للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والمتغيرات الدولية

لازالت أحداث أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي والحديث عن الوحدة

الأوربية وما رافق ذلك من متغيرات ومفاجآت، لا زالت تتوالى ولم تتوقف بعد،

وآخر أنبائها دعوة الرئيس الأمريكي لغورباتشوف أن يحضر اجتماعات حلف

الأطلسى بصفة (مراقب) ، واقترح (بوش) أن لا يكون حلف الأطلسي حلفاً عدوانياً، بل إن بعض دول حلف وارسو تقدمت بطلب للانضمام إلى حلف الأطلسي،

واليونان تتحدث عن الجيش الأوربي الموحد (الشرق الأوسط ١٨ /٧/ ١٩٩٠)

وألمانيا الشرقية تطالب بانسحاب القوات السوفيياتية، أما عن أوربا الغربية

فخطوات توحيد النقد والانفتاح الاقتصادي سائرة كما يخطط لها.

هذه التطورات وإن فاجأت بتسارعها مثل هنري كيسنجر (الشرق الأوسط ١٥

/٧/١٩٩٠) فإن الغرب لم يكن بعيداً عنها، أعني في تصعيده للأحداث، والنية

المبيتة في تفكيك الامبراطورية الروسية.

إن ألمانيا الغربية تدفع آلاف الملايين إلى مواطني الشرقية حتى ترفع

مستواهم الاقتصادي تمهيداً للوحدة الكاملة، وسواء توحدت أوربا في القريب العاجل

أم أن ذلك سيتم بخطوات وئيدة وليس من الضروري أن تكون وحدة كاملة. فمما

لاشك فيه أن أوربا استراحت من هاجس الخوف الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي

والدول التابعة له ومعنى هذا أنها ستتفرغ لأمور أخرى، ومن أهمها موقفها من

العالم الإسلامي والهيمنة الاقتصادية، فإن اليابان رغم أنه يشكل كتلة اقتصادية

ولكنه لا يشكل تحدياً حضارياً فلم يبق إلا العالم الإسلامي وبعض دول آسيا وأفريقيا

لإثبات الهيمنة الاقتصادية، وهذه لابد لها من هيمنة فكرية، تتمثل بإبعاد الإسلام

عن أن يكون هو المؤثر والفعال في حياة الناس، وهذه النوايا لا يكتمها الغرب،

بل يصرح بها علناً ويقول: إن الخطر القادم هو الإسلام، كما صرح بذلك وزير

فرنسي سابق. هذه الحقيقة جعلت بعض السياسيين العرب يعترف بها كما جاء في

مقابلة أجرتها (الوطن العربي) بتاريخ ٢٢/٦/١٩٩٠ مع الأستاذ طاهر المصري

وزير الخارجية الأردنية السابق، قال:

( ... وهذا التفكير الإسرائيلي سوف يتزامن مع بحث الدول الغربية عن عدو جديد لهم بعد انهيار العدو الشيوعي، هذا العدو هو العالم الإسلامي) .

وأقرب جزء من العالم الإسلامي لأوربا هو العالم العربي الذي تبدي الصحف

الغربية اهتماماً زائداً به وهذا الاهتمام راجع للأسباب التالية:

١- هذه المنطقة تمثل قلب العالم الإسلامي فإذا نهضت شعوبها وتوحدت

فسيكون لها أكبر الأثر على الشعوب الإسلامية المجاورة.

٢- يخشى الغرب من الإسلام السني والذي تعتنقه أكثرية الشعوب العربية.

والغرب يعلم الفرق بين السني وغيره، ويعلم بالتفصيل تاريخ أهل السنة مع أعداء

الإسلام، وأن الذي دافع عن الإسلام قديماً (في الحروب الصليبية) وفي العصر

الحديث هم أهل السنة.

٣ - قرب العالم العربي وخاصة الشمال الأفريقي من أوربا [١] ، وإن النمو

السكاني المتزايد في هذه البلدان يقلق أوربا جداً وهنا قد يقول قائل: كيف يخشى

الغربيون من شعوب هذه المنطقة وهي على ما نعرف الآن من الضعف الاقتصادي

والحضاري بشكل عام، والجواب أن الغرب لا يفكر في الحاضر بل هو دائماً

التخطيط للمستقبل وحكام الغرب يعلمون أن شعوبهم في انحدار أخلاقي وما يتبع

ذلك من أمراض جسمية ونفسية، وإذا كان الغرب يتطلع إلى وحدة ١٩٩٢ فإن

الوضع في المنطقة العربية كأنه لا يريد التحرك لمواجهة هذه التحديات، فكما يقول

أحد الكتاب: الغني يرسف في غناه، والفقير يرسف في فقره، وأصحاب كثرة

السكان يعانون من الكثرة، وأصحاب قلة السكان يعانون من القلة. ونحن نقول:

وقبل هذا وذاك لا يزال العلمانيون أصحاب المناهج المختلفة ماضين في عنادهم

ويحاولون بشتى الوسائل منع الإسلام من العودة، الإسلام الذي من خلاله تتأكد

شخصية الأمة، ويتم بناء الحضارة المتميزة، ومن خلاله تتوحد الشعوب الإسلامية

في وجه الهيمنة الفكرية والاقتصادية.


(١) انظر ما كتبة جميل مطر حول أوربا والتحديات الستة في جريدة الحياة ١٣/٧/١٩٩٠ وما كتبه د عصام نعمان في الشرق الأوسط ٢٥/٤/١٩٩٠.