للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأديب الإسلامي الدكتور صابر عبد الدايم في حوار مع البيان]

حاوره في الرياض: محمد شلاّل الحناحنة

ـ الشعر هو الأفق الأرحب الذي تنطلق فيه أسراب انفعالاتنا ومعاناتنا مع الواقع المحموم الذي نعيشه!

ـ دعائم الأدب الإسلاميّ ومقوماته لا تنفصل عن خصائص التصوّر الإسلاميّ بكلّ شموليّته.

ـ الأديب المسلم يسمو بوجدانه فوق الرغبات الدنيا بكلّ ما يحمله من خير للإنسان.

ـ الأدب الإسلاميّ أدب عالمي؛ فلا تعوقه أسوار، ولا محيطات، ولا تأشيرات!

ـ مُلتقى الأدباء الشباب برابطة الأدب الإسلاميّ يعدّ حقلاً خصباً لنمو أشجار الإبداع نموّاً صحيّاً!

الأديب الإسلاميّ الدكتور (صابر عبد الدايم) له أكثر من عشرين كتاباً: شعراً ونقداً، كما أنّه أستاذ للأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود، ويُشرف على ملتقى الأدباء الشباب بالمكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلاميّ العالمية بالرياض، فهو عضو بهيئة تحرير مجلّة الأدب الإسلاميّ، ويحمل الكثير من الآراء وهموم الأدب الإسلاميّ، وقد التقيناه بعد ندوة ثقافية بمدارس الرشد بمشاركة الأديب د. (ناصر الخنين) ، وكانت بعنوان: (الفصحى من الدِّين) حضرها جمهورٌ من المهتمينَ والمثقفين، فكان لنا معه هذا الحوار:

^: قالوا: «في شعر (صابر عبد الدايم) غُرْبةٌ روحية خاصة، ووجدان إنساني مفتوح على هموم الأمة في الوقت نفسه» ، ما مدى صحة هذه المقولة؟

معلقٌ بين تاريخي وأحلامي

وواقعي خنجرٌ في صدر أيامي

أخطو فيرتدُّ خطْوي دون غايته

وما بأفقي سوى أنقاض أنغامي!

تناثرتْ في شعاب الحلم أوردتي

وفي دمائي نمَت أشجار أوهامي!

مدائنُ الفجر لم تُفتح لقافلتي

والخيل والليل والبيداءُ قُدَّامي

والسيف والرمح في كفَّيَّ من زمن

لكنني لم أغادرْ وقْع أقْدامي!

وفي انكسار المرايا حُطِّمت سُفني

وفي انحراف الزوايا غاب إقدامي!

وغبت يا وطناً ضاعَتْ هويَّتُهُ

والأرضُ تنْبُشُ عن أشلاء أقوام!

^: أنْتَ أديب إسلامي، لكن مصطلح الأدب الإسلاميّ ما زال غائماً وغير متفق عليه كما يقال حتى لدى رابطة الأدب الإسلامي، إذْ يثار أحياناً، كيف ترد على ذلك؟

فالأديب المسلم في غمرة تجاربه الإيمانية والتأملية لا يكون بمعزل عن واقع الحياة، ومشاغل الإنسان وآماله وأحلامه؛ فهو في سلوكه الإيماني يتأمل ما خفي من أسرار الكون، وهو في تأملاته يستجلي أسرار الحياة، ويبحث عن منافذ الخلاص للإنسان عبْر رؤية إسلامية متميزة منفردة تُصاغُ معالمها في قالب فني مؤثر. وأرى أن دعائم الأدب الإسلامي ومقوماته لا تنفصل عن خصائص التصور الإسلامي التي تمثل إطاراً حضارياً لأبعاد الشخصية المسلمة في كل أحوالها، وهي: التوحيد ـ الربانية ـ الثبات ـ التوازن ـ الشمولية ـ الواقعية ـ الإيجابية.

والأديب المسلم حين يمتزج وجدانه بأضواء الحقائق السابقة، وتتشرب مشاعرُه معالمها تأتي تجاربه شاملة متنوعة مؤثرة، تتجاوز الخاص إلى العام، تسموا فوق الرغبات الدنيا، وتشتاق إلى معانقة الوجود ـ المثال ـ؛ الوجود المسلم بكل ما يحمله من خير للإنسان، وخصوبة للمشاعر، ونقاء للأحاسيس، وبذلك ندرك أهمية تعرف الشباب المسلم على هذه الخصائص، والسير في ظلالها، وفي أضوائها حين يسافر في مدائن التجارب الإبداعية محمَّلاً بشحنات العواطف وثمار الأقطار.

ودلالة المصطلح ليست غائمة ـ كما يثار ـ لدى رابطة الأدب الإسلامي. ومن يقرأ ويتأمّل ويعي «النظام الأساس» لرابطة الأدب الإسلامي العالمية يدرك أن المصطلح ليس غائماً، وإنما تؤطره عدة مبادئ وردت في المادة «الثانية عشرة» من مواد النظام الأساسي، وهي مبادئ تشكل نسيجاً متكاملاً متجدداً لمصطلح الأدب الإسلامي، ولا بُدَّ من تكامل هذه المبادئ لدى من يلتزم بالمنهج الإسلامي في مشروعه الأدبي والنقدي، وهذه المبادئ هي:

١ ـ الأدب الإسلامي: هو التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفْق التصور الإسلامي.

٢ ـ الأدب الإسلامي حقيقة واقعة منذ انبلج فجر الإسلام، وهو يستمد عطاءه من مشكاة الوحي وهدي النبوة.

٣ ـ الأدب الإسلامي ريادة للأمة، ومسؤولية أمام الله عزَّ وجل.

٤ ـ الأدب الإسلامي أدب متكامل، ولا يتحقق تكامله إلا بتآزر المضمون مع الشكل.

٥ ـ الأدب الإسلامي يفتح صَدْره للفنون الأدبية الحديثة، ويحرص على أن يقدمها للناس وقد بَرئت من كل ما يخالف دين الله ـ عزَّ وجل ـ، وغنيت بما في الإسلام من قيم سامية، وتوجيهات سديدة.

٦ ـ الأدب الإسلامي يرفض النظريات والمذاهب الأدبية المنحرفة.

٧ ـ النقد الأدبي الإسلامي ضرورة لترشيد مسيرة الأدب وترسيخ أصوله.

٨ ـ الأديب الإسلامي مؤتمن على فكر الأمة ومشاعرها، ولا يستطيع أن ينهض بهذه الأمانة إلا إذا كان تصوره العقدي صحيحاً، ومعارفه الإسلامية كافية.

٩ ـ الأدباء الإسلاميون متقيدون بالإسلام وقيمه، وملتزمون في أدبهم بمادئه ومثله.

^: لك الكثير من الدراسات النقدية الجادة؛ تُرى: أين يمضي النقد الأدبي مقارنة بالإبداع؟ أليس هناك فجوة بين الناقد والمبدع؟

والمنهج المتكامل اعترف به كثير من النقاد العرب والغربيين، وفي مقدمتهم (ستانلي هايمن) في كتابه «النقد الأدبي ومدارسه الحديثة» .

وقد أشاد بهذا المنهج (الدكتور. شوقي ضيف) والأستاذ: (سيد قطب) ، وغيرهما من النقاد العرب المحدَثين، وأرى أن النقد الأدبي قد أَغْرق النقادَ في المصطلحات الغربية، أو غرَقوا هم فيها.

والنقد في توجهاته الحديثة لم يعد استكشافاً للنص؛ وإنما أصبح تعقيداً للنص؛ وذلك لأن النقاد لا ينطلقون في تحليلاتهم من داخل النص في ضوء جماليات اللغة العربية، وإنما يُكَرِّسون كل جُهْدهم النقدي في إخضاع النصوص للرؤى والمصطلحات المستوردة. وأزمة النقد تتمثل في تعصب بعض النقاد لمنهج واحد لا يعترف إلا بلون واحد من الإبداع، وتعصب هذا الفريق ناشئ من الانتماء إلى بعض المذاهب النقدية الغربية التي ازدهرت في بلادها، ثم خبا وتوارى شعاعها.

وأرى أن النص الأدبي يحتاج في تحليله إلى رصيد معرفي وجمالي وتراثي، وإلى مَلَكَة نقدية، وكل ناقد عليه أن يحدد مدخله الجمالي إلى النص من خلال الرؤية النقدية التي يتبناها، فهناك: (النقد التكويني) ، و (النقد القائم على التحليل النفسي) ، و (النقد الموضوعاتي) ، و (النقد الاجتماعي) ، و (النقد النصِّي) ، وكلها مداخل يمكن أن يستقل الناقد بمدخل منها، ويمكن أن تتآزر عدة مداخل في استشكاف معالم النص وإضاءته.

وجهود بعض النقاد تضيع في التنظير، ولا تثمر شيئاً ذا قيمة جمالية في التطبيق.

وإذا نظرنا إلى تقسيمات النقد النظرية، وما يتفرع عنها سندرك سرَّ أزمة النقد والنقاد.

فالنقد الواقعي تندرج تحته هذه المعالم والظواهر النابعة من الكلاسيكية الجديدة، والظواهر هي:

التجريبية، الصورة الذهنية، الصورة البصرية، المحاكاة، نقد الصورة.

والنقد التاريخي: تتموج في دائرته هذه المعالم والمذاهب:

الوضعية، الطبيعية، البرناسية، الصورة، النقد التاريخي.

والنقد الشكلي: يئن تحت ركام هذه الضغوط المذهبية، والعوالم الفنية، ومنها:

الوضعية المنطقية، التحليل اللغوي، وظيفة اللغة، الصورة، البناء الفني، المفارقة، التناقض، التوتر.

وأما النقد المضموني: فيرزح تحت أثقال هذه الاتجاهات:

الفلسفة الماركسية، المادية الجدلية، المادية التاريخية، المضمون والإيديولوجية.

وهناك اتجاهات نقدية أخرى تضاف إلى هذه الغاية النقدية ومنها: النقد الرومانسي، والنقد الرمزي، والنقد التعبيري، والنقد التفسيري، والنقد الموضوعي.

وهذه الاتجاهات السابقة تندرج في إطار النقد المثالي، كما يرى مؤرخو النقد، وهناك النقد المعتمد على السيرة، والنقد القائم على الموروث الشعبي، وهناك البنيوية، وما تفرع عنها وما تصادم معها.

إن هذه التيارات والمناهج المتعددة أحدثت فجوة بين الناقد والمبدع، وكان من المنتظر أن تحدث مصالحة ـ وقرباً جمالياً ـ إذا أخلص النقاد في تعاملهم مع النص الإبداعي، وانطلقوا من رؤية نقدية تجمع بين القراءة الجيدة لمعالم التراث النقدي عند العرب وبين التفتح على آليات النقد الحديث، واصطفاء القيم والمصطلحات التي تتسق مع طبيعة اللغة العربية وجمالياتها، ومع جماليات البيئة وأعرافها، وتطور الدلالات والمفاهيم والرؤى والتصورات.

^: يقولون: «أضحت العولمة واقعاً نعيشه في جوانب كثيرة» ، كيف تنظر إلى مستقبل الأدب الإسلامي في ظل هذه العولمة؟

وهذه الهيمنة الطاغية تضع أمام الأدباء المسلمين معوقات أكثر طغياناً، وعليهم أن يثبتوا، وأن يقاوموا، وأن يقدموا أدبهم تقديماً فنياً جمالياً متفتحاً على هموم الإنسان المسلم في كل بقاع الأرض.

وهذا التفتح الإبداعي والنقدي لا بد له من وسائل ودوافع تضمن له التواصل والبقاء ومن هذه الوسائل والدوافع:

١ ـ تجويد الإبداع ومواكبة كل حركات التجديد العالمي في فنون الإبداع.

٢ ـ تقوية الصلات بين أدباء العالم العربي وكل أدباء العالم الإسلامي في الشرق والغرب.

٣ ـ العناية بحركة ترجمة الأعمال الإبداعية والنقدية من العربية إلى كل لغات الشعوب الإسلامية وإلى اللغات العالمية الحيَّة، وكذلك ترجمة آداب الشعوب الإسلامية إلى اللغة العربية.

٤ ـ إنشاء المواقع الخاصة بالأدب الإسلامي على الإنترنت، وتبادل المعرفة والإبداع بين الأدباء الإسلاميين عن طريق هذه المواقع.

٥ ـ واستكمالاً لمسيرة رابطة الأدب الإسلامي في ترسيخ دعائم الأدب الإسلامي؛ عليها أن تقوم بمدِّ الجسور بين الرابطة، والجامعات العربية والإسلامية والهيئات الفكرية والأدبية.

٦ ـ تقوية الصلات الفكرية بين المفكرين الإسلاميين، والأدباء الإسلاميين، والمشاركة في المؤتمرات التي تعقدها الهيئات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي؛ لأن كبار المفكرين والدعاة الإسلاميين لا يَعْرفون قيمة الحركة الأدبية الإسلامية، ولا يدركون قيمتها، ولا يعرفون الأدباء والنقاد الإسلاميين، والرابطة تبذل جهوداً كثيرة في مجال الاتصال بالهيئات العلمية والفكرية، والتعرف على أنشطتها الإسلامية، والتعاون معها في الجهود الدعوية عن طريق الكلمة المبدعة.

ومن البارزين في هذا المجال (الدكتور عبد القدوس أبو صالح) ، و (الدكتور عبد الرحمن العشماوي) ، و (الدكتور وليد قصاب) ، و (الدكتور عماد الدين خليل) ، و (الدكتور عبد الحليم عويس) ، وغيرهم، ولكن على الرابطة أن تضاعف جهودها في هذا المجال؛ لأن الفكر الإسلامي هو الأفق الأرحب التي تتضوأ في عوالمه تجارب أدباء الإسلام.

^: منذ سنة تقريباً، وأنت تشارك في نقد «ملتقى الأدباء الشباب» برابطة الأدب الإسلامي العالمية، ما رأيك بهذا الملتقى؟ وما تقويمك لإبداعات الشباب فيه؟

وهذا الملتقى مضمار للتنافس بين شباب الأدباء في مجال الإبداع، وتقديم التجارب الجمالية السامقة في ظل الرؤية الإسلامية المتفتحة على ما في السماوات وما في الأرض من مظاهر جمالية تنطق بقدرة الخالق عزَّ وجل.

وكذلك عالم الإنسان، وصراعاته، وما يموج به العالم من فتن وحروب، وما يموج به الوجدان من رؤى وأحلام، تتصادم مع الواقع أو تتصالح معه.

كل هذه الآفاق يقدمها الشباب في هذا الملتقى ـ وهم القادمون من كل فج ـ تجمعهم الكلمة المؤمنة، والوجدان الإسلامي.

ففي المتلقى الواحد تجد أدباء من: السودان، وسوريا، وفلسطين، والأردن، ومصر، والسعودية، واليمن، والمغرب، ولبنان، وهذا أمر يدعو للإعجاب.

ومما يعطي لهذا الملتقى قيمته؛ التفاعل بين الأدباء والمشرفين على اللقاء الذين يشاركون في تقويم تجارب الأدباء تقويماً إيجابياً بدافع من الحب والطموح إلى الأفضل، ومشاركة (الدكتور حسين علي محمد) ، و (الأستاذ محمد شلاّل الحناحنة، و (الأستاذ شمس الدين درمن) في الإشراف على هذا الملتقى بصفة دائمة يعطيه مزيداً من التواصل والإيجابية.

وللدكتور (وليد قصاب) ، وكاتب هذه السطور جهود في إثراء هذه الملتقى، وأدعو الزملاء الكرام من أساتذة الجامعة لمزيد من المشاركة في هذا اللقاء الأدبي الذي قدم مواهب أدبية جادة واعدة تعد بمستقبل إبداعي مرموق في جميع الفنون الأدبية من: شعر، وقصة، ومقالة، وخاطرة أدبية، وغير ذلك من الفنون القولية.

^: أخيراً: ليتك تعرفنا على آخر مشاريعك الأدبية الجديدة.

١ ـ ديوان «الأعمال الكاملة» وهي الأعمال الشعرية، ولكن متى يَصْدر؟ وكيف يُوزَّع؟ ومن سيطبع؟

٢ ـ ديوان «العمر والريح» قيد الطبع بالهيئة العامة للكتاب بمصر منذ أكثر من أربع سنوات، وينقصه الغلاف!

٣ ـ «الشيخ: محمد متولي الشعراوي» ، وهو قيد الطبع بدار الشروق بالقاهرة، وينقصه الغلاف منذ ثلاث سنوات!

٤ ـ كتاب «العصف والريحان» ، وهو محاورات ومواجهات معي أعدها الشاعر (د. حسين علي محمد) ، وقد صدر بحمد الله عن سلسلة أصوات بمصر/ يناير ٢٠٠٦م، ونسأل الله التوفيق والسداد.