للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرؤية عند الأديب المسلم]

يحيى بشير حاج يحيى

بادئ ذي بدء نقول: إن الرؤية الإسلامية ـ كما نتصورها ـ لا بد فيها من أربعة أمور:

أولها: الفهم الواعي لدور الإسلام في الحياة.

وثانيها: معرفة التيارات الوافدة قديماً وحديثاً.

وثالثها: الاهتمام بقضايا المسلمين.

ورابعها: الالتزام الذي ينبع من الإيمان العميق.

وثمة سؤال: هل الرؤية هذه مجرد عاطفة تنطلق في المناسبات؟ أم هي عملية تقويمية تنطلق من خلال الإسلام، وتنظر بمنظاره؛ فتُخَطِّئ وتصوب وتمجِّد؟

إنّ ممّا تمتاز به الرؤية عند الأديب المسلم أنها منطلق مبدئي، والتزام أخلاقي. فهي ليست ـ على سبيل المثال ـ بكاء على المظلومين، ولا دعوة إلى إنصاف المحرومين؛ ثم البحث عن حياة خاصة، ولو كانت في بروج الظالمين.

وهي رؤية تتسم بالصدق مع النفس والواقع، وحب الخير، والإيمان باستمرار الصراع بين الحق والباطل، وانتصار الحق أخيراً، والأخذ بالأسباب، والحنين إلى الماضي المجيد واستلهامه، والإفادة من تجاربه.

وهي ليست موقفاً انعزالياً، ولكنها مخالطة ومعاناة وإحساس بما يجري، ومحاولة جادة لتوجيهه وتقويمه.

وهي إيمان بالحل الإسلامي لقضايا الحياة والإنسان، وقد أثبتت التجارب أن الإسلام هو الحل، بعد أن أخفقت كل الحلول المستوردة.

وهي أخْذ بالمنظار الإيماني في التعامل مع المدنية الوافدة، فتأخذ منها وتدع بما يتوافق مع مقتضى هذا الإيمان. وهي ليست نظرة قُطْرِيّة تعُنى بقُطْرٍ دون آخر، فحيثما حَلَّ المسلمون فثمة الهم.

وهي بالنسبة للماضي؛ ليست مجرد نظرة إلى تراث مجيد، ولكن تراث لجيل فريد، والتعمق في تجارب الذين اتبعوهم بإحسان، فاقتربوا أو ابتعدوا عن المنهج بحسب التزامهم به.

وهي ليست إعجاباً بفرد، وإن كانت البطولة في التعالي على ضروريات الحياة وقمع هوى النفس مما يهز الوجدان المسلم، ولا إعجاباً بتجربة، ثم الوقوف عندها، دون مقارنة لها بما عند الآخر.

وهي بالنسبة للحاضر؛ تتمثل في الدعوة إلى الالتزام بالإسلام، وتقديمه منهجاً للحياة، وتبيين أحقية هذا الدين في حكم الحياة وسياسة المجتمع. ثم هي لفت لأنظار الغافلين إلى المآسي التي يجرها البعد عن الإسلام، وذلك بتقديم صورٍ للمآسي المعاصرة، وتوضيح لتداعي الأعداء على مختلف توجهاتهم ضد المسلمين.

وهي بالنسبة للمستقبل؛ تتمثل في يقين الأديب المسلم أنّ المستقبل لهذا الدين، وفي النظرة المتفائلة لما ستؤول إليه نتيجة الصراع مع الباطل، وأن تجارب التاريخ البعيد والقريب تؤكد أن المستقبل للإسلام؛ وهي بذلك موقف استشرافي للآتي.

وإذا قلنا في البداية بأنها: ليست عاطفة، ولا حديثاً عن المناسبات؛ فليس معنى ذلك أن ننفيهما، ولكن قصدنا أن العاطفة وحدها لا تكفي، وأن الحديث عن المناسبات دون استلهامها لا يؤدي المقصود. مع يقيننا بأن العاطفة من أخص خصائص العمل الأدبي، وأن الذين ينقطعون عن تاريخهم يعيشون غراساً ليس لها جذور، منبتة في أرض من الرمال.