للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاطرة أدبية

قارئ الفنجان

سعد بن محمد عبد اللطيف

جلس الحلاج على كرسي في مقهى التاريخ.. يحمل معه كتاب «الثابت

والمتحول» صفق بيده الغليظة.. جاء يركض صبي القهوة ملبياً ذاك التصفيق،

تقدم الصبي إلى الحلاج قائلاً: ماذا تريد يا سيدي؟

الحلاج: أريد فنجاناً من القهوة الساخنة\.. أسرع الصبي ليجيب الطلب،

فضاء المقهى يعج بالدخان.. راح الحلاج يتأمل الطريق المؤدي إلى جمعية

التحرر-الثقافي الذي هو عضو فاعل فيها. وهي تقع خلف المركز التجاري -

الكبير. لابد من إصدار صحيفة تنادي للفجر الجديد.. لمحاربة المتعصبين

والأصوليين المتطرفين.. أصحاب الأفق الضيق الذين يحاربون الرأي الآخر

والحوار، أصحاب التسلط والإرهاب الفكري الأحادي.. أتى الصبي يحمل فنجان

القهوة، يضعه على الطاولة المتسخة.. ينقطع تأمل الحلاج وتفكيره ويقبل على

الفنجان يرفعه إليه ينظر إلى الفنجان.. يمارس هوايته.. قراءة الفنجان ليطلع على

مستقبل الفكر وحريته، وآخر أخبار البيت الأبيض والكرملين؟ !

يتطلع في الفنجان باهتمام مشدوداً إليه.. شيئاً فشيئاً تتهلل قسمات وجهه

وينفرج فمه عن ابتسامة صفراء،.. «ها هم أو هم سيأتون في زمن ما ولكنهم

سيأتون.. جيوش جرارة من المثقفين لا التقدميين.. يتصدرون المجالس

والمنتديات.. ولكن ما هذا الهذيان الأدبي وال١فكري الذي لا أفهمه.. لعلها تشبه

بعض إبداعاتي الطليعية.

ولكن كلام هؤلاء يغلب عليه الغموض وشبيه بطلاسم وأساطير الهند والفرس.. أهم وصلوا إلى قمة الإبداع وجوهره؟ أم هو الفيض والعلم اللدني؟ !

يعود إلى النظر في الفنجان.. يرى أحدهم اعتلى منبراً.. يلقي قصيدة..

يحرك يديه بانفعال كأنه يريد أن يمسك بذباب يضايقه» لو قال أحد أو لقي مثل هذا

الكلام من مجانيننا وادعى أنه شعر وأدب لكان جزاؤه اللطم على الخدود والركلات

على الرؤوس.. «.

يعود إلى النظر في الفنجان» أواه إني أرى أمريكا.. الحضارة.. الثقافة..

التحرر.. وذاك تمثال الحرية الشامخ. لكم تمنيت أن أصنع وأضع مثله في أرض

الجزيرة أو الشام.. هم وصلوا إلى سطح القمر وأطلقوا؟ الأقمار الصناعية والناس

هنا يتناقشون حول الحيض والمسح على الخفين.. «.

» على كل حال البركة في هذا الجيل القادم الذي رأيته في الفنجان قبل قليل.. حقاً ما أروعهم وما أروع هذا الجيل وهذا الجو المتخم بالحرية والديمقراطية،

أين كل هذا من واقعنا الحاضر.. من هذا التطرف والتعتيم الإعلامي.. «.

يبدأ بشرب القهوة بعد تلك الخواطر.. يخرج من تأملاته.. لكنه يتذكر: غداً

سألقي محاضرة في جمعية المرأة المثقفة بعنوان» دور المرأة المثقفة المتحورة في

التنمية «وسأقوم بقص الشريط لفتح معرض الشيكولاته والكعك، وسيكون ربح

هذا المعرض لجمعية المعوقين» .

يتشاغل الحلاج بنظر إلى زبائن المقهى.. يمر بائع الصحف.. يصيح

الحلاج: ناولني صحيفة اليوم.. يطالعها بلهفة.. «ما هذا، لا أصدق؟» لم أجد

ذلك عند قراءتي للفنجان.. «يخرج نظارته.. يلبسها مرتبكاً.. يتأكد.. يتمتم من

هؤلاء.. تبتلعه الدهشة.. يسقط مغشياً عليه على أرضية المقهى المملوءة بأعقاب

السجائر.. الناس حوله يتجمهرون.. يستفسرون» احملوه إلى المستشفى «قال

أحدهم.. يتفرق الجمهور يلتقط أحدهم الصحيفة، يرى السبب ويعلن الخبر.. يقرأ..» فاز الحلاج بجائزة نوبل لهذا العام. ومن المتوقع أن يكون هو حكم البلاد

اللاحق «!