للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من زعم جواز التبرك بالآثار النبوية المكانية]

علوي بن عبد القادر السَّقاف

لقد أرسل لي أحد الفضلاء ـ جزاه الله خيراً ـ نسخة من كتاب بعنوان «الآثار النبوية في المدينة المنورة وجوب المحافظة عليها وجواز التبرك بها» مكتوب عليه: (وقف لله تعالى ١٤٢٧هـ) ، فشدّني عنوانه وبخاصة قوله: (وجواز التبرك بها) ، فقرأته على عجل، وشدّني أكثر تفسيره للآثار النبوية بالآثار النبوية المكانية، فعدْتُ له ثانية بعد أيام لأسجل هذه الملحوظات والوقفات مع الكتاب، ولو فسح الله في الوقت والعمر فسأفرد لهذا الموضوع كتاباً مستقلاً.

يقع الكتاب في خمسٍ وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، ويبتدئ بتقسيم الآثار إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: آثار تاريخية، كأنواع المباني والأواني والنقود القديمة، وهذا جعله الكتاب من اهتمام دارسي التاريخ والحضارة.

الصنف الثاني: آثار خرافية، كالقبور والأضرحة. وهذا استنكره الكتاب ودعا لمحاربته جزاه اللهُ خيراً.

الصنف الثالث: آثار إسلامية نبوية، وهذه يرى وجوب المحافظة عليها وجواز التبرك بها كما هو صريح عنوان الكتاب.

وذكر للمحافظة على هذا الصنف أربع فوائد: الاعتبار بها، والتبرك بها، وأنها تساعد على دراسة السيرة النبوية، وأنها زينة للمدينة.

وهذه الورقات تناقش الكتاب في دعوى جواز التبرك بهذا الصنف من الآثار. فدعوى الكتاب إذاً: وجوب المحافظة على هذه الآثار من أجل التبرك بها.

هذا؛ وقد استدلَّ الكتاب على دعواه بأدلة لا تنهض للدلالة على تلك الدعوى بحال، ولذا أرى لزاماً بيان سرِّ الخلط الذي وقع بسببه الكتاب، ذلكم هو عدم التفريق بين التبرك والتعبد، أو قُلْ بين التبرك من جهة، وبين الاقتداء والذي منه شدة الاتباع للنبي # من جهة أخرى، وكذا عدم التفريق بين آثار النبي # التي هي جزءٌ منه ـ كنخامته، وشعره، أو ما لامس جسده الشريف الطاهر كماء وضوئه وملابسه ورمانة منبره التي كان يمسك بها أثناء الخطبة ـ وبين الأماكن التي جلس عليها أو صلَّى فيها أو مرَّ بها.

أمَّا آثاره # سواءً كانت جزءاً منه ثم انفصلت عنه، أو خارجةً عنه لكنها لامست جسده الطاهر، فهذه هي التي كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بها دون توسع، وربما استمر الأمر على ذلك سنوات معدودات ممن أتى بعدهم، ثم انقرضت الآثار وانقرض تبعاً لذلك هذا التبرك. أما تلك الأماكن التي جلس عليها أو صلى فيها ثم بمرور الزمن اندرس منها ما لامس جسده الشريف وبقيت البقعة المكانية كما هي، فهذه هي التي وقع فيها الخلط عند المؤلف كما هو الحال عند غيره، ولذا عدَّها بعضُ الخلف مما يُتبرك به.

والتبرك معناه: طلب البركة، وهي زيادة الخير، ويكون بالأعمال كالصلاة والصيام والصدقة، وكل أمر شرعه الله ففيه بركة الأجر والثواب، ويكون بالذوات وآثارها، وقد تقدم أن ما كان بذات النبي # وما لامسها فهو جائز، والكتاب المذكور إنما يعني التبرك بالذوات سواءً لامست جسده أو لا، ولذا ذكر جواز التبرك بالمكان في الصفحات: (١٦،٢٣،٢٤،٢٥) ، وذكر جواز التبرك بالمواضع والآثار في صفحة (١٧) ، وذكر التبرك بالمسح على رمانة المنبر في صفحة: (١٣، ٢٥) . ومما يدل على أنَّ الكتاب يخلط بين هذين المعنيين ما قاله عن قول عتبان ـ رضي الله عنه ـ لما طلب من النبي # أن يصلّي في بيته: «فاتخذه مصلّى» ـ وسيأتي الكلام عنه ـ، قال عنه تارة في (ص١٥) : «ومعنى قول عتبان هذا: لأتبرك بالصلاة في المكان الذي ستصلّي فيه» وقال تارة أخرى في (ص٢٣) : «أقرَّ النبي # عتبان على التبرك بالمكان الذي صلى فيه النبي #» . فهو تارة يجعل التبرك بالصلاة وتارة يجعله بالمكان.

وقد استدل الكتاب على صحة دعواه بستة أدلة:

الأول: حديث عتبان بن مالك الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ وطلبه من النبي # أن يصلّي في بيته ليتخذه مصلّى ففعل عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين.

الثاني: حديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ وأنه كان يتحرّى الصلاة عند الأسطوانة التي كان النبي # يصلّي عندها، والحديث في الصحيحين.

الثالث: تحرّي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الصلاة عند أسطوانة عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وهو حديث منكر سيأتي الكلام عنه.

الرابع: حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ وأنه كان يأتي مسجد الفتح ويدعو عنده، وسيأتي الكلام عنه.

الخامس: ما ورد من تتبُّع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ الأماكن النبوية تبرُّكاً بها.

السادس: ما نُقل عن بعض أئمة السلف؛ كمالك وأحمد والبخاري.

وقبل الإجابة عن هذه الأدلة أو الشبهات، لا بد من التأكيد على أنَّ جواز التبرك بآثار النبي # بهذا المعنى الذي ذكره الكتاب ليس مما قال به أحدٌ من سلف الأمة، بل ولا قال به أحدٌ من الأئمة الكبار عند سبر أقوالهم ومدلولاتها، وليس هو من باب ما يسوغ فيه الاجتهاد، ولذا فإن الرد على هذه الشبهات لا يتعلق بتصحيح حديث اختلف المحدثون فيه، ولا بتوثيق رجل اختلف علماء الجرح والتعديل في شأنه، ولا هو بمأخذ في دلالة لفظة، حمالة أوجه، وإنما هو في تصور الدلالة وانطباقها على الواقع، الأمر الذي غاب عن ذلك الكتاب.

والرد على ما ذكره الكتاب سيكون ـ إن شاء الله ـ على وجهين: مجمل، ومفصّل.

فأما المجمل، فيقال:

لو كان الأمر كما قال الكتاب في (ص١٤) : «التبرك بما يسمى (الآثار النبوية المكانية) أي: الأماكن التي وُجد فيها النبي # أو صلى فيها أو سكن بها أو مكث بها ولو لبرهة» ا. هـ، لو كان المشروع من التبرك بآثاره # يبلغ هذا الحد، لكان حجم المنقول من ذلكم التبرك من أفعال الصحابة أكثر من أن يحصر وبما يغني الكتاب عن عناء تتبُّع الوارد في هذا الباب، ذلك أن عدد ما نَزَله النبي # من الأماكن يفوق العدّ والحصر، وما وطئته قدماه الشريفتان يتجاوز التعداد، ومع ذلك فلم يثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم تبركوا بالمكان الذي نزله، أو أنهم تتبَّعوا مواطئ أقدامه # لا في حياته ولا بعد وفاته كتبركهم بآثاره #؛ كشعره ووَضوئه ونخامته، دع عنك أن يتتابعوا عليه، فلما تركوه وهم من هم حرصاً على الخير وحباً للنبي # كان فيه أبلغ دليل على عدم مشروعية مثل هذا الصنيع بل وبدعيته وخروجه عن الهدي الأول. فدعوى التبرك بما مكث به ولو لبرهة دعوة للتبرك بغار حراء، وشعاب مكة، وجبال مكة والمدينة وسهولهما، وما لا حصر له من الأماكن.

أمَّا الجواب المفصّل فيقال:

أمَّا حديث عتبان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ فقد أورده بتمامه في (ص١٤) ثم قال: «والدلالة من هذا الحديث واضحة في قول عتبان ـ رضي الله عنه ـ: فأتخذه مصلّى، وفي إقرار النبي #. ومعنى قول عتبان: لأتبرك بالصلاة في المكان الذي ستصلّي فيه، قال الحافظ ابن حجر: وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي # أو وطئها، قال: ويستفاد منه أن من دُعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب إذا أمن الفتنة. وقد علّق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على هذه الفقرة بقوله: هذا فيه نظر، والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي #؛ لما جعل الله فيه من البركة، وغيره لا يُقاس عليه؛ لما بينهما من الفرق العظيم....» ، ثم قال الكتاب: «يفهم من كلامه هذا (أي: ابن باز) الإقرار بدلالة حديث عتبان على مشروعية التبرك بالمكان الذي صلى فيه النبي # وهو المقصود» ا. هـ.

فأنت ترى هنا أن الدعوى أكبر من الدليل، فالدعوى هي وجوب المحافظة على آثار النبي # المكانية من أجل التبرك بها، حيث إنَّ من فوائد المحافظة عليها ـ كما ذكر في الفائدة الثانية ـ التبرك بها، فالكتاب يوجب المحافظة على هذه الآثار حتى نتمكن من التبرك بها، وأين في حديث عتبان، أو من كلام ابن حجر، أو حتى من كلام ابن باز المحافظة على هذه الآثار؟! غاية ما في الحديث أن عتبان ـ رضي الله عنه ـ طلب من النبي # أن يصلّي في بيته كي يتخذه مصلّى. هذا أوّلاً؛ ثم بعد ذلك نأتي لمناقشة ما إذا كان ذلك للتبرك أم لا؟ فالحديث يحتمل احتمالات عدّة ذكرها العلماء:

منها: ما نقله المؤلف عن ابن حجر.

ومنها: ما لم ينقله المؤلف من قول ابن حجر في الصفحة نفسها: «ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القِبْلة بالقَطْع» (هامش فتح الباري ١/٥٢٢) وقد كان ـ رضي الله عنه ـ ضريراً.

والاحتمال الثالث: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ١٧/٤٦٨) حيث قال: «فإنه قصد أن يبني مسجداً وأحبَّ أن يكون أول من يصلّي فيه النبي # وأن يبنيه في الموضع الذي صلى فيه، فالمقصود كان بناء المسجد» . وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم ٢/٧٥٤) : «ففي هذا الحديث دلالة على أن من قصد أن يبني مسجده في موضع صلاة رسول الله # فلا بأس به، وكذلك قصد الصلاة في موضع صلاته، لكن هذا أصلُ قصدِه بناء مسجد فأحب أن يكون موضعاً يصلّي له فيه النبي # ليكون النبي # هو الذي رسم المسجد» ا. هـ.

فأهل بيت عتبان ـ رضي الله عنه ـ لم يُنقل عنهم أنهم فعلوا ذلك، ولا أحدٌ من الصحابة تبعه في ذلك وطلب من النبي # ما طلبه عتبان، مع أنَّ فيهم من هو أفضل وأحرص على الاقتداء بسنّة النبي # منه؛ كأبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، بل لم يُنقل عنهم حرصهم على التنفُّل في محرابه #. ثم إن هذا ينسحب أيضاً على النساء، فنساؤه في بيوته # لم يُنقل عنهن أنهن كنَّ يفعلن ذلك، أم أنَّ التبرك خاص بالرجال دون النساء؟! كلُّ ما في الأمر أن عِتبان كلَّ بصرُه، وفعل فعلاً كان يرى عليه فيه غضاضة، وهو صلاته في بيته، فأراد إقرار النبي # له على فعله، وأراد النبي # إكرامه ومواساته وهو الرؤوف الرحيم بصحابته وبالمؤمنين #.

وقد ذكر الكتاب في (ص٢٣) أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ذهب مع النبي # وأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى بيت عتبان ـ رضي الله عنه ـ، وفي (ص١٤) قال: «وليس مع المانعين سوى حديث موقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه» ا. هـ، يعني بذلك حديث المعرور بن سويد والذي فيه إنكار عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على من قصد الصلاة في مكان صلى فيه النبي # وسيأتي، فهذا فقه عمر رضي الله عنه، وهو الذي ذهب مع النبي # إلى بيت عتبان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ كما ذكر المؤلف، فمن أَوْلى بالاتّباع؟!

وأيّاً كان الأمر فلا يُعرف أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أو من أتى بعدهم، حافظوا على مصلّى عتبان ـ رضي الله عنه ـ ليتبركوا به، إلا ما رواه ابن سعد في الطبقات (٣/٥٥٠) عن الواقدي أنه قال: «فذلك البيت ـ يعني: بيت عتبان ـ يصلّي فيه الناس بالمدينة إلى اليوم» والواقدي متروك كذاب.

أمَّا الدليل الثاني وهو أَثَر سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ فقد جاء في الكتاب المذكور في (ص١٧) : «وثبت عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يتحرّى المكان الذي كان يصلّي فيه رسول الله # بين المنبر والقِبْلة، ففي الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يتحرّى موضع مكان المصحف يسبح فيه، وذكر أن رسول الله # كان يتحرّى ذلك المكان.

وفي رواية في الصحيح أيضاً قال يزيد: كان سلمة يتحرّى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف فقلت له: يا أبا مسلم! أراك تتحرّى الصلاة عند هذه الأسطوانة! قال: رأيت النبي # يتحرّى الصلاة عندها» ا. هـ.

فأين في أَثَر سلمة ـ رضي الله عنه ـ التبرك بالأسطوانة أو بالمصلّى خلفها، غاية ما فيه تحرّيه الصلاة عندها اقتداء بتحرّي النبي #، وهذا من جنس الصلاة خلف مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ أو في مسجد قباء، مع أن الصلاة عندهما أَوْكد من الصلاة عند الأسطوانة؛ لما ثبت من فعله وقوله وترتيب الأجر على ذلك، ومع ذلك لم يقل أحدٌ من السلف أن الصلاة خلف المقام أو في مسجد قباء كانت للتبرك بالمكان، بل هو اقتداءٌ بالنبي #؛ طلباً للأجر لا لبركة المكان، ثم لو كان ذلك للتبرك فأين سلمة وسائر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من محرابه #؟ وهذا ما سبق الحديث عنه من أنَّ الكتاب يخلط بين التبرك وبين التأسّي والاقتداء بالنبي #، ولذلك علّق شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى ١٧/٤٦٧) على حديث سلمة ـ رضي الله عنه ـ بقوله: «وقد كان سلمة بن الأكوع يتحرّى الصلاة عند الأسطوانة، قال: لأني رأيت رسول الله # يتحرّى الصلاة عندها فلما رآه يقصد تلك البقعة لأجل الصلاة كان ذلك القصد للصلاة متابعة» ا. هـ، فهي متابعةٌ قصداً للأجر وليست تبركاً بالمكان، ويتأكد هذا التخريج بأنَّ سلمة ـ رضي الله عنه ـ وغيره من الصحابة كذلك ما كانوا يتحرّون كلَّ بقعةٍ صلى فيها النبي #، إنما كانوا يتحرّون ما كان يتحرّاه #، ومذهب الكتاب أن كل مكان مكث فيه النبي # ولو لبرهة فهو محلٌّ للتبرك وهو على خلاف مذهب سلمة المستدلّ بفعله، ثم أين في الأَثَر إشارة إلى التبرك المزعوم؟! غاية ما فيه تحرّيه الصلاة حيث تحرَّاها النبي #، ولو سلّمنا جدلاً أن التحرّي كان للتبرك فهو تبركٌ بما لامس جسده الشريف في ذلك الوقت، وليس تبرّكاً بالبقعة ذاتها، فلو أراد أحدٌ اليوم أن يصلّي خلف الأسطوانة تأسّياً فله ذلك، أما تبركاً فلا، أيتبرك بالفرش الأعجمية أم بأنواع الرخام المصنوع في الشرق أو الغرب؟! فليس ثمّة ما مسَّ جسده الطاهر صلوات الله وسلامه عليه.

ومن الغرائب أن الكتاب يعدُّ هذا الأَثَر من قسم المرفوع حتى يعارض به أَثَر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فيقول في (ص٢٧) : «فهذا أَثَر موقوف على عمر ـ رضي الله عنه ـ فكيف يناهض حديثين مرفوعين مقطوعاً بهما رواهما البخاري ومسلم، وهما: حديث عتبان، وحديث سلمة بن الأكوع المتفق عليه» . ولا أدري ما وجه كون حديث سلمة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً وهو من فعله واجتهاده بعد وفاة النبي #؟!

أمَّا ثالث أدلته وهو تحرّي الصحابة الصلاة عند أسطوانة عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقد أورد فيه حديثاً منكراً، ولو صح فليس فيه دليل على التبرك، فقد جاء في الكتاب في (ص٢١) : «وأسطوانة عائشة كانت تسمى أسطوانة المهاجرين حيث كانوا يجتمعون عندها، وكان الصحابة يتحرّون الصلاة عندها، ذكر ذلك الحافظ في الفتح ... ، ثم قال: روى الطبراني في الأوسط عن عائشة، أن رسول الله # قال: إن في المسجد لبقعة قِبَل هذه الأسطوانة، لو يعلم الناس ما صلُّوا فيها إلا أن تُطَيَّر لهم فيها قرعة ... الحديث» ا. هـ.

والحديث رواه الطبراني في (الأوسط ١/٤٧٥) من طريق عتيق بن يعقوب قال: حدثنا عبد الله ومحمد ابنا المنذر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. ومحمد بن المنذر هو الزبيري يروي عن هشام أحاديث موضوعة ومنكرة، وعبد الله أخوه لا تُعرف له ترجمة. انظر: (السلسلة الضعيفة للألباني ٢٣٩٠) .

والحديث ـ لو صح ـ ليس فيه دليل على أنهم كانوا يتحرُّون الصلاة عند الأسطوانة تبرّكاً، بل كان اقتداءً بالنبي #، بل إن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يبتدرون السواري ـ وهي الأسطوانات وقد كانت من خشب ـ للصلاة عندها وجعلها سترة لهم، وهذا معروف مشهور.

ثم إن الغريب من الكتاب أنه لم يكتفِ بأسطوانة عائشة المزعومة بل زاد عليها وقال في (ص٢٠) : «ومن الأماكن النبوية في الروضة الشريفة الأسطوانات الأخرى، وهي: أسطوانة السرير، وأسطوانة الحرس، وأسطوانة الوفود، وأسطوانة التوبة، وأسطوانة التهجد» . ولا أدري أيريد من الناس الذهاب إلى هذه الأسطوانات ليلتمسوا البركة عندها؟!

مع العلم أن أيّاً من هذه الأسطوانات لم يرد فيها حديث خلا أسطوانة التوبة والتي تيب عندها على أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ فقد ورد فيها حديث إسناده ضعيف، انظر: صحيح ابن خزيمة: رقم (٢٢٣٦) ، وضعيف ابن ماجه: رقم (٣٥٠) .

أمَّا دليله الرابع فهو حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ فقد جاء في الكتاب في (ص٢٣) : «وثبت عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان يأتي مسجد الفتح الذي على الجبل، يتحرّى الساعة التي دعا فيها النبي # على الأحزاب ويتحرّى المكان أيضاً ويقول: ولم ينزل بي أمر مهمٌّ غائظ إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيه بين الصلاتين يوم الأربعاء إلا عرفت الإجابة» . وجاء ـ أيضاً ـ في موضع آخر في (ص٥٩) بعد أن ذكر الحديث: «يقصد ـ رضي الله عنه ـ أنه يتوخى الزمان والمكان، أي: يدعو في تلك الساعة في ذلك المكان الذي دعا فيه النبي # في مسجد الفتح، بدليل رواية البخاري في الأدب المفرد ولفظه:..» ثم ذكر اللفظ المتقدم آنفاً.

وحديث جابر هذا رواه الإمام أحمد في المسند (٢٢/٤٢٥ بتحقيق الأرناؤوط) والبزار في مسنده. ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (١٩/٢٠٠) من طريق أبي عامر العَقَدي عن كثير بن زيد بلفظ: «إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة» ، وفي إحدى روايات البزار أنه: «يدعو في تلك الساعة في مسجد قباء» ذكرها المؤلف نفسه في (ص٥٩) ، ورواه ابن سعد في الطبقات (٢/٧٣) وابن الغطريف في جزئه (ص١٠٧) . ومن طريقه عبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (ص٤٩) من طريق عبيد الله بن عبد المجيد عن كثير بن زيد بلفظ: «إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت فعرفت الإجابة» . ورواه البخاري في الأدب المفرد (٢/١٦٧ مع الشرح) من طريق سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد بلفظ: «إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيه» . وأصح هذه الروايات إسناداً رواية أحمد؛ فأبو عامر أوثق من عبيد الله ومن سفيان، لذلك قال المنذري في الترغيب والترهيب (٢/١٤٢) : رواه أحمد والبزار وغيرهما وإسناد أحمد جيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/١٢) : رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات. وكثير بن زيد نفسُه فيه كلام انظر: السنن والأحكام (٤/٣٠٠) للضياء المقدسي، واقتضاء الصراط المستقيم (٢/٨١٦) لابن تيمية. والحديث ضعّف إسناده الأرناؤوط في تخريجه المسند من أجل كثير بن زيد، وحسَّنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (١/٢٥٦) وصحيح الترغيب والترهيب (٢/٢٤) باللفظين معاً، وأنكر ابن تيمية أن يكون جابر ـ رضي الله عنه ـ كان يتحرّى المكان، فقال في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/٨١٦) : «ولم يُنقل عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه تحرّى الدعاء في المكان بل في الزمان» .

ولو فرض ثبوته عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما ـ فسائر الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافه، فلم ينقل عنهم هذا الصنيع، مع توفر الدواعي إلى نقله، فدلَّ على أن تركه هو السُّنّة.

أمَّا تتبُّع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ الأماكن النبوية فقال الكتاب في (ص١٧) : «وقد بوّب البخاري في صحيحه فقال: (باب: المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلّى فيها النبي #) ، وذكر فيه أحاديث فيها تتبّع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ هذه المواضع والتبرك بها، ومثله سالم ابنه ـ رضي الله عنه ـ كان يتحرّى هذه المواضع، ويُفهم من تبويب البخاري وذكره هذه المواضع أنه يرى مشروعية التبرك بذلك» . وفي (ص٢٣) قال: «ولذلك لم ينقل أن عمر أنكر على ابنه عبد الله شدة تتبّعه الأماكن النبوية وتبركه بها، بل لم يرد عن أيِّ أحدٍ من الصحابة أنه أنكر عليه ذلك، فهم وإن لم يُنقل عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك مثله لكن عدم إنكارهم يدل على مشروعية فعله رضي الله عنه» ا. هـ.

والعجب لا ينقضي من صنيع هذا الكتاب! فقد زعم أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان يفعل ذلك تبركاً، وليس فيما أورده ما يشير إلى ذلك، ثم زعم أن البخاري من تبويبه السابق ذكره يُفهم منه أنه يرى مشروعية التبرك، فبنى خطأً على خطأ، والبخاري بريء من ذلك، ثم زعم أن عمر ـ رضي الله عنه ـ لم ينكر على ابنه، وسيأتي أنه أنكر على ما هو أشد من ذلك، فماذا يريد الكتاب من كل ذلك؟!

وهاكم نص الحديث كما أورده البخاري، ولنفتّش سويّاً عما زعمه الكتاب من تبرك ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بهذه الأماكن، قال البخاري: «حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرّى أماكن من الطريق فيصلّي فيها ويحدث أن أباه كان يصلّي فيها وأنه رأى النبي # يصلّي في تلك الأمكنة. وحدثني نافع عن ابن عمر أنه كان يصلّي في تلك الأمكنة وسألت سالماً فلا أعلمه إلا وافق نافعاً في الأمكنة كلها إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء» ا. هـ. فأين في هذا الحديث أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان يتبرك بهذه الأماكن حتى يرتب عليها الكتاب كلامه السابق؟! وكذا تبويب البخاري: (باب: المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلّى فيها النبي #) أين فيه مشروعية التبرك بهذه المساجد والمواضع التي صلى فيها النبي #؟! وهذا يؤكد ما ذكرته من أنَّ مبنى خطأ الكتاب هو الخلط بين ما كان يفعله الصحابة اقتداءً واتباعاً للنبي # وما كانوا يفعلونه تبركاً.

أما زعمه أن عمر ـ رضي الله عنه ـ لم ينكر على ابنه عبد الله فجوابه: أنه أنكر على جمع من الصحابة فعلوا فعل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، فعن المعرور بن سويد الأسدي قال: «وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فلما انصرف إلى المدينة، وانصرفت معه، صلى لنا صلاة الغداة، فقرأ فيها: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١] و {لإيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ١] ، ثم رأى أناساً يذهبون مذهباً، فقال: أين يذهبون هؤلاء؟ قالوا: يأتون مسجداً ها هنا صلّى فيه رسول الله #، فقال: إنما أهلك من كان قبلكم بأشباه هذه يتبعون آثار أنبيائهم، فاتخذوها كنائس وبيعاً، ومن أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله فليصلِّ فيها، ولا يتعمدنها» . رواه الطحاوي في مشكل الآثار (١٢/٥٤٤) واللفظ له، وابن أبي شيبة في المصنف (٢/٣٧٦) ، وهذا الأَثَر صحّح إسناده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١/٢٨١) والألباني في تخريج فضائل الشام (ص٤٩) وقال في الثمر المستطاب (١/٤٧٢) : وهذا إسناد صحيح على شرط الستة. والحديث صريح في إنكار عمر ـ رضي الله عنه ـ على من فعل ذلك، وهذا الإنكار كان أمام جمعٍ من الصحابة، مع أن هذا الدليل ليس خافياً على ذلك الكتاب، فقد سبقت الإشارة إلى أن الكتاب قال في (ص١٤) : «وليس مع المانعين سوى حديث موقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه» ، فالكتاب يذكر حديث عمر الذي أنكر فيه على من فَعَلَ فِعْلَ ابنه عبد الله ثم يقول: ولم يُنقل عن عمر أنه أنكر على ابنه! ومن نظر في سيرة عمر ـ رضي الله عنه ـ يجدها مُطَّرِدَةً في إنكار مثل هذا الصنيع، حتى إنه أمر بقطع الشجرة التي بويع النبي # تحتها لما بلغه أنَّ ناساً يأتونها ويصلون عندها، كما في مصنف ابن أبي شيبة (٢/٣٧٥) ، وقال ابن حجر في الفتح: «ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر ـ رضي الله عنه ـ بلغه أن قوماً يأتون شجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت» ، أما على رأي الكتاب فإنه تجب المحافظة على الشجرة، ويجوز التبرك عندها كذلك!

قال ابن تيمية ـ كما في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/٧٥٦) ـ: «كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجاً وعماراً ومسافرين ولم ينقل عن أحدٍ منهم أنه تحرّى الصلاة في مصلّيات النبي #، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحباً لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنّته وأتبع لها من غيرهم» ، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ الذي عدَّه الكتاب ممن يجيزون التبرك بالمكان الذي صلى فيه النبي # كما سبق نقله عنه ـ: «والحق أن عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد بالنهي عن تتبُّع آثار الأنبياء سدّ الذريعة إلى الشرك، وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه ـ رضي الله عنهما ـ وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر، وليس في قصة عتبان ما يخالف ذلك؛ لأنه في حديث عتبان قد قصد أن يتأسّى به # في ذلك، بخلاف آثاره في الطرق ونحوها فإن التأسّي به فيها وتتبّعها لذلك غير مشروع، كما دل عليه فعل عمر، وربما أفضى ذلك بمن فعله إلى الغلو والشرك كما فعل أهل الكتاب والله أعلم» (هامش فتح الباري ١/٥٦٩) .

ثم إنَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان من شدة تتبّعه النبي # يحب أن يقضي حاجته حيث قضاها رسول الله # كما ثبت ذلك عنه في مسند الإمام أحمد (١٠/٢٩٤ رقم ٦١٥١ بتحقيق الأرناؤوط) ، وصحيح البخاري (٢/٥١٩ رقم ١٦٦٨) ، فهل كان ذلك منه تبركاً؟!

أمَّا استشهاده بأقوالٍ لأئمة السلف كمالك وأحمد والبخاري فقد قال في (ص٢٥) : «ومشروعية التبرك بالأماكن النبوية هو مذهب البخاري كما ذكرنا (يعني: تبويبه في كتاب الصلاة، باب: المساجد التي على طريق المدينة، وسبق الرد عليه) ومذهب البغوي، والنووي، وابن حجر، بل هو مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وقد استدلّ الإمام على ذلك بأن الصحابة كانوا يتبركون برمانة المنبر، يتبركون بالموضع الذي مسته يد النبي #، وهو مذهب مالك، فقد روى أبو نعيم في الحلية أن هارون الرشيد أراد أن ينقض منبر النبي # ويتخذه من جوهر وذهب وفضة فقال له مالك: لا أرى أن تُحرم الناس من أَثَر النبي #، وسبق كلامه في استحباب صلاة النافلة في مكان مصلاه # من مسجده» ا. هـ. يعني بذلك ما ذكره في (ص٢٠) أن مالكاً سئل: أي المواضع أحب إليك الصلاة فيه؟ قال: أما النافلة فموضع مصلاه، وأما المكتوبة فأول الصفوف.

والذي يهمنا هنا هو النقل عن الأئمة الثلاثة مالك وأحمد والبخاري، وبغضِّ النظر عن صحة أسانيد هذه الأقوال فأين هي مما يدعو إليه الكتاب من المحافظة على آثار النبي # المكانية للتبرك بها؟! فكلام الإمام أحمد عن رمانة منبره #، وكلام الإمام مالك عن نقض المنبر هو عمَّا مسته يد النبي # لا عن آثاره المكانية، فأين هو المنبر اليوم وأين رمانته؟!

أمَّا ما نقله عن الإمام مالك وأنه يرى أفضلية صلاة النافلة في موضع مصلاه فهذا على سبيل الاقتداء لا التبرك، وقد قال ابن وضاح القرطبي في البدع والنهي عنها (ص١٠٨) : «وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي # ما عدا قباءً وأُحداً» يعني: شهداء أحد. وقال ابن بطال في شرح البخاري (٣/١٥٩) : «روى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة في المواضع التي صلى فيها الرسول #، فقال: ما يعجبني ذلك إلا مسجد قباء» ، أما الإمام أحمد فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/٧٥٤) : «وأما أحمد فرخَّص منها فيما جاء به الأَثَر من ذلك إلا إذا اتخذت عيداً، مثل أن تنتاب لذلك، ويجتمع عندها في وقت معلوم» يعني: حتى ما جاء فيه الأَثَر كمسجد قباء يشدد فيه الإمام أحمد إذا اتخذ عيداً، فماذا بعد ذلك؟!

ومن عجائب هذا الكتاب أنه يدعو إلى التبرك الآن بشرب ماء الآبار التي سقط فيها خاتم النبي # قبل أربعة عشر قرناً، وذلك في (ص١٣) : «ومنه ـ أي: التبرك ـ قصدُ الآبار النبوية التي نُقل أنَّ النبي # تفل فيها أو صبَّ وضوءه فيها، أو سقط شيء من متعلقاته فيها، كبئر أرِيس التي سقط فيها خاتمه بقصد التبرك بالشرب منها، فهذا أمر مشروع؛ لأنه متفرع من مسألة التبرك بالنبي #، لا فرق في الحكم بينه وبين وَضوئه # الذي كان الصحابة يتسابقون إلى التبرك به» ا. هـ. وهذا لا أعرف أحداً سُبِق إليه. وقوله: «لا فرق في الحكم بينه وبين وَضوئه» غير صحيح، فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فَرَّقوا بينهما فكانوا يتبركون بوَضوئه، ولم يُنقل عنهم أنهم كانوا يشربون من ماء بئر أرِيس تبركاً بعد سقوط خاتم النبي # فيه من يد عثمان ـ رضي الله عنه ـ كما في الصحيحين.

\ الخلاصة:

أنَّ التبركَ بآثار النبي # الحسيَّة كبطنه وشعره ونخامته وكذا ما لامس جسده الطاهر الشريف كوَضوئه وملابسه؛ صحيحٌ، قد فعله الصحابة ومن بعدهم بعض التابعين ثم عفا الفعل كما عفا الأَثَر. وما قَصَدَه النبي # للصلاة أو الدعاء عنده من الأماكن كمسجد قباء ومقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ فقصدُه للصلاة أو الدعاء اقتداءً به سنّةٌ مستحبة، أمَّا التبرك بها فبدعةٌ منكرة. وأمَّا ما لم يقصده من الأماكن فالصحيح عدم قصد الصلاة عنده إلا إذا وقع اتفاقاً كأن يصلي منها دون تعمّد أو تحرٍّ. أمَّا وجوب المحافظة على الآثار النبوية المكانية لغرض التبرك عندها فلم يقل به أحدٌ من العلماء المعتبرين، وفتحه فتح باب شرٍّ وفتنة.

والله أعلم وصلى الله وسلّم على نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.


(*) المشرف العام على موقع الدرر السنية.