للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابنُ حَزْمٍ (١) من أهل الظاهر، واحتجّوا بأنَّ السُّنَّةَ تترددُ بين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين غيره.

وأُجِيبوا: بأنَّ احتمالَ إرادةِ غيرِ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيدٌ، وقد روى البخاريُّ في صحيحهِ في حديث ابنِ شِهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحَجَّاجِ حين قال له: "إنْ كُنْتَ تُريدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بالصلاة" قال ابنُ شِهاب: فقلتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَهُ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: "وهل يَعْنُونَ بذلك إلا سُنَّتَه؟! " (٢)، فنَقَلَ سالمٌ -وهو أحدُ الفقهاء السبعة (٣) من أهل المدينة وأحدُ الحفَّاظِ من التابعين- عن الصحابة أنهم إذا أَطلقوا السنةَ لا يريدون بذلك إلا سنةَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وأمَّا قولُ بعضِهم: إنْ كان مرفوعًا فَلِمَ لا يقولون فيه: قال رسولُ الله؟ فجوابُه: أنهم تركوا الجَزْمَ بذلك تورّعًا واحتياطًا، ومن هذا قولُ أبي قِلابَةَ (٤) عن أنس: "مِنَ السُّنةِ إذا تزوَّجَ البِكْرَ على الثيِّبِ أقامَ عندها سَبْعًا" أخرجاه في الصحيح (٥).


(١) علي بن أحمد بن سعيد الشهير بابن حَزْم، المحدِّث الحافظ، ولد بقُرطُبَة (٣٨٤)، ونشأ في بيت رئاسة ونعمة، كان أديبًا في صباه، ثم تلقى الموطّأ ومذهب مالك، ثم تحوَّل شافعيًّا، ثم تحوّل ظاهريًّا، وتعصَّب للظاهر وتطرَّف فيه حتى وصلَ إلى نتائجَ مُستغرَبةٍ في الفِقه، مما نَفَّرَ الناسَ عنه، كما أنه لشدة اعتدادِه بحافظتهِ كان يقع في الوَهَم الشنيع، (ت ٤٥٦). خَلّدَ المذهبَ الظاهريَّ بتآليفه فيه، منها: المُحلَّى (ط) والإحكام في أصول الأحكام (ط). وله: الفِصَل في المِلل والأهواء والنحل (ط). وغيرها.
(٢) الحديث في الرَّواح إلى عَرَفَة للوقوف في الحج، ومعنى "هجِّر" سِرْ في نصف النهار واشتداد الحرارة. أخرجه البخاري (الجمع بين الصلاتين بعرفة): ٢: ١٦٢.
(٣) وهم: خارِجة بن زيد، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعُروة بن الزبير، وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة، وسعيد بن المُسيِّب، وأبو سَلَمة بن عبد الرحمن، وسُليمان بن يسار.
(٤) أبو قِلابة -بكسر القاف وتخفيف اللام-: عبد الله بن زيد الجَرْمي، البَصْري، ثقة فاضل، كثير الإرسال. هَرَب من تَوَلَّي منصب القضاء. (ت ١٠٤). حديثه في الستة.
(٥) البخارى في النِّكاح (إذا تزوج الثيِّبَ على البِكر): ٧: ٣٤ ومسلم: ٤: ١٧٣.

<<  <   >  >>