للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم ويعظمهم ويحسن

إليهم، وكان عادلاً كثير الإحسان إلى رعيته والرفق بهم، كثير المعروف، كثير الغزوات،

ملازماً للجهاد، وفتوحه مشهورة، وفيه ما يستدل على بذل نفسه لله تعالى واهتمامه

بالجهاد، ولم يكن فيه ما يعاب إلا أنه كان يتوصل إلى أخذ الأموال بكل طريق، وكان جدد

عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى والرشيد وأحسن عمارته، وكان أبوه

سبكتكين خربه، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره فمنعهم عن ذلك.

وكان ربعة، مليح اللون، حسن الوجه، صغير العينين، أحمر الشعر، وكان مرضه سوء

مزاج وإسهالاً، وبقي كذلك سنتين، وكان قوي النفس لم يضع جنبه في مرضه بل كان يستند

إلى مخدة، فأشار عليه الأطباء بالراحة، وكان يجلس للناس بكرة وعشية فقال: أتريدون أن

أعتزل الإمارة؟ فلم يزل كذلك حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه قاعداً، وكان ذلك في

الحادي عشر من صفر، وقيل ربيع الثاني سنة إحدى وعشرين وأربع مائة بغزنة، كما في

الكامل.

[شهاب الدين مسعود بن محمود الغزنوي]

الملك الفاضل المؤيد شهاب الدين جمال الملة أبو سعد مسعود بن محمود بن سبكتكين

الغازي الغزنوي السلطان المشهور، تنبل في أيام أبيه، وفتح بلاد طبرستان، وبلد الجبل

وأصفهان وغيرها، وقلده الإمام القادر بالله خراسان ولقبه الناصر لدين الله وخلع عليه

وطوقه سواراً كلها في حياة والده، وكان بأصفهان حين توفي والده بغزنة، وقام بالأمر بعده

ولده محمد بوصيته واجتمعت عليه الكلمة، فلما بلغه الخبر سار إلى خراسان، وكتب إلى

أخيه محمد أنه لا يريد من البلاد التي وصلى له أبوه بها شيئاً وأنه يكتفي بما فتحه من بلاد

طبرستان وغيرها ويطلب منه الموافقة وأن يقدمه في الخطبة على نفسه، فأجابه محمد

جواب مغالط، وكان محمد هذا سيىء التدبير منهمكاً في لذاته، فسار إلى أخيه مسعود

محارباً له، وكان بعض عساكره يميل إلى مسعود لكبره وشجاعته ولأنه قد اعتاد التقدم على

الجيوش وفتح البلاد، واستقر الملك لمسعود، وفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة سير

عسكراً إلى التيز ومكران فملكها وما جاورها، وفي تلك السنة سير عساكره إلى كرمان

فملكوها، وفي تلك السنة عصى نائبه في أرض الهند ارياق الحاجب، فاستقدمه إلى

معسكره ببلخ، واحتال لقدومه إليه فأمنه أحمد بن الحسن المهمندي الوزير، وتلقاه مسعود

بالرحب والإكرام وأوقعه في اللذات والخمور، فلما غفل عن المكيدة قبض عليه وولى على

بلاد الهند أحمد نيالتكين الحاجب، وفي سنة خمس وعشرين وأرع مائة عصى نائبه أحمد

نيالتكين ببلاد الهند، فسير إليه جيشاً كثيفاً، فقتل بقصة شرحتها في ترجمة أحمد، وولي

ولده الأمير مجدوداً على بلاد الهند، وفي سنة ست وعشرين أجلى الغزو وهزمهم، وسار

إلى جرجان فاستولى عليها وملكها، وفي سنة ثلاثين وأربع مائة سار نحو خراسان وجرى

له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها، وفتح بعض قلاعها سنة إحدى وثلاثين وأربع

مائة، وعاد إلى غزنة وسير ولده مودوداً إلى خراسان في جيش كثيف ليمنع السلجوقية

عنها.

وسار مسعود بعدهم بسبعة أيام يريد بلاد الهند ليشتو بها على عادة والده، فلما سار

أخذ أخاه محمداً مسمولاً واستصحب الخزائن، وكان عازماً على الاستنجاد بالهند على

قتال السلجوقية، فلما عبر سيحون وعبر بعض الخزائن اجتمع انوشتكين وجمع من الغلمان

ونهبوا ما تخلف من الخزانة وأقاموا أخاه محمداً وسلموا عليه بالامارة، وبقي مسعود من

معه من العسكر وحفظ نفسه، فالتقى الجمعان واقتتلوا وعظم الخطب على الطائفتين.

ثم انهزم عسكر مسعود وتحصن في رباط ماريكله،

<<  <  ج: ص:  >  >>