للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

من سنن الأنبياء

الأخذ بالأسباب المادية

محمد العبدة

في غمرة الاندفاع العاطفي، وزحمة الأحداث والقراءات السطحية، يتناسى

المسلمون أو قد يجهلون سنن التغيير التي أودعها الله - سبحانه وتعالى - في كتابه

أو أجراها على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- بل إن بعض هذه السنن قد

يعرفها الناس بالتجربة الطويلة والخبرات المتراكمة المتأملة، ومن هذه السنن أن

الدعوات الصادقة إذا أريد لها النجاح لابد لها من قوى تؤيدها وتنصرها، قوى من

التكتل الجماهيري الذي يلتف حول هدف واضح محدد أو - بمصطلح ابن خلدون -

لابد من (العصبية) التي تعني الالتحام والتعاضد والتناصر لتحقيق هدف معين،

وليس المعنى المذموم لكلمة (عصبية) ، وإذا كان التكتل سابقاً يعتمد على القبائل

والعشائر، فإنه في العصر الحديث يعتمد على جميع شرائح المجتمع، الذين يلتفون

حول علماء - فقهاء، يعلمون بفقههم وتفكيرهم سنن التغيير وتحويل المجتمعات

والتأثير فيها، وخاصة ما نحن فيه من تعقيدات هذا العصر.

هذه القوة والمنعة هي التي افتقدها نبي الله لوط - عليه السلام - حين قال:

[قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ] [هود: ٨٠] ، فقال رسول الله-

صلى الله عليه

وسلم-: «رحم الله لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد، وما بعث إليه بعده نبياً

إلا وهو في ثروة من قومه» [١] .

ويقول الإمام الجويني: (وما ابتعث الله نبياً في الأمم السالفة ... حتى أيده وعضَّده بسلطان ذي عدة ونجدة، ومن الرسل - عليهم السلام - مَن اجتمعت له النبوة والأيد والقوة كداود وموسى وسليمان - صلوات الله عليهم

أجمعين -) [٢] ، فإذا كان الأنبياء يؤيَّدون (بثروة من قومهم) وهي القوة والمنعة في العدد والعدة، وهم مع ذلك مؤيَّدون بالمعجزات وخوارق العادات، فكيف بغيرهم الذين يرومون التغيير بالعشرات أو المئات، ويقولون نحن نتوكل على الله، لا شك أن المسلم يطلب العون من الله ويتوكل عليه، والله - سبحانه - وعد بنصر المسلمين، ولكن لابد من الأخذ بالأسباب الشرعية، ومن أهمها تجميع القوى التي تناصر وتعاضد.

هل درسنا هذا الموضوع بعمق وأناة أم أن مقولة (نعمل والنتائج على الله) لا

تزال هي الشائعة والأكثر قبولاً ورواجاً، مع أنها ظاهرياً صحيحة فهي كلمة حق

تُستخدم في غير محلها، فالقول بأننا نعمل يجب أن يمحص؛ إذ ما أدراك أن عملك

صواب، قد أخذت فيه بالأسباب؟ ، نعم، إذا بذل الجهد الصحيح فالنتائج على الله، أما أن يُعمل أي عمل ثم يقال (النتائج على الله) ؛ فهذا ضرب من حب السهولة،

وحتى نستريح نفسياً من اللوم والتقريع، وحتى لا ننقد أنفسنا، حتى لو فرضنا أنه

توفر عنصر الإخلاص في هذا العمل، فهذا لا يكفي إذ لابد من معرفة سنن الله في

التغيير.


(١) صحيح الجامع الصغير، ٣/١٧٦ وقال عنه حديث حسن.
(٢) غِياث الأمم، ١٨٢.