للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فصل فِي الْغَصْب والتعدي)

قَالَ (خَ) : الْغَصْب: هُوَ أَخذ مَال قهرا تَعَديا بِلَا حرابة الخ. فَقَوله: أَخذ مَال كالجنس يَشْمَل أَخذ الْإِنْسَان مَال نَفسه من تَحت يَد الْمُودع وَغَيره، وَخرج بقوله مَال أَخذ امْرَأَة اغتصاباً كَمَا يَأْتِي، وَخرج بِهِ أَيْضا أَخذ رَقَبَة الْحر وَالْخِنْزِير وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يملكهُ الْمُسلم، وَقَوله قهرا مخرج للسرقة لِأَنَّهَا أَخذ مَال خُفْيَة وللغيلة لِأَنَّهُ لَا قهر فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَوْت الْمَالِك، ومخرج أَيْضا لما أَخذه اخْتِيَارا كالسلف وَالْعَارِية والقراض وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا. وَقَوله: تَعَديا مخرج لما أَخذه من محَارب وَنَحْوه، وَلما إِذا أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب من يَد غاصبه ولآخذ الزَّكَاة كرها من مُمْتَنع من دَفعهَا ولأخذ الْجِزْيَة ولأخذ السَّيِّد مَال عَبده ولأخذ الْأَب وَالْجد الغنيين مَال ولدهما لِأَن لَهما فِيهِ شُبْهَة، وَلذَا لم يقطعا فِيهِ فَإِن ذَلِك كُله مَأْخُوذ بالقهر، وَلَكِن لَا عداء فِيهِ. وَقَوله: بِلَا حرابة مخرج لما أَخذه الْمُحَارب فَإِن الْأَوْصَاف السَّابِقَة تصدق عَلَيْهِ والحرابة غير الْغَصْب لاخْتِلَاف أحكامهما. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَيْسَ كل غَاصِب مُحَاربًا لِأَن السُّلْطَان يغصب وَلَا يعد مُحَاربًا اه. وَاعْترض قَوْله: بِلَا حرابة بِأَنَّهُ يُوجب فِي الْحَد التَّرْكِيب الَّذِي هُوَ توقف الْمَحْدُود على معرفَة حَقِيقَة أُخْرَى لَيست أَعم مِنْهُ وَلَا أخص من أعمه، وَبِأَنَّهُ غير مَانع لدُخُول الْمَنَافِع فِيهِ كأخذه سُكْنى دَار وحرث عقار وَنَحْوهمَا. وَلَيْسَ غصبا بل تَعَديا فَلَو زَاد بعد قَوْله: مَال غير مَنْفَعَة، وأبدل قَوْله بِلَا حرابة بقوله بِلَا خوف فَقَالَ كَمَا فعل ابْن عَرَفَة لسلم من الِاعْتِرَاض، وَالْمرَاد بِالْأَخْذِ الِاسْتِيلَاء على المَال وَإِن لم يحزه لنَفسِهِ بِالْفِعْلِ، فَإِذا استولى الظَّالِم على مَال شخص وَحَال بَينه وَبَين مَاله وَقد أبقاه بموضعه الَّذِي وَضعه ربه كَانَ غَاصبا ضَامِنا لَهُ إِن تلف. وَأما التَّعَدِّي: فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة التَّصَرُّف فِي الشَّيْء بِغَيْر إِذن ربه دون قصد تملكه فَقَوله: التَّصَرُّف كالجنس يَشْمَل التَّصَرُّف بِالِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّف بالاستهلاك والإتلاف كلا أَو بَعْضًا، فَالْأول كَقَتل الدَّابَّة وَحرق الثَّوْب، وَالثَّانِي كخرق بخاء مُعْجمَة لثوب وَكسر بعصى صَحْفَة أَو عصى، وَقَوله بِغَيْر إِذن ربه مخرج للإجارة وَالْعَارِية وَنَحْوهمَا. وَقَوله: دون قصد تملكه مخرج للغصب لِأَن الْغَاصِب يقْصد تملك الْمَغْصُوب، وَقد فهم مِنْهُ أَن الْفرق بَين الْغَصْب والتعدي هُوَ قصد التَّمَلُّك وَعَدَمه، وَأَنه إِذا أقرّ بِقصد التَّمَلُّك أَو دلّت عَلَيْهِ قرينَة وَاضِحَة فَهُوَ غَاصِب تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامه، وَإِن أقرّ بِقصد الْمَنْفَعَة أَو قَامَت قرينَة عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فتجري عَلَيْهِ أَيْضا أَحْكَامه، فَإِن لم يكن إِقْرَار وَلَا قرينَة فَالْقَوْل قَوْله فِيمَا يَدعِيهِ من غصب الْمَنْفَعَة أَو الذَّات إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله. وَالْقَاعِدَة أَن كل مَا لَا يعلم من الْأُمُور القلبية إِلَّا بقول مدعيه يصدق فِيهِ وَيتَصَوَّر التَّعَدِّي أَيْضا بِأَن يكون بعد تقدم إِذن من مَالِكه كتعديه فِي الْعَارِية أَو فِي الْكِرَاء أَو زِيَادَة الْمسَافَة أَو الْحمل فَمن أَحْكَام الْغَصْب قَوْله:

<<  <  ج: ص:  >  >>