للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فتوى رقم (٩٤)]

السؤال

توجد شركات تدعى شركات التأمين على الحرائق وظيفتها أن تقبل من صاحب الملك مبلغا معينا يدفعه إليها كل سنة وفي نظير ذلك تضمن له دفع قيمة ما عساه يلحق الملك المؤمن عليه من أضرار الحريق إذا حصل وقد اعتاد كثير من أرباب الأملاك التأمين على عقاراتهم لدى هذه الشركات فهل مثل هذا العمل يعد مطابقا لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء أم لا؟ وهل يجوز لناظر الوقف أن يؤمن على أعيان الوقف التي يخشى عليها من خطر الحريق بهذه الكيفية أم لا؟

الجواب

اطلعنا على هذا السؤال - ونفيد: أن عمل شركات التأمين على الوجه المذكور في السؤال غير مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ولا يجوز لأحد سواء كان ناظر وقف أو غيره أن يعمله وذلك لما هو مقرر شرعا أن ضمان الأموال إما أن يكون بطريق الكفالة أو بطريق التعدي أو الإتلاف وهذا العمل ليس عقد كفالة قطعا لأن شرط عقد الكفالة أن يكون المكفول به دينا صحيحا لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء أو عينا مضمونة بنفسها بأن يجب على المكفول عنه تسليمها للمكفول له فإن هلكت ضمن المكفول عنه للمكفول له مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت قيمية وذلك كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم عمد كما صرح بذلك في جميع كتب المذاهب المعتبرة كالبدائع وغيرها وعلى ذلك لابد في عقد الكفالة من كفيل يجب عليه الضمان ومن مكفول له يجب تسليم المال المضمون إليه ومكفول عنه يجب عليه إحالة تسليم المال المكفول به ومن مكفول به وهو المال الذي يجب تسليمه للمكفول له وبدون ذلك لا يتحقق عقد الكفالة ولا يوجد شيء مما ذكرناه في عقد الكفالة في عمل شركات التأمين المذكورة بالسؤال فالكفالة لا تنطبق عليه بلا شبهة لأن المال الذي جعله صاحبه في ضمان الشركة لم يخرج عن يده ولا يجب عليه تسليمه لأحد غيره فلم يكن دينا يجب عليه أداؤه ولا عينا مضمونة عليه بنفسها كما أن المال المذكور لم يدخل في ضمان الشركة لأنه لم يكن دينا عليها ولا عينا مضمونة عليها بنفسها فتبين أن العمل المذكور ليس ضمان تعد ولا ضمان إتلاف لأن أهل الشركة لم يتعد واحد منهم على المال المؤمن عليه ولم يتلفه ولم يتعرض له بأدنى ضرر بل إن هلك المال المؤمن عليه فإما أن يهلك بالقضاء والقدر أو باعتداء متعد آخر أو إتلاف متلف آخر فلا وجه حينئذ لدخول المال المؤمن عليه في ضمان الشركة ولا لأخذ الشركة ما تأخذه في نظير ذلك ولا يجوز أيضا أن يكون العقد المذكور عقد مضاربة لأن عقد المضاربة يلزم فيه أن يكون المال من جانب رب المال والعمل من جانب المضارب والربح على ما شرطا - لأن أهل الشركة إنما يأخذون المبالغ التي يأخذونها في نظير ضمان ما عساه أن يلحق الملك المؤمن عليه من أضرار الحريق ونحوه لأنفسهم ويعملون في تلك المبالغ لأنفسهم لا لأربابها ومن هذا الذي فصلناه يتبين جليا أن العمل المذكور بالسؤال ليس مطابقا لأحكام الشريعة الإسلامية بل هو عقد فاسد شرعا لا يجوز شرعا الإقدام عليه سواء كان العقار المؤمن عليه ملكا أو وقفا فلا يجوز لناظر الوقف أن يقدم على هذا العمل بحال من الأحوال لأن هذا العمل معلق على خطر وهو ما عساه أن يلحق العقار المؤمن عليه من الضرر وتارة هذا الضرر وتارة لا يقع فيكون هذا العمل قمارا معنى يحرم الإقدام عليه شرعا

<<  <   >  >>