للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته

إنصافاً لعلماء اليمن

وتعقيباً على فهمي هويدي حول الوحدة اليمنية

يحيى محمد أبو زيد

يعيش اليمنيون هذه الأيام آمال تحقيق الوحدة بين الشعب الذي فرقته الحدود

المصطنعة والتي قامت على أساسها الدول الإقليمية الصغيرة، ولا خلاف بين

العقلاء أن الوحدة خير من التجزئة خاصة في هذا العصر الذي تتكتل فيه الدول

الكبرى، فكيف سيكون مصير الدول الصغرى؟ !

ولاخلاف كذلك أن الوحدة إذا لم تقم على أساس متين فتأجيل قيامها أفضل من

التعجل فيها، والتجارب الوحدوية السابقة خير مثال على ذلك، وليس هناك أساس

متين غير الإسلام؛ فهو هوية الأمة وثقافتها وحضارتها. وعند الحديث عن الوحدة

بين شطري اليمن طُرح مشروع دستور دولة الوحدة، وهو مشروع فيه ما لا

يتناسب مع تطلعات الأمة وأمانيها في حفظ دينها، وقد قام علماء في اليمن الشمالي، ومن قبيل النصيحة بنقد هذا المشروع، وبيان الثغرات الخطيرة فيه، وبدلاً من

تأييدهم في تحفظاتهم أو مناقشتهم مناقشة علمية قام الصحفي فهمي هويدي بالرد

على العلماء في مقالات نشرت في صحيفة الأهرام، وفي عدة صحف عربية أخرى، وقد تيسر لي أن أقرأ بإمعان ما كتبه في هذه الصحف، فوجدته قد أخطأ ووقع في

زلات، وخاصة في المقالين الثاني والثالث، وحشر نفسه في غير ما يجيد مع فقر

في خلفيات الموضوع، وخاطب العلماء بما لا يليق بهم، ولا أخفي على القارئ

أنني ظننت ابتداءً أن الرجل قد غرر به وأعطي معلومات مغلوطة وغير دقيقة عن

موقف العلماء فيما ذهبوا إليه، خاصة وأن له تجربة سابقة عندما كتب عن اليمن

متأثراً ببعض ما سمعه من ذوي التوجه العلماني الذين رافقوه عند زيارته لليمن في

العام الفائت. ولكن تبين لي أنه قد اطلع على ما كتبه العلماء في بيان ملاحظاتهم،

وعجبت أشد العجب إذ كيف يلتبس عليه الفهم في مسائل وضحها العلماء بأجلى

بيان.

مزالق هويدي:

جاءت مآخذ العلماء على مشروع دستور الوحدة في نقاط تسع، أوردها فهمي

هويدي مختصرة اختصاراً مخلاً، ومع ذلك فإن القارئ الواعي سيكفيه ما أورده من

كلامهم ليقتنع بما قالوه، خاصة أنهم أشفعوا ما قالوه بالدلائل والتفاسير العلمية من

الكتاب والسنة، بالإضافة إلى استنادهم للدستور الدائم لليمن، قال العلماء في نقدهم

لمشروع الدستور:

(نص المشروع على أن القانون يحدد الحالات التي يحرم فيها المواطن من

حريته) ، وعقبوا على ذلك: (وذلك ما يفتح الباب للعدوان على حريات الناس

بالقانون) ، بينما في دستور اليمن الشمالي الحالي ينص على كافة الحريات في حدود

الشريعة، وأن للدماء والأعراض حرمتها، ولكن مشروع الدستور لم يشر إلى ذلك

فما كان من الأستاذ فهمي هويدي إلا أن عقب بقوله:

(إنهم - أي العلماء - باسم الغيرة على الدين قدموا الإسلام وكأنه ضد

المساواة وضد الحرية، وضد المرأة) ويتابع نقده: «إنهم شغلوا أنفسهم بالعقائد

والضمائر والأخلاق وما قد يوصف بأنه حقوق الله، بينما لم تحتل حقوق الناس في

خطابهم حظاً يذكر» .

وعجيب أن يفهم هويدي من خطاب العلماء أنهم غير حريصين على حقوق

الناس مع أنهم نقدوا مشروع الدستور؛ لأنه أعطى مجلس الرئاسة الحق في إعلان

حالة الطوارئ التي في ظلها يتمكن الحكام - والكلام للعلماء - من الظلم والجور

واستعباد شعوبهم. ثم على افتراض أنهم شغلوا أنفسهم بالكلام عن (حقوق الله) أفلا

يستحقون الشكر على ذلك، أم أن حقوق الله لا مكان لها لدى الأستاذ؟ ، وكيف

غاب عنه ما تفعله الحكومات بشعوبها في ظل قانون الطوارئ.

وهل صحيح أن علماء اليمن قدموا الإسلام وكأنه ضد المرأة، وقد قالوا في

مأخذهم التاسع: إن من ثغرات مشروع الدستور أنه ألغى الأحكام الخاصة بالنساء،

وقرر المساواة بين الرجل والمرأة، «بينما كان النص في الدستور الحالي: للنساء

من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله الشريعة (، فهل في هذا الكلام ما يُشمُّ

منه بأنه ضد المرأة؟ ! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم!

وهل الأستاذ هويدي أكثر إنصافا للمرأة من خالقها ونبيها الكريم، وهل من

مصلحة المرأة أن تتساوى مع الرجل؟ ! إن واقع الأمم التي استجابت لإغراء كلمة

(المساواة) تتمنى اليوم لو أنها لم تفعل.

ادعاء آخر تنقصه الحصافة:

ثم إني أتساءل كيف يدعي الأستاذ هويدي: بأن العلماء قد قاموا بمحاكمة

وثيقة بالغة الأهمية لمشروع الدستور دون أن يكونوا مسلحين بالحد الأدنى من

المعرفة المطلوبة لمباشرة تلك المحاكمة» .

هل لدى الأستاذ هويدي مستند أو أثارة من علم تؤيد صحة ما ذهب إليه،

وهل امتحن أولئك العلماء، أم غره أن صحف ومجلات وندوات العلمانيين

وحكوماتهم تفتح له الباب على مصراعيه ليقول ما يريد، وهل كان يظن أن تلك

الصحف والمجلات تفسح له صدرها لو أنه التزم الجادة دائما؟ !

وشاهد آخر على تحامله:

قال في نهاية العبارة السابقة: «وعلماء اليمن طالبوا الدستور بما لا ينبغي

أن يكون فيه، وفهموا مصطلحاته على غير وجهها الصحيح! ! والحقيقة أنهم

حاكموا مشروع الدستور إلى الدستور الدائم، وهل يجب عليهم أن يتنازلوا عن

المبادئ الإسلامية من أجل إرضاء ذوي الأهواء! كما يريد الأستاذ هويدي الذى

ندعوا الله أن يبصره بعيوب نفسه ويجنبه مرض الغرور ومغبة اتباع الهوى.