للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مستقبل أفغانستان في حوار مع رئيس تحرير مجلة (عزم) الأفغانية]

حاوره: عبد الكريم الأفغان ي

الأستاذ (إكرام ميونرى) رئيس تحرير مجلة (عزم الأفغانية) ، وهو من الصحفيين المتابعين للشأن الأفغاني عن كثب، كان لنا معه هذا الحوار.

البيان: كيف ترى الأحوال في أفغانستان بعد خمس سنوات من الاحتلال الأمريكي الذي ادعى تحريرها؟

٣ من وجهة نظري كمتابع أرى الأمور رجعت مثلما كانت عليه قبل ظهور حركة طالبان. الناس يعيشون الآن في فوضى وفي حالة لا يعرفها إلا من يعيش هناك داخل أفغانسان، الفوضى عادت والحكومة ليس لها سلطة حتى في المدن الرئيسية، وهي غير موجودة إطلاقاً لا إدارةً ولا أمناً ولا شرطة.

فغير المدن الكبرى التي من المفترض أن تتبع الحكومة، لطالبان فيها شيء من السيطرة، أما ما يسمى بعملية ترتيب الأمن في المدن الكبرى فالسيطرة للقوات المحتلة من حلف الناتو أو القوات الأمريكية، وقوات حلف الناتو يشارك فيها أكثر من ٣٥ دولة وكلهم مشاركون سواء بالقليل أو الكثير من بريطانيا إلى فرنسا إلى ألمانيا إلى بولندا إلى كندا ... إلخ، لكنهم ـ مع ذلك ـ كلهم لم يستطيعوا أن يوفروا العيش للناس في داخل المدن أو في خارجها بخلاف الأماكن التي لطالبان فيها حضور، إذ رغم عدم سيطرتها الكاملة؛ فهي آمنة بنسبة عالية والناس يعيشون حياة هادئة.

ولذا فإن الناس لما رأوا مثل هذه الحال، ووجدوا أنهم فقدوا الأمن ولم يحصلوا بالمقابل على شيء من الوعود التي وُعِدوا بها من تطوير اقتصادي وعمراني ونحوه، كان من الطبيعي أن يحنُّوا لأيام الأمن قبل دخول القوات الخارجية والغازية. لقد انتظروا كثيراً، انتظروا سنة، سنتين، ثلاث سنوات، أربع سنوات، خمس سنوات، ويبدو أن قادة طالبان تركوا الوقت يمر حتى تسفر الأوضاع عن كذب هذه المواعيد والإعلانات، حتى إن الناس أنفسهم بدؤوا يبحثون عنهم، بعد أن ذهبت الوعود أدراج الرياح؛ ومؤتمر اليابان الذي انعقد وأعلن عن تقديم ثمانية مليارات دولار دعماً للحكومة الأفغانية لم يأتِ منها إلا الدفعة الأولى، جاءت أربعة مليارات، لكن بعد سنتين لما طُرِح السؤال: أين ذهبت المنح الخارجية من الدول المانحة؟ لم يجدوا شيئاً؛ سواء في البنك المركزي أو في وزارة المالية، ولما رجعوا إلى بعض الوزراء ليعرفوا أين أنفقت هذه الأموال، وأين صرفت لم يجدوا جواباً.

ومن النواحي الاقتصادية؛ الناس الذين تمنوا أن تفتح الأبواب الخارجية التجارية عبر الجمهوريات المحيطة، وبخاصة تركمانستان لتصدير الغاز الطبيعي إلى دول أخرى؛ لم يجدوا شيئاً، فرجعوا إلى زراعة الأفيون، والحكومة تعرف ذلك ولكنها تغاضت وتركتهم؛ بخلاف الموقف أيام طالبان في السنتين الأخيرتين؛ حيث إنها لما أعلنت حظر زراعة الأفيون امتنع عامة الناس عن زراعته من تلقاء أنفسهم، واليوم فُتِحَ لهم المجال، بل قالت الحكومة: افعلوا ما تشاؤون!! فتفاقمت زراعة الأفيون، وحسب تقرير الأمم المتحدة في العام الماضي؛ وصل إنتاج الأفيون في أفغانستان إلى ٦٠٠٠ طن تمثل٨٠% من زراعة الأفيون على المستوى الدولي؛ وهذه الإحصائيات تدل على أن أفغانستان أصبحت أكبر منتج للأفيون في العالم.

البيان: ما هي تأثيرات الغزو على هوية الشعب الأفغاني من الناحية الدينية والفكرية والثقافية؟

٣ لا شك أنه كان للغزاة رهان من أول يوم للأحتلال، وبدلاً من أن يبحثوا للناس عن العمل أو التعليم أو العلاج ونحو ذلك من الأشياء الرئيسية، بدؤوا بفتح ما يسمى بمعاهد الفن، لتعليم الموسيقى والغناء والرقص، وأصبح ذلك يبث على القنوات الفضائية الأهلية والحكومية، وهي الأشياء التي لم يعرفها الشعب الأفغاني، وبخاصة الجيل الجديد الذي عاش جو الجهاد وتربى فيه من ثلاثين سنة.

إن رهانهم الأكبر الآن: أن يفسدوا جيل الشباب، وأن يتمكنوا من تنشئة نخب مستغربة؛ ولذا أقاموا للشباب دورات في تعلُّم اللغة الإنجليزية والكمبيوتر، وأرسلوهم للخارج للتعلُّم في أمريكا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا في بعثات مجانية بغرض الإفساد، كما توزع الصحون الفضائية في بعض المناطق مجاناً؛ فبعض المؤسسات الأوروبية التي تسمى (خيرية) توزعها، وكنا نفرح أحياناً؛ لأنه لا يوجد كهرباء يستمر بها بث الفساد، لكن هذه المؤسسات كانت تصنع محركات صغيرة لتشغيل التلفزيونات فقط، ووزعوها على الناس بمبالغ زهيدة ٥٠ أو ٦٠ دولاراً فقط، وهذا يعتبر ربع أو ثلث قيمتها الحقيقية، وذلك كله باسم الخير وباسم الثقافة وكلها للإفساد. والآن يُجَهز للعام الدراسي الذي سيبدأ قريباً خمس وعشرون مليون مطوية لتوزع على الطلاب في المدارس وعلى أهاليهم كي يأخذوها لبيوتهم وتصل لكل فرد من أفراد الشعب الأفغاني، وهي مطويات تحمل محتوى الغزو الفكري والثقافي والعقدي، ويقف وراءها ما يسمى بالمؤسسات الخيرية الأوروبية وما هي إلا مؤسسات تنصيرية.

في المقابل لا يوجد من حلقات تحفيظ القرآن الكريم إلا القليل، وبعض حلقات العلماء في المساجد على الطريقة القديمة التقليدية، ولا يوجد ما يواجه هذا الغزو من جهود رسمية، ولا جهود أهلية بل من يحاول مواجهة الغزو فإنه يحارَب. وأحب أن أنبه هنا إلى أن الشيعة انتهزوا الفرصة، ولهم الآن حوزة افتتحوها ويتولاها محمد آصف محسني الذي يعتبر مرجعاً للشيعة في أفغانستان، وكان يرأس حزب (حركة إسلامي) وقت الجهاد، والآن وبالتنسيق مع الأمريكان دخل إلى كابل، واشتُريت للحوزة الأرض، وخُصص لهم مكان لإقامة الجامعة الشيعية بـ ٩٠ مليون دولار، وكلها تنفق باسم الحوزة المرجعية في إيران، والعمل بدأ بقوة، والآن يدرس ١٢ ألف طالب وطالبة من الشيعة في هذه الحوزة المعروفة باسم (خاتم النبيين) في وسط كابل. وهذه بداية لتغلغل الرافضة داخل كابل، وهي تتم بمباركة أمريكية وبمساعدة مؤسسات أوروبية وطبعاً إيرانية. ومدينة (باميان) الشيعية التي كانت منطقة جبلية صحراوية يعسر الوصول إليها إلا بشق الأنفس، عُبِّدت لها الآن طرق، وبُنيت هناك مستشفيات ومدارس ومطار عن طريق أموال من إيران، وقد أصبحت الآن تنافس العاصمة كابل، واشتُريت أراضٍ داخل كابل لبناء أحياء شيعية، وقد بنوا بيوتهم في هذه المناطق وبدؤوا التغلغل في الحكومة حتى أصبح لهم اثنان من أربعة ممثلين في البرلمان عن مدينة كابل. ويمكن أن يكون بناء هذه الحوزة تمهيداً لإدخال السنَّة للتعلُّم فيها، وهم إلى الآن لم يفتحوا لهم الباب. وهكذا يأتي هذا التغلغل مع أنهم قبل عشر سنوات ما كان أحد منهم يملك بيتاً في كابل إلا قليل منهم على استحياء وتخفٍّ.

البيان: ماذا عن قضية المرأة في أفغانستان، وهي التي اعتبر الغزاة (تحريرها) هدفاً من أهدافهم الرئيسية..؟

٣ من ناحية قضية المرأة فإن مشاركتها في البرلمان والدعاية لها وخروجها عن التقاليد الإسلامية؛ هذه أيضاً تعتبر من أهدافهم الرئيسية، وكذلك إخراجها للعمل الذي لا يناسبها كعاملات وخادمات في الفنادق. لكن هذه المحاولات لا تجد لها مكاناً إلا في العاصمة كابل التي يسيطر عليها الحكوميون والغزاة، لكن ـ ولله الحمد ـ في خارج كابل لا تجد شيئاً من ذلك، وكل مظهر من تلك المظاهر التغريبية يقاوَم. أما في كابل فكل تركيزهم الآن على الإفساد الثقافي والغزو الفكري فيها، وتحريض المرأة على السفور والتبرج، وقد نجحوا إلى حد خطير فيها، حتى أصبح مظهر كابل كمظهر أي مدينة غير إسلامية.

البيان: من وجهة نظرك كيف أعادت طالبان صفوفها من الناحية العسكرية، واستعادت سيطرتها على بعض المدن؟

٣ أعتقد بالنسبة لطالبان أن أتباعها اختفوا في المظهر لكنهم موجودون ولم يتفرقوا، وأحسب أنه كانت هناك قنوات للاتصال فيما بينهم، هم موجودون ولم يتشتتوا، لكنهم عملياً كانوا ينتظرون فرصة لبدء أعمال المقاومة؛ وذلك عندما يطلبهم الناس، ويشعرون بالاحتياج إليهم.

وزراؤهم وقادتهم وأفرادهم، كلهم كانوا معروفين وموجودين في الداخل والخارج، ويتحركون ويتصل بعضهم ببعض. نعم! كان هناك نوع من التخفي ومن التحرك من مكان إلى مكان، لكني أعتقد أنهم لم يتأثروا بذلك كثيراً، ولم يخضعوا، صحيح أن بعضهم لم يرَ أهله منذ ثلاث سنوات أو أكثر، ويبدو أن جهدهم الآن منصبٌّ على تنسيق العمل لتحرير أفغانستان من الغزاة.

وفي خلال السنوات الخمس الماضية تكوَّن جيل جديد مقاوم، من الذين كانت أعمارهم ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة في وقت حكومة طالبان وصارت أعمارهم الآن عشرين سنة أو نحو ذلك، وقد بدؤوا الانخراط في قوات طالبان بمعنوية عالية، أقوى مما كانت عليه وقت غزو الروس ووقت حكم طالبان، ويدل على ذلك قيام كثير منهم بعمليات استشهادية، لم تكن معروفة في أفغانستان من قبل.

البيان: من وجهة نظرك كمتابع كيف تدير طالبان المناطق التي تسيطر عليها؟

٣ أعتقد أنهم أعادوا ترتيب شؤونهم وتنسيقها، وبدؤوا بالمقاومة؛ مع وجود نقص كبير بالأسلحة والمعدات، لكن التضحية والمعنويات العالية غطت على كثير من نواحي النقص هذه.

أما من ناحية السيطرة على مناطق المحافظات، وبخاصة في الولايات الجنوبية والغربية والشرقية خارج المدن الكبرى، والتي قريباً أصبحت تحت هيمنة طالبان وإن لم يُقيموا إدارات حكومية هناك لكي لا تقصفهم الطائرات الأمريكية، وحتى لا يتضرر عامة الناس، وصار الناس من أهل المنطقة يديرون شؤونهم بالتنسيق مع طالبان، التي تترك الإدارة لهم وتبقي بيدها الشؤون العسكرية والأمنية، فطالبان موجودة كقيادة وإن صار غالب جيشها من الجيل الجديد الذي قد يبلغ عشرات الآلاف متى تهيأ له التجهيز.

البيان: ما هي حقيقة الموقف الباكستاني، وما تفسير تصريحات كرزاي ضد هذا الموقف؟

٣ الخلافات بين كرزاي ومشرف هي طبعاً خلافات مصالح ليس إلا؛ لأن كرزاي يريد أن يساوي نفسه بمشرف، ومشرف ينظر إليه كأنه لاجئ من اللاجئين، وهكذا كان يعيش هو وأبواه وأهله كلهم في باكستان. مشرف ينظر إليه بهذه النظرة، وكرزاي يرى أن الأمور تغيرت، وقد صرح قبل مدة في تلفزيون كابل وقال: يا مشرف! أنت الآن تريد أن تستعبدني، وأي مكان تعلي فيه عَلَمَك أُعْلِي فيه علمي، وأي مكان لسفارتك موجودة فيه سفارتي، وأي قائد أو رئيس دولة يأتي المنطقة يأتيني قبلك. وبدأ يطلق تهديدات من هذا النوع، وعلى لسانه باللغة الأفغانية، وقال محتمياً بالأمريكان: بعد اليوم لن تستعبدني وتهددني. ومشرف الآن بقاؤه في الحكم بيد أمريكا، وهو يعرف هذا، وأنه إذا لم ينفذ ولم يعمل ما يقال له فسينتهي دوره. لكن المهم أن باكستان ليست عبارة عن مشرف؛ فهناك الجيش، وهناك استخبارات في الجيش، هناك الاستخبارات الخارجية التي تسمى (ASA) التي تعتبر اللجنه الحاكمة على سياسة الدولة والاتصالات الخارجية بصفة عامة؛ وهؤلاء إضافة إلى بعض الحكومة المدنية والوزراء والأحزاب والمنظمات الذين يعتبرون أعمدة النظام، هؤلاء معارضون له في انبطاحه لأمريكا، ويرون أن هذا الطريق خطأ، وأن أمريكا لن ترضى، ومعارضتهم له ليست باسم الدين أو العقيدة، بل من أجل بقائهم هم، وهم يرون أن مصالح باكستان ستذهب، بل ربما تتعرض باكستان للتشتت والتقسيم، وأفغانستان الآن تريد أراضي بيشاور وبلوشستان، وهي تقول إنها ملكها، وأعلنت أنها تريد أراضيها، بينما باكستان متمسكة بهذه الأراضي، وتبرر هذا الموقف بأنها تريد منع تسلل المجاهدين، وكرزاي يستعين بالهند على باكستان، والمخابرات الهندية ثقلها الآن كبير داخل أفغانستان، والانفجارات التي تحدث في إسلام أباد، وفي كويتا، وفي بيشاور، وفي وزيرستان؛ والتي يُحَمَّل المجاهدون عامتها هي من فعل المخابرات الهندية، والهند تريد إحداث قلاقل في باكستان من أجل أن تشغلها عن القضية الكشميرية وترتاح. فالحرب على مشرف قائمة من كل جهة: من الهند ومن أفغانستان ومن الداخل ومن الخارج، وباكستان تحت رئاسته متورطة وتريد مخرجاً بسرعة.

البيان: من وجهة نظرك هل حاولت طالبان القيام بشيء من الاتصالات مع الأطراف المتضررة من الوجود الغربي في أفغانستان، مثل الصين أو روسيا؟

٣ يبدو أن طالبان عندها قناعة بأن أمريكا إذا عجزت عن مواجهة الوضع الحالي، ولم يستطع كرزاي أن يلبي طلباتها؛ فربما يبحثون عن بديل له؛ والبديل من الممكن أن يكون أحد قادة الجهاد السابقين ممن يملك ثقة به في الشارع أكثر من كرزاي وله ناس وتنظيم، وكرزاي ليس له أحد وليس له تنظيم، ويبدو أن الطالبان ما زالوا يحاولون إقامة تنسيق مع أي جهة لمساعدتهم، بشرط أن لا تفرض عليهم شروطاً بل تكون هذه المساعدة لردع أمريكا وحلفائها، ولكن رسمياً لا أظن أحداً استقبلهم أو اتصل بهم إلى الآن؛ إذ الجميع يخاف الاتصال بطالبان، والأخضر الإبراهيمي مندوب الأمين العام للأمم المتحدة لدى أفغانستان سابقاً، ذكر مؤخراً أن الخطأ الأكبر الذي يؤسفه له أنه عندما كان يشكل حكومة كرزاي، لم يلح على أن تشارك طالبان في الحكومة؛ لأن اشتراكها كان سينشئ فُرقة بين قياداتها. كما أن إيران وروسيا لا زالتا أكبر المعارضين لمشاركة طالبان في الحكم أو العودة للسلطة. أما الصين فهي لا تنظر إلا لمصالحها، وهي تنظر لطالبان نظرة إيجابية إذا لم تثر قلاقل عليها، وبخاصة في تركستان الشرقية؛ فالصين مستعدة أن يكون هناك تعامل مع طالبان، وبعض الأسلحة التي تأتي الآن، تأتي من جهة الصين ولكن بطريقة غير مباشرة وعن طريق السوق السوداء، وباكستان الآن متمثلة في مشرف ومن حوله لا تريد وجوداً لطالبان، لكن استخباراتهم تريد طالبان؛ لأن بقاءهم مرهون بوجود طالبان، وتلتقي مصالحهم مع بقاء طالبان، لكن الظاهر أن الاتصال المباشر غير موجود وأن دعمهم غير موجود، غير أن الرضى عنهم موجود. وبالنسبة للسلاح الذي تقاتل به طالبان أغلبه قديم، وحتى سلاح إسقاط الطائرات فهو سلاح روسي، والروس الآن يتحالفون مع تحالف الشمال، فيرسلون إليهم السلاح، وإيران ترسل السلاح للروافض وتخزنه عندهم. والعجيب أن طالبان تشتري من التحالف الشمالي، ومن الروافض، ومن الجيش الأفغاني، وسلاحهم أغلبه سلاح روسي، إضافة إلى بعض السلاح المورد عن طريق السوق السوداء من جهات أخرى.

البيان: بالنسبة لتحول القيادة العسكرية من الولايات المتحدة إلى الناتو ما أثر ذلك على الوضع في أفغانستان؟

٣ هناك سوء تفاهم بين أمريكا وقوات الناتو، وأمريكا تريد تسليم بعض الأماكن للناتو؛ لأنها تريد التخفيف عن نفسها، وكل هؤلاء كانوا في كابل، وأمريكا كانت تُطالَبُ بأن تقوم القوات الأمريكية بالمحافظة على الولايات الأخرى، فما استطاعت تحمُّل كل العبء الذي عليها، فطلبت من حلف الناتو أن يشارك معها خارج كابل؛ لأن كابل شبه آمنة، لكن الأماكن خارج كابل مثل: قندهار، جلال آباد، وهلمند، وزابل وغيرها؛ ما استطاعت أمريكا حمايتها ولم تجد طريقاً آخر إلا أن تحمِّل الناتو هذه المسؤولية، وهؤلاء طلبوا أن يشاركوا في القيادة وقالوا: إن أمريكا تتحكم فينا وتأمرنا، وعلى هذا لا نستطيع التعامل معها، فيجب أن تكون القيادة بأيدينا. وأمريكا وافقت، ولما خرجت، كان لهؤلاء عملياتهم ولهؤلاء عملياتهم، ولم يعد لهم هناك تأثير كبير؛ فأمريكا رغم أنها سلَّمتهم القيادة فإنها لم تعطهم الثقة، ولا المعلومات التي عندها، ولا تخبرهم بمخططاتها؛ ولهذا فإن الأوروبيين في الناتو ناقمون على أمريكا. وقد حدثني بعض المجاهدين الذين عولجوا في المستشفى الألماني بكابل على أنهم مواطنون، بأن أفراداً في حلف الناتو شجعوهم على قتال الأمريكان، لما عرفوا أنهم من طالبان وأعطوهم هدايا؛ فالكل ناقم على أمريكا في أفغانستان حتى الأوروبيون شركاؤهم.

البيان: أين وصلت الأهداف الاستراتيجية الأمريكية للاستيلاء على البترول في بحر قزوين والتي كانت من أسباب غزو أفغانستان؟

٣ لقد فشلوا في ذلك؛ لأن البترول في بحر قزوين لا يستأهل كل هذه النفقات التي تُنفق عليه؛ لكن هناك أهمية استراتيجية أخرى للبقاء في أفغانستان. فلا شك أن الأمريكان ما زالوا يريدون البقاء على الحدود الصينية من أجل مراقبة أجوائهم وتحركاتهم، وأيضاً قربهم من الهند ووجودهم هناك مطلوب لتحالفاتهم معهم، وأفغانستان مهمة أيضاً لمراقبة إيران من الشرق، إضافة إلى وجود أمريكا غرب إيران في العراق الذي أصبح الوجود فيه أكبر من الوجود في أفغانستان.

ولهذا فالظاهر أن موضوع الانسحاب ليس وارداً الآن، ومع هذا فالخوف يلاحقهم والعمليات كثُرت عليهم؛ فقضية الانسحاب بالنسبة لهم أقرب إلى الموت، والقوات الأمريكية أيضاً إن خرجت اليوم فحكومة كرزاي لن تبقى شهراً واحداً؛ فأول دفعة تخرجت في الجيش الأفغاني وهي عبارة عن ٨٠٠٠ جندي، هربوا بعد أن تسلموا السلاح وتقاضوا رواتب لمدة ثلاثة أشهر، ٥٠٠٠ جندي هربوا بسلاحهم والآن أرسلوا للباقين سلاحاً وسيارات، لاستقبال هجوم الربيع، أرسلوا ٨٠٠ سيارة عسكرية وعدداً كبيراً من قطع السلاح، لكن هذه كلها إما ستُباع وإما ستُسرق؛ فليس هناك جيش يدافع أو يغطي على الحكومة إلا أمريكا وحلفاؤها.

البيان: من وجهة نظرك: كيف ترى توقع طالبان لزمن خروج القوات الأجنبية من أفغانستان؟

٣ الظاهر أن قادة طالبان ليس عندهم توقع، وهم لا يريدون أن يتعجلوا الأمور، فهم يريدون مواصلة العمل واستنزاف العدو، وفيما يبدو الآن لا يريدون أن يقاتلوا قوات عدوهم وجهاً لوجه في معركة فاصلة؛ لأنهم سيخسرون أكثر، وعدوهم سيستفيد أكثر في المواجهة النظامية؛ فعملياتهم الآن فقط هي ما يسمى بحرب العصابات: تفجيرات وهجمات وكمائن؛ إضافة إلى العمليات الاستشهادية التي لم تكن موجودة في أفغانستان من قبل، ولكنها انتشرت بعد إنجازاتها في العراق؛ فالتدريب كثر الآن على العمليات الاستشهادية؛ فالفرد الواحد يدمر عدداً كبيراً من معدات العدو ويقتل من جنوده، ولكن فيما نرى أن تفجيرات طالبان لا تكون في الأماكن السكنية ولا في الأسواق كما هو حاصل في العراق؛ بل كلها موجهة للعدو.

والظاهر أن عمليات الاستنزاف العسكري التي تقوم بها طالبان هي أيضاً عبارة عن استنزاف اقتصادي واستنزاف نفسي، وهذا يضر بالقوات الأمريكية وحلفائها الغزاة أكثر مما يحدث في الحرب وجهاً لوجه في حرب نظامية قد يستفيدون منها أكثر؛ والذي يبدو أن طالبان غير مستعجلة لخروج أمريكا، ولكنها تريد استنزاف القوات الغازية.

البيان: ماذا عن هجوم الربيع لطالبان، وهل الأمريكان فيما ترى يريدون من طالبان أن تستعجل وتقوم بهجوم كبير ينقلهم إلى مواجهة نظامية؟

٣ نعم! هم يريدون هذا الشيء؛ فهم يريدون أن تكون هناك حرب مواجهة وحرب جبهة ليعرفوا أماكن قوات طالبان، كما حدث في (زابل) حيث كان لقوات طالبان مراكز يتنقلون بينها، ولكن الآن تخلّوا عن هذه الفكرة، وهم يعيشون الآن بين الناس يشاركونهم في الأحياء، والمعلومات التي عندنا أن أعدادهم في أي عملية تتراوح بين خمسة إلى عشرة أفراد، وفي المبيت لا يزيد عددهم عن عشرين فرداً، فلا يجتمع ٢٠٠ فرد أو ١٠٠ فرد أبداً، ولا يبيتون ليلتين في بيت واحد؛ والأمريكان لا يريدون هذا وإنما يريدون حرب المواجهة، وطالبان كما يلاحظ مدركون لهذا الأمر جيداً؛ ومن ثَم لن يُجَرُّوا لذلك؛ فخطتهم الآن ناجحة ومؤثرة، وهم يمشون على ما يريدون لا ما يريده الأمريكان وحلفاؤهم.