للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدكتور حامد أبو أحمد أستاذ الأدب الأندلسي ينعي العقل العربي]

أجرى الحوار: صلاح حسن رشيد

- المفكرون العرب فشلوا في إبراز حضارة الأندلس للجيل الجديد من الإسبان.

- العقل العربي عاجز عن ابتكار أي نظرية معرفية اليوم.

- (لوركا) تأثَّر بكتابات (ابن زيدون) و (ابن حزم) في أشعاره.

- الترجمة أكبر عائق يقف أمام وصول الأدب العربي للعالمية.

- المسلمون مطالبون بعدم التباكي على زوال حضارتهم في الأندلس، بل بإشادة حضارة عصرية تضارعها.

يؤكد الدكتور حامد أبو أحمد - أستاذ الأدب الأندلسي بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر ـ أنَّ أوروبا لا زالت عالة على الحضارة والفكر الأندلسي الإسلامي، مشيراً إلى أن الحضارة الغربية ما كانت لتكون أو لتظهر لولا تأثرها الكبير والواضح - والذي أكّده العلماء الغربيون الثقاة - بالنهضة الشاملة التي أحدثها المسلمون في الأندلس.

حول الأندلس.. الفردوس المفقود، والحضارة والعلم، وقضايا أدبية أخرى نحاور د. حامد أبو أحمد:

البيان: ما سبب الإلحاح المستمر من قِبَل العرب والمسلمين للحديث عن الأندلس (المكان والزمان والحضارة) ؟ وما قيمة هذا الآن؟

٣ إن نجاح العرب والمسلمين في فتح جنوب أوروبا والاحتكاك بالفرنجة ـ فرنسا حالياً ـ وإيطاليا، وإقامة دولة ممتدة الأرجاء متقدمة فكرياً ودينياً وإنسانياً وعلمياً، هو انتصار للمسلم في كل زمان ومكان، مكّنه من اعتلاء صرح الحضارة الإنسانية اليوم مثلما كان قديماً، ومن هنا رأى أن الإلحاح الواضح منا في الحديث عن الأندلس (الجنة المفقودة) هو تمنّي إقامة ذات الحضارة والدور حالياً، كما أن حضارة المسلمين في الأندلس تبرز للأوروبيين والغربيين مدى تقدُّم المسلمين وقيادتهم للعالم يومذاك، وتعريفهم بأنه لولا الحضارة الإسلامية في الأندلس ما تقدَّم الأوروبيون علمياً ولا حضارياً؛ لأنهم كانوا يعيشون في تخلّف حادٍّ، وجهل مطبق، وهمجية رعناء.

انتشلهم المسلمون بفضل حضارتهم التي تشمل قيماً إنسانية وفكرية لم يعرفوها من قبل، انتشلوهم من هذه الرَّقْدة والسُّبات العميق ومن عصور الظلام إلى نور الحق والعلم والمدنية والإنسانية الرَّحبة.

فاعلون لا تابعون

البيان: هل على العرب والمسلمين في هذه الفترة الحرجة أن يظلّوا يتباكون على الأندلس السليب، وعلى حضارتهم التي أضاءت أوروبا في مختلف الفروع والعلوم؟ أم أنهم مطالبون بالقيام بذات الدور الحضاري؛ لكيلا يكونوا عالة على أحد؟

٣ إن علماء أوروبا يشهدون على تفوّق حضارة الأندلس على حضارة أوروبا اليوم، مستدلين بالقيم الفكرية والآثار المعمارية في قرطبة وإشبيلية، مثل: قصر الحمراء الذي يعتبره الأوروبيون تحفة ليس لها نظير في أي عاصمة أوروبية أخرى، وأجزم أن العرب والمسلمين مطالبون ليس بالبكاء على حضارتهم السليبة؛ ولكن بالبناء عليها والعمل المتواصل من أجل إقامة حضارة عصرية تضارع تلك الحضارة التي شادوها في الأندلس؛ حتى لا يكونوا مجرّد تابعين لا فاعلين في عالم اليوم.

البيان: وكيف ترى الإسبان اليوم؟ وماذا يقولون عن الأندلس ودور المسلم في الحضارة الإنسانية؟

٣ فريق كبير من علماء الإسبان ثقاة يعترفون، بل ويشيدون بإسهامات المسلمين العلمية والحضارية والتربوية والاجتماعية والدينية، ويرون أن أثر الأندلس واضح في عالم اليوم، ويقولون أن أوروبا متأثرة إلى أبعد حدٍّ بالفتوح العلمية والاكتشافات التي توصّل إليها المسلمون في الأندلس، كما أنهم لا يستطيعون أن يغمطوا حق العرب والمسلمين من السبق والعبقرية والنبوغ عندما فتحوا جنوب أوروبا، ووصلوا إلى مشارف جبال الأندلس، ولكن هناك بعض الإسبان الذين يتجنون على المسلمين ويتجاهلون إسهاماتهم وما أشاعوه في أوروبا من نهضة كبرى في ذلك الوقت.

البيان: يقال: إن الشاعر الإسباني الكبير (لوركا) اطّلع على كتابات المسلمين في الأندلس، لا سيما الشعر، وأنه كان مفتوناً بكل ذلك إلى أبعد حدّ؛ فما صحة ذلك؟!

٣ هذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، ففي الكتب والصحف الإسبانية نلمس مدى تأثُّر (لوركا) بإنسانية الشعراء المسلمين في الأندلس، وقوله: إن العرب سبقوا أوروبا في معرفة جوهر الإنسان وإنسانيته التي غفلت عنها الحضارة الأوروبية وتناستها إلى غير رجعة، ومن الشعراء الذين كان لهم أثر طيب لدى (لوركا) (ابن زيدون وابن خفاجة وابن قزمان) ، إضافة إلى كتاب (طوق الحمامة) لابن حزم، حيث وجد فيها (لوركا) معيناً خصباً وواحة فيحاء استمد منها مضامينه الشعرية ومناداته بالعدالة والحرية والسلاح.

البيان: بوصفكم ناقداً أدبياً متخصصاً في الأدب الأندلسي؛ هل نجح المفكرون المسلمون في إبراز المناحي المتشعبة والفريدة لحضارتهم في الأندلس اليوم؟ أم أنهم عجزوا عن ذلك؟

٣ رغم أن كل الجامعات العربية الإسلامية توجد بها أقسام لدراسة الأدب الأندلسي، فإن المسلمين قصّروا في هذا الجانب، فلم يكتبوا للإسبان عن أوجه السبق والتفرد التي تميزت بها حضارة الأندلس، في حين أن هؤلاء المسلمين كتبوا فقط لأبناء وطنهم، ومن هنا وقعوا في الخطأ الكبير الذي كنا دائماً نخاف منه، وكنا نعتقد أنهم سيهدفون في كتاباتهم مخاطبة شباب الإسبان اليوم بأسلوب سلس يبرز عظمة ودور المسلمين في إشادة حضارتهم التي استمرت ثمانية قرون، أحدثت من خلالها إشعاعات ثقافية وتربوية وعلمية، وخرجت علماء أفذاذاً لا يقلّون عن علماء أوروبا اليوم في شيء، إن مفكرينا يجب أن يوجهوا كتاباتهم وخطابهم الفكري والثقافي لأفئدة الأجيال الجديدة في إسبانيا؛ لكي يعرفوا أنهم مدينون للعرب والمسلمين حضارياً.

فردية وعشوائية

البيان: ما المعوقات التي تقف دون وصول الأدب العربي إلى العالمية مثل الآداب الأخرى في الصين وأمريكا الجنوبية واليابان مثلاً؟

٣ أهمُّ عائق يحول دون ذلك هو الترجمة، فحتى الآن تتمّ ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية بطريقة فردية وعشوائية، وبدلاً من أن يكون هذا العمل جماعياً وتحت إشراف جامعة الدول العربية ـ مثلاً ـ لكي يصل إلى قمَّة الجودة والفن، فإنه يتم وفق انطباعات خاصة، وربما يشوبه ضعف في الترجمة، وعدم دقّة في اختيار العمل المترجم، ومن هنا لا يُقْبِل الناشر الغربي على الكتاب العربي لكي يترجمه إلى لغته الأوروبية، إضافة إلى أن جهد المترجمين عندنا ينصبُّ فقط على بعض الكتابات غير جيدة المضمون والشكل، ومن ثمّ فإن حركة الترجمة العربية للآداب الأخرى ليست فعالة، إذ لا تتناسب مع حجم ومكانة العرب والمسلمين، ولا مع عدد المبدعين والمفكرين الذين تمتلئ بهم جنبات عالمنا الإسلامي الفسيح، ومن هنا أؤكد ضرورة تكاتف الهيئات العلمية والحكومية العربية من أجل إقامة مشروع للترجمة موحد لتعريف العالم بمفكرينا وبأدبنا الزاخر بالأسماء والقضايا الجوهرية والقيم الفنية والتربوية العالية.

البيان: إلى متى سيظل المسلمون تابعين للغرب؟ ومتى ينتج النقاد العرب نظرية نقدية ذات بُعْد عالمي تثبت تفوقهم ووجودهم في عالم اليوم؟

٣ لسنا مؤهلين حالياً لإنتاج نظرية نقدية، إذ تسيطر على ساحتنا الثقافية والأدبية حركة النقل عن الغرب والتقليد لما ينتج هناك، والتبعية المطلقة للعقل الغربي؛ لذلك لا أعتقد أن بإمكاننا في ظل ظروف الضعف الفكري التي نعيشها أن نتوصل إلى تلك النظرية؛ لأن هذا صعب في هذه الفترة وفقاً للمعايير الحضارية والثقافية. إذاً؛ العقل العربي عاجز عن إنتاج أية نظرية في أي مجال معرفي من مجالات الحياة. ثم إن الوضع الأدبي والفكري حالياً في البيئة العربية يؤكد استفحال ظاهرة عدم إعمال العقل لإنتاج أي شيء ذي قيمة، لينعكس أثر ذلك على العقلية العربية التي أصابها التجمُّد الفكري، والتكلُّس المعرفي، مما كان له أثره في تبعيتنا الواضحة للنموذج الغربي.