للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروا في جسورها وحافاتها، والزرع من بين الجبلين من أولها إلى آخرها وذلك قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} (الدخان٢٧: ٢٥) والمقام الكريم المنابر، وكان بها ألف منبر. وقال عبد الله بن عمر: استعمل فرعون هامان على حفر خليج سردوس، فأخذ في حفره وتدبيره فجعل أهل القرى يسألونه أن يجري الخليج تحت قريتهم ويعطوه مالاً، وكان يذهب به من قرية إلى قرية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى القبلة، ويسوقه كيف أراد وإلى حيث قصد، فليس بمصر خليج أكثر عطوفاً منه، فاجتمع له من ذلك أموال عظيمة جزيلة، فحملها إلى فرعون وأخبره الخبر فقال له فرعون: إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ويفيض عليهم من خزائنه وذخائره ولا يرغب فيما في أيديهم، رد على أهل القرى ما أخذت منهم، فرد عليهم أموالهم. فهذه سيرة من لا يعرف الله ولا يرجو لقاءه ولا يخاف عذابه ولا يؤمن بيوم الحساب، فكيف تكون سيرة من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويوقن بالحساب والثواب والعقاب؟ وقال ابن عباس في قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: ٥٥)

قال: هي خزائن مصر، وكانت أربعين فرسخا في مثلها، ولم يطع يوسف فرعون ويخلفه وينوب عنه إلا بعد أن دعاه إلى الإسلام فأسلم، فحينئذ قال: اجعلني على خزائن الأرض. ولما استوثق أمر مصر ليوسف الصديق عليه السلام وكمل، وصارت الأشياء إليه وأراد ربك أن يغوضه على صبره لما لم يرتكب محارمه، وجاءت سنو الغلاء والجوع مات العزيز وذهبت الذخائر، وافتقرت زليخا وعمي بصرها وجعلت تتكفف الناس فقيل لها: لو تعرضت للملك لعله يرحمك ويغنيك، فطالما حفظتيه وأكرمتيه! ثم قيل لها: لا تفعلي لأنه ربما يتذكر منك ما كان منك إليه من المراودة والحبس، فيسيئ إليك ويكافئك على ما كان منك إليه. فقالت: أنا أعلم بحمله وكرمه وجلست له على رابية في طريقه يوم خروجه، وكان يركب في زهاء مائة ألف من عظماء قومه وأهل مملكته.

فلما أحست به قامت ونادت: سبحان من جعل الملوك عبيدا بمعصيتهم وجعل العبيد ملوكا بطاعتهم! فقال يوسف: ومن أنت؟ قالت: أنا التي كنت أخدمك على صدور قدمي وأرجل جمتك بيدي واكرم مثواك بجهدي، وكان مني ما كان وذقت وبال أمري وذهبت قوتي وتلف مالي، وفني عمري وعمي بصري وصرت أسأل وأتكفف، فمنهم من يرحمني ومنهم من لا يرحمني، بعد أن كنت مغبوطة أهل مصر كلها صرت مرحومتهم بل محرومتهم، هذا جزاء المفسدين! فبكى يوسف عليه السلام بكاء شديداً وقال لها: هل بقي في قلبك من حب شيء؟ فقالت: والذي اتخذ إبراهيم خليلاً لنظرة إليك أحب إلي من ملء الأرض ذهبا وفضة! فمضى يوسف وأرسل إليها رسولاً وقال لها: إن كنت أيما تزوجناك وإن كنت ذات بعل أغنيناك فقالت لرسول الملك: أنا أعرف أنه يستهزئ بي، هو لم يردني أيام شبابي وجمالي فكيف يقبلني وأنا عجوز عمياء فقيرة؟ فأمر بها يوسف عليه السلام فجهزت فتزوجها، وأدخلت عليه فصف يوسف قدميه وقام يصلي ودعا الله باسمه الأعظم، فرد الله تعالى عليها شبابها وجمالها وبصرها كهيئتها يوم راودته، فواقعها فإذا هي بكر فولدت له إفراثيم بن يوسف وميشا بن يوسف، وطاب في الإسلام عيشهما حتى فرق الدهر بينهما. فيجب للقوي أن ينسى الضعيف وللغني أن لا ينسى الفقير، فرب مطلوب يصير طالباً ومرغوب يصير راغباً، ومسؤول يصير

<<  <   >  >>