للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى أن يونس عليه الصلاة والسلام لما نبذ بالعراء وأنبت الله عليه شجرة من يقطين كان يأوي إلى ظلها، فيبست فبكى فأوحى الله تعالى إليه: أتبكي على شجرة فقدتها ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟ وقيل لابن السماك الأسدي أيام معاوية رضي الله عنه: كيف تركت الناس؟ قال: بين مظلوم لا ينتصف وظالم لا ينتهي.

وقال بعض الحكماء: أفقر الناس أكثرهم كسباً من حرام، لأنه استدان بالظلم ما لا بد من رده. وقال رجل: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فذكر الحجاج فشتمته ووقعت فيه، فقال عمر رضي الله عنه: إن الرجل ليظلم بالمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم ويسبه حتى يستوفي حقه، فيكون للظالم الفضل عليه. وقال عمرو بن دينار: نادى رجل في بني إسرائيل: من رآني فلا يظلمن أحداً فإذا رجل قد ذهب ذراعه من عضده وهو يبكي ويقول: من رآني فلا يظلمن أحداً. فسئل عن حاله فقال: بينما أنا أسير على شاطئ البحر في بعض سواحل الشام إذ مررت بنبطي قد اصطاد سبعة أنوان، فأخذت منه نوناً وهو كاره بعد أن ضربت رأسه، فعض النون إبهامي عضة شديدة ثم أكلناه فوقعت الأكلة في إبهامي، فاتفقت الأطباء على قطعها فقطعتها فوقعت في كفي ثم ساعدي ثم عضدي، فمن رآني لا يظلمن أحداً.

فخرجت أسيح في البلاد وأنا أريد قطع عضدي إذ رفعت لي شجرة فأويت إلى ظلها فنعست، فقيل لي في المنام: لأي شيء تقطع عضدك؟ رد الحق إلى أهله. فجئت إلى الصياد فقلت له: يا عبد الله أنا مملوك فأعتقني! فقال: ما أعرفك. فأخبرته فبكى وتضرع وقال: أنت في حل! فلما قالها تناثر الدود من عضدي وسكن الوجع فقلت له: بماذا دعوت علي. فقال: لما ضربت رأسي وأخذت السمكة نظرت إلى السماء وبكيت وقلت: يا رب اشهد أنك عدل تحب العدل وهذا عدل منك، وإنك الحق تحب الحق وخلقتني وخلقته وجعلته قوياً وجعلتني ضعيفاً، فأسألك بالذي خلقتني وخلقته أنتجعله عبرة لخلقك. وقال معاوية: إن أولى الناس بالعفو أقدرهم على الانتقام، وإن أنقص الناس عقلاً من ظلم من دونه.

وقال بعض الحكماء: الظلم على ثلاثة أوجه: ظلم لا يغفره الله عز وجل، وظلم لا يتركه الله تعالى، وظلم لا يعبأ الله سبحانه وتعالى به شيئاً فأما الظلم الذي لا يغفره الله تعالى فهو الشرك به، وأما الظلم الذي لا يتركه الله تعالى فمظالم العباد بعضهم بعضاً، وأما الظلم الذي لا يعبأ به فظلم العبد بينه وبين الله تعالى. وقال ميمون بن مهران: من ظلم رجلاً مظلمة ففاته أن يخرج منها فاستغفر الله دبر كل صلاة له رجوت أن يخرج من مظلمته. وقال يوسف بن أسباط: توفي رجل من الحواريين فوجدوا عليه وجداً شديداً وشكوا ذلك إلى المسيح عليه السلام، فوقف على قبره ودعا فأحياه الله تعالى وفي رجليه نعلان من نار، فسأله عيسى عليه السلام عن ذلك فقال: والله ما عصيت قط إلا أني مررت بمظلوم فلم أنصره فتنعلت هاتين النعلين! وأنا أوصيك إذا فعلت بأحد مكروهاً فادع الله تعالى له واستغفر له كما فعل موسى عليه السلام لما آذى هارون عليه السلام وأخذ برأسه ولحيته، ثم تبين له براءته وأن بني إسرائيل غلبوه عليه وعلى عبادة العجل، فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأعراف: ١٥١)

. وروي أن قوم لوط عليه السلام كانت فيهم عشر خصال فأهلكهم الله عز وجل بها: كانوا يتغوطون في الطرقات وتحت الأشجار المثمرة وفي المياه الجارية وفي شواطئ الأنهار، وكانوا يحذفون الناس بالحصى فيعورونهم، وإذا اجتمعوا في المجالس أظهروا المنكر بإخراج الريح منهم، وكانوا يرفعون ثيابهم قبل أن يتغوطون، ويأتون بالطامة الكبرى

<<  <   >  >>