للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجميع ما تقدَّمَ من أقسام المقبول تَحصُلُ فائدةُ تقسيمهِ باعتبارِ مَراتِبهِ عند المعارَضَةِ، واللهُ أعلَمُ.

ثُمَّ المقبولُ ينقسِمُ أيضًا إلى معمولٍ به وغيرِ معمولٍ به، لأنه إنْ سَلِم من المُعارَضَةِ أيْ لم يَأْتِ خبرٌ يُضَادُّهُ فهو المُحْكَم (١)، وأمثلتهُ كثيرة.

وإنْ عُورِضَ فلا يخلو إمّا أنْ يكونَ مُعارِضُه مقبولًا مِثْلَه أو يكونَ مردودًا.

فالثاني لا أَثَرَ له لأنَّ القويَّ لا يُؤثِّرُ فيه مُخالَفَةُ الضعيف.

وإنْ كانَتْ المعارَضَةُ بِمثلِه فلا يخلو إمّا أنْ يُمْكِنَ الجَمْعُ بين مدلولَيْهِما بغَيْرِ تَعَسُّفٍ أو لا، فإنْ أَمْكَنَ الجَمْعُ فهو النوعُ المُسَمَّى مُختَلِفَ الحديث (٢).

ومَثّلَ له ابنُ الصلاح (٣) بحديث: "لا عَدْوَى ولا طِيَرَة"، مع حديث: "فِرَّ مِنَ المَجْذُوم فِرارَكَ مِنَ الأسد" وكلاهُما في الصحيح وظاهرُهما التعارض.

ووَجْهُ الجَمْعِ بينهما: أنّ هذه الأمراضَ لا تُعْدِي بطبعها لكنّ الله سبحانَه وتعالى جعلَ مُخالَطَةَ المريضِ بها لِلصحيحِ سببًا لإعدائه مَرَضه،


(١) المُحْكَم: الحديث الذي لا يعارضه خبرٌ ولا دليل آخر.
وقد أفرده الحاكِمُ نوعًا في معرفة علوم الحديث: ١٢٩ - ١٣٠.
(٢) ويُسمَّى أيضًا مُشْكِل الحديث. وهو: ما تعارض ظاهِرُه مع القواعدِ فأَوْهَمَ معنًى باطلًا، أو تعارض مع نصٍّ شرعي آخر. وانظر ص ٩٩.
(٣) علوم الحديث: ٢٨٥. وحديث "لا عدوى" متفق عليه: البخاري في الطب: ٧: ١٣٨ و ١٣٩ ومسلم في السلام: ٧: ٣٠ - ٣٤ وحديث: "فِرّ من المجذوم" في البخاري: ٧: ١٢٦ ضمن حديث "لا عدوى" بلفظ "كما تَفِرُّ".

<<  <   >  >>