للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضورك والمقصود

من هذا أن تستقر أمور الناس، فحضر عنده فركب الناس في خدمته وعليه ثياب الحزن

وجلس في الدار في غير مجلس كان يجلس فيه شهاب الدين، فتغيرت لذلك نيات كثير من

الأتراك لأنهم كانوا يطيعونه ظناً منهم أنه يريد الملك لغياث الدين، وكتب غياث الدين إلى

الدز يطلب منه الخطبة والسكة وسير له الخلع فلم يفعل وأعاد الجواب فغالطه وطلب منه

أن يخاطبه بالملك وأن يعتقه من الرق لأن غياث الدين ابن أخ سيده لا وارث له سواه وأن

يزوج ابنه بابنة الدز فلم يجبه إلى ذلك.

واتفق أن جماعة من الغوربين من عسكر صاحب باميان أغاروا على أعمال كرمان

وسوران وهي أقطاع الدز القديمة فغنموا فأرسل صهره صونج في عسكر فلقوا عسكر

الباميان فظفر بهم وقتل منهم كثيراً، وأجرى الدز في غزنة رسوم شهاب الدين وفرق في

أهلها أموالاً جليلة المقدار، وألزم مؤيد الملك بن خواجه السجستاني الذي كان وزيراً

لشهاب الدين أن يكون وزيراً له فامتنع من ذلك فألح عليه فأجابه على كره منه فدخل على

مؤيد الملك صديق له يهنئه فقال: بماذا تهنئني من بعد ركوب الجواد بالحمار! وأنشد:

ومن ركب الثور بعد الجوا د أنكر اطلاقه والغبب

بينا الدز يأتي إلى بابي ألف مرة حتى آذن له في الدخول أصبح على بابه-! ولولا حفظ

النفس مع هؤلاء الأتراك لكان لي حلم آخر، فبينما الدز في هذا أتى الخبر بقرب صاحب

باميان في العساكر الكثيرة فجهز الدز كثيراً من عسكره وسيرهم إلى طريقهم ولقوا أوائل

العسكر فقتل من الأتراك وأدركهم العسكر فلم يكن لهم قوة بهم فانهزموا ووصلوا إلى

غزنة، فخرج عنها الدز منهزماً يطلب بلدة كرمان فأدركه بعض عسكر باميان فقاتلهم قتالاً

شديداً فردهم عنه وأحضر من كرمان مالاً كثيراً وسلاحاً ففرقه في العسكر، وسار عن

كرمان وملك صاحب باميان كرمان وغزنة ونهبها، ثم جمع الدز ومن معه من الأتراك

عسكراً كثيراً وعادوا إلى غزنة ونزلوا بإزاء قلعة غزنة وأمر الدز فنودي في البلد بالأمان

وتسكين الناس من أهل البلد.

وملك القلعة بعد زمان وأسر صاحب باميان وكتب إلى غياث الدين بالفتح وأرسل إليه

الأعلام وبعض الأسرى فكتب إليه غياث الدين يطالبه بالخطبة له فأجابه في هذه المرة أشد

منه فيما تقدم، فأعاد غياث الدين إليه يقول: إما أن تخطب لنا وإما أن تعرفنا ما في

نفسك! فلما وصل الرسول بهذا أحضر خطيب غزنة وأمره أن يخطب لنفسه بعد الترحم

على شهاب الدين، فخطب لتاج الدين الدز بغزنة، فلما سمع الناس ذلك ساءهم وتغيرت

نياتهم ونيات الأتراك الذين معه ولم يروه أهلاً أن يخدموه، وإنما كانوا يطيعونه ظناً منهم أنه

ينصر دولة غياث الدين، فلما خطب لنفسه أرسل إلى غياث الدين يقول له: بماذا تشتط

علي وتتحكم؟ هذه الخزانة نحن جمعناها بأسيافنا وهذا الملك قد أخذته وأنت وعدتني

بأمور لم تف بها فإن أنت أعتقتني خطبت لك وحضرت خدمتك، فلما وصل الرسول أجابه

غياث الدين إلى عتق الدز بعد الامتناع الشديد وأرسل إليه ألف قباء وألف قلنسوة

ومناطق الذهب وسيوفاً كثيرة وجتر ومائة رأس من الخيل فقبل الدز الخلع ورد الجتر وقال:

نحن عبيد ومماليك والجتر له أصحاب.

ثم إنه لما سمع أن غياث الدين يريد أن يصالح خوارزم شاه جزع لذلك جزعاً عظيماً،

وسار إلى تكياباد فأخذها وإلى بست وتلك الأعمال فملكها وقطع خطبة غياث الدين

منها، وقتل غياث الدين محمود سنة أربع وستمائة قتله خوارزم شاه وملك خوارزم شاه

غزنة وأعمالها سنة اثنتي عشرة وستمائة وهرب الدز إلى لاهور فلقيه صاحبها ناصر الدين

قباجه ومعه نحو خمسة عشر ألف فارس وكان قد بقي مع الدز نحو ألف وخمسمائة فارس

فوقع بينهما مصاف واقتتلوا فانهزمت ميمنة

<<  <  ج: ص:  >  >>