للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثيرَ التراجُعِ كانَتْ تصيرُ مُبيضتهُ مُسَوَّدَةً، لذلك اختَلَفَتْ نُسَخُ مؤلَّفاتِه واحتاج المحَقِّقُ لها إلى كثير من الإمعان والتثبُّتِ حتى يقفَ على الصيغة النِّهائية لكتابه.

وقد كُتِبَ لمؤلَّفاته الحظُّ الوافرُ مِنَ القَبولِ في عصره وبَعْدَه، فانتشرَتْ كُتبهُ أيامَ حياتِهِ، وأَقرأَ الكثيرَ منها، وتهادَتها المُلوكُ والأكابِرُ، واعتنى بتحصيلِها كثيرٌ مِنْ شُيوخِه وأقرانهِ.

ومع ذلك فقد قال تلميذُه الحافِظُ السَّخَاوِىُّ: سَمعْتُ ابنَ حَجَرٍ يقولُ: "لسْتُ راضيًا عن شيء من تصانيفي لأني عَمِلْتُها في ابتداء الأمر، ثُمَّ لم يَتهيأْ لي مَنْ يُحرِّرُها معي. سِوى شرحِ البخاري، ومقدِّمتهِ، والمُشتَبِهِ، والتهذيب، ولسانِ الميزان، وأمّا سائرُ المجموعاتِ فهي كثيرةُ العدَدِ واهيةُ العُدَدِ. ضعيفةُ القُوى، ظامِئَةُ الرِّوَى".

وما ذلك إلَّا لِتَواضُعِه، وسَعَةِ بَحْرِهِ ومَعارِفِه المتجدِّدة كما قال أستاذُنا الشيخُ عبدُ الوهاب عبدُ اللطيف رَحِمه الله.

فيا لَلْعَجَبِ مِنْ بعضِ أُناسٍ يَتسوَّرُ أحدُهم مَنْصِبَ الاجتهادِ، فيَقْذِفُ للناس في يوم من الأيام كتابًا أو بحثًا فَجًّا مغلقًا، ثُمَّ لا يَقْبلُ فيه تصويبًا أو تصحيحًا؛ جمودًا على رأي سَبَقَ له، وتعصّبًا لِهوًى سِيقَ له. إنه الفرقُ بين العالِم الكبير الأصيل والدَّعِيِّ اللصيق، وإنه الفرقُ بين الأمانةِ على العِلْمِ والدِّين، والتسوُّرِ على مِنَصَّةِ التمَجْهُدِ والزَّعامة والجاه باسمِ العِلْمِ والدِّين.

وهذه المؤلَّفاتُ التي استحسنَها ورَضِيَها مِنْ كُتبهِ تبلُغُ وحدَها الأربعينَ من المجلَّدات تقريبًا، ناهِيكَ عن مصنَّفاته الأُخرى النَّفيسةِ، مِثْل: "تعجيل المنفعة، والإصابة في تمييز الصحابة -٤ مجلدات-، والدُّرَر الكامِنة في أعيانِ المئة الثامنة -١٠ مجلدات-، والمطالِب العالية بزوائد المسانيد الثمانية -٤ مجلدات-، والتلخيص الحبير بتخريج أحاديثِ

<<  <   >  >>