للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحن والغرب

لمحات في طرق نقل التقنية

والتخلف التقني في العالم الإسلامي

د. عبد الله بن صالح الضويان

إن المتأمل في أحوال الدول يجد أن القرار بيد تلك الدول القوية عسكرياً

والتي وصلت إلى مستوى متقدم من حيث امتلاك التكنولوجيا. وعلى النقيض تجد

أن الدول المتخلفة (والمسماة مجاملة بالنامية) ، وفي مقدمتها الدول الإسلامية لا تملك

أي قدرة على اتخاذ القرار فيما يتعلق بالأحداث الدولية، بل فيما يتعلق بأوضاعها

الداخلية، ولا ريب أن السنن الربانية اقتضت أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا

ما بأنفسهم، وعملية التغيير النفسي هذه تشمل التغيير في شتى المجالات، فنرى أن

العالم الإسلامي متخلف سياسياً، واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، سواء على مستوى

الأفراد أو المؤسسات أو الحكومات. ولا شك أيضاً أن عملية التغيير الشاملة هذه لا

بد أن تكون ضمن إطار متكامل ومتزن ثابت في جوانب، متطور في جوانب

أخرى، ذلكم هو المنهج الإسلامي الصافي من الخرافات والبدع الملائم لكل زمان

ومكان.

قال تعالى: [وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي

الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم

مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ

الفَاسِقُونَ] ، وإن انتشار ظاهرة التدين بين الأمة وخاصة الشباب لهي بشارة خير،

ومع قناعتنا أن هذا الرجوع إلى الله وهذه الصحوة لابد أن تقرأ التاريخ، وتتمسك

بمنهج أهل السنة، حفاظاً عليها من الوقوع في الانحراف - أي انحراف كان - في

مجال التربية أو الفكر، فإنه لابد لهذه الصحوة أن تأخذ دورها في جميع المجالات:

الإعلامية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتكنولوجية، إننا نعيش في مرحلة

تأسيس تكنولوجي للعالم الإسلامي، وذلك يستلزم الابتداء من حيث انتهى الغرب،

هنا لابد من نقل ما توصل إليه من رقي تكنولوجي، واستلام عجلة القيادة منه، إن

عملية النقل عملية شاقة وطويلة، مضخمة، تأخذ بعين الاعتبار الضوابط الشرعية

التي تدين بها الأمة وهي مرتكزة على مبدأ إسلامي: [وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن

قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ] . وهذا البحث ما هو إلا

لمحات في قضية التخلف التكنولوجي (التقني) لدى الأمة الآن، وسبل تخطيها

ونقل التكنولوجيا إليها من دول سبقتها، قمت بتجميعه من مصادر متنوعة،

بالاضافة إلى بعض الاقتراحات والتي أدرجتها في آخر البحث. ولا بد أن أذكر

مرة أخرى بأن الأمة ما عادت تثق إلا بجيل الصحوة، وطرحت كل فكر ومفكر

وقائد ملحد علماني لا يقيم لدين الأمة وزناً، فهل نأخذ زمام المبادرة؟

ما هي التكنولوجيا:

إن تجديد المصطلحات أمر في غاية الأهمية، إذ بدونه سندور في حلقة

مفرغة، ولا نستطيع أن ننطلق من مفاهيم واضحة للوصول إلى حل أي مشكلة،

ونظراً للمطاطية التي اكتسبها مفهوم التكنولوجيا، فقد أصبح من الصعب التوصل

إلى تعريف دقيق موحد للتكنولوجيا يقبل به جميع المهتمين بالموضوع، لاسيما وقد

ارتبط لفظ تكنيك technique وهو قديم بلفظ تكنولوجيا technology، وهو

حديث نسبياً.

إن كلمة تكنولوجيا إغريقية الأصل، وهي تعني في عصر الحضارة اليونانية

والرومانية القديمة كل الفنون المتعلقة بالمهارة والبراعة وحذق الصناعة، وهي

الجهد المنظم الرامي لاستخدام نتائج البحث العلمي في تطوير أساليب العمليات

الانتاجية لتسخير البيئة المحيطة بالإنسان وتطويع ما فيها من مواد وطاقة لإشباع

مصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية.. وبصورة عامة مجموع السبل التي

توفر للإنسان حياة مادية آمنة.

إن هذا التعريف فيه شيء من الشمولية المرضية، مع أنه يوجد تعريفات

أخرى ويستطيع أي واحد منا أن يعطي نفس التعريف، ولكن بألفاظ يختارها من

عنده، ومن التعريف يتضح الارتباط الوثيق بين لفظ العلم ولفظ التكنولوجيا.

العلم والتكنولوجيا:

للتفرقة بين العلم والتكنولوجيا نستطيع القول بأن العلم هو معرفة السبب (لماذا

Know - why) في حين أن التكنولوجيا هي معرفة (الكيف Know - how) .

العلم يأتي بالنظريات والقوانين العامة، والتكنولوجيا تحولها إلى أساليب

وتطبيقات في مختلف النشاطات والميادين، فمثلاً: إذا كانت العلوم الفضائية قد

توصلت إلى نظريات محددة عن طبيعة القمر وتنبأت بإمكانية إنزال الإنسان على

سطحه، فإن التكنولوجيا الفضائية قد استطاعت أن تصل إليه وتحصل على عينة

من تربته وتعيدها إلى الأرض ليتم فحصها من قبل العلماء لمعرفة مدى تطابق

خصائصها مع ما توقعته نظرياتهم.

كذلك يمكن القول بأن العلم يملك صفة العمومية أما التكنولوجيا فتملك صفة

الخصوصية، فالعلم نتاج فكري، أما التكنولوجيا فهي نتاج عملي، كذلك نلاحظ أن

العلم متاح لكل من يملك الذكاء والقدرة المادية لتحصيله على خلاف التكنولوجيا.

ومن هذا يأتي الفرق بين الاكتشاف والاختراع، فمثلاً اكتشف نيوتن قانون الجاذبية

وأينشتين النظرية النسبية، واكتشف الإنسان النار ضمن احتكاك حجرين ولكن

اخترع طرقاً وأساليب لتوليدها وهكذا، ولا نخلط بينهما بسبب حدوث بعضها

(الاكتشافات والاختراعات) بالصدفة كما هو معلوم. هذه مقدمة موجزة لتعريف

بعض المصطلحات الجافة والفكر الذي يوجه أمة من الأمم.

تأثير صراع الايديولوجيات على توجيه العلم:

يظن الكثير أن حقائق العلم غير قابلة للصراع الأيديولوجي، وفي حقيقة

الأمر يتعرض العلم والتكنولوجيا للخضوع للنزاعات الايديولوجية والقومية، وهذا

أمر نجده بصورة قليلة فيما يتعلق بكشف القانون العلمي، ولكن بصورة كبيرة في

الجانب التكنولوجي، وللتوضيح نورد بعض الأمثلة.

١- عندما هرب أينشتين من الحكم النازي ولجأ إلى السويد ثم أمريكا،

هوجمت نظرياته في ألمانيا، وقوطعت فيزياء أينشتين لفترة طويلة، وكان ينظر

في الاتحاد السوفييتي إلى النسبية على أنها نظرية مثالية.

٢- لعب اليهود دوراً بارزاً للترويج لنظرية دارون في أوربا نكاية بالكنيسة،

وكانت من الأسباب التي غيرت فكرة الأوربيين حول عقيدة الخطيئة وصلب المسيح

(في عقيدتهم) لاسيما في بدء عصر النهضة في أوربا آنذاك.

٣- في فترة من الفترات كان عالم الأحياء السوفييتي (لايسنكر) يحصل على

دعم السلطة الشيوعية، فكان يوفق بين نظرياته العلمية وبين النظرية الشيوعية كما

كان يحجب الكثير من الأبحاث العلمية عن أصدقائه ومواطنيه الذين كانوا على

خلاف معه، وكانت نتيجة ذلك تأخر هذا الفرع من المعرفة في هذه البلاد. ولهذا

فإن نتائج العلم تطوع أحياناً لفلسفات باطلة تبين علاقة الإنسان بالمجتمع والكون.

لهذا فحري بأهل الحق أن يستلموا الراية ليوقفوا الفوضى الضاربة الأطناب،

ويضعوا الإنسان في مكانه الصحيح.

أسلمة العلوم:

يأتي دور أسلمة العلوم في شكل متناسق مع عملية النقل التكنولوجي، لا

لإضافة أيديولوجية جديدة إلى العلم - وإن كان هذا مسوغاً لها - ولكن لكي تعيد

للعلم موضوعيته كما كان في عصر الحضارة الإسلامية، إن أسلمة العلوم ضرورة

حتمية، خاصة بعد ظهور نزعات في الغرب الآن مثل (العلموية) التي تقدس العلم

وتعتبره القادر على حل كل شيء. ويقابل ذلك نزعة (التكنوقراطية) والتي تؤكد

على أن التكنولوجيا أفضل من غيرها على صياغة قوانين المجتمع. يقابل هاتين

النزعتين نزعة أخرى وهي (اللاعلمية) وهي معادية للعلم وتحذر منه ومن خطورة

المادية المعاصرة، وأنها ستؤدي بالبشرية إلى الهلاك، ولابد من العودة إلى الفطرة

والبعد الكامل عن العلم. ونشير هنا إلى ذلك التحقيق عن منطقة في ويلز ببريطانيا

يعيش أهلها بعزلة عن العالم (منذ سنتين) ويوجد نفس التفكير عند مجموعات أخرى

في أمريكا.

هذه المسوغات كافية لبيان ضرورة أسلمة العلوم، بالإضافة إلى أن عقيدة

التوحيد تدفع العلم. إلى ما لا يعرفه الغرب؛ لأنها تعطي تصوراً أن هناك علماً

ظاهرياً وآخر غيبياً، ومن ثم يعرف الباحث حدود بحثه. وهذا من شأنه أن يشعر

العالم بالاطمئنان، لأن الظواهر التي يدرسها تتسم بالاضطراد والاستمرارية، حيث

إن مشيئة الله شاءت أن تؤكد استمرارية الأشياء واضطراد الظواهر، وأن التعميم

فيها له معنى من خلاله يتعرف الباحث على قدرة الله، وهذه نقطة مفقودة في

الفلسفة المادية الغربية.

التكنولوجيا فريضة وضرورة:

إن التكنولوجيا وتطورها له دور في توجيه الصراعات القائمة، وهذا يفرض

إعادة نظرة بصورة شاملة في الرؤية التغييرية، وتحديد أساليب العلم من أجل

التنمية المتكاملة للأمة الإسلامية لتفرض نفسها بين الأمم بقوة العلم والجسم، إن

التحديات اليهودية المعاصرة (مثلاً) تفرض على الأقطار الإسلامية الدخول في

عصر العلم والتكنولوجيا، وخلع ربقة التشكيلات والهياكل البالية على جميع

الأصعدة.

إن الغرب والشركات الاحتكارية الدولية الكبرى وهي تعمل على احتكار العلم

والتكنولوجيا، يضعان شروطاً صعبة على حركة المد الإسلامي، وجعلها تعيش في

واقع محدد لا تتعداه، وإن تدمير المفاعل النووي العراقي وخوفها من المفاعل

النووي البكستاني لدليل على سعي أعداء الأمة للحيلولة دون إنجاز تكنولوجيا متقدمة

في العالم الإسلامي، ولسنا بصدد ذكر مقولات قادة الغرب والشرق عن عدوهم

المشترك المقبل ولجوئهم إلى ما يسمى سياسة الوفاق الدولي، والذي هو في حقيقة

الأمر وفاق على عدو مشترك وهو المد (الإسلامي!) المتنامي، مع يقيننا بأن أهل

الباطل يختلفون على المصالح، كيف لا والخلاف قد يحصل بين دعاة الحق.

ولقد أثبتت الأحداث في الخليج ضرورة السعي إلى الاستقلال الكامل لأمة

الإسلام عن أعدائها في المجال الاقتصادي والعسكري والعلمي والفكري

والتكنولوجي، وفي اتخاذ القرار. وكل واحد من هذه المجالات يحتاج إلى بحوث

مستمرة يتبعها عمل جاد.

* يتبع *