للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[في المناطق الفلسطينية تسميم للأرض والإنسان]

د. يوسف كامل إبراهيم

٣ الفلسطينيون والتمسك بالأرض:

القتل والتشريد والتهجير والتسميم أدوات استخدمها الكيان الصهيوني ضد أبناء شعبنا الفلسطيني وذلك لدفعهم لترك أراضيهم وقراهم ومدنهم، ومن ثم ترك فلسطين والهجرة إلى خارجها. وتطبَّق هذه السياسة على كافة القرى والمدن الفلسطينية على طول ربوع فلسطين المحتلة، ولم يكتفِ العدو الصهيوني بهذه الممارسات عندما وجد الفلسطينيين يتمسكون بأرضهم ويتجذرون بها ويموتون دفاعاً عنها؛ فاتجه الكيان الصهيوني إلى تسميم هذه الأرض وتعريض حياة السكان وثرواتهم الحيوانية ومزروعاتهم للخطورة الشديدة؛ من خلال دفنه للنفايات النووية والمواد المشعة والمواد الكيميائية داخل الأراضي الفلسطينية؛ وتحويل الكثير من مجاري المياه العادمة التي تخرجها المستوطنات إلى الأراضي الفلسطينية، مما ساهم وساعد على انتشار الأمراض والأوبئة وحالات السرطان بين السكان الفلسطينيين وتعريضهم للموت البطيء.

٣ جنوب الخليل ملوث بالإشعاعات النووية:

كُشف النقاب مؤخراً عن قيام السلطات الصهيونية بدفن نفايات نووية في الأراضي الفلسطينية، مما تسبب في زيادة حالات الإصابة بمرض السرطان. مصادر عديدة أكدت أن القرى الواقعة في جنوب جبال الخليل، في الضفة الغربية، شهدت ارتفاعاً حاداً بالإصابة بحالات من السرطان والتشوهات لم يسبق لها مثيل، وقد أكد مختصون أن سببها لا يمكن إلا أن يكون سبباً بيئياً. وحذّر أطباء ومسؤولون في منطقة جنوب الخليل من حالات السرطان المتزايدة التي تشهدها المنطقة بسبب الإشعاعات النووية المنبعثة في المنطقة.

ويبدو أن الأمر لا يقتصر على جنوب الخليل، بل يتعداه إلى قرى النقب المتاخمة لتلك المناطق التي تشهد حالات من السرطان والعقم والتشوهات، ما ينذر بخطر كبير.

إن الجو في جنوب الخليل ملوّث بالإشعاعات النووية؛ لقرب المنطقة من مفاعل (ديمونا) النووي، ولوجود العديد من مكبات النفايات النووية هناك، فضلاً عن عدم وجود حواجز إسمنتية توضع حول المفاعل أو المكب لصد هذه الإشعاعات، الأمر الذي قد يخفف أثرها لكن لا يخفيها نهائياً.

مصادر طبية عَزَتْ أعلى نسبة أضرار للبيئة والإنسان في منطقة جنوب الخليل، وتحديداً قرى جنوب الخليل، لِكونِ هذه المناطق هي الأقرب إلى مفاعل (ديمونا) ؛ إذ إن الإشعاعات النووية عدو للإنسان والحياة، وتمتلك طاقة كبيرة يصل تأثيرها إلى الجينات الوراثية لدى الإنسان، وتتأثر الكروموزومات عند الإنسان فينتقل هذا الأثر عبر الأجيال.

ويؤكد الدكتور سعادة، وهو من بلدة الظاهرية، أن انتشار الأمراض ووجود تشوهات وأمراض خبيثة فتاكة تحصد الأبرياء في قرى جنوب الخليل، في السنوات الأخيرة، ليس له تفسير سوى الإشعاعات النووية، مشيراً إلى أن عشرات الحالات من الظاهرية تعالَج حالياً في مستشفى بيت جالا. ويضيف: لقد وُلِدَ في الآونة الأخيرة طفل نصف وجهه أحمر، وتم اكتشاف سرطان الثدي لدى عجوز، الأمر الذي لا يمكن إرجاعه إلى عامل الوراثة؛ حيث هناك حالات تَشوُّهٍ وسرطان لدى عائلات غريبة بعضها عن بعض من عشائر مختلفة. كما أنه من خلال عمله في معالجة المرضى من أهالي جنوب الخليل وتحديداً الظاهرية، فإنه لا يبالغ عندما يقول: إن حالات السرطان أصبحت يومية في هذه المنطقة.

واستعرض عدداً من الحالات المرضية المصابة بالسرطان جرّاء الإشعاعات النووية، فهناك أطفال يولدون دون أيدٍ، ومنهم من يولد بتشوه في وجهه أو جسمه، وقد وُلِدَ أحد الأطفال بانحراف كامل في الوجه إلى جهة اليسار، كما أن الأورام الجلدية تنتشر بين الناس بسبب هذه الإشعاعات القاتلة، ولوحظ أن الرجال في قرى جنوب الخليل يعانون من تساقط الشعر بشكل كبير.

ويذكر الدكتور سعادة إحدى الحالات، وهي النمو غير الطبيعي للأمعاء عند أحد الأشخاص؛ حيث أصبح شكلها مثل ثمرة القرع، وهو تشوّه غريب من نوعه، منوّهاً إلى أن هذه الحالة تشكل خطورة كبيرة وتحتاج إلى بحث عميق للتعرف على هذا النوع من التشوهات الخطيرة، ما يؤكد أن السبب وراء ذلك هو الإشعاعات النووية التي تصل إلى جنوب الخليل من المكبات النووية التي يقيمها الكيان الصهيوني هناك.

وتعقيباً على ملاحظة ارتفاع نسبة مشاكل العقم عند الجنسين كليهما في قرى جنوب الخليل، وجد الدكتور سعادة أن هذه الإشعاعات هي المسبب الرئيس لمشاكل العقم.

رئيس بلدية يطا المهندس سامي شنيور نفى بدوره أحاديث أشارت إلى أن نسبة العقم بلغت نحو ٦٠ %، واعتبرها عارية من الصحة وغير سليمة وليست مبنية على أسس علمية، مؤكداً في الوقت نفسه على تصريحات مدير صحة الخليل الدكتور نبيل السيد ودراسات الصحة التي تؤكد أن هناك تضخيماً في النسب والأعداد. وقال: هذا الأمر حسّاس للغاية، وقد أدى في بعض الأحيان إلى إثارة البلبلة والحرج والمشاكل بين العائلات.

ويبدو الأمر في غاية السوء، في ظل وجود مكبات نووية لم تستطع سلطة البيئة الفلسطينية تحديد أماكنها بدقة؛ بسبب التكتم الصهيوني، ولسيطرة الجيش على هذه المناطق؛ حيث يشكّل ذلك خطورة تحُول دون الكشف الميداني عن هذه المكبات، غير أن بعض السكان من مناطق مختلفة كان يبلِّغ عن قيام الجيش بتطويق منطقة معينة وتأتي سيارات خاصة تنقل هذه النفايات، ويتم إخفاء هذه المواد بمواد إسمنتية شبيهة بالصخور حتى يصعب التعرف عليها.

٣ حبوب مضادة للمواد المشعة فقط لليهود:

التهديد الخطير الذي يشكله مفاعل ديمونا اضطر الحكومة الصهيونية لاحقاً إلى اتخاذ قرار بتوزيع حبوب مضادة للمواد المشعة على سكان البلدات الصهيونية المجاورة للمفاعل.

كما أنّ الجهاز الأمني الصهيوني صَادَقَ على توزيع هذه الحبوب لسكان هذه البلدات، غير أن القرار الأخير بهذا الشأن تُرِكَ لإقراره من قبل الحكومة. وقد سبق لهذا الجهاز أن قرر توزيع حبوب (اليود) التي يفترض بها أن تمنع تسرب المواد المسببة للسرطان إلى الجسم، لكنه تقرر في النهاية الإبقاء على هذه الحبوب في المخازن. لكن المسؤولين في الجهاز الأمني عادوا وقرروا مؤخراً، وبعد سلسلة من المداولات التي امتدت لأكثر من عامين، تقديمَ حبوب اليود المسماة (لوجول) ، لسكان يروحام وديمونة (المجاورتين للمفاعل النووي) وكذلك لسكان يفنة (المجاورة للمركز النووي في ناحل شوريك) ، تحسباً لأي طارئ.

٣ النفايات السامة داخل وَحَوْل الأراضي الزراعية:

الاعتداءات الصهيونية تتكرر يومياً على البيئة الفلسطينية، وتلحق أضراراً جسيمة بالبيئة الفلسطينية، وتترك آثاراً خطيرة على حياة الإنسان. إن المحاولات الصهيونية لتهريب ونقل نفاياتها الصلبة، بما في ذلك النفايات الخطرة، ودفنها في الأراضي الفلسطينية ما زالت مستمرة وبشكل متواصل، ناهيك عمّا لا يتم كشفه والعلم به؛ كما يشاع عن دفن نفايات خطيرة في الأراضي الفلسطينية في جنوب الضفة الغربية بشكل سري دون علم أو معرفة أحد. ووصلت الأمور إلى حد الشروع في إقامة مكبات للنفايات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية؛ كما في محاولة إقامة مكب النفايات بموقع (كسّارات أبو شوشة) قُرْب دير شرف شمال غرب نابلس خلال العام قبل الماضي (نيسان ٢٠٠٥م) .

كما لوحظ أن العدو الصهيوني يقوم بكبِّ النفايات الخطرة بالقرب من الأراضي الزراعية وحقول الزيتون؛ كما حصل في أراضي قرية كفر جمال وأراضي قرية جيوس، وقُدِّرت مساحة الأراضي التي تدفن فيها النفايات بأربع دُونُمات، وقد لوحظ أن هذه المنطقة تتميز بأنها أراضٍ تحيط بها أراضٍ زراعية، خاصة حقول الزيتون. كما وُجدت نفايات خطرة عند تلة في قرية فلامية تطل على القرية من جهة وعلى مستوطنة (كوخاف يائير) من الجهة الثانية وبمساحة قُدِّرت بست دُونُمات. وقد لوحظ خطورة هذه المكبات من خلال ما يلي:

١ ـ أن هذه المكبات تقع على مقربة من أراضٍ زراعية تكثر بها البيوت البلاستيكية وأشجار الزيتون والحمضيات والجوافة.

٢ ـ أن هذه المكبات تقع بالقرب من آبار المياه الأرتوازية.

والجدول التالي يشير إلى بعض المستعمرات الصهيونية وأماكن التخلص من نفاياتها الصلبة.

٣ مكونات النفايات الخطرة:

النفايات المهربة من حيث طبيعتها ومكوناتها عبارة عن مزيج متنوع من الخشب والحديد والدهانات والأقمشة وبطاريات السيارات والألمنيوم وغيرها. فهي تشتمل إذن على نفايات تصنف على أنها خطرة كبقايا الدهانات والبطاريات، هذا إلى جانب ما تخلِّفه المصانع الصهيونية المقامة في المستوطنات، أو على حدود الخط الأخضر، من نفايات صناعية تشتمل على نفايات خطرة، علماً بأن غالبية هذه الصناعات محظورة داخل الكيان الصهيوني نظراً لمخاطرها على البيئة والصحة العامة. ومن هذه الصناعات (الصناعات الكيميائية، والمبيدات الزراعية، والمنظفات الكيميائية، وصناعة الألمنيوم، والجلود، والبطاريات، والإسمنت، والبلاستيك، والصناعات الغذائية، والصوف الزجاجي، والكحول، والخزف، والرخام..، وغيرها) . وتشتمل نفايات هذه المصانع على نفايات خطرة مثل: المعادن الثقيلة السامة؛ كالألمنيوم والكروم والرصاص والزنك والنيكل والأحماض والمعادن، والتي غالباً ما تلقى في المياه العادمة الناتجة عن المستوطنات التي تُصَرّف في الأراضي الفلسطينية المجاورة مسببةً تلوثها. كما تشتمل النفايات الخطرة على نفايات صناعية مثل: النفايات الكيميائية السامة؛ من رصاص، وزنك، ونيكل..، وغيرها، ونفايات طبية، ونفايات مشعة. وقد استُخدمت الأراضي الفلسطينية طوال سنوات الاحتلال مكاناً لدفن النفايات الخطرة من خلال عمليات تهريب منظمة؛ فقد تم رصد ما لا يقل عن ٥٠ موقعاً في الأراضي الفلسطينية للتخلص من النفايات الصهيونية (بما فيها نفايات المستوطنات) . ومن أمثلة ذلك:

١ ـ في عام ١٩٨٧م قام الكيان الصهيوني بدفن نفايات صلبة في مكب قرية عزون قرب قلقيلية.

٢ ـ اكتشاف كميات كبيرة من النفايات الخطرة السامة من بقايا المواد الكيميائية بالقرب من قرى عزون وجيوس وتل صوفين قرب قلقيلية.

٣ ـ في مارس عام ١٩٩٩م تم اكتشاف ٢٥٠ برميلاً تحتوي على نفايات سامة مجهولة مهربة من الكيان الصهيوني إلى قرية أم التوت في جنين.

٤ ـ إنشاء مكب للنفايات الصلبة بالقرب من مستوطنة يافيت في غور الأردن، بعد نقله من منطقة العفولة داخل إسرائيل.

٣ خطر الإشعاعات على خلفية دفن النفايات الخطرة: سرطان الدم، العقم، الإجهاض، تساقط الشعر:

آثار خطيرة جداً تتركها النفايات التي يتم دفنها في الأراضي الفلسطينية سواء أكانت هذه الآثار على الأرض أو على الإنسان؛ فالمصادر الطبية الفلسطينية تحدّثت عن وجود عشرات الحالات المصابة بالسرطان في الظاهرية، ووجود ارتفاع في نسبة مشاكل العقم عند كلا الجنسين في قرى جنوب الخليل، دفعت أهالي بلدة يطا إلى نشر مناشدة مفتوحة في جريدة (الحياة الجديدة) لإنقاذهم من هذا (الغول) الذي يتهدّدهم.

٣ بلدة الظاهرية والسرطان:

الدكتور محمود سعادة، صاحب عيادة في بلدة الظاهرية، على تماسّ مباشر بمرضى السرطان وطبيعة إصاباتهم، ويمتلك العديد من الأدلة والشواهد، ولديه سجل دقيق يرصد فيه أحوال المرضى. يقول سعادة: يبدو أن الحرب القادمة هي حرب الرحم الفلسطيني، وقد ثبت علمياً أن الإناث عرضة للإصابة بالسرطان أكثر من الذكور، وتحدّث عن عشر نساء أجهضت الواحدة منهن أكثر من خمس مرات. ووصلت نسب الدم إلى درجة خطيرة من التدني، وازدادت حالات تساقط الشعر وجرثومة المعدة، كما وصل عدد المعاقين في بعض العائلات إلى أكثر من خمسة أشخاص. واستغرب سعادة أن يتم دفن الرؤوس في الرمال وإخفاء مثل هكذا قضايا لأسباب تتعلق بالسمعة والعيب وما إلى ذلك؛ حيث تتخوّف بعض العائلات من الإعلان عن حالات السرطان.

٣ سرطان الدم:

صحيفة القدس أوردت في ٢٦/٤/٢٠٠٥م أن الطبيب الصهيوني ميخائيل شابيرا من مستشفى هداسا، أكد صحة المعلومات الواردة عن انتشار مرض سرطان الدم على نحو غير طبيعي في منطقة جبل الخليل، وبلدة يطا تحديداً، ولم يستبعد الطبيب الصهيوني أن يكون لذلك علاقة بمخلفات نووية وكيماوية خطيرة يتم دفنها في مناطق تتاخم تلك البلدة دون رقابة، موضحاً أن انتشار سرطان الدم لدى عشرات المواطنين يعني وجود تلوث خطير في مصادر المياه.

لم يكتفِ الكيان الصهيوني باقتلاع الأشجار وتدمير الممتلكات ونشر الرعب والدمار والتخريب وممارسته للمذابح الجماعية طوال سنوات الصراع، بل راح يضع الموت في بطن الفلسطيني، ولكن هذه المرة الموت البطيء؛ عبر دفنه للنفايات السامة والكيمائية والمواد المشعة داخل التجمعات الفلسطينية؛ فبدأت حالات الإصابة بالأمراض الخطير تظهر بأعداد كبيرة.

المراجع:

ـ وزارة شؤون البيئة.

ـ هيئة الاستعلامات.

ـ صحيفة الطريق.


(*) أستاذ الجغرافيا، جامعة الأقصى، غزة، فلسطين.