للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تربية

الشعور الديني عند المراهق

عثمان جمعة ضميرية

إن مرحلة المراهقة من أخطر المراحل التي تواجه كل من يقوم بالتربية،

وذلك لأنها مرحلة انتقال جسمي وعقلي وانفعالي واجتماعي، بين مرحلتين

متميزتين هما: مرحلة الطفولة الوادعة، الساذجة الهادئة، ومرحلة الشباب التي

تُسْلمِ المراهق إلى الرشد والنضوج والتكامل والرجولة الكاملة. وهي مرحلة طبيعية

في النمو، يمر بها المراهق كما يمر بغيرها من مراحل العمر المختلفة، لا يتعرض

لأزمة من أزمات النمو، مادام هذا النمو يجري في مجراه الطبيعي، فهي ليست -

بحد ذاتها - أزمة، وإنما هي مرحلة انتقال وتغيير كلي شامل، وإن حصلت الأزمة

فإنها إنما تنشأ بسبب عوامل مؤثرة غيرها، أو بسبب معالجة مشكلات المراهق.

والمراهقة هي: الفترة من بلوغ الحلم إلى سن الرشد [١] والمراهق هو الغلام

الذي قارب الحلم.

ولن نعنى في هذا المقال بدراسة التغيرات النفسية والعقلية والجسمية التي

تطرأ على المراهق، وإنما نُلْمَعْ إلى الشعور الديني عند المراهق وتطوره لبيان

اتجاهات المراهقين الدينية والأخلاقية.

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على فطرة التوحيد والإيمان، وقد أخذ العهد

على بي آدم مذ كانوا ذرية في ظهور آبائهم وأشهدهم على أنفسهم: [ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ

قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا] [الأعراف: ١٧٢]

وفي الحديث القدسي «.. إني خلقت عبادي حنفاء كلَّهم وإنهم أتتهم الشياطين

فاجتالتهم عن دينهم» .

فالإنسان مؤمن بفطرته، يتجه إلى الله عز وجل وحده بالعبادة والخضوع،

ولكن هذه الفطرة قد يغشاها ما يغشاها، أو قد تنحرف وتمرض، بتأثير بعض

العوامل كالوالدين أو البيئة الكافر أهلها، ففي الصحيحين عن رسول الله -صلى الله

عليه وسلم- قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يُهوِّدانه أو ينصِّرانه

أو يمجِّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تُحسُّون فيها من جدعاء؟» ثم يقول

أبو هريرة -رضي الله عنه-: واقرؤوا إن شئتم [فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ

عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ] .

وإذا كان الطفل منذ نعومة أظفاره يدرك عدداً من المعاني الدينية بتأثير هذه

الفطرة التي أودعه الله إياها، فإن هذا الإدراك هو شعور غير محدد، فهو يبدي

عدداً من الانفعالات ويطرح جملة من الأسئلة عن الله خالق الكون، خالق الشمس

والقمر.. منزل المطر من السماء، عن الرعد والبرق، وعن الجنة والنار.. فإن

المعاني الدينية تتضح أكثر عند المراهق، بسبب نضجه العقلي. الذي وصل إليه،

فلا تكاد مرحلة المراهقة تبلغ أوجها حوالي السادسة عشرة تقريباً حتى تكون

مستويات المراهق الإدراكية قد تفتحت وتسامت، وذكاؤه قد بلغ أوجه، كما تتحدد

في هذه المرحلة اهتمامات المراهق، ويتحرر من الشطحات والخيال ويميل إلى

القراءة والاطلاع، ويصبح قادراً على التجريد وإدراك المعنويات، وتجاربه في

البيت والمدرسة والمجتمع قد تنوعت.

كل تلك العوامل العقلية والاجتماعية، إضافة إلى النضج الجنسي، تتضافر

في إيجاد وعي ديني عند المراهق، يختلف عن الاهتمام الديني عند الأطفال.

فعندئذ يبدأ بتكوين فكرة عن الحياة والمصير والغاية، ويفكر في الخالق سبحانه وفي

صفاته، وهذا يكوِّن لديه يقظة دينية تثير نشاطاً عملياً، كالعبادة التي تترجم عن

إيمانه، وكالجهاد في سبيل الله، وتحمل المطالب والمسؤوليات تجاه دينه،

والاستهانة بالعقبات التي تقف أمامه.

والمراهق -كغيره - يجد في الدين أملاً مشرقاً بعد يأس مظلم، ويجد فيه أمناً

من خوف، وفكراً يسدّ فراغه النفسي وقلقه الانفعالي. وهذا كله يدفع بالمراهق إلى

المبالغة في العبادة والتعمق فيها أحياناً.

وهذا الوعي الديني عند المراهق، يجب توجيهه وجهة سليمة صحيحة، تتفق

ومقدرته العقلية وتكوينه النفسي والانفعالي، ليكون فهمه للدين - منذ البداية - فهماً

صحيحاً، بعيداً عن الأوهام والخرافات والتعصب. فلا يجوز أن يفهم بعض آيات

الكتاب الكريم على نحو غير صحيح استناداً إلى أنه لا يستطيع الآن أن يدرك

معانيها الحقيقية كما ندركها نحن مثلاً، أو بحجة استغلال عاطفته الدينية خوفاً من

موجات الشك والإلحاد، أو انتصاراً للدين على العلم -كما يفعله بعضهم -أو بأي

حجة أخرى.

فإن تلقين المعاني والأفكار الدينية للمراهق بشكل منحرف أو خرافي يؤدي

إلى ناحية سلبية، فينكر الدين إلحاداً وازدراءً، أو ينكر العلم جهلاً وتعصباً!

ومن هنا، كان من الواجب توجيه المراهق توجيهاً سليماً واضحاً، ووجب

الابتعاد عن السطحية والضحالة في تقديم الأفكار الدينية له وتعليمه إياها؛ إذ يجب

في هذه المرحلة أن نوسِّع ثقافته - وهو في دراسته في هذه المرحلة في مستوى

الدراسة المتوسطة والثانوية - من الناحية الدينية حتى ننهض بمستواه الروحي،

ونرى أثر هذه الثقافة في أخلاقه وسلوكه.

كما يجب على كل من يُعنى بتربية المراهق أن يفتح له قلبه بفتح باب

المناقشة الهادئة الواعية الدقيقة، وأن يعوِّده على ذلك، وأن لا يضيق أو يتبرم

بمناقشته وأسئلته، لأنه يميل في هذه المرحلة إلى مناقشة كل فكرة تُعرض عليه فهو

لم يعد طفلاً يأخذ كل شيء بالتسليم المطلق، وإن كان هذا لا ينفي أن نزرع في

نفسه أيضاً التسليم المطلق لله تعالى والانقياد لأوامره وأحكامه، وأنه سبحانه وتعالى

إنما شرع شرعته لمصلحة لنا، قد يدركها العقل، وقد يعجز عن دركها ومعرفتها

أحياناً ولكنه - بكل تأكيد - ما من حكم شرعي إلا وهو ينطوي على مصلحة للبشر. وهذا ما أشار إليه وفصَّله الإمام المحقق الشاطبي في كتابه العظيم «الموافقات»

والعز بن عبد السلام في «قواعد الأحكام» .

وهذا هو الطريق السوي السليم - فيما أحسب - في توجيه المراهق دينياً،

بحيث نبعث في نفسه السكينة والاطمئنان، والثقة بالنفس، مع القناعة العقلية

والوجدانية، والمباعدة بينه وبين الغرور، وبهذا نحفظه من رياح الإلحاد

والاستهتار والانحلال.

وفي دراسة إحصائية لخبرات المراهقين، أجراها الدكتور عبد المنعم المليجي

في مصر، اقترح تصنيفاً للمراهقين حسب الاتجاه الديني الذي يغلب عليهم، إلى

فئات أربع:

١- فئة يلتزمون قواعد الدين حرفياً دون مناقشة، وهذه فئة المؤمنين إيماناً

تقليدياً - حسب تعبيره -.

٢- فئة تأخذ الدين بجدية أكثر، فتندفع إلى تبرير الدين والتحمس له. وهذه

فئة المتحمسين للدين.

٣- فئة تأخذ الدين جدياً، لكن تميل إلى اتجاه نقدي أكثر وهي فئة المتشككين.

٤- فئة تنكر الدين إنكاراً صريحاً.

وفيما يلي جدول يلخص توزيع الاتجاهات الدينية، مستخلصاً من أجوبة

المراهقين على الاستفتاء الذي صممه الدكتور المليجي وأجراه في مصر، ونظرة

سريعة إلى هذا الجدول تبين لنا تناقص عدد الأفراد كلما بعدت فئاتهم عن الاتجاه

التقليدي في التدين -كما أسماه - ويتبين من النسب المئوية وجود ارتباط موجب

بين اتجاه البنين واتجاه البنات الدينية:


الاتجاهات الدينية [*] بنين ... ... بنات
عدد النسبة المئوية عدد النسبة المئوية