للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَا ... دِ فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ

وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْ ... تَ فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ

وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى ... لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ

فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ ... شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ

وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَ ... رَّ مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ

فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ ... قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ

صَلَوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِي ... مُ وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ

[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تُلْقِي الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي الْقُلُوبِ]

فَصْلٌ

الْمَعَاصِي تُلْقِي الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي الْقُلُوبِ

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا مَا يُلْقِيهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ فِي قَلْبِ الْعَاصِي، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا خَائِفًا مَرْعُوبًا.

فَإِنَّ الطَّاعَةَ حِصْنُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مِنَ الْآمِنِينَ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَخَاوِفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ انْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ أَمَانًا، وَمَنْ عَصَاهُ انْقَلَبَتْ مَآمِنُهُ مَخَاوِفَ، فَلَا تَجِدُ الْعَاصِيَ إِلَّا وَقَلْبُهُ كَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْ طَائِرٍ، إِنْ حَرَّكَتِ الرِّيحُ الْبَابَ قَالَ: جَاءَ الطَّلَبُ، وَإِنْ سَمِعَ وَقْعَ قَدَمٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ نَذِيرًا بِالْعَطَبِ، يَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِ، وَكُلَّ مَكْرُوهٍ قَاصِدٌ إِلَيْهِ، فَمَنْ خَافَ اللَّهَ آمَنَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ:

بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا ... أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَجْرَامَ فِي قَرَنِ

الْمَعَاصِي تُوقِعُ فِي الْوَحْشَةِ

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا أَنَّهَا تُوقِعُ الْوَحْشَةَ الْعَظِيمَةَ فِي الْقَلْبِ فَيَجِدُ الْمُذْنِبُ نَفْسَهُ مُسْتَوْحِشًا، قَدْ وَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَبَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ اشْتَدَّتِ الْوَحْشَةُ، وَأَمَرُّ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَوْحِشِينَ الْخَائِفِينَ، وَأَطْيَبُ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَأْنِسِينَ، فَلَوْ نَظَرَ الْعَاقِلُ وَوَازَنَ لَذَّةَ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوقِعُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ، لَعَلِمَ سُوءَ حَالِهِ، وَعَظِيمَ غَبْنِهِ، إِذْ بَاعَ أُنْسَ الطَّاعَةِ وَأَمْنَهَا وَحَلَاوَتَهَا بِوَحْشَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوجِبُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالضَّرَرِ الدَّاعِي لَهُ.

كَمَا قِيلَ:

فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ ... فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ

<<  <   >  >>