديد بأحد رجالات إيران الذي لم يعد مرغوباً فيه؛ فبعد أن كانت حكومته الأولى مثالاً لنجاح الديمقراطية بالعراق وبعد الاستقبال الحافل له في واشنطن ولندن نجد أن أمريكا أول من عارض الحكومة الجديدة بالتأكيد على أنها لن ترضى بتولي شخصيات طائفية. فما الذي طرأ حتى تستبعد أمريكا من جاءت بهم سابقاً، وتصبح شروط تقريبهم أسباباً لاستبعادهم؟ فهم لم يتغيروا، بل الذي تغير هو وضع أمريكا من وضع المقيم المنتصر إلى حالة المغادر المنكسر؛ فبعد أن كان بوش يتحدث عن النصر أعلن أن أمريكا لن تخرج من العراق بصورة مفاجئة، وبعد التبشير بنجاح حكومته في ترسيخ الديمقراطية بالعراق بدأ بتكرار قلقه من نشوب حرب أهلية في حالة الانسحاب الأمريكي المبكر. والحقيقة أن الولايات المتحدة لن تخرج من العراق قبل أن تُشعِل الحرب الطائفية وتضع الأسس لعراق جديد قائم على الفوضى المنظمة.

ونحن الآن نعيش مرحلة إعداد وتهيئة؛ فمن جانب الشيعة نجد أن هناك محاولة لجرهم لمواجهة عامة مع السُّنَّة؛ فقد بدأت باستهداف التجمعات الشيعية في كربلاء، ولما فشلت انتهت بتدمير رموزهم في كربلاء، وأُتبِع ذلك بدعوات للانتقام ممن يدعونهم بالتكفيريين والنواصب، وعلى الرغم من عدم معرفة الفاعل فإن فورة التهيج العاطفي صاحبتها حملة منظمة لتدمير مساجد السنة وقتل علمائهم بل سحلهم في شوارع بغداد ونشر صور ذلك، وبلغ عدد الأشخاص الذين أعدمتهم فرق الموت الشيعية شبه الرسمية أكثر من ١٣٠٠ سني قتلوا بطريقة واحدة، وقد فضح الله فيلق بدر حيث وجهت قيادتهم الحزبية وزارة الصحة بعدم ذكر من يتم إعدامهم ضمن إحصائيات الوزارة لضحايا الأحداث. وما زال المسلسل مستمراً؛ فهناك محاولة لجر أتباع الصدر وإدخالهم ضمن المنظومة الشيعية؛ ومن ظواهر ذلك تأييد الصدر للجعفري ومشاركة أتباع المهدي أو من يتزيّا بزيهم بقوة بالأحداث الأخيرة؛ مع سلسلة متلاحقة من التفجيرات في مدينة الصدر في محاولة لتجميع الشيعة. يقابل ذلك محاولة أخرى لتجميع السنَّة تحت شعار معارضة اختيار الجعفري رئيساً للوزراء فيما يبدو أنه تجمع جديد، للأكراد دور بارز فيه.

والذي لا شك فيه هو أن الحرب الأهلية التي تستعجل قيامها أمريكا تمثل حبل النجاة الأخير لأمريكا لتبرير خروج سريع أصبح مطلباً شعبياً ونخبوياً مع إشغال العالم بالوضع الجديد، وهو كذلك مخرج لمن تعاون مع الاحتلال للبقاء على الساحة العراقية؛ فالحكيم والجعفري سيظلان قائدين في المعسكر الشيعي الجديد، ولا يستبعد أن نرى الطالباني والبرزاني في معسكر سني جديد، والخاسر الأكبر هو المقاومة التي تحتاج لتضحيات كبيرة وجهد شاق للحفاظ على الهدف السوقي للمقاومة وهو تصفية الاحتلال وأذنابه، وإعادة بناء العراق من جديد، العراق الذي كان مركز الخلافة الإسلامية وموطن الأئمة الأعلام، رمز القوة والنقاء، وليس العراق الجديد الذي يريده الغرب كما ذكر على لسان وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية (كيم هَولز) الذي قال في حديث لبي بي سي إن «العراق يوصف بأنه فوضى، لكنها نوع من الفوضى غير القادرة على شن هجوم على إيران، فوضى غير قادرة على غزو الكويت، فوضى لا تستطيع تطوير أسلحة دمار شامل» نعم! إن لسان حالهم يقول: إذا لم نتمكن من السيطرة على العراق وامتصاص ثرواته فليتم تدميره؛ فهذا دَيْدَنُنا مع كل بلد دخلناه؛ فماذا فعلنا في فيتنام والسلفادور ونيكاراجوا وكوريا الشمالية والجزائر؟ وما سنحاول فعله في كل بلد سمح لنا بالدخول، ثم فكَّر أن يطالبنا بالرحيل أن نؤكد على شعارنا: نحن أو الدمار.


(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.