للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المخامل. إذا أنا بابن مالك المجذوب جالس قد نكس رأسه كالمغشى عليه فوقفت على رأسه فقلت يا ابن أبي مالك! فانتبه فزعاً. فقال ما تشاء؟ قلت أي شيء أعجب معنى؟ قال لو قلت من أي النساء لقلت بيضاء شقراء مجدولة شهلاء. ولو قلت أي الرجال أعجب إليك؟ لقلت أصحهم جواباً وأحسنهم مسألة. فغير مسألتي إياه. ومدح إجابته إياي. قال فلما وليت سمعته يقول انظروا إلى ابن ادريس.

أبا خالد لا زلت سبّاح غمرة ... صغيراً فلما شبت خيمت بالشاطي

كسنور عبد الله بيع بدرهم ... صغيراً فلما شبّ بيع بقيراط!

قال فقبعت رأسي ودخلت في أضعاف الناس. ولم أعد بعدها إلى مسألته. قال ابن ادريس مررت ذات يوم جمعة بابن أبي مالك فقلت له متى تقوم الساعة؟ قال: ما المسؤول فيها باعلم من السائل. غير إن من مات فقد قامت قيامته. والموت أول عدل الآخرة. فقلت له المصلوب يعذب؟ قال إن كان مستحقاً فروحه يعذب. وما أدري لعل البدن في عذاب من عذاب الله. لا تدركه عقولنا. ولا أبصارنا. فإن الله سبحانه لطفاً لا يدرك. وكان جالساً في موضع رماد ومعه قطعة جص يخط بها فيستبين بياض الجص في سواد الرماد. فقلت له يا ابن أبي مالك! ايش تصنع؟ قال ما كان يصنع صاحبنا. قلت ومن صاحبكم؟ قال مجنون بني عامر. قلت وما كان يصنع؟ قال أسمعه يقول:

ومالي بها من حيلة غير انني ... بلقط الحصى والخط في الدار مولع

قلت ما سمعته فضحك وقال أما سمعت قول الله سبحانه؟ " ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل " فهل رأيته؟ هذا يا ابن ادريس كلام العرب. قال ومر بي وأنا في المسجد فصحت به ليعطف فقال:

أقبل عليّ ان أنت بين يدي ... فأنت بين يدي رب العالمين

قال ابن أويس فأفزعني والله.

<<  <   >  >>