للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المخطط المرسوم للحركة الإسلامية في فلسطين أهداف وأبعاد]

عدنان أبو عامر

كشفت الأحداث الأخيرة في الأقصى الشريف، وما قامت به السياسة الصهيونية من استهداف مكشوف للمسجد الأقصى، وتعد سافر على حرمته، ومحاولة النيل من أساساته وصولاً إلى هدمه كلياً ـ كشفت عن فئة جديدة من الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم منذ نكبة عام ١٩٤٨م، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها وما زالت تبذلها الآلة الأمنية والاستخباراتية لاقتلاعهم من أرضهم وإلحاقهم بأشقائهم اللاجئين الفلسطينيين الذين توزعوا على بلاد الشتات ودول المهجر.

هذه الفئة تمثلت في الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م، وزعيمها الشيخ رائد صلاح، الذي بات يشكل (كابوساً) للسياسة الصهيونية، ولا سيما في ظل الدور التاريخي والوطني الذي قامت به للذود عن المسجد الأقصى، وكشف المخططات الصهيونية التي تستهدف الأقصى، تاريخاً وتراثاً وديانة، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

التحليل التالي يكشف النقاب عن نشأة الحركة الإسلامية، والعداء التاريخي الذي حدد علاقتها بالاحتلال الصهيوني، نظراً للدور الوطني والديني الذي لعبته في أوساط فلسطينيي الـ (٤٨) ، فضلاً عن الإشارة إلى الجهود التي بذلتها - وما زالت - للدفاع عن الأقصى، وصولاً إلى تقديم قراءة للمستقبل المنظور للحركة في ضوء التهديدات الصهيونية الأخيرة.

٣ أولاً: نشأة الحركة ودورها:

تعود الجذور الأولى لنشأة الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام (٤٨) إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ المد الإسلامي في العالم العربي وفلسطين، ومنها إلى أراضي عام الـ (٤٨) ؛ حيث كان أبناؤها يدرسون في المعاهد والمدارس الدينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما ساعد على انتشار هذا المد الإسلامي تراجعُ الفكر اليساري في العالم العربي لصالح الصحوة الإسلامية، وتخوُّف أبناء (فلسطين ٤٨) من الذوبان في المجتمع الصهيوني أو ما سمي بانتشار (تيار الأسرلة) حيث أقيمت أول نواة للحركة الإسلامية في بلدة كفر قاسم عام ١٩٧٢م.

وهكذا فإن الحركة الإسلامية بالعموم ليست حركة حديثة، بل هي ذات عمق وبُنى قوية، وتعود في ظروف نشأتها إلى احتكاك أبنائها بأنصار الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتأثرهم بها، وأدت دراسة قياداتها في جامعات الضفة إلى تبلور البعد التنظيمي عندها، ثم قامت الحركة الإسلامية في بدايات انطلاقتها وحماستها بتشكيل خلية عسكرية أُطلق عليها اسم (أسرة الجهاد) نسب إليها العديد من أعمال المقاومة، وأدى اكتشافها إلى صاعقة في دولة الاحتلال، وعندما ألقي القبض على زعماء الحركة عام ١٩٨١، وحكمت المحكمة الصهيونية على عدد منهم بالسجن عدة سنوات بتهمة العلاقة مع تنظيم أسرة الجهاد المسلح السري الإسلامي، تأثرت نشأة الحركة وامتدادها بفعل الضربة الموجهة لقياداتها، غير أن خروج قادة الحركة فيما بعد أدى إلى التفاف جماهيري قوي حولها.

أما عن دورها الوطني، فإن هناك مجالات كثيرة خدمت من خلالها الحركة الإسلامية فلسطينيي الأرض المحتلة عام ١٩٤٨م، وقد تجسد ذلك في أوضح صوره من خلال تأسيس ما أسماه الشيخ رائد صلاح بـ (المجتمع العصامي) ، والمقصود به بناء ما يشبه الدولة الإسلامية العربية في فلسطين الـ (٤٨) داخل الدولة الصهيونية، بحيث يكون لهم مؤسساتهم الخاصة وتمويلهم الخاص وتجارتهم، ولا يعتمدون على الصهاينة في أمورهم المعيشية.

وقد أكدت الحركة أن تأسيسها لذلك المجتمع يأتي بسبب الظروف الصعبة التي مروا بها، والحصار الذي فرض عليهم عقب انتفاضة الأقصى، والاضطهاد الديني على أيدي الصهاينة، مشيراً إلى أن هدف المشروع هو اعتماد فلسطينيي (٤٨) على الذات، وعدم وضع أنفسهم تحت رحمة الحكومة الصهيونية؛ بحيث نعتمد على أنفسنا. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى إنشاء هيئة الإغاثة العليا التي تشرف على العديد من المهام الصحية والاجتماعية والمرافق لفلسطينيي (٤٨) ، والسعي القائم حالياً من قِبَل الحركة للبحث عن تمويل لمشروعات نابعة من الفكر الإسلامي، مثل إحياء الوقف الإسلامي، وباب الوصية وفكرة الثلث وغيرها.

ثم أخذت الحركة بعد ذلك مساراً اتسم بالحذر وممارسة الأبعاد الدعوية والاجتماعية، وممارسة خصوصية إستراتيجية بعدم العمل المقاوم ضد الاحتلال، وبالمقابل كان توجهها الاجتماعي ناجحاً وملفتاً؛ حيث استطاعت تأسيس الجمعيات الخيرية وإقامة العشرات من المخيمات الشبابية الصيفية، وبناء وإصلاح العشرات من المساجد، وافتتاح عدد من المعاهد والمستشفيات والمدارس، وإقامة العديد من المظاهرات والاعتصامات المواكبة لأحداث الضفة والقطاع، وخاصة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

وهنا لا يستهان بالجهد الخيري والاجتماعي الذي مارسته الحركة في دعم وكفالة الأيتام وأبناء الشهداء والأسر الفقيرة في الضفة والقطاع، معتمدة في ذلك على التبرعات التي حصلت عليها من فلسطينيي (٤٨) ، ورغم أن هذا العمل تمارسه الحركة بشكل علني وقانوني، فإنه كان مصدر اتهام وسبباً في إغلاق الجمعيات، واعتقال أبنائها تحت بند أن هذه الأموال تذهب للمقاومين بشكل أو بآخر. ويبدو أن ما لا تقوله المؤسسة الأمنية الصهيونية هو خوفها من استمرار تعزُّز المشاعر الوطنية والارتباط بالقضية الفلسطينية لدى فلسطينيي (٤٨) ، عبر ربط أبناء الشهداء مثلاً بكفلاء ميسورين من فلسطينيي (٤٨) .

كل ذلك أدى إلى استقطاب مطرد ومتسارع، وثقة عالية بأطروحات الحركة التي حاربت بقوة المفاسد الأخلاقية التي نُشرت بين شباب فلسطينيي الداخل، ووقفت بصلابة ضد كل مظاهر (الأسرلة) وعملت في المقابل على تقوية الشعور الديني والوطني. وهكذا نجحت الحركة في استعادة بناء هياكلها، مما أسفر عن نجاحها في الفوز برئاسة العديد من البلديات العربية عبر انتخابات محلية ضمن سعيها لتحسين أحوال فلسطينيي ١٩٤٨م مثل مدن وبلدات أم الفحم، وكفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، ورهط، واقتسمت مجالس أخرى مع قوائم عربية أخرى منافسة.

وكان أكثر من ذلك؛ فقد اتسع نشاط الحركة الإسلامية ليشمل السعي لرعاية وتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل وصل نشاطها حتى مسلمي البوسنة وكوسوفا وغيرهم، عبر إنشاء عشرات اللجان والهيئات الإغاثية والخيرية والتربوية.

على الصعيد السياسي، أعلنت الحركة الإسلامية رفضها التام للمشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني لأسباب دينية، تتعلق برفضها إضفاء الشرعية من قِبَلها على دولة الاحتلال الصهيوني، وحتى عندما وقع انشقاق داخل الحركة بين مؤيد للمشاركة في الانتخابات بهدف التأثير في القرار الصهيوني ومعارض لها، بقيت الغالبية من أبناء الحركة الإسلامية تعارض المشاركة في هذه الانتخابات، مما أثار عداء المؤسسة الصهيونية لها، والتي بدأت حرباً لا هوادة فيها ضد الحركة وصلت لحد التحقيق مع كبار شيوخ الحركة، والتهديد باعتبارها خارجة على القانون، ومن ثَم مطاردة أعضائها، واعتقال بعض رموزها.

٣ ثانياً: الشيخ رائد صلاح ... سيرة ذاتية:

يعد الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني من أشهر الشخصيات السياسية الإسلامية، ومن أكثرهم مواجهة للسياسات العدائية الصهيونية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، وبرز في مجال الدفاع عن المقدسات والأوقاف الإسلامية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك؛ حيث ترأَّس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، التي تعمل على حماية وترميم المقدسات والأوقاف التي حولتها سلطات الاحتلال إلى حظائر وخمارات ودور للبغاء.

الشيخ رائد صلاح من مواليد مدينة أم الفحم شمال فلسطين، أب لسبعة أبناء، وينتمي لإحدى العائلات التي بقيت في أرضها، ولم تنجح العصابات اليهودية في حينها من تهجيرها عام ١٩٤٨م.

تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في أم الفحم، وحصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل الإسلامية، وبدأ نشاطه الإسلامي مبكراً، حيث اعتنق أفكار الحركة الإسلامية، ونشط في مجال الدعوة داخل الخط الأخضر منذ المرحلة الثانوية، وكان من مؤسسي الحركة الإسلامية في الداخل في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، وغدا من كبار قادتها.

خاض الشيخ رائد الغمار السياسي من خلال ترشيح نفسه لانتخابات بلدية أم الفحم، كبرى المدن العربية في الداخل الفلسطيني، ونجح في رئاستها ثلاث مرات كان أولها في عام ١٩٨٩. وبدأ نشاطه في إعمار المسجد الأقصى يتعاظم منذ عام ١٩٩٦، واستطاع أن يُفشل المخططات الساعية لإفراغ الأقصى من عمارة المسلمين، عن طريق جلب عشرات الآلاف من عرب الداخل للصلاة فيه عبر مشروع (مسيرة البيارق) . كما تقيم الحركة بقيادة الشيخ رائد سنوياً مهرجاناً عالمياً في مدينة أم الفحم باسم (الأقصى في خطر) يحضره نحو ٦٠ ألف فلسطيني، وقد رأت مصادر في جهاز الأمن الصهيوني أن إقامة هذا المهرجان خطراً ينبع من اعتقاد قادة الحركة بصورة راسخة بصحة نظرية المؤامرة الصهيونية الهادفة للمس بالمسجد الأقصى وتدميره.

بدأ الاستهداف الصهيوني للشيخ رائد منذ البدايات الأولى لنشأة الحركة الإسلامية؛ حيث اعتبرته مصادر أمنية أخطر قادة الحركة الإسلامية على الأمن الصهيوني، وفي الوقت نفسه أكثرهم شعبية في أوساط الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ويعبترونه أكثر قادة الجمهور العربي (تطرفاً) . ووصل الأمر بالمؤسسة الأمنية لأن تصفه بأنه أكثر شخصية إسلامية في العالم بأسره (تحريضاً) على الدولة الصهيونية بسبب سياستها تجاه الأقصى، بعد نجاحه في أن يعيد الأضواء إلى المسجد الأقصى في كل مرة ينجح فيها العدو في إبعاد الأضواء عنه، ولا سيما أنه يعي ما تمثله قضية القدس للفلسطينيين والعرب والمسلمين؛ ولذا يحاول دوماً إثارتها.

وقد عمدت السلطات الصهيونية للتضييق على الشيخ رائد منذ فترة طويلة؛ ففي بداية أكتوبر ٢٠٠٢ أعلن أن جهاز الأمن العام (الشاباك) يرجح وجود أساس راسخ لتقديمه وعدد من قادة الحركة للمحاكمة، وتلقت وزارة القضاء توصية بهذا الصدد، في ضوء اتهامات موجهة له بإقامة علاقات مع تنظيمات معادية في داخل البلاد وخارجها، كما اعتقلته الشرطة الصهيونية عام ٢٠٠٣، مع ١٣ رجلاً من قادة الحركة بزعم أنهم قاموا بتبييض أموال لحساب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) .

يشار إلى أن الشيخ رائد تعرض لمحاولة اغتيال على يد قوات الاحتلال خلال مواجهات انتفاضة الأقصى، وأصيب برصاصة في وجهه.

ومؤخراً أصدرت محكمة صهيونية قراراً بتمديد فترة بقائه بعيداً عن أسوار المدينة القديمة للقدس مسافة ١٥٠ متراً، بحجة تنظيمه مظاهرات ضد عمليات الحفر بالقرب من المسجد الأقصى.

ثالثاً: العداء التاريخي بين الحركة والاحتلال:

شكل العداء والتربص سمة واضحة لطبيعة علاقة دولة الاحتلال بالحركة الإسلامية، وهكذا وصل تصاعد المواجهة بين أجهزة مخابراتها والحركة إلى حد إغلاق العديد من المؤسسات الإغاثية والخيرية الإسلامية، ومنع الشيخ رائد صلاح من السفر للخارج، والتحقيق مع قادة الحركة عدة مرات بتهمة العداء للدولة الصهيونية، إلى أن وصلت العلاقة إلى حد اعتقال عدد من رموز الحركة وعلى رأسهم الشيخ رائد.

وتبدي أجهزة المخابرات الصهيونية تخوفاً واضحاً من أن البنية الصلبة للحركة الإسلامية توجد في مناطق المثلث والجليل، وهنا يكون التخوف كبيراً من نوازع انفصال فلسطيني ثقافي، أو أن تكون هذه المنطقة مثيرة للقلاقل الأمنية، أو أن تشكل بنية مساعدة لمقاومة الفلسطينيين في الضفة وغزة.

كما زاد من التخوف الصهيوني أن الكثير من خلايا المقاومة الفلسطينية استعانت بأبناء الحركة الإسلامية لتنفيذ عملياتها في العمق الصهيوني، ورغم أن أجهزة المخابرات لم تستطع أن تثبت توجه الحركة تجاه عسكرة النضال؛ فإنها اعتبرت تحريض الحركة ضدها كافياً لخلق نوعيات فلسطينية مرتبطة بالمقاومة، وهذا ما عبر عنه (كارمي غيلون) رئيس جهاز الشاباك السابق الذي قال: يجب ضرب عناصر الحركة الإسلامية حتى لو لم يكن لهم علاقة مباشرة بالعمل العسكري.

لقد وصل العداء الصهيوني للحركة إلى حد إصدار مكتب رئيس الوزراء الأسبق (إيهود باراك) من حزب العمل تقريراً بالغ الخطورة يصف فيه الحركة بأنها (خطر إستراتيجي على مستقبل الدولة؛ لأنها تسعى لاستغلال الديمقراطية لإقامة دولة إسلامية) وأكثر من ذلك؛ فقد صرح رئيس الوزراء الأسبق (بنيامين نتنياهو) عن حزب الليكود تصريحاً لافتاً اعتبر فيه (أن الحركة الإسلامية ورم سرطاني يجب استئصاله) .

وقد أخذ هذا العداء يتطور تطوراً ملحوظاً وتصاعدياً، من خلال عدد من الإجراءات، أهمها:

١ - تقديم جهاز المخابرات (الشاباك) توصية أمنية تعتبر الشيخ رائد صلاح محرضاً يستحق المحاكمة، وتعتبر مدينته (أم الفحم) التي يرأس مجلسها البلدي (حاضنة الإرهاب) .

٢ - صدور قرار من وزارة الداخلية بمنع الشيخ رائد من السفر خارج البلاد.

٣ - إغلاق صحيفة (صوت الحق والحرية) الناطقة باسم الحركة بزعم أنها بوق لحركة حماس.

٤ - إغلاق مكاتب الإغاثة الإنسانية الذراع الاجتماعي للحركة.

٥ - مطالبة الأجهزة الأمنية من المستشار القضائي اعتبار الحركة الإسلامية خارجة عن القانون.

٦ - شن حملة اعتقالات استهدفت أكثر من ١٥ ناشطاً من الحركة على رأسهم رئيسها الشيخ رائد صلاح.

رابعاً: جهود الحركة للدفاع عن الأقصى:

أدى النشاط المتصاعد للحركة الإسلامية لحماية المسجد الأقصى إلى كشف المخططات الصهيونية الهادفة لهدمه والنيل منه، فعمدت الأجهزة الصهيونية إلى التحذير من (الخطر الإسلامي القادم) ، ومحاولات كثيرة للتذكير بأعمال الحركة العسكرية القديمة من جهة، وإطلاق تخوفات من إستراتيجية الحركة النهائية الهادفة - برأيهم - إلى القضاء على دولة الاحتلال؛ كل ذلك كان ضمن حدود لعبة الإعلام بالشكل العلني، والجهد الاستخباري بالشكل الباطني. غير أن التحولات الصهيونية المتسارعة والجديدة إزاء الحركة الإسلامية تحديداً، لها أسباب تتعلق بنشاط الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح في جهد مميز لربط الأقصى بالهم الوطني لفلسطينيي (٤٨) ضمن حملة (الأقصى في خطر) هذه الحملة التي لم تقتصر على الجهد الإعلامي فحسب، بل قامت الحركة ببرنامج عملي لذلك تمثل في:

أ - تسيير حافلات مجانية لزيارة الأقصى كل يوم جمعة، مما جعل الأقصى عامراً بالوجود الإسلامي والفلسطيني، ومن ثم الارتباط الإيماني.

ب - عمارة وتشييد المصلى المرواني، وهو الأساس الذي منع تقدم الحفريات من جهة، وصعَّب على المفاوض الصهيوني طرح مسألةِ ما تحت الحرم، وكأنها مسلَّم بها كحق مثلما جرى في مفاوضات (كامب ديفيد) الثانية التي فشلت فعلياً بسبب تقسيم السيادة على الأقصى.

ت - ملاحقة الحفريات مما أدى للكشف عن الأنفاق والحفريات الأثرية الخطيرة التي تقوم بها دولة الاحتلال بغفلة من الفلسطينيين والمسلمين، مما أدى بشكل مباشر لاندلاع انتفاضة فلسطينية عام ١٩٩٦، سقط فيها أكثر من ٨٠ شهيداً وألف جريح.

ث - رعاية المسجد والقبة الشريفة بشكل دوري وفعلي، مما جعل المسجد الأقصى ملتقى علمياً وإيمانياً دائماً.

ج - إقامة مهرجان سنوي خاص بالأقصى أصبح مع مرور الوقت أكبر تجمع للفلسطينيين تحت ظل قضية القدس.

وخلال الفترة الأخيرة حين كشفت الحركة النقاب عن الحفريات الصهيونية، ودعا الشيخ رائد صلاح إلى انتفاضة جديدة لحماية المسجد الأقصى، احتجاجاً على الحفريات بالقرب من ساحة الحرم القدسي، متهماً دولة الاحتلال بمحاولة بناء هيكل سليمان في ساحة الحرم، قائلاً: إن أيديها ملطخة بدماء العرب.

\ خامساً: مستقبل المواجهة أمام الحركة:

وصل الأمر بالدولة الاحتلالية إلى أن تعلن مؤخراً أن هناك توجهاً لحظر الحركة الإسلامية، ووضعها خارج إطار القانون، على لسان عضو الكنيست من الليكود (يسرائيل كاتس) ، بعدما وقفت موقفاً صارماً أمام استهداف المسجد الأقصى، وحشد الرأي العام العربي والدولي ضد الممارسات الاحتلالية، وهو الأمر الذي دعا الحركة لأن تعلن أن هذا التوجه يعد استمراراً لحملة التحريض الدموي التي تشنها المؤسسة الصهيونية على الحركة ورئيسها.

ولم يكن هذا التوجه الخطوة الأولى تجاه الحركة الإسلامية؛ فقد سبق أن أعلن جهاز (الشاباك) أن الحركة بمثابة قنبلة موقوتة، وتمثل تهديداً على الأمن الصهيوني وتماسك جبهة الدولة الداخلية، وهو الأمر الذي يحتم على مؤسساتها إدراك حجم الخطر الذي يختفي خلف أنشطة هذه الحركة بأسرع وقت ممكن، قبل أن يكون من المتأخر جداً إصلاح نتائج إهمال هذا الملف، كما حمل رئيس جهاز المخابرات العامة السابق (آفي ديختر) بشدة على النظام التربوي المعمول به في المؤسسات التعليمية الخاصة بالحركة، محذراً بشدة من قوة الحركة الآخذة في التعاظم بشكل مقلق، متوقعاً أن تحقق إنجازات أكبر وأوسع في الانتخابات البلدية القادمة.

وهكذا فإن المعركة الدائرة بين الصهاينة والحركة، وفي حال اعتبارها غير شرعية وخارجة عن القانون، سيهدد كيان الدولة العبرية ذاتها؛ حيث قد تضطر الحركة في هذه الحالة لاتباع أساليب سرية، وخوض مواجهة داخلية مع الصهاينة تضاعف العبء الواقع عليهم، جراء المواجهة مع حركات المقاومة الفلسطينية، ولا سيما أن الناطق باسم الحركة أعلن أن الحركة ستدرس بدائلها إذا تم تصنيفها حركةً محظورة.

علماً بأن عدداً من المسؤولين الأمنيين الصهاينة أقروا مؤخراً بمحدودية الخيارات المتوفرة أمامهم لمعالجة مستقبل الحركة، رافضين الدعوات الصادرة من اليمين واليسار باعتبار الحركة خارجة عن القانون، وحظر أنشطتها؛ لأن ذلك سيعني انتقال حركتها إلى السر؛ وهو الأمر الذي يجعل من الصعب مراقبة أنشطتها، فضلاً عن أنه من غير الممكن حالياً تقديم أدلة للمحكمة تبرر إخراجها من نطاق القانون وحظر نشاطها.

ومع ذلك؛ فإن القراءة المستقبلية للصراع الدائر بين الطرفين يشير، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه لا يمكن لدولة الاحتلال أن تنتصر فيه، نظراً لكون الحركة تجاوزت الشكل النخبوي إلى التفاعل الجماهيري، كما أن الاعتقالات التي جرت قبل عامين باستعراض بوليسي وإعلامي كان واضحاً منها أنها تحذير ورسالة لكل فلسطينيي (٤٨) ، وتذكيرهم بأن هناك عصا صهيونية غليظة لمن يتجاوز الخطوط الحمراء، ويحرض أو يفكر بتهديد أو يساعد مَنْ يهدد الأمن الصهيوني؛ لكن هذه الرسالة ستؤدي على الأغلب لنتائج عكسية؛ لأن الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه من ميزات.

إذاً؛ يبدو أن الصِّدام بين الحركة الإسلامية ومشروعها ودولة الاحتلال وسياساتها حتمي وقادم، وهو ما سيبقي سياسة القبضة الحديدية معلنة في وجه الحركة، مع إمكانية استمرارها وتصعيدها بين الحين والآخر وصولاً إلى نقطة الصدام النهائية دون أي أثر لخط الرجعة.


(*) باحث فلسطيني في الشؤون الصهيونية.