للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ادارة العمل الخيري]

مصطفى محمود عبد السلام

العمل الخيري الإسلامي، أو مؤسسات ومنظمات العمل الخيري الإسلامية، هي تجمُّع لجهود مجتمعية تضم متطوعين مؤمنين بمجتمعاتهم المسلمة وبالقضايا الإنسانية، عكفوا على درس احتياجات المجتمع، ووجّهوا جهودهم وأموالهم للعمل الخيري.

إن المتصدي للعمل الخيري الإسلامي والدارس له يجد تاريخاً طويلاً بجذوره الممتدة سواء كان منشؤها الطبيعي البعد الديني وفكرة الإحسان ومفهوم الزكاة في الإسلام، أو مساعدة الضعفاء والفقراء في كافة الأديان. إن تقديم الرعاية للعاجز والمعوز وصاحب الحاجة كانت من المبادرات الفردية في الأساس، ويقوم جانب منها على مؤازرة السلطات الرسمية في شكل بيت المال، وحديثاً في شكل الوزارات المعنية بالمجتمع وبمشكلات المواطنين واحتياجاتهم للخدمات، وظل الجانب الآخر والأهم يقوم به نفر من المتطوعين، ومع الوقت انتظموا في جمعيات أو منظمات اجتماعية لتقديم الخدمات.

المتأمل والدارس يجد مراحل عدة مر بها العمل الخيري حتى وصل إلى شكله الحالي، وهو مجموعة الجمعيات والمنظمات الخيرية التي نظمت أعمالها وفق التشريعات الوطنية والتي أخذت بالجديد وحاولت أن تواكب العصر.

وبرزت مفاهيم عدة تحكم العمل وتُدخله إلى مجال الحِرْفية مع الحفاظ على معانيه الإنسانية وأصوله الخيرية.

ومع تطور عمل الجمعيات الخيري برزت في المجتمعات أشكال تنظيمية أخرى ذات بعد طائفي أو مهني، أو ذات توجهات سياسية وقضايا تتعلق بالحرية وحقوق الإنسان.

فكان ظهور الروابط للفئات المختلفة: التشكيلات العمالية ونقاباتها - والنقابات المهنية وتوجهاتها - الهيئات والنوادي - الأحزاب السياسية وما يتبعها من تنظيمات ـ جمعيات حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات ... وغير ذلك من التنظيمات الاجتماعية والخيرية.

كما برز للوجود منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة التي بدأت بالعمل مع الحكومات، وامتدت إلى العمل مع التنظيمات الأهلية بصفتها وثيقة الصلة بالمجتمع، وظهرت أيضاً التنظيمات والاتحادات العالمية التي أنشئت لها فروع بالدول. ناهيك عن الجمعيات المصنوعة التي شُكلت خصوصاً حول توجه معين أو بغرض تنفيذ مشروعات معينة أو الترويج لقضايا بعينها تهم المواطنين أو بافتراض ذلك.

وبدأت سفارات بعض الدول وخصوصاً الغربية منها تتبنى أيضاً مشروعات في شكل برامج دعائية للمساعدة ومجابهة الاحتياجات. وشكلت وكالات للتنمية بصفة عامة كوكالة التنمية الأميركية والكندية أو أخرى متخصصة سواء بقضايا المرأة أو الطفولة أو غيرها.

ومع ثورة الاتصالات وتعدد نواحي الحياة برز إلى الوجود ما سمي بـ (القطاع المدني) ليشمل كل تلك التنظيمات والأعمال. وتنامى القطاع أو قُلْ: (المجتمع المدني) بكل تشكيلاته، وأصبح له صوت محلي وآخر عالمي، وله من المنظمات والأصوات ما يدافع عنه؛ وقد يكون لذلك جانبه الإيجابي، لكن الجمعيات الأهلية ذات الجذور الأصيلة التي شكلت البدايات والتي اتسمت أعمالها بالخيرية وصالح الإنسان بلا طائفية أو تحزب أو توجه مصنوع أو غايات خفية أصبحت جزءاً من المجتمع المدني، وكادت تذوب فيه.

وتحقق لها من جراء ذلك أمور مفيدة، منها:

١ ـ الانفتاح محلياً ودولياً.

٢ ـ تنوع مجالات العمل ليواكب قضايا أخرى لم تكن مرئية.

٣ ـ وصول العمل الخيري نتيجة الاحتكاك إلى نوع من الحرفية والأخذ بالجديد، وتنظيم الأعمال بشكل علمي عصري، وليس بشكل تلقائي.

٤ ـ بروز مؤسسات مانحة وأخرى متلقية، وإشغال الجميع بنوعية العلاقة.

وبرزت أيضاً مجموعة من السلبيات؛ منها:

١ ـ وفود المال والمساعدات في شكل لا ندري ما وراءه؟

٢ ـ اضطرار بعض الجمعيات إلى تغيير توجهاتها لتلائم توجهات الممول وأهدافه من أجل الحصول على المال والدعم.

٣ ـ ظهور الفساد في بعض الجمعيات نتيجة أساليب العمل غير الواضحة.

٤ ـ التسلل إلى مجتمع الجمعيات للتأثير على توجهاتها والانحراف أحياناً بغاياتها.

٥ ـ تحملها لسلبيات القطاع أو قل تعميم المشكلات والشوائب بجانب اختلاط المفاهيم.

وبتعبير آخر: فقدت بعض الجمعيات استقلاليتها وربما اختلطت بعض الأوراق ببعضها الآخر.

ü ماذا حدث مؤخراً؟

في ١١ سبتمبر ٢٠٠١م وقع حادث مأساوي استهدف الولايات المتحدة الأميركية، وأدى إلى تحطيم برجي مركز التجارة العالمية وجانب من مبنى البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) وألصقت التهمة بالقاعدة، وادُّعي على جمعيات دينية أو جماعات ذات صفة أخرى. وأياً كانت حقيقة الأمر فإن التداعيات استقرت على ما يلي:

١ ـ النظر بريبة إلى الجمعيات الخيرية ذات التوجه الإسلامي.

٢ ـ تجميد أموال بعض الجمعيات بحجة الاشتباه أو احتمال تمويلها لهذه الجماعات.

٣ ـ إلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين، وتحوُّل الأموال إلى ما يشبه صراع الحضارات.

٤ ـ ما نشأ من جرَّاء ذلك من قلق يسود القائمين على العمل الخيري الإسلامي؛ في مقابل فتح الأبواب والتدعيم القوي للعمل التنصيري.

٥ ـ انحسار في التبرعات خشية أن تنال المتبرع تهمة تعزز أية توجهات.

وأصبح ذلك يهدد ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ العمل الخيري والسعي لتقويضه والنيل منه رغم أن هذا يتوجه في غالب الأمر إلى أفقر الفقراء وإلى جمهور المحتاجين للخدمات، أي أن العمل الخيري الإسلامي يسعى لتوقيف القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر وتقوض مجتمعات وحضارات.

الأمر إذن أضحى دائرة مفرغة تهدد الكيان المجتمعي، ليس في الدول النامية فحسب، ولكن في كافة المجتمعات؛ حيث تلعب الجهات الخيرية دوراً متنامياً لخدمة الإنسان وتشكيل ضمير المجتمع الذي يعبر عن الاحتياجات، وتسهم مع الحكومات والجهات الرسمية في سد الثغرات.

ü ما الحل؟

إن هناك عدة توصيات تعكس الروح الخيرية التي ترمي إلى تنقية ذلك العمل الإنساني وإبراز روحه الوثابة. ولْنتأمل في مجموعة التوصيات التالية التي يمكن أن تدعم هذا العمل الخيري وإدارته، ويمكن من ثم تبنِّيها، وهي:

- الشفافية، وأن تكون كافة الأعمال والأموال معلنة وواضحة.

- إصدار التقارير المعبرة عن طبيعة العمل الخيري ونشرها.

- تنقية العمل الخيري من أية شائبة.

- الاعتماد على الذات كلما أمكن ذلك.

- أن يكون التمويل الخارجي غير مشروط ووفق الثوابت المعتمدة.

- أن تكون الجمعية الخيرية ذات قاعدة عريضة في المجتمع وليست حكراً على مؤسسين؛ بمعنى أنه ينبغي زيادة قاعدة التطوع.

- أن يحكم العمل ميثاق شرف للعمل التطوعي الخيري.

- شرعية العمل وعلنيته.

- الابتعاد عن السياسة والتحزب والطائفية.

- الاستقلالية.

- التوجه إلى أفقر الفقراء وأصحاب الحاجة.

- القيام بالتوعية المجتمعية.

- تقوية الصلات بالجهات الرسمية والحكومية.

- اعتماد استراتيجيات واضحة وأهداف محددة.

هذه التوصيات التي يمكن تبنِّيها توضح أهمية التجربة الثرية والفريدة التي تحمل في ثناياها الحل، وتدعونا للقول: إن هذا الحل يكمن في أعمالها ونشرها وتنفيذها. وها نحن نعرضها في شكل مجموعة من الوصايا والتوجهات لحماية العمل الخيري.

ü وصايا وتوجهات لحماية العمل الخيري:

إن الجمعيات والهيئات الأهلية مدعوة وبقوة للعمل باستمرار؛ فهي ركيزة أساسية في منظمات المجتمع المدني؛ حيث تشكل قطاعاً من قطاعات المجتمع مطلوب تكامل أدواره مع أدوار القطاع الخاص والقطاع الحكومي. وكي يظل العمل الأهلي الخيري هو نبض المجتمع وضميره والمعبر عن آلامه وآماله والساعي مع الشركاء لتلبية احتياجاته، يجب أن يصان ويظل بمنأى عن أية تنظيمات أو صراعات، ومن ثَم نوصي القائمين بالعمل الخيري بالسعي إلى حمايته من خلال الأخذ بالأمور التالية:

١ ـ العمل وفق القوانين والأنظمة:

تنظم الدول العمل الأهلي من خلال عدد من الأنظمة أو بإقرار قوانين خاصة يعمل في إطارها وعلى هدي أحكامها. وبقدر ما يعتقد البعض أن القوانين قد تكون معوِّقة لحرية الجمعيات والهيئات أو داعية للتدخل في شؤونها بقدر ما تكون في غالب الأمر حامية للعاملين عليها أو المتبرعين الذين يضعون أموالهم بين أيدٍ أمينة تُحسِن التصرف.

إن حصول الجمعيات والهيئات على الشرعية والتسجيل لدى وزارات الشؤون الاجتماعية أو الداخلية أو وفق ما تحدده القوانين المعمول بها في البلاد التي تمارس فيها نشاطها أمرٌ ضروري لاكتساب الشرعية والعمل في العلن.

حب الخير وحده لا يكفي، والنوايا الطيبة ليست سياجاً للحماية، ولكن العمل في النور هو الضمان؛ ومن ثَم فأولويات الأمور هي الحصول على التصريح والتسجيل ووجود مقر لمباشرة العمل؛ فالعمل ينبغي أن يكون علنياً وليس سرياً، وتنظيمات المجتمع هي من أجل المجتمع والعمل لصالحه.

٢ ـ تنظيم العضوية:

بعد الحصول على التصاريح اللازمة هناك أمور النظام الأساسي واللائحة الداخلية التي تنظم عمل الجمعية، ومن أبرزها شروط العضوية. وتعتبر عملية العضوية وإمساك سجلاتها والحصول على البيانات الكاملة للأعضاء، والالتزام بشروط العضوية أمراً هاماً، والجمعيات لا تقبل غالباً في عضويتها من عليهم أية شبهات أو صدرت ضدهم أحكام أو سبق أن صدرت ضدهم أحكام مخلة بالشرف. ولا بد أن تطبق شروط قبول العضوية أو إسقاطها حسب الأنظمة.

إن تنظيم العضوية عملية حيوية، ويجب أن تظل مستمرة، كما أن البيانات الخاصة بالأعضاء يجب تحديثها؛ ناهيك عن عملية التواصل مع الأعضاء لإطلاعهم على الأعمال وإشراكهم في النشاطات والمؤتمرات العامة إن عقدت.

إن الأعضاء هم جمهور المتطوعين؛ والمطلوب الحفاظ عليهم وتدريبهم وتحفيزهم؛ فهم الزاد لمسيرة العمل الأهلي وتطويره. ومن ثم فالتخلص من بعض العناصر أمر مطلوب إذا حادوا عن الطريق والأهداف؛ وذلك وفق الاشتراطات واللوائح المنظمة للعمل. والعناصر النشطة التي تبني وتؤازر العمل مطلوب تشجيعها وتحفيزها بل تكريمها.

إن العضوية وتنظيمها تظل مشكلة في معظم الجمعيات والمنظمات الأهلية؛ ولذلك يجب أن تولَى الاهتمام، فيمكن من خلالها البقاء والتقدم البنّاء، وفي انسيابها وعدم ضبطها يكون الخلل ووضع علامات استفهام على الأعمال.

٣ ـ التنظيم الإداري الجيد:

إن العمل الأهلي الخيري لم يعد عملاً تلقائياً، ولكنه دخل مرحلة الاحتراف، ومن ثم فالأخذ بالأسلوب العلمي في الإدارة والاستعانة بالكفاءات الإدارية أضحى أمراً أساسياً.

إن التنظيم الإداري يعني تنظيماً إدارياً للأعمال التطوعية والهيئات الإدارية، وكيفية اتخاذ القرار وانتظام الجلسات واللجان، ورسم السياسات ووضع الخطط والبرامج. وعلى صعيد العاملين يعني عناصر قادرة لها رؤية وتقوم بالعملية التنفيذية باتباع الأساليب الإدارية الحديثة في التخطيط والتنظيم والإدارة، وأداء الأعمال من ناحية إعداد المشاريع وتنفيذها، وما يتعلق بالمتابعة والتقييم وإعداد التقارير، والقيام بأعمال الدعوة والإعلام، وربط الصِّلات مع المنظمات الأهلية والأطر الرسمية في داخل المجتمع، ودعوتها للمشاركة في الأعمال؛ إلى جانب المحافظة على الجودة الشاملة في تنفيذ البرامج والمشروعات. كل ذلك يحسب للعمل الأهلي ويرفع من شأنه ويضعه في مصاف الأعمال الجديرة بالتقدير.

٤ ـ الاستقلالية:

الاستقلالية لا تعني التقوقع أو الانغلاق على النفس، بل تعني الانفتاح ولكن باستقلالية في رسم السياسات وفي أخد القرار. وهذه الاستقلالية تنبع من الشعور بالمسؤولية تجاه احتياجات المجتمع والجماهير المستفيدة.

الاستقلالية تعني عدم الارتباط بحزب معين أو توجه سياسي يطغى على العمل الخيري ويصبح محسوباً على فئة دون أخرى، فيكون الولاء ليس للخير وحده والمصلحة العامة، ولكن للطائفة أو الحزب، فتعلو وتهبط وتتلون حسب توجهات الطائفة أو الحزب، ويُفقدها ذلك الموضوعية في رسم البرامج واتخاذ القرارات.

الاستقلالية تعني التحرر من فرض توجهات معينة تتعارض مع أهداف الجمعية أو الهيئة، فتكون أعمالها خالصة لتحقيق الصالح العام وخدمة أفراد المجتمع الذين تستهدف المؤسسة خدمتهم.

٥ ـ وضوح الأهداف:

العمل الأهلي أو القطاع الخيري، كما سبق الإشارة إليه، لم يعد عملاً تلقائياً تحدوه النوايا الحسنة فحسب، بل هو عمل علمي لا بد أن تكون له مجموعة من الأهداف العليا أو قل الاستراتيجيات التي يسعى إلى تحقيقها والسير في فلكها. وهذه الأهداف العامة لا بد أن تكون محددة وواضحة السمات، بحيث لا يكون هناك أهداف خفية أو غير مرئية أو مستترة.

وفي العمل لا بد من ترجمة الأهداف العليا أو الاستراتيجيات إلى أهداف عملية؛ وللتعامل مع هذه العملية تكون البرامج والمشاريع.

وأخيراً يكون تحديد الجمهور المستهدف وغايات هذه البرامج والمشاريع، ولا بد لأهداف العملية أو الأهداف الخاصة بالبرامج والمشاريع أن تكون واضحة ومحددة وسهلة القياس.

إن عملية وضوح الأهداف سمة علمية، ولا تكون مجرد أهداف مكتوبة، ولكن تكون معلنة يتشربها جمهور المتطوعين والعاملين كي يسعى الجميع لتحقيقها، وليتسنى للشركاء أو منظمات المجتمع الأخرى التعاون والتنسيق معها في تحقيقها.

٦ ـ المشروعات المجتمعية:

الأصل في العمل الخيري وأعمال الجمعيات أن تكون موجهة لخدمة المجتمع وتلبية الاحتياجات؛ فالجمعيات الخيرية وإن كان بعض منها موجهاً لفئات خاصة بالمجتمع إلاّ أنها في النهاية موجهة للمجتمع وشرائحه؛ ومن ثم فإن ترجمة الأهداف إلى برامج ومشروعات يجب أن تستهدف في الأساس نهضته وتقدمه. وكلما كانت المشروعات مخططة ومصممة بشكل يتناغم مع الاحتياجات كانت أكثر قبولاً وتعاطفاً بين فئات المجتمع. وهناك شريحة من الجمعيات قد تكون موجهة لمجتمعات أخرى أكثر حاجة؛ فهي تخاطب بالأساس الآخَر وتنبع من شعور بالتعاطف بين الدول والمجتمعات والإنسان أياً كان موطنه، وهنا تنبع الحساسية والتخوف، وعليها مراعاة ظروف تلك الفئات والمناخ السياسي والمجتمعي الذي تعيش فيه ومدى تقبل ذلك، وتحاول التوصل إلى الصيغ الملائمة للعمل دونما مخاطر أو تخوفات أو شبهات.

إن العمل الخيري سيظل مطلوباً ما وجدت الحياة، وحري بنا أن ننأى به عن أية مؤثرات أو تلوينات.

٧ ـ الشفافية:

وهي محصلة لما سبق ذكره من أمور وضوابط. فالشفافية مطلوبة في كل شيء بداية من تبيان الأهداف ونبل المقصد ووصولاً إلى تنفيد المشروعات على الأرض. إن الأمر الهام الذي قد يثير قلق المتبرعين أو المانحين هو: إلى أين نوجه الأموال أو كيف توظّف؟ وهل تحقق الغرض منها أم لم يتحقق؟

وهنا يأتي دور التقارير الخاصة بالإنجازات سواء كانت تقارير عن مشروعات بعينها أو تقارير عامة فئوية كانت أم سنوية، التي يجب أن تعكس النشاطات والأعمال. إن عملية التواصل مع الجهات المانحة وجمهور المتبرعين عملية هامة لكسب المصداقية.

وقد يفسر البعض الشفافية بمفهوم سطحي؛ بمعنى تدخل الآخر في الأعمال أو تدخل كل من له مصلحة أو غيره في تفاصيل الأشياء. إن ذلك الأمر مربك للعمل وللعاملين وكأنهم موضع اتهام مستمر. ولكن المقصود بالشفافية هو اطِّلاع من يهمهم الأمر على طبيعة الأعمال بجانب نشر التقارير المعبرة.

٨ ـ البعد عن الصراعات:

إن القائمين على العمل الخيري أو الجمعيات هم في الأساس متطوعون أو أناس آلَوْا على أنفسهم العمل الخيري من أجل خدمة مجتمعاتهم أو الفئات المستهدفة بالخدمة. كما أن العاملين هم عنصر فاعل في أداء الأعمال. ومن ثَم فإن جمهور المتطوعين الذين رسموا السياسات والأهداف حري بهم الاتفاق والبعد عن الصراعات. وقد تكون الصراعات على بعض المناصب من هياكل الإدارة أو من موقع اتخاذ القرار. هذه الصراعات قاتلة ومدمرة للعمل، وتبعد عن نبل المقصد؛ وحلُّ ذلك يكمن في إعمال الشورى وتعميق أسلوب الحوار للاتفاق ودحض كل ما من شأنه بعث الفرقة والاختلاف. النقاش الحر واتباع الأسلوب الأمثل في الإدارة ينأى بالعمل ومؤسساته عن مغبة الصراع. قد يكون بين العناصر في الإدارة من قد يشوِّه الصورة أو يبتعد عن قصد عن الهدف المرجو؛ فالحوار هنا والمصداقية تلفظ تلك العناصر وتنقي العمل من الشوائب. إن العناصر العاملة تعتبر في الأساس عناصر متطوعة؛ فالمتطوع العامل أصبح سمة لجمهور العاملين في الجمعيات والمؤسسات الخيرية. وبالرغم من حصول العامل على أجر واعتباره متفرغاً لأداء الأعمال، غير أن سمة التطوع هي عنصر النجاح في أداء الأعمال؛ حيث يتحلى العامل بروح التطوع، ويتفاعل مع الأعمال، ليس بمنظور الموظف، ولكن بمنظور القانع بأداء الخدمات والعامل على تحقيق الأهداف.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد تكون أو توجد بين جمهور العاملين بعض الصراعات الوظيفية أو اختلاف في الرؤية، وهنا تأتي مهمة الإدارة؛ فبجانب إعمال الشورى والاستماع للرأي الآخَر تكون مسألة العمل في فريق وجماعية العمل؛ مع وضع الأهداف نُصْبَ الأعين ليتم الابتعاد عن المسائل الشخصية وجوانب الصراع المختلفة التي تعد أسوأ الأشكال المدمرة. والمطلوب أن يكون هناك تنافس شريف من أجل إعمال المصلحة العامة، وليس التنافس الذي يؤدي إلى صراع يدمر ولا يبني.

٩ ـ التكامل مع القطاعات الأخرى:

العمل الخيري التطوعي أضحى عملاً مخططاً حتى يؤتي الثمار المرجوة، ومن ثَمَّ فإن قوَّته في تلبيته للحاجات الفعلية للجماهير والمجتمع، وأيضاً في تكامله مع القطاعات الأخرى في المجتمع، أي الجمعيات الشبيهة. فلا توجد مؤسسة أو جمعية تلبي كافة الحاجيات التي يحتاجها الإنسان؛ فهناك مؤسسات متخصصة في أنواع من الرعاية، وبعضها في العمل التنموي؛ ناهيك عن الإطارات والإدارات الرسمية التي تقدم الخدمات الاجتماعية المناسبة. فالعمل الأهلي والجمعيات هو عمل مكمل لها أو مبادر لتقديم نوعية الخدمات التي يحتاجها المواطنون.

والامر المهم الذي نريد إبرازه هو فكرة التكامل بين المؤسسات وفكرة الاستفادة من مصادر الخدمات المتوفرة في المجتمع حكومية كانت أم أهلية. وعملية التكامل تدفع بنا إلى إدراك أهمية الشفافية التي أشرنا إليها والمصداقية وكسب ثقة المجتمع؛ فالعمل الخيري ليس عملاً سرياً، ولكنه عمل علني شفاف لخدمة المجتمع؛ وبتكامله مع الخدمات الأخرى تتجسد صور الرعاية والتنمية؛ بل إن العمل الناجح والصادق والمفيد «مُعدٍ» إذا جاز التعبير، وابتكار الجديد في أساليب الخدمة يدفع بالآخرين إلى التقليد ويحفزهم على الإجادة.

١٠ ـ التقارير:

إصدار التقارير دائماً هو نوع من المتابعة. والتقييم له أبعاد مختلفة؛ فهو تسجيل حي لما ينجز، وفرصة للدعوة والإعلام عما يتم، بجانب كون ذلك فرصة لمحاسبة النفس: ماذا تم، وماذا تحقق من نجاحات؟ أيضاً: ما حدث من عقبات أو إخفاقات؟ واستخلاص الدروس المستفادة في محاولة لتجاوز العقبات والمشكلات.

والتقارير أنواع: فهناك تقارير خاصة عن المناسبات المختلفة أو المشروعات المنفدة، وهناك تقارير عامة سواء كانت شهرية أم دورية أم سنوية. ومن ثَم فالتقارير وسيلة لتحقيق الشفافية والمصداقية والتعبير عما يتم من أعمال ونشرها في المجتمع.

١١ ـ ميثاق الشرف:

كثر الحديث عن ميثاق الشرف في أعمال مختلفة؛ فهناك ميثاق الشرف الصحفي، وميثاق الشرف الطبي على سبيل المثال ... وبمناسبة عام التطوع العالمي هناك ميثاق الشرف التطوعي. وأشار مؤتمر الخير العربي إلى ميثاق الشرف الخيري. والمقصود بميثاق الشرف، أياً كان، هو نوع من القواعد أو المبادئ أو الأسس التي يرتضيها العاملون بالمجال ويلتزمون بها، وتحدد فيما بينهم أخلاقيات العمل ومجموعة القيم التي تربط بينهم. وهذا الميثاق هو معانٍ ليست بالضرورة أن تكون منصوصاً عليها في النظم الأساسية واللوائح، ولكنها التزام مشترك للعاملين والمتعاملين في المجال.

وبصدور مثل هذا الميثاق ما يعزز القيم السابقة ويبرز المعاني السامية وراء العمل الخيري، وينقيه دائماً من الشوائب والشبهات، ويدفع به قُدُماً لمزيد من الخير والعمل الإنساني.

١٢ ـ الاعتماد على الذات:

رغم أن العمل الخيري يعتمد في الأساس على عطاء المتبرعين وأهل الخير لدعم هذا العمل سواء كان هذا الدعم مؤقتاً أم دائماً في شكل وقف أو زكاة متواصلة؛ فإن التوجه المرئي يشير إلى انحسار التبرعات وتعرضها لتقلبات سواء كانت مؤقتة أو نتيجة أزمات اقتصادية معينة. ولما كان وجود مصادر للتمويل يعتبر عاملاً أساسياً في تحقيق الاستقرار ورسم الخطط والأعمال المتواصلة؛ لذلك وجب وجود مصادر ثابتة أو شبه ثابتة للتمويل وضمانة الاستمرارية.

ومن هنا وُضع شعار الاعتماد على الذات هدفاً أسمى للمؤسسات الخيرية، وابتكر من الوسائل ما يساعد في هذا الاتجاه. والحديث يطول عن أساليب تنمية الموارد وترشيد الإنفاق والجدوى الاقتصادية وتبنِّي المشروعات التنموية المدرة للدخل، والانتقال من مفهوم الرعاية الخالصة إلى المفاهيم التنموية، ومساعدة الناس كي يساعدوا أنفسهم كما يقول المبدأ الأساسي في الخدمة الاجتماعية.

١٣ ـ عدم قبول تبرعات مجهولة المصدر:

الحديث عن تنمية الموارد تجعلنا نذكر تحفُّظاً على قبول تبرعات مجهولة المصدر أو تبرعات مشروطة تجعل الجمعية أو المؤسسة تحيد عن أهدافها ومبادئها. وهذا موضوع حيوي يجب التنبه له؛ فليس من المفروض قبول أية أموال، بل يجب التأكد من هوية المتبرع والمقصد؛ بجانب النظر في الشروط التي قد يفرضها المتبرع أو صاحب المال. فالأضرار التي تحيق بالعمل الخيري في حالة عدم نُبل المقصد ضارة بالعمل بمجمله، ومن ثَم وجب التنبيه إلى ذلك والنص في لوائح الجمعيات الخيرية على الموارد المالية وقبولها وتنظيم ذلك.