للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مؤسسات القطاع الخاص وتحديات المستقبل]

عبد الله بن عبد اللطيف العقيل

يواجه الكثير من مؤسسات القطاع الخاص، على اختلاف أنشطتها وتخصصاتها، مشكلات متنوعة وتحديات كبيرة، تجعلها على مفترق طرق مجهولة ومليئة بالمخاطر، كما يواجه الكثير من المديرين صعوبات عديدة في تحقيق النجاح الحقيقي والتنمية المستقرة لمؤسساتهم، وصعوبات أكثر في مواجهة التحديات المختلفة.

وسنحاول باختصار من خلال النقاط التالية إلقاء الضوء على أبرز هذه التحديات.

أولاً: تشوُّش الأهداف وضعف الرؤية:

من المشاهَد أنّ كثيراً من المؤسسات تستجيب استجابة غير متوازنة وغير واضحة لما يدور فيها وحولها من أحداث ومتغيرات؛ بسبب عدم وضوح الأهداف وغياب الرؤية الاستراتيجية التي تستند إليها في اتخاذ القرارات الهامة، حتى إن الأسئلة الكبيرة أمثال: لماذا أنتم هنا؟ إلى أين تتجهون؟ ماذا تريدون الوصول إليه؟ يصعب أن يجيب عنها معظم العاملين في كثير من المؤسسات بمن فيهم مديرو العموم ومديرو الإدارات. ويعتبر وضع الأهداف الواضحة العملية والواقعية وتحديدها، سواء منها البعيدة أو المتوسطة أو القصيرة، وما يتبعها من وضع خطط تنفيذية مدروسة بعناية، من أصعب المهمات على مديري العموم ورؤساء مجالس إدارة المؤسسات، ومن أوجب واجباتهم، وأهم مهماتهم، وأولى أولوياتهم.

ثانياً: الكفاءات البشرية:

برغم أن العنصر البشري، أو المورد البشري، هو أهم موارد أية مؤسسة تبحث عن النجاح، وهو سر تميزها ونجاحها أو إخفاقها؛ إلا أن كثيراً من المؤسسات لا تتعامل مع ما يتعلق بهذا المورد بالمستوى الذي يستحقه، اختياراً وتنمية ودعماً. وتواجه الكثير من المؤسسات تحدياً حقيقياً بخصوص الاختيار الصحيح للمكان الصحيح مع التنمية الصحيحة المستمرة للموارد البشرية، وإن المؤسسات الناجحة والرائدة والتي تبحث عن النجاح والريادة والثبات في عالم الأعمال المضطرب وسريع التغير هي التي تستثمر استثماراً حقيقياً مدروساً ومنظماً في الموارد البشرية، ابتداءً من الجهد الكامل في تحقيق حسن الاختيار بوسائل دقيقة وموضوعية، ثم بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ومنحه الحقوق والميزات المناسبة، ثم بالتحفيز المستمر والتنمية المستمرة لهذه الموارد البشرية بمختلف الوسائل، فضلاً عن التعامل السليم مع مشاكل هذه الموارد البشرية وقصورها.

ثالثاً: ضعف التنظيم وخلل البنيان الداخلي:

يؤدي ضعف التنظيم إلى خلخلة موقع المؤسسة وإضعاف قدرتها على الصمود والاستقرار أمام المتغيرات المتسارعة والتحديات المستمرة، كما يؤدي إلى إحباط العاملين، ومن ثَم قد تفقد الكثير من المؤسسات المصداقية والاعتمادية والثقة أمام العاملين فيها والمتعاملين معها وعملائها. ويُقصد بالتنظيم: اللوائح الداخلية الشاملة المدروسة، وأنظمة التقييم الموضوعية للعاملين ولأقسام المؤسسة، كما يُقصد بالتنظيم: السياسات والإجراءات والنماذج وبرامج الحاسب الآلي الشاملة التي تساهم في تحقيق جَوْدة الأداء وكفاءته، وتوفير الوقت والجهد والمال، مع الخدمة الممتازة للعملاء. ويحتاج بناء التنظيم السليم وتحقيقه في أي مؤسسة إلى جهود مهنية وعملية ودراسة واقعية، وإلى مشاركة فاعلة من جميع العاملين في المؤسسة وعملائها.

رابعاً: تحدي الجودة:

إن تحقيق الجَوْدة الشاملة في المنتجات والخدمات وفي مختلف أعمال وأنشطة أية مؤسسة يحتاج إلى جهد متواصل وعميق، مع تطوير وفحص مستمر للمنتجات والخدمات ومختلف الأعمال والأنشطة. وإذا كان تحقيق الجودة الجزئية في المنتج ذاته أو الخدمة قد أصبح متوفراً في كثير من المؤسسات الخدمية والصناعية؛ فإن تحقيق الجودة الشاملة والمستمرة لا يزال تحدياً كبيراً؛ لما يتطلبه من جهود جادة وشاملة ومثابرة مستمرة لا تتوقف.

إن معاني الجودة العالية الشاملة المستمرة لا تتحقق إلا من خلال مجموعة متكاملة من الأمور، ومن أهمها: حسن اختيار ثم تنمية الموارد البشرية، تحقيق مبدأ (الجودة والتميز مسؤولية الجميع) ، السياسات والإجراءات والآليات العملية السهلة والمُحكَمة، إشراك العاملين بشكل فاعل في التطوير وفي علاج المشاكل ومواجهة الصعوبات، وضع فرق العمل وعمل الاجتماعات الدورية المنظمة، المراجعة العميقة والمنتظمة لبيانات وتقارير الأداء والإنتاج وشكاوى العملاء، الاستخدام الأمثل لمختلف موارد المؤسسة، المتابعة المستمرة لمقترحات العاملين والعملاء، قوائم ونماذج وآليات فحص الجودة، اختيار المواد والأدوات الأجود والأفضل نوعاً واعتمادية وسعراً، وأخيراً رفع حسِّ الجودة ومعانيها ومفاهيمها في المؤسسة ولدى العاملين فيها باستمرار.

خامساً: الصعوبات المالية:

وهي نتاج طبيعي للتحديات الأربعة السابق ذكرها، مضافاً إليها ما يلي:

ـ ضعف أو قصور آليات التسويق بمعناه الشامل، مع زيادة مصاريف التسويق غير المنظم وغير المدروس بعناية، فضلاً عن غياب استراتيجية مركَّزة وواضحة للتسويق.

ـ زيادة الوظائف والوحدات والأقسام، وعشوائية التنظيم، وتداخل وازدواجية المهام والأعمال.

ـ المصروفات العشوائية.

ـ ضعف أو عدم سلامة آليات احتواء التكاليف.

ـ غياب التخطيط السليم.

ـ ضعف أنظمة الحاسب الآلي المتكاملة التي تحقق الدقة والسرعة والضبط وتوفير الوقت والجهد والموارد المختلفة.

ـ انخفاض حسِّ التكلفة وغياب مبدأ (موازنة المنفعة مع التكلفة) لكل قرار مالي أو استثماري.

سادساً: المنافسة والعولمة:

لا شك أن دخول أي بلد لمنظمة التجارة العالمية يفرض على المؤسسات فيه استحقاقات كبيرة وعاجلة، وهو بلا شك امتحان كبير لقوة وصلابة أنظمة المؤسسات وبنيتها الداخلية وجودة خدماتها ومنتجاتها، هذا فضلاً عمّا تواجهه المؤسسات أصلاً من منافسة داخلية في البلد الواحد ومنافسة مع الخدمات والمنتجات المستوردة، وبرغم قوة هذا التحدي وأولوية التعامل معه، خاصة في ضوء انضمام الدول واحدة تلو الأخرى إلى هذه المنظمة، وآخرها دخول المملكة العربية السعودية؛ غير أننا جعلنا هذا التحدي في آخر الترتيب في الكتابة لنقول: إن أي مؤسسة تتغلب على تلك التحديات السابقة، وتواجهها بإرادة قوية ورؤية واضحة وقرارات شجاعة، لا خوف عليها ـ إن شاء الله ـ من المنافسة الداخلية والخارجية، ومن نتائج الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


(١) المستشار في الإدارة، ومؤلف كتاب: (الإدارة القيادية الشاملة) ، ومدير عام مركز الإدارة القيادية الشاملة للاستشارات.