للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفصيلٍ (١). نَعَمْ الأَكْثَرُ على قَبولِ غيرِ الدَّاعِيَةِ إلَّا أَنْ يرويَ ما يُقَوِّي بِدْعتَه فَيُرَدَّ على المذهب المختارِ، وبه صرَّح الحافظُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ يعقوبَ الجُوزَجاني (٢) شيخُ أبي داودَ والنَّسائي في كتابه "مَعْرِفةُ الرِّجال"، فقال في وَصْف الرُّواةِ: "ومنهم زائِغٌ عن الحقِّ -أي عن السُّنَّةِ- صادِقُ اللَّهْجَةِ فليسَ فيه حِيْلَةٌ إلَّا أنْ يُؤخَذَ مِنْ حديثهِ ما لا يكونُ مُنْكَرًا إذا لم يُقَوِّ به بِدْعَتَه" انتهى.

وما قالَهُ مُتَّجِهٌ لأنَّ العِلَّةَ التي لها رُدَّ حديثُ الدَّاعيةِ وارِدَةٌ فيما إذا كان ظاهرُ المَرْويِّ يوافِقُ مذهبَ المُبتَدِعِ ولو لمْ يكُنْ داعِيَةً، والله أعلم.

ثُمَّ سُوءُ الحِفْظِ: وهو السببُ العاشرُ من أسباب الطَّعْنِ، والمرادُ به مَنْ لم يَرْجَحْ جانبُ إصابتهِ على جانبِ خَطَئِه، وهو على قِسْمين:

إِنْ كانَ لازِمًا للراوي في جميع حالاتِه فهو الشاذُّ على رأي بعضِ أهلِ الحديث (٣).

أو إِنْ كان سُوءُ الحِفْظِ طارِئًا على الراوي، إمَّا لكِبَرِه، أو لِذَهابِ بَصَرِه، أو لاحتراقِ كُتبهِ، أو عَدَمِها، بأنْ كان يعتمدُها فرَجَعَ إلى حِفْظِه فَسَاءَ فهذا هو المُخْتَلِطُ (٤).

والحُكْمُ فيه أنَّ ما حَدَّثَ به قَبْلَ الاختلاطِ إذا تَمَيَّزَ قُبِلَ، وإذا لم


(١) أي دونَ تفريقٍ بين أن يكونَ ظاهرُ المرْويِّ مُوافِقًا بِدْعَتَه أوْ لا.
(٢) إبراهيمُ بن يعقوبَ بن إسحاقَ الجُوزَجاني، من الحُفَّاظِ المُصنِّفين، وهو مُنحرفٌ عن علي رضي الله عنه، (ت ٢٥٩)، كُتُبه تدلُّ على وَفْرَةِ علمهِ، له: "الجرح والتعديل" و"الضعفاء" ط، ولكنه يَتحاملُ على الكوفيين.
(٣) كأنهم أرادوا بالشاذِّ المُنفردَ بصفة. شرح الشرح: ٥٣٥ ونقول: هذا اصطلاح غريب في الشاذ. وانظر ما سبق ص ٥٩ و ٧١.
(٤) الاختلاطُ: فَسادُ العقل، وعدمُ انتظام الأقوال والأفعال، والمراد من قوله: "المُخْتَلِطُ" مَنْ طَرأ عليه هذا الفسادُ بَعْدَ أن كان صحيحًا ضابطًا.

<<  <   >  >>