للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلفيات وقائع وأحداث مقديشو]

(١-٢)

الشيخ محمود عيسى

لم يكن خافياً في يوم من الأيام أن زعماء الحرب الأهلية في الصومال ـ خصوصاً أولئك الموجودون في مقديشو ـ لهم علاقات مشبوهة مع أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية، وكانت أبرز تلك العلاقات المشبوهة ما أشار إليه تقرير مجموعة الأزمات الدولية ernational Crisis Group (I.C.G) التي ذكرت بأن: مقديشو يتصارع فيها أجهزة استخبارات إثيوبية وأوربية وأمريكية، وبلغت العلاقات المشبوهة ذروتها بعد المواجهات الدامية بين: زعيم الحرب (بشير راجي شيرار) وبين التاجر المعروف (أبي بكر عمر عدان) رئيس مرفأ عيل معان الواقع قرب العاصمة مقديشو من ناحية الشمال، وقد تمكن (بشير راجي) من الاستيلاء على معاقل التاجر المذكور، وبعض سياراته المُصفَّحة وما عليها من أسلحة وذخائر، وبما أن الرجلين ينتميان إلى عشيرة واحدة فقد حاول الأعيان تدارك الموقف واحتوائه، واتصلوا بـ (بشير) ، وطلبوا منه أن يرد ما استولى عليه؛ إلا أنه رفض معللاً: بأن الأمور قد خرجت من يديه؛ لأنه قد أبلغ الأمريكيين بأن هذه السيارات وما عليها لخلية تابعة للقاعدة، وعوضاً عن ذلك فإنه على استعداد تام لدفع قيمة السيارات. وكان رد (أبي بكر عمر) بأنه: ليس في حاجة إلى تعويض مالي، وأنه قادر على استرداد كل ما فقده بعينه؛ إلا أنه يود أن يعطي فرصة لأعيان العشيرة. وبعد أن باءت جهود العشائر بالفشل الذريع لإصرار (بشير) بأن الولايات المتحدة هي التي ترفض ذلك؛ توجه مندوب من (أبي بكر عمر) إلى السفارة الأمريكية في جيبوتي للوقوف على حقيقة تلك المزاعم، والتقى بمسئولين أمريكيين في السفارة الذين طلبوا منه بدورهم التنازل عن الأسلحة والسيارات لصالحها واعتبارها في حوزة أمريكا، ورفض المندوب ذلك قائلاً: بأن سياراته في يد (بشير) ، ولا يزال قادراً على استردادها، وليست في يد أمريكا كما تزعمون. وعلى العموم رجع المندوب إلى مقديشو، وقد تأكد لديه ضلوع السفارة الأمريكية في الحرب.

وفي ١٨/٢/٢٠٠٦ م أعلنت مجموعة من زعماء الحرب تتكون من ٩ عناصر عن تأسيس تحالف سموه بـ (تحالف محاربة الإرهاب وإعادة الأمن) ، وهذه أسماؤهم:

١ ـ (محمد قنيري أفرح Qanyare) وزير الأمن الوطني في الحكومة الانتقالية الحالية.

٢ ـ (موسى سُودِي يلَحُو) وزير التجارة في الحكومة الانتقالية الحالية.

٣ ـ (عمر محمد محمود «فنش» Finish) وزير الأوقاف والشئون الدينية في الحكومة الانتقالية الحالية.

٤ ـ (بوتان عيسى عالم) وزير وزارة نزع السلاح، وتأهيل المليشيات في الحكومة الانتقالية الحالية.

٥ ـ (بشير راجي شيرار) أحد أمراء الحرب في مقديشو.

٦ ـ (عبد الرشيد آدم شري «القيتي» Ilqayte) رجل الأعمال، ومالك الفندق الصحفي.

٧ ـ (وعبد الشكور علي حرزي) زعيم حرب جديد.

٨ ـ (عبدي نوري زياد «عبدي وال» Abdi Waal) .

٩ ـ (عيسى عثمان) زعيم حرب جديد.

وقد انضم إليهم اثنان آخران، وهما:

١٠ ـ (محمد عمر حبيب «محمد طيري» Mohamed dheere) حاكم محافظة شبيلي الوسطى.

١١ ـ (عبد حسن عواله «قيبديد» qeybdiid) المرشح لتولي منصب قائد البوليس.

وأشار الإعلان إلى أن هذا التحالف كان قد بدأ معاركه حتى قبل تأسيسه، وأن المواجهات التي حدثت بين (بشير راجي شيرار) عضو التحالف وبين (أبي بكر عمر عدان) كانت الشرارة الأولى للحرب، وفي اليوم نفسه شن التحالف حرباً على المحاكم الإسلامية، وهاجم معاقلها في الأجزاء الغربية من العاصمة، وكان الصِدام مروعاً، وشديد الوطأة، أسفر بعد حرب دامت أربعة أيام عن هزيمة ثقيلة للتحالف، وانتصار كبير لقوات المحاكم الإسلامية، ولعل أبرز ما أدى إليه يتمثل في الآتي:

١ ـ إغلاق مطار داينيلي Daynile التابع لـ (محمد قنيري أفرح) زعيم الحرب البارز ووزير الأمن الوطني والركن الركين للتحالف.

٢ ـ تشديد الخناق على مقره.

٣ ـ سيطرة المحاكم الإسلامية على معظم الطرق الرئيسة في مقديشو.

٤ ـ بروز الولاء الذي يكُنُّه أهل العاصمة للمحاكم الإسلامية حيث تطوع الآلاف من أجل الدفاع عنها.

وكما هي عادة الحروب في البلاد فإن العشائر حاولت إخماد نار الحرب، وأعلن اتحاد المحاكم الإسلامية ترحيبه بأي مبادرة تؤدي إلى حقن الدماء بشرط: أن يمتنع قادة التحالف عن محاولاتهم الفاشلة من قتل وتسليم قادة المحاكم الإسلامية وعلماء الإسلام في البلد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من السعي الحثيث من قبل زعماء العشائر نحو الصلح إلا أن جهودهم كلها باءت بالفشل؛ بسبب تعنت قادة التحالف الذين رفضوا مقترحات الحل، وضربوا بها عرض الحائط.

وكانت مقترحات الحل كالتالي:

١ ـ حَلُّ التحالف الذي لم يؤدِ إلا إلى إراقة الدماء.

٢ ـ الموافقة على المصالحة مع المحاكم الإسلامية.

٣ ـ إعلان وقف إطلاق النار شفاهة عبر الإذاعات أو الكتابة في الصحف.

وكل هذه المقترحات رفضها التحالف قائلاً:

١ ـ أنه لا يمكنهم حل هذا التحالف أو نقضه بحجة أنه اتفاق مع الولايات المتحدة.

٢ ـ كما أنهم لا يستطيعون إعلان الصلح مع من سمَّوَهم بـ (الإرهابيين) .

٣ ـ أن إعلان وقف إطلاق النار لا يمكن؛ لأنه يتناقض مع أهداف التحالف.

وبطبيعة الحال فإن الحرب توقفت بعد أن عجز التحالف عن الاستمرار فيها، وجاء زعماء العشائر المقربون لـ (محمد قنيري) وتعهدوا بأنهم: يمارسون الضغط عليه، حتى لا يطلق نارًا تجاه قوات المحاكم، ووافقت المحاكم الإسلامية على ذلك.

وحينما وصلت الأمور إلى طريق مسدود تشاور وجهاء العاصمة من: مشائخ، وزعماء العشائر، والتجار، ومؤسسات المجتمع المدني، وبعد لقاءات مطولة توصلوا إلى قرارين:

١ ـ الاعتبار بأن هذه الحرب حرب بالوكالة؛ حيث إن الأموال الأمريكية هي السند الوحيد لزعماء الحرب (إياهم) لمواصلة حربهم.

٢ ـ تشكيل وفد رفيع من هذه الشرائح يتوجه إلى جيبوتي لعقد لقاء مع قائد القوات الأمريكية المتمركزة في جيبوتي.

وبناءً على ذلك تم تشكيل هذا الوفد من ممثلي شركات الاتصالات، والحوالات، والمشائخ، وزعماء العشائر، ومؤسسات المجتمع المدني، والتقوا بمسئولين أمريكيين، ونقلوا إليهم تصور أهل مقديشو للأحداث الأخيرة، وكانت كالتالي:

١ ـ إننا نعتقد أنكم المشعلون هذه الحرب علينا بالوكالة.

٢ ـ إننا نطلب منكم أن توقفوها، وتدفعوا تعويضاً عن الخسائر التي نتجت عنها.

٣ ـ إننا لا نعادي أمريكا، ولا نريد أن تتضرر مصالحنا في ذلك.

٤ ـ إن الجهة الوحيدة القادرة على ضبط الأمور في العاصمة هم الوجهاء، وليس زعماء الحرب المكروهين من قبل الشعب.

وقد أنكر الجانب الأمريكي هذه الحقائق كلها، وقالوا: إن الصومال لا تقع ضمن نطاق عملهم، ولا علاقة لهم بزعماء الحرب، ثم أردفوا بسؤالين هما:

١ ـ ما موقفكم من الحكومة الصومالية الانتقالية؟

٢ ـ ما الذي نستطيع أن نساعدكم عليه؟

وكان الرد بأن: الحكومة حكومة صومالية ونحن نؤيدها، وأن أفضل مساعدة يمكنكم أن تقدموها لنا هي تأييد حكومتنا، وتمكينها من بسط سيطرتها على ربوع البلاد حتى تتمكن من إعادة الأمن، والاستقرار، وقمع كل الخارجين على المجتمع.

والخلاصة: أن هذا اللقاء كان لتوضيح المواقف، وإن لم يؤدِ إلى نتائج ذات قيمة.

وبعدها بأسابيع اندلع القتال بين المحاكم الإسلامية والتحالف في الضاحية الشمالية من العاصمة، وبعد مواجهات عنيفة ولمدة خمسة أيام مُنِيَ التحالف بهزيمة لا تقارن بالسابق سواءً من حيث الإصابات والعتاد والمواقع التي فقدها، وكان أبرز نتائجها:

١ ـ إغلاق مطار زعيم الحرب (بشير راجي شيرار) .

٢ ـ طرد التحالف من المواقع التي استولوا عليه في المواجهة السابقة مع رجل الأعمال (أبي بكر عمر عدان) .

٣ ـ تكبد التحالف خسائر في الأرواح غير مسبوقة؛ إلا أن هذه المواجهات حصدت من أرواح الأبرياء أعداداً كثيرةً بلغت المئات.

هذا وقد اتضح للتحالف أن المواجهات التي تقع في المناطق المكشوفة ليست لصالحهم، وبالتالي اتخذوا استراتيجية مفادها القتال وسط المدنيين؛ اعتقاداً منهم بأن ضراوة الحرب ستؤدي إلى نفور الناس من المحاكم الإسلامية، ولكن خاب ظنهم؛ إذ أن هذه المعارك مازادت الناس إلا التفافاً حول المحاكم، مما مكَّن المحاكم من بسط سيطرتها على معظم العاصمة (حوالي٨٠%) .

وفي يوم السبت ١٣/٥/٢٠٠٦م حدثت مواجهات افتعلها التحالف وسط منطقة آهلة بالسكان أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح لا سيما بعد أن استخدم التحالف مدافع الهاون المخصصة لإخراج القوات المعادية من الخنادق؛ إلا أنهم استخدموها لضرب المدنيين بصورة عشوائية مما أوقع خسائر بشرية فادحة في صفوف المدنيين، والإصابات أعلى بكثير مما بثته أجهزة الإعلام، فالوفيات تجاوزت المئتين.

وعلى الرغم من تلك الخسائر لهذه المعركة إلا أنهم يصرون ـ أيضاً ـ على عدم إيقاف الحرب، ولا يرغبون في التفاوض مع من يسمونهم بـ (الإرهابيين) ؛ بل رفضوا حتى وقف إطلاق النار.

وفي يوم الخميس ٢٥ مايو ٢٠٠٦ م شن التحالف هجوماً مفاجئاً على قوات المحاكم الإسلامية من ست جبهات متعددة من داخل العاصمة مقديشو وضواحيها؛ وتصدت قوات المحاكم الإسلامية التي تتلقى دعماً من الشعب تلك الهجمات بضراوة، وكبّدت بعد حرب دامت أربع ساعات قوات التحالف خسائر فادحة، فقد التحالف من جرائها السيطرة على مناطق حيوية في مقديشو، وقتل ثلاثة من قادته الميدانيين، إضافة إلى الأسلحة والدخائر التي استولت عليها قوات المحاكم الإسلامية، كما حققت انتصارات ـ أيضاً ـ في المواقع الأخرى، وكانت النتيجة كالآتي:

١ ـ الاستيلاء على تقاطع الطرق الرئيسة ذي الأهمية الاستراتيجية في مقديشو (٤ كيلو متر) ؛ الرابط الوحيد بين مواقع عناصر التحالف؛ مما وضع عائقاً على تحركاتهم وأنشطتهم العسكرية، واحتبست قواتهم على أجزاء متفرقة من العاصمة.

٢ ـ الاستيلاء على معاقل ثلاثة من التحالف، وهم: عبد الرشيد آدم شري (القيتي) ، وعبدي نوري زياد (عبدي وال) ، وعبد الشكور علي حرزي.

٣ ـ السيطرة على الفندق الصحفي معقل التحالف الذي غالباً ما يعقد فيه اجتماعاته، ويتلقى تعليماته من المخابرات الأمريكية، ويكيد مؤامراته ضد الشعب الصومالي المسلم.

٤ ـ الهزيمة النفسية التي لحقت بأفراد قوات التحالف بعد الهزائم المتلاحقة في ميادين القتال كلها، إضافة إلى الشكوك التي تنتاب قواته؛ حيث ينمو بينهم شعور أنهم إن قتلوا في هذه الحروب يخسرون الدنيا والآخرة.

٦ ـ الحصول على الثقة من قبل الشعب الذي ازداد إداركه من أن الدافع الحقيقي للتحالف على هذا الحرب هي الأموال التي يتلقاها من أمريكا؛ لإبادته على سبب مزاعم وهمية لا حقيقة لها؛ وأن هذه الحرب انتقام من أمريكا على ما فقدته من جنودها في الصومال عام ١٩٩٣م، كما أنه جزء من الحرب التي تُشن على الشعوب الإسلامية.

وبعد هذا كله لم يفق قادة التحالف عن غيهم العميق، ولم ينتهوا عن بغيتهم الشنيعة من مطاردة، وقتل، وتسليم قادة المحاكم والعلماء للمخابرات الأمريكية؛ بل أصروا على ذلك، ولم يلقوا بالاً لمطالب الوسطاء من الشعب الذين ينادون دائماً بوقف إطلاق النار، والالتقاء على طاولة المفاوضات، وحل القضية سلمياً.

وفي يوم الأربعاء ٣١ مايو ٢٠٠٦ م واصلت قوات المحاكم الإسلامية زحفها نحو مواقع التحالف، واصطدمت مع مليشياته في حي سوق المواشي Animal market الواقع شمال مقديشو الذي يسيطر عليه وزير نزع السلاح وتأهيل المليشيات في الحكومة الانتقالية الحالية (بوتان عيسى عالم) العضو البارز من التحالف، وبعد فترة وجيزة ـ قامت فيها حرب ضرورس ـ انتصرت قوات المحاكم على أعدائها، وألحقت بهم خسائر كبيرة، واستولت على عدد من العربات، والأسلحة الثقيلة، والخفيفة، والذخائر، وكانت النتيجة كالآتي:

١ ـ الاستيلاء على معقل عنصر التحالف (بوتان عيسى) الوزير المذكور، وجميع مواقع قواته.

٢ ـ السيطرة على طريق بلعد الرئيسي الذي يربط العاصمة مقديشو بوسط البلاد وشمالها.

كما أن الانتصارات التي تحققها قوات المحاكم الإسلامية المساندة من قبل الشعب تتوالى كل يوم، فسيطرت يوم ٤/٦/٢٠٠٦م على مدينة بلعد الواقعة على نهر شبيلي على بعد ٣٠ كلم شمالا من مقديشو، وعدد كبير من القرى المحيطة بها الواقعة على طول الشارع الرئيسي الذي يربط العاصمة بالمحافظات الوسطى والشمالية، إضافة إلى القاعدة العسكرية (هيل وين) .

ونظمت الجموع الغفيرة من سكان بلعد والقرى المجاورة لها مسيرات شعبية واسعة تعبيراً عن فرحتها، وتأييدها، وترحيبها لقوات المحاكم الإسلامية التي ما زالت تطارد فلول مليشيات التحالف المشئوم من قبل المواطنين؛ لأن أعضاءه صاروا دائماً عقبة أداء أمام كل مصالحة وطنية شاملة.

وكان في طليعة الفارين (محمد قنيري) و (بوتان عيسى عالم) اللذين وصلا في آخر مرحلة إلى مدينة (جوهر) عاصمة شبيلي الوسطى التي كان يسيطر عليها (محمد عمر حبيب «محمد طيري» ) العضو الكبير من التحالف، وتمركزت مليشياتهم هناك على الرغم من أن قوات المحاكم الإسلامية على مقربة منها، ويمكن في أي لحظة أن تصطدم معها لتحرير مدينة جوهر نفسها ومحافطة شبيلي الوسطى عموماً، وتطهيرها من دنس التحالف الذي ما زال يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقادته يبحثون عن ملجأ ومأمن لأنفسهم.

وعلى صعيد آخر داخل مقديشو؛ استولت قوات المحاكم الإسلامية على داينيلي وبعض جيوب أخرى في مقديشو التي كانت تحت نفوذ التحالف وخاصة (محمد قنيري أفرح) بعد أن استسلمت المليشيات الموجودة هناك، وسلمت أسلحتها كلها للمحاكم بدون أي مقاومة تذكر، كما يرجى أن تحذو حذو ذلك أحياء أخرى في مقديشو مازالت تحت قوة مليشيات التحالف.

الجدير بالذكر أن العاصمة مقديشو تشهد تحولاً تاريخياً بعد انهيار قوة زعماء الحرب، وبروز قوة إسلامية تعتزم إعادة الأمن في مقديشو مما يبعث الأمل في سكانها بعد ١٦ سنة من الفوضى وعدم الاستقرار، وتعتزم هذه القوة الإسلامية تشكيل هيكل إداري في العاصمة مقديشو، وأيضاً بدء حوار مع كل الأطراف المعنية بالمصالحة الصومالية، وقال رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية (شريف الشيخ أحمد) في مؤتمر صحفي عقده يوم الأحد بتاريخ ٤/٦/٢٠٠٦م: (إنه يقدم الشكر بعد الله إلى الشعب الصومالي الذي وقف مع المحاكم الإسلامية في حربها مع التحالف الذي انتهك حقوقه وكرامته) ، وقال في معرض حديثه: (إننا لا نريد أن نستأثر بالسلطة وإدارة البلاد دون مشاركة الأعيان، والوجهاء، والمثقفين) ، وعبَّر عن: (أن المحاكم الإسلامية مستعدة للتفاوض مع كل من يعمل لمصلحة الشعب الصومالي) في إشارة واضحة إلى الحكومة الصومالية الانتقالية التي تتخذ مقراً مؤقتاً لها في مدينة (بيدوا) على بعد ٢٤٠ كلم من مقديشو.

ü موقف قادة التحالف من الحكومة المؤقتة:

من المعلوم أن أربعة من عناصر هذا التحالف هم وزراء في الحكومة وأعضاء في البرلمان الذي تشكل في كينيا، ولكنهم كانوا العقبة الرئيسة أمام انتقال الحكومة الفيدرالية إلى العاصمة، ثم رفضوا الانتقال إلى مدينة جوهر عاصمة محافظة شبيلي الوسطى باستثناء (محمد عمر حبيب) الذي استقبل الحكومة في مدينة جوهر، إلا أنه اختلف ـ لاحقاً ـ مع الحكومة التي اتخذت من (بيدوا) مقراً مؤقتاً لها فيما بعد.

ولم ينتقل أي من هذه المجموعة إلى (بيدوا) ، بل وأعلن بعضهم أنهم لا يعترفون بالحكومة، وقد قال (محمد قنيرس) وزير الأمن الوطني بالحرف الواحد: (إنه ليس هناك رئيس، ولا رئيس وزراء ولا يرى نفسه وزيراً) ، كما تساءل (موسى سودي يلحو) وزير التجارة: (ما هو الوزير؟ وما هي الوزارة؟ وما هي الحكومة؟ حكومة تمتنع أن تعمل في العاصمة!! ... لا أعترف بها ... ) . وبعد اندلاع حروب التحالف مع المحاكم أعلن رئيس الوزراء: بأن التحالف غير شرعي وغير معترف لديه، وأن المحاكم الإسلامية غير إرهابية بل هي أجهزة أمنية، وستتعاون معها الحكومة. واعتبر حرب التحالف بأنها حرب تشن ضد المدنيين في مقديشو، وتلاه خطاب رئيس الجمهورية الذي أدان التحالف، وطلب من الولايات المتحدة الأمريكية بألا تدعم زعماء الحرب الذين يمارسون الإبادة ضد الشعب، ودعاها بدلاً من ذلك: إلى التعاون مع الحكومة حتى تتمكن من بسط سيطرتها على البلاد.

وفي خطاب آخر أعلن: بأن بقاء أعضاء التحالف كوزراء في الحكومة غير مقبول؛ بسسب مسلكهم الدموي، ولكنه اعتبر أن البت في ذلك من اختصاصات البرلمان ورئاسة الوزراء.

وفعلاً حدث ذلك في مساء ٤/٦/٢٠٠٦م بعد اجتماع عقده رئيس الوزراء مع أعضاء حكومته؛ وأصدر قراراً بإقالة الوزراء الأربعة الذين كانوا يمثلون المحاور الرئيسة للتحالف عن مناصبهم الوزارية، وهم: وزير التجارة (موسى سودي يلحو) ، ووزير الأمن القومي (محمد قنيري أفرح) ، ووزير نزع السلاح وتأهيل الميليشيات (بوتان عيسى عالم) ، ووزير الأوقاف والشئون الدينية (عمر محمد محمود «فينيش» ) ؛ وذلك بسبب مخالفتهم للدستور، ودورهم في قتل الأبرياء، ونقضهم اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار.

وصرح رئيس الوزراء: أن حكومته سوف تفتح حواراً مع المحاكم الإسلامية التي تقود الثورة الشعبية، وجميع ممثلي المؤسسات التجارية، وشرائح المجتمع في مقديشو.

ü ماهية المحاكم الإسلامية:

منذ سقوط النظام العسكري في الصومال خاضت البلاد حروباً أهلية طاحنة تدهورت بسببها الأوضاع الأمنية، وفشل قادة المليشيات في التغلب على هذه الفوضى طيلة الأعوام الماضية، وفرّ أعداد غفيرة من المواطنين من ديارهم خوفاً على أرواحهم وممتلكاتهم، وانتشرت ظاهرة قُطَّاع الطرق، ووضع الحواجز على معظم شوارع مقديشو؛ لابتزاز المارين حيث وصلت الأمور إلى درجة يصعب التغاضي عنها.

وكرد فعل لهذا قامت قيادات شعبية من زعماء العشائر ورجال الأعمال والمواطنين في العاصمة مقديشو لمعالجة الوضع المتأزم، وجلسوا لبحث القضية وطرح الحلول الناجعة لها، وأخيراً تم التوصل إلى الحل الأخير؛ وهو العودة إلى كتاب الله وتطبيق الشريعة الإسلامية.

وبناءً على ذلك أنشئت المحاكم الإسلامية التي كانت تتمتع بدعم وتأييد شعبي، وخاصة رجال الأعمال، والمؤسسات التجارية؛ إلا أن الطابع القبلي كان يغلب عليها؛ إذ أن كل محكمة كانت تعمل في الحي الذي تقطنه قبيلة معينة، وكان الهدف منها يوم ذاك درء عدوان أبناء القبيلة على القبائل الأخرى، وعلى داخل القبيلة نفسها؛ حيث أصبحت الجهة الوحيدة التي تفصل الخصومات، وتعتقل الجناة، وأنيط بها إيقاف عمليات القتل، والنهب، والاغتصاب، والخطف، ونجحت في ذلك إلى حدّ بعيد، وكانت تعتمد هذه المحاكم في مصروفاتها على ما يقدم لها أفرادها طبقاً للائحة تأسيسها.

وبمرور الزمن شعرت المحاكم الإسلامية أنه لا بد من وجود جهاز إداري واحد يربط بينها، وأنها إن عملت على هيئتها الحالية، وعلى طابعها القبلي فإن دورها سوف يضعف، وإنها لن تجدي ثمارها المطلوبة.

وعلى هذا تشكلت المحاكم الإسلامية تحت مظلة اسمها «اتحاد المحاكم الإسلامية في مقديشو» .

الذي هو عبارة عن أجهزة أمنية وقضائية أسهمت إلى حد كبير في إعادة الأمن والاستقرار إلى أجزاء كبيرة من العاصمة مقديشو، ومحاربة الفساد الأخلاقي والرذائل.

واستحوذ ـ ولله الحمد ـ اتحاد المحاكم الإسلامية على ثقة الشعب الصومالي المسلم بعد الخراب الذي حلّ بالبلاد، وسقوط كل المؤسسات الشرعية والرسمية، وساعد في ذلك محبة الناس للشريعة الإسلامية، وتقديرهم للعلماء وما يقومون به لصالحهم؛ في ظل غياب حكومة حقيقية قادرة على حمايتهم، ومنع أي إعتداءات عليهم، إضافة إلى ما تتمتع به المحاكم الإسلامية من قوة تنظيمها، ونزاهة قادتها وقواتها، وأن سيطرتها على ٩٠% من مقديشو تقريباً يوحي بمستقبل باهر.

وفي الختام نفيدكم بأنه يجري حالياً جلسات مع شيوخ القبائل، والعلماء، والمحاكم، وقادة المجتمع المدني لمناقشة المستجدات الأخيرة في العاصمة، وتشكيل نظام يحكمها؛ لذا نهيب بالعالم الإسلامي والعربي الوقوف إلى جانب هذه القيادة الجديدة في العاصمة، ومساعدة الشعب الصومالي المنكوب للخروج من أزمته، والعودة بالبلاد إلى سابق عهدها؛ حيث الأمن والأمان