للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتح واحتراف الغباء السياسي]

أحمد فهمي

أن تكون ذكياً، فهذا أمر جيد، وأن تتذاكى فلا بأس إن كان يفيد، لكن أن تكون ذكياً وتتغابى؛ فذلك أمر يُحيِّر.

والمشكلة تواجهنا عند محاولة تفسير مواقف حركة فتح من حماس منذ إعلان فوزها بالانتخابات التشريعية؛ فقادة فتح «المخضرمون» يطلبون من حماس أن تقدم كل التنازلات الممكنة لإسرائيل قبل أن تحصل على مقابل لها، وهذا في تقديري فعل ربما يصل إلى درجة الخيانة العظمى؛ لأن القضية الفلسطينية حققت مكاسب هائلة بفوز حماس الذي انتشل سقف المطالب الفلسطينية عالياً من بين أنقاض حركة فتح، كما أن القاعدة الأولى في التفاوض هي: لا مساومة على تنازل تم تقديمه مسبقاً، ومن ثم فإن ضغط فتح على حماس من أجل أن تتساوى معها في الهاوية إنما مبعثه التنافس والحقد والمصالح الشخصية التي تتناوش أطراف فتح من كل جهة.

وهذه المطالب التي يرددها قادة الحركة وكأنهم تحولوا إلى أعضاء في حزب كاديما، تعني أن يُفوِّت الفلسطينيون فرصة نادرة للعودة إلى نقطة الصفر الأولى قبل اتفاقات أوسلو بدون تنازل عن الثوابت، وهذه خديعة كبرى للإسرائيليين الذين يشعرون بالصدمة؛ فبعد جهود ومؤامرات سياسية امتدت ١٣ عاماً، يجدون أنفسهم في مواجهة السلطة التي صنعوها وهي تطالب بكل الثوابت الفلسطينية من جديد.

ولذلك فإن قادة فتح يستشعرون الخطر، ولكن كلٌّ حسب طريقته: أبو مازن يخشى من تحوله إلى رمز شكلي فاقد التأثير لو نجحت الحركة سياسياً، ولذلك صرح لصحيفة الجارديان البريطانية أنه يتخوف من محاولة الإسرائيليين عزله بنفس الطريقة التي اتبعوها مع عرفات، ومحمد دحلان يعتبر كل خطوة تنجح فيها حماس تقربه من نهاية حياته السياسية، ولذلك يتصرف وفق ثقافته الخاصة، بإثارة القلاقل في غزة وتوصيل رسالة لجميع الأطراف أنه لا يزال مؤثراً، فاتُّهم بأنه وراء مقتل الجنود المصريين في رفح واختطاف الدبلوماسي المصري، وقد تعرض لتقريع من اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية الذي قال له: «لدينا معلومات أكيدة أنك وصبيانك تقفون وراء هذه الأعمال، وأنك حرّضت مجموعات معينة على ذلك، وأن هذه اللعبة لن تنطلي على مصر» ويشير سليمان إلى سمير مشهراوي وحسن عصفور.

مكمن الغباء السياسي في أداء الفتحاويين، أن سعيهم لإفشال حماس هو في حقيقته جهد دؤوب لدعمهم في مسيرتهم السياسية؛ فالدفع الأهوج لتدمير الحركة سياسياً يُتوقع أن ينتج عنه أمور، أولها: حث الدول العربية والصديقة على المسارعة بتقديم الدعم المالي لحماس. ثانيها: استفزاز الشعب الفلسطيني للتمسك بالحركة التي تتمسك بثوابته. ثالثها: أي إنجاز تحققه حماس سوف يتعاظم تأثيره بسبب الحصار والضغوط. رابعها: إثارة الشغب ستؤدي إلى نتيجة عكسية؛ لأن مثيري الشغب قبل فوز حماس وبعده ينتمون غالباً إلى فتح، وهو ما يزيد من الرفض الشعبي للحركة في أي انتخابات مقبلة؛ واستئثار حماس بنصيب الأسد في انتخابات الجامعة الإسلامية مؤشر يؤيد ذلك.

لا نتوقع بالطبع أن يتخلى قادة فتح عن ولعهم بممارسة الغباء السياسي؛ فهذا أمر يفوق طاقتهم، ولكننا في المقابل نطمئن حماس أن من يحاصرون القضية الفلسطينية هم في حقيقة الأمر يحاصرون أنفسهم، ولذلك ندعو الحركة ألا تفك حصارها عن أعدائها إلا بعد أن يستجيبوا لمطالبها.