للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصفحة الأخيرة

مثل البالون المثقوب!

حسن القارئ

تعجبت من أمرنا.. وأنا أسمع يوماً خطيب الجمعة يخطب وقد انتفخت

أوداجه واحمرت عيناه من الغضب والحماس.. وجزاه الله خيراً على ذلك.. إلا

أنني فكرت في الأمر فوجدته لا يعدو أن يكون مثل النفخ في بالون مثقوب..

وأعني بذلك أن من عادة الناس أن يقف بعضهم حماساً وتجاوباً مع الخطيب وهو

يخطب.. ولكن سرعان ما يخبو ذلك الحماس، كما يخرج الهواء من ثقب في

بالون منفوخ..

والأمر في الحقيقة له جانبان:

الجانب الأول: الخطيب نفسه.. فهناك فرق بين خطيب معلم مربي وبين

خطيب جل أمره انتفاخ أوداج واحمرار عينين ...

فالأول يسير في أمره بحلم ورفق وأناة.. يرسم إطاراً ومنهجاً ثابتاً يكون

ارتفاع الحماس فيه وانخفاضه ضمن ذلك الإطار وذاك المنهج.. فيشد الحبل متى

أرخوا ويرخي الحبل متى شدوا.. خشية أن ينقطع.. فلا يعود يستطيع توصيل

وإبلاغ الحق.

والثاني.. يسير في أمره نتيجة انفعالات وانبعاجات نفسه.. فإن أصيب

بإحباط نقل في خطبته مشاعر الإحباط.. وإن أصيب ببلوى في نفسه أو أهله أو

ماله صور الدنيا وكأنها دار خربة لا خير فيها.. وإن طابت نفسه وزان عيشه

توردت وجنتاه وطابت كلماته وخفت وطأتها على النفوس ...

والجانب الثاني.. السامع للخطيب.. فهو إما موسوس يظن الخطيب يعنيه،

وإما عاطفي يلهبه الحماس وليس بعد الخطبة عمل فسرعان ما يخبو، وهؤلاء كثير، وإما ناقد لا يعجبه العجب، أو عاقل حليم يترك الغث ويأخذ السمين.. يرتجف

قلبه وترتعش مشاعره ولكن تدمع عيناه ويزيد إيمانه.. أن الفرج مع الكرب وأن

النصر مع الصبر..