للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اليهود من الداخل]

جعفر أحمد الفوال

الناظر إلى ما يجري حوله في العالم من وقائع سياسية وعسكرية وتخريبية

وقتل واختطاف يلحظ وجود علاقة بين ما يحدث ومواقف اليهود تجاه غيرهم على

ضوء المخطط العالمي السياسي والعقائدي المرسوم أصلاً وأساساً في المصادر

الثلاثة:

١- التوراة ٢- التلمود ٣- بروتوكولات حكماء صهيون.

فهي أسلوب العمل السياسي في تحويل جملة من المعتقدات اليهودية إلى خطة

عمل يجابهون بها العالم.

١- اليهودية أمام المرآة:

«الجهل بالحق» من الأسباب الغالبة على أكثر النفوس المعاندة له.. فإن

انضاف إلى ذلك السبب بغض من أمره بالحق ومعاداته له كان المانع من القبول

أقوى، فإن انضاف إلى ذلك إلفه ما كان عليه آباؤه ومن يحبه ويعظمه قوي المانع، ...

فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه ...

كما وقع لهرقل ملك النَّصارى بالشام على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -

ازداد المانع من قبول الحق قوة.

ومن أعظم الأسباب «الحسد» فإنه داء كامن في النفس ويرى الحاسد

المحسود قد فُضِّل عليه وأوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون

من أتباعه وهل منع إبليس من السجود لآدم إلاّ الحسد؟

وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الإيمان بعيسى عليه السلام وقد علموا علماً

لا شك فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بالبينات والهدى فحملهم

الحسد على أن اختاروا الكفر على الإيمان، وأطبقوا عليه وهم أمة فيهم الأحبار

والعلماء والزهاد والقضاة والملوك والأمراء.

ثم إنهم حسدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- حسداً شديداً فحسدوه مرتين:

مرة لأن الله اختاره وأنزل عليه الكتاب وهم لم يكونوا يشكون في صحته، وحسدوه

لما لقيه من نجاح سريع شامل في محيط المدينة.

وقد جاء المسيح بحكم التوراة، ولم يأت بشريعة يخالفهم ولم يقاتلهم، وإنما

أتى بتحليل بعض ما حُرِّم عليهم تخفيفاً ورحمة وإحساناً وجاء مكملاً لشريعة التوراة، ومع هذا اختارت طائفة منهم الكفر على الإيمان.

فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع مبكتاً

لهم بقبائحهم ومنادياً على فضائحهم ومخرجاً لهم من ديارهم وقد قاتلوه وحاربوه وهو

في ذلك كله ينصر عليهم ويظفر بهم ويعلو هو وأصحابه، وهم معه دائماً في سفال، فكيف لا يملك الحسد والبغي قلوبهم.

٢- اليهود ... ووحدة الصف:

توقع اليهود أن يعتبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -خارج نظام دعوته

وأن يقصر الدعوة على الأميين فقط من العرب فلما أن وجدوه يدعوهم - أول ما

يدعوهم - إلى كتاب الله بحكم أنهم أعرف به من المشركين وأجدر بالاستجابة له

من المشركين، أخذتهم العزة بالإثم، وعدّوا توجيه الدعوة إليهم إهانة واستطالة..

هذا بجانب حسدهم فكان موقفهم من الإسلام موقف العداء والهجوم منذ الأيام الأولى، فزاد شعورهم بالخطر من عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولون فيه

القيادة العقلية والتجارة الرابحة والربا المضاعف! أو يستجيبوا للدعوة الجديدة،

ويذوبوا في المجتمع الإسلامي، وهما أمران في تقديرهم أحلاهما مر.

ذلك فيما كان هنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة

وخصام وهي البيئة التي يجد اليهود فيها دائماً لهم فيها عمل.. فلما أن جاء الإسلام

سلبهم هذه المزايا جميعاً فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن

عليه، فأزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم، ووحد

الصف الإسلامي الذي ضم الأوس والخزرج، وقد أصبحوا منذ اليوم يعرفون

بالأنصار والمهاجرين، وألفّ منهم جميعاً ذلك المجتمع المسلم المتضامن المتراحم

الذي لم تعهد له البشرية من قبل ولا من بعد نظيراً على الإطلاق.

٣- وهكذا يعملون:

كانت الماسونية في العالم الإسلامي هي الإطار الواسع، الذي تحركت فيه

اليهودية التلمودية فأفرزت الصهيونية وقد أدخلها اليهود في الدولة العثمانية

ونشروها في كل أجزاء البلاد العربية وخاصة الشام ومصر، وأعلن قادتها إسلامهم

تقية، ومن خلال مراكزهم التي أقاموها في الدولة العثمانية استطاعوا السيطرة على

حركة الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) وأفسحوا لها في محافلهم التي كانت بعيدة عن

رقابة الدولة، حتى أنهم جعلوا دعوتهم القومية موجهة ضد الإسلام والوحدة

الإسلامية ودولة الخلافة، فكانوا هم أعوان الصهيونية في هدم الدولة العثمانية

وتمزيق الرابطة بين العرب والترك وإيقاد نار الخصومة بينهما حتى خططوا

لاتجاههم والذي تم على مراحل على الوجه الآتي:

أولاً: السيطرة على الحكومة وإسقاط السلطان عبد الحميد الذي رفض قبول

اليهود في فلسطين ولم يزحزحه الوعد، أو الوعيد عن خطته وإقامة الحكومة

الاتحادية التي أفسحت لليهود الدخول إلى فلسطين والإقامة فيها وشراء الأراضي.

ثانياً: إيقاع الصراع والخصومة بين عنصري الدولة العثمانية تمهيداً لتدمرها

وإدخالها في الحرب العالمية دون حاجتها إلى ذلك حتى يمكن تمزيقها والاتفاق مع

العرب لموالاة البريطانيين في سبيل إقامة دولة لهم ثم الوقيعة بين العرب والترك.

ثالثاً: إثارة روح العرق والعنصر في الأتراك تحت اسم الطورانية ومحاولتهم

تتريك العرب، وتغيير لغتهم وثقافتهم بما يدفع العرب إلى الدعوة القومية العربية، ...

واحتواء الدعوتين بمفاهيم غربية.

رابعاً: خداع العرب بعد وعدهم بالدولة وتمزيقهم إلى احتلالين فرنسي لسوريا

وبريطاني للعراق، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وإعلان وعد بلفور

لليهود بإقامة الوطن القومي.

وهكذا تحققت للماسونية الخطة التي استطاعت بها إقامة الصهيونية على

أرض فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل على مرحلتين:

الأولى: بعد الحرب العالمية الأولى بإدخال أعداد ضخمة من المهاجرين

وإقامة الكيان الصهيوني لها.

الثانية: بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بإعلان دولة إسرائيل وإجلاء العرب

الفلسطينيين عنها.. ثم توالت الخطوات حتى استطاعت إسرائيل أن تسيطر على

القدس عام ١٩٦٧ وهكذا.. يعملون.

٤- كيف السبيل:

إن الضراعة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى: [إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ]

تستلزم المنافسة العامة بين عباد الله فما يصلح دنياهم وأخراهم، يتنافسون في نيل

الدرجات العلى في الحياتين، يتنافسون أولاً بتلاوة القرآن حق تلاوته بحفظ ألفاظه

وتدبر معانيه، ويتنافسون في فهمه من جميع النواحي، ثم يتنافسون في الانطباع به

والتأثر حتى يتشرب في قلوبهم ويتغلغل في شرايينهم، ويتنافسون في الاقتداء بسنة

الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم يتنافسون بحمل الرسالة بالدعوة والتبليغ،

وتوزيع هداية الله وتصدير أنواره في مشارق الأرض ومغاربها وتعميم الأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، وكل ما يقتضيه

موجب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فيسود السؤدد الصحيح والقوة التي لا

تغلب، التي تجمع الأهل وتشد بعضهم إلى بعض في هدف رباني سماوي، تتجلى

فيه عبودية الله بمعانيها ومبانيها فتنقي النفوس من الشح والهوى ويمنع عنهم

عناصر الفرقة ويقيهم من أسباب الفساد ويلهب حماسهم للقيام بواجب الله سبحانه

وتعالى.

ثم بصدق نياتهم مع الله، وإخلاصها لله، وطهارة جوارحهم وصلاح أعمالهم، يستمطرون رحمة الله بمدد السماء وحصانته التي لا يغلبها غالب أبداً.

وهذه الحقيقة لا يفهمها إلا حملة تلك الرسالة الذين تمتلئ قلوبهم بتعظيم الله

بدلاً من تعظيم المادة؛ صدق معنى الحديث المروي عن علي -رضي الله عنه-

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتنة قلت: ما المخرج منها يا

رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، هو الفصل ليس

بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، هو

حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به

الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، هو

الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: [إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ

فَآمَنَّا بِهِ] من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه

هدي إلى صراط مستقيم» [١] .

وعليه نقول: لن يكون للإسلام وجود إلا بهذه العزمة ... عزمة العبودية لله

ومرضاته المحققة للوحدة والأمن الصحيح والعيشة الراضية في الدارين التي لا

تحصل إلا عن طريق الوحيين، كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-

التي تخرج العصبة المسلمة المؤمنة العابدة لربها التي تجدد مجد أمتها وتعيد تاريخها

وما ذلك على الله بعزيز.


(١) حديث ضعيف جداً كما بينه الشيخ الألباني في شرح العقيدة الطحاوية ص ٧١ وكذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة، حديث: ١٧٧٦.