للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[من فوائد الترحال التنقل إلى البلدان والأقطار]

يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته: "الرحلة في طلب العلم، ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم"١.

ولعل في هذه العبارة الموجزة ما يفيد أن الرحلة تزيد في المعارف، ومنها تكتسب الأخلاق، وتنتحل المذاهب والآراء إما علماً وتعليماً، وإما محاكاة وتلقيناً، ولعل أقوى مثال في ذلك ما وافانا به الإمام الشافعي في رحلته من العراق إلى مصر من مذهب جديد يختلف في مسائل جوهرية كثيرة عن مذهبه القديم؛ فالرحلة لا بد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ، وتكوين الشخصية العلمية المستقلة التي يمكن أن تتجدد وتبتكر في إطار الهدف المنشود، والغرض المقصود.

كما أن من أسمى غايات الرحلة نشر العلم فليس الغرض منها الاستفادة من الغير فحسب، وإنما إفادة الغير أيضاً فيعلم من يلقاهم مما أفاض الله عليهم من الفن الذي تخصص فيه فتعظم مكانته بينهم، ويكثر الانتفاع بحكمته، بل إن أحدهم ليستصغر البلد الذي ينزل فيه على علمه فيرحل إلى بلد يسعه علمه الغزير؛ كما فعل العز بن عبد السلام فرحل من الشام إلى مصر.

وقد تكون الرحلة للالتقاء بأحد الصالحين الذين ذاع صيتهم وانتشر في الآفاق كرحيل موسى إلى الخضر، ولا يفوتنا في هذا المقام مالك بن أنس إمام دار الهجرة التي كانت تضرب إليه أكباد الإبل بالمدينة المنورة للتلمذة على يديه وعلى رأسهم الشافعي بن إدريس المطلبي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أن من فوائد الرحلة كسب صداقات جديدة قائمة على تبادل الخبرات والثقافات؛ كالتقاء الشافعي بابن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة بالعراق.

ومن آداب الترحال تزود المترحل من علماء بلده قبل أن يخرج إلى بلد غير بلده، فإذا فرغ من التلقي من علماء بلده سلك السبيل إلى غيرهم في الآفاق.

كما أن من آدابها اختيار الأماكن، واستشارة علماء بلده في هذه الأماكن قبل الرحيل إليها والتعرف على الفضلاء من علمائها.

وألا يكون عاصياً بالسفر٢ إلى هذه البلاد فإن البلاد فإن ذلك مما يحرم عليه الرخص، التي أباح الله له من قصر الصلاة وجمعها والفطر بدلاً من الصوم وغير ذلك.


١ "مقدمة ابن خلدون" ص ٦٣٢.
٢ لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، هذا عند الشافعي، بل يرى الأحناف ومن وافقهم إباحة الترخص له، ولكن عند الشافعي نقول للعاصي: تب وارجع إلى ربك ثم ترخص.

<<  <  ج: ص:  >  >>