للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سامِعِه بالاستدلال من جهة جلالةِ رُواتِه وأنَّ فيهم من الصفات اللائِقَةِ الموجِبَةِ للقَبولِ ما يقوم مَقَامَ العددِ الكثيرِ من غيرهم، ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ له أَدْنى ممارسةٍ بالعِلْمِ وأخبارِ الناس أنّ مالكًا مثلًا لو شافَهَهُ بخبرٍ أنه صادِقٌ فيه، فإذا انضافَ إليه مَنْ هو في تلك الدرجةِ ازدادَ قوةً، وبَعُدَ ما يُخْشَى عليه من السَّهْو.

وهذه الأنواعُ (١) التي ذكرناها لا يَحصُلُ العِلْمُ بصدق الخبر منها إلا للعالِمِ بالحديثِ المتبحِّرِ فيه العارفِ بأحوال الرواة، المُطَّلِعِ على العِلَلِ. وكونُ غيره لا يحصلُ له العِلْمُ بصدق ذلك -لقصوره عن الأوصاف المذكورة التي ذكرناها- لا يَنْفي حصولَ العِلْمِ للمتبحِّر المذكور.

ومُحَصَّلُ الأنواعِ الثلاثة التي ذكرناها أنّ:

الأوّلَ: يَختصُّ بالصحيحين.

والثانيَ: بما له طُرُقٌ متعدِّدَةٌ.

والثالثَ: بما رواهُ الأئمَّةُ.

ويمكن اجتماع الثلاثةِ في حديثٍ واحد، ولا يَبْعُدُ حينئذٍ القَطْعُ بصدقِه، واللهُ أعلمُ (٢).

ثُمَّ الغَرَابةُ (٣) إمّا أنْ تكونَ في أصلِ السَّنَدِ: أي في الموضع الذي يدورُ


(١) الأنواع: أي أنواعُ الحديثِ الذي احتَفَّ بالقرائنِ، وسيُعِيدُ المصنِّفُ ذِكْرَها بإيجاز اعتمادًا على ما سبق من الشرح فافهم ذلك.
(٢) جُمِعَتْ كُتُبٌ في الصحيح المتفق عليه بين البخاري ومسلم، ولم يُجمعْ شيءٌ من القسمين الآخرين مع سهولة ذلك، فلعل مَنْ يُطالِعُ كلامَنا هذا يتجه لهذا العمل المهم الحيوي. وبالله العون والتوفيق.
(٣) قوله: "ثم الغرابة": عائد للقسم الرابع الغريب السابق ص ٥٠. وأراد بالغرابة: التفرد. والحديث الغريب هو الذي تفرد به راويه بأيِّ وجه من وجوه التفرد.
وقارن تسوية المصنف الفرد بالغريب مع أفراد القبائل والبلدان في ابن الصلاح:=

<<  <   >  >>