للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عيالي؟ قال: يفرض لك بالمعروف. قال: فأنفق في سنتين وبعض أخرى ثمانية آلاف درهم ووصى أن ترد من ماله في بيت المال. وروى هذه القصة الحسن البصرى قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال: انظروا كم أنفقت من مال الله فوجدوه قد أنفق في سنتين ونصف ثمانية آلاف درهم. قال: أقضوها عني. فقضوها عنه ثم قال: يا معشر المسلمين، إنه قد حضر من قضاء الله ما ترون ولا بد لكم من رجل يلي أمركم ويصلي بكم ويقاتل عدوكم، فإن شئتم اجتمعتم وائتمرتم وإن شئتم اجتهدت لكم، فوالله الذي لا إله إلا هو ما آلوكم ونفسي خيراً! فبكوا وقالوا: أنت خيرنا وأعلمنا فاختر لنا. فقال: إني قد اخترت لكم عمر.

ويروي مالك هذه القصة على غير هذا الوجه قال: بلغني أن أبا بكر لما ولي لم ينفق من مال الله تعالى شيئاً قال: وغدا يوماً إلى بني عمرو بن عوف، وكانت له هناك امرأة من الأنصار في جمال يريد بيعها، فلقيه بعض المسلمين فقال له: ما تصنع هذا يشغلك عن المسلمين وعن النظر في أمورهم؟ قال: فكيف أصنع؟ قال: تتفرغ للنظر في أمورهم وتنفق من هذا المال. قال: فباع تلك الإبل وغيرها من ماله إلا الأرض، ثم طرحه في بيت المال وكان ينفق من المال على نفسه وعلى عياله، ثم كان عمر على مثل ذلك ثم ولي عمر بن عبد العزيز فلم ينفق منه، فقيل له: قد صنع أبو بكر وعمر ما قد علمت. قال: أجل ولكني أخذت من هذا المال فإن يكن لي فيه حق فقد استوفيت وزدت، ولولا ذلك لفعلت. قال ابن القاسم: قلت لما لك: فأين قولهم عن عمر أنه رد ثمانين ألفاً؟ قال: كذبوا! إنما يقول ذلك أعداء الله، هم لم يجز لولده سلف أبي موسى الأشعري إياه حتى أخذ منه نصفه، فكيف يأخذ من مال الله ثمانين ألفاً؟ ولما توفي أبو بكر استرجع علي بن أبي طالب، وجاء مسرعاً باكياً وقال: رحمك الله يا أبا بكر! كنت والله أول القوم إسلاماً وأكملهم إماناً، وأشدهم يقينا وأخوفهم لله تعالى، وأحفظهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشبههم به هدياً وخلقاً وسمتا وفضلاً، وأكرمهم عليه وأرفعهم عنده فجزاك الله عن الإسلام خيراً! صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس، فسماك الله في كتابه صديقاً فقال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: ٣٣)

وآنسته حين تخلفوا وقمت معه حين قعدوا، وصحبته في الشدة حين تفرقوا أكرم الصحبة ثاني اثنين وصاحبه في الغار، ورفيقه في الهجرة والمنزل عليه السكينة وخليفته في أمته بأحسن الخلافة، فقويت حين ضعف أصحابك وبرزت حين استكانوا، وقمت بالأمر حين فشلوا ومضيت بقوة إذ وقفوا، كنت أطولهم صمتاً وأبلغهم قولاً وأشجعهم قلباً، وأشدهم يقيناً وأحسنهم عملاً، كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر دينك، متواضعاً في نفسك عظيماً عند ربك، محبوباً إلى أهل السماوات والأرض، فجزاك الله عنا وعن الإسلام خيراً.

وقال عمر بن الخطاب: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً! وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إني أنزلت نفسي من مال الله سبحانه بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت إستعففت وإن افترقت أكلت بالمعروف. وفي رواية أخرى: إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته. وفي رواية أخرى: أخبركم بما أستحل من مال الله، وما قال يحل لي، أستحل منه حلتين حلة الشتاء وحلة للقيظ، وما أحج عليه واعتمر وقوتي وقوت عيالي كقوت رجل من قريش لا من أغنيائهم ولا من فقرائهم، ثم أنا بعد ذلك رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم. وقال أنس بن مالك: غلا الطعام على عهد عمر

<<  <   >  >>